مكارم الأخلاق (خلق إحسان الظن)

عبد العزيز بن عبد الله السويدان

2022-10-05 - 1444/03/09
عناصر الخطبة
1/ تطهير الأخلاق من أسباب نزول القرآن 2/ فضل حسن الخلق 3/ إحسان الظن خلق عزيز 4/ الظن قسمان 5/ كل بني آدم خطاء 6/ إساءة الظن في أهل الإساءة 7/ وسائل الاتصال الحديثة تنشر سوء الظن 8/ ثمرات إحسان الظن بالمسلمين

اقتباس

هذه هي النفسية التي يريدها الإسلام، فالذي عرف عنه الخير قد يخطئ يومًا ما كما هي طبيعة ابن آدم، فكل ابن آدم خطاء، وهذا ما جاء في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، هفوة هنا أو هناك، حصلت هفوة من حاطب بن أبي بلتعة -رضي الله عنه- وهو من أهل بدر، حصلت هفوة من الخباب -رضي الله عنه-، وحصلت هفوة من أبي لبابة وغيرهم، وكلهم كرام من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، فما دونهم بالهفوات أولى، ولا يظن بهم إلا الخير.

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].

 

أما بعد:

 

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

إن من أخصّ أسباب نزول القرآن بعد التوحيد تطهير الأخلاق، في مجمع الزوائد من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، مكارم جمع مكرمة، خصلة يستحق الشخص بها أن يكون كريمًا.

 

الأخلاق لم تزل في نقص حتى بُعث النبي -صلى الله عليه وسلم- ليتممها، فهي من مهام النبي الرئيسة التي بعث من أجلها -صلى الله عليه وسلم-، ولكن كثيرًا من الناس لا ينظرون للأخلاق نظرة دينية شرعية، وإنما ينظرون إليها بمنظور أدبي حضاري، وهو خطأ مشهور، فكثير من الناس يحتسب عند الله بالصلاة وفي الصيام وفي الصيام، فيستحضر الأجر ويرجو الله تعالى، لكنه ينسى أن يحتسب في عبادة من أسمى العبادات "عبادة حسن الخلق".

 

في سنن أبي داود بإسناد صحيح من حديث عائشة -رضي الله عنها- قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم".

 

بل هي من العبادات التي أهلُها من أحب الناس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من أحبهم إليه يوم القيامة وأقربهم منه مجلسًا، جاء في صحيح الترغيب من حديث جابر أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا".

 

الحديث اليوم -أيها الإخوة- عن خلق مهم وعزيز في هذا الزمن، إنه خلق "إحسان الظن"؛ قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) [الحجرات:12].

 

قال: (اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ)، ولم يقل: اجتنبوا الظن كله؛ لأن الظن واقع لا محالة، إلا أن كثرة الظن توشك أن تسقط صاحبها في الإثم، فالمؤمن عليه أن يقلل من الظن، ألا يؤدي إلى التهمة والتخوف للأهل أو للأقارب أو للعاملين أو لبقية الناس، فإنه إذا أكثر من الظن سقط في بعض الإثم ولابد: (اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)، فليجتنب كثيرًا منه حتى لا يقع في الإثم.

 

أيها الإخوة: الظنّ ينقسم قسمين: ظن خير بالإنسان، وهذا مطلوب أن تظن بإخوانك خيرًا ما دام أهلاً لذلك، فمن كان ظاهره العدالة ظنّ به خيرًا وأثنِ عليه بما ظهر عليه من حسن إسلامه وأعماله حتى لو ظهر منه ما يشتبه في كلام أو مواقف معينة فإنه يظن به خيرًا.

 

قال عمر -رضي الله عنه-: "وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يجيئك ما يغلبك"، أي ظن به خيرًا واحمل قصده ونيته محملاً حسنًا حتى يصل لك من اليقين الجازم بأنه على خلاف تلك النية ما يقطع ذلك الشك، عندها يمكن لك أن تضع أمرك على ما بان لك واتضح.

 

وقال أيضًا -رضي الله عنه-: "ولا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً".

 

هذه هي النفسية التي يريدها الإسلام، فالذي عرف عنه الخير قد يخطئ يومًا ما كما هي طبيعة ابن آدم، فكل ابن آدم خطاء، وهذا ما جاء في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، هفوة هنا أو هناك، حصلت هفوة من حاطب بن أبي بلتعة -رضي الله عنه- وهو من أهل بدر، حصلت هفوة من الخباب -رضي الله عنه-، وحصلت هفوة من أبي لبابة وغيرهم، وكلهم كرام من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، فما دونهم بالهفوات أولى، ولا يظن بهم إلا الخير.

 

ولذلك جاء الحث على إقالة عثرات الكرام وبالتالي إحسان الظن بهم، في الجامع الصغير من حديث ابن عباس قال -صلى الله عليه وسلم-: "أقيلوا السَّخيَّ زلَّتَهُ؛ فإنَّ اللَّهَ آخذٌ بيدِهِ كلَّما عثُرَ". فكيف لا تأخذون أنتم بيده إذا عثر.

 

"أقيلوا": أمر من الإقالة، أي اعفوا، وفيه من حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قال -صلى الله عليه وسلم-: "أقيلوا الكرام عثراتهم"، وفي لفظ في صحيح الجامع: "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود". ذوو الهيئات أي أصحاب المروءات والخصال الحميدة.

 

هذه هي وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- فيمن أخطأ من الكرام، فكيف بمن لم يثبت خطؤه أصلاً؟! وقد قال تعالى في موقع المؤمن من الإشاعات المسيئة للطيبين: (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ) [النور:12].

 

هذه الآية واضحة في وجوب حسن الظن بالأخيار الذين عرفوا بالخير والصلاح دون السوء: (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ)، كلمة (إِذْ) هنا للظرفية، أي حين سمعتموه أي حال سماعكم لذلك الإفك في أم المؤمنين الطاهرة ومسطح بن أثاثة ذلك الصحابي العفيف النجيب، أي في لحظة سماعكم لذلك الكلام وتلك التهمة مباشرة كان الواجب أن يتجه ظنكم بتلك اللحظة ذاتها إلى الخير لا إلى الشر: (ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا).

 

ولم تقف الآية عند حسن الظن بالأخيار، بل إلى أبعد من ذلك، إلى الدفاع عنهم بأن ما قيل عنهم إفك مبين، ليس فقط حسن الظن بهم، بل تدافع عنهم، بل إن الآية تدعو إلى ما وراء ذلك أيضًا، إلى إساءة الظن بالمتكلمين، بأعراض الصالحين، بأنهم مفترون أفاكون: (وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ).

 

هناك ظن خير بالطيبين وظن سوء بالأشرار في آن واحد، لذلك قال الله –عز وجل- في آخر هذه الآيات: (يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [النور:17].

 

القسم الثاني هو ظن السوء، وهذا يحرم بالنسبة للمسلم، ظاهره العدالة، فلا يحل أن يظن به ظن السوء، وأما من قامت القرينة على أنه أهل لذلك الظن كالمجرمين والظلمة والمفسدين فهذا لا حرج على الإنسان أن يظن السوء به، وإن من الأمثلة المضروبة: "احترسوا من الناس بسوء الظن"، أي من الناس الذين هم أهل لظن السوء، فلا تتقوا بهم إلا في سوء ظن، هؤلاء لا يوثق بهم، يقول ابن كثير: "إن من المحظورات الكبار أن يظن بأهل الفجور خيرًا"، ولذلك قال عمر الفاروق -رضي الله عنه-: "لستُ بالخِب، ولا الخِب يخدعُني"، ولما ذكر المغيرة بن شعبة عمر بن الخطاب قال عنه: "كَانَ وَاللّهِ أَفْضَلَ مَنْ أَنْ يَخْدَعَ، وَأَعْقَلَ مِنْ أَنْ يُخْدَعَ". لا يَخْدَعَ ولا يُخْدَعَ.

 

والإنسان في العموم يقع في قلبه شيء من الظن العام بحسب من أمامه من الناس، بحسب ما يبدو من كلامه وما يظهر من علامات وجهه ومن سيرته وغيرها من القرائن.

 

والمسلم أمام هذه القرائن يتوخى العدل في ظنه، فلا يبالغ فيغلو ويجعل ذي الوسواس منفذًا إلى نفسه، كمن إذا أثني عليه خيرًا ودُعي له بالبركة وقال المادح وهو يثني عليه: "ما شاء الله" نهره خائفًا من العين وقال: "اذكر الله"، كأنما ذكر المشيئة لم يرد على لسانه، هذا غلو وظن فاسد.

 

وفي الوجه المقابل لا يستهين فيفرط فيستغفل، وإنما يكون في ظنه عادلاً منصفًا، والناس في العموم مختلفو الطباع في مدى تمكن الشر منها، ومتباينون في الفطنة وفي الريبة وفيما شابهها من الخصال أو السمات.

 

والعلم بالتعلم والحلم بالتحلم، كما قال -صلى الله عليه وسلم-، فالحريص على إصلاح أخلاقه ومشاعره هو الذي يهتم ويبادر ويعزم إلى تهذيب خلقه ويصبر على ذلك.

 

أما ضعيف الهمة المفرّط الذي لا يصلح من أخلاقة ولا يفكر في ذلك أصلاً فذلك هو الخاسر، الأخلاق الفاضلة قبلة للاكتساب، والطبع يكتسب بالتطبع.

 

ولذلك فطن المنذر أشج عبد القيس إلى إمكانية استجلاب الطبع لما قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن فيك خلتين يحبهما الله: الحلم والأناة"، قال: يا رسول الله: "أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما؟!" قال: "بل الله جبلك عليهما"، فقال: "الحمد الله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله ورسوله".

 

فقوله: "أنا أتخلق بهما" دليل على قدرة الإنسان على تغيير طبعه وتحسين أخلاقه، ولا يمكن لإنسان أن ينكر هذا الأمر؛ لأن دين الإسلام إنما جاء ليهذب الأخلاق ويتمم مكارمها، ودين الإسلام لا يطلب إلا المستطاع.

 

معاشر الإخوة: إن مما يشق على النفس أن يظن بالإنسان ما ليس به من السوء، سواء كان الظن من الأقارب أم الأباعد، وهذا الظن السيئ إما أن يكون بسبب أو بلا سب، أما إن كان بلا سبب فالملامة على الظان وحده، وأما إن كان بسبب فالمراجعة تكون للنفس قبل الإنكار على الظان.

 

ولذلك على الإنسان أن يبتعد عن موجبات هذا الظن، يجب أن يبتعد عن مواطن الريبة؛ قال عمر -رضي الله عنه-: "من تعرض لِلْتُهْمَةِ فلا يلومن من أساء به الظن"، وعلى الإنسان كذلك أن يعف لسانه عن السفه وفضول الكلام حتى لا يظن فيه سوء، وحتى لا يحسب على كلامه ما لم يقصده، وأن يواظب على الواجبات كصلاة الجماعة وخاصة الفجر والعشاء.

 

في صحيح الترغيب عن سعيد بن المسيب أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول: "كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء -أي في صلاة الجماعة- أسأنا به الظن".

 

فلا يضع الإنسان نفسه في مواطن الريبة ثم ينتظر الأمن من سوء الظن.

 

معاشر الإخوة: فضلاً عن الفضائيات ترون أن انفتاح وسائل الاتصال الحديثة ساهم في نشر الظنون السيئة، وبالذات ما يسمى "واتس أب"، فقد أصبح هذا البرنامج ساحة رحبة لإشاعة الظنون السيئة هنا وهناك؛ لذلك ينبغي على الكاتب في ذلك البرنامج أو ناقل الخبر من غيره من الناس أن يتوخى الحذر، وأن يتأكد مما ينقله ويتحرى الحلال صوتًا وصورة وكلامًا، وإذا جاءه ما يحمل على إساءة الظن بأحد من المسلمين دون دليل سوى الإشاعة والخرافة، فليكن صاحب مبدأ حكيم، وليحذفه أو على الأقل ليراجع ما قيل إليه ويسأله عن مصدره ويستوثق منه جيدًا، فنحن لسنا في زمن عدالة النقل ولا ضبطه، وكما قيل:

 

هم استلدغوا رقش الأفاعي ونبهوا *** عقارب ليـل نائماتٍ حماتها

وهـم نقلـوا عني الذي لم أَفُه به *** وما آفـةُ الأخبار إلا رواتها

 

أسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا، وأن يهدينا لصالح الأعمال والأخلاق، لا يهدي لصالحها إلا هو، وأن يصرف عنا سيئها لا يصرف عنها سيئها إلا هو، وأستغفر الله فاستغفروه، إنه غفور رحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

 

فإنه ليس أريح لقلب العبد في الحياة ولا أسعد لنفسه من حسن الظن، فبه يسلم من أذى الخواطر المقلقة التي تؤذي النفس وتكدر البال وتتعب الجسد، لقد وصل صفاء القلب وطهارته بمسلم أن شهد له النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجنة وهو حي يمشي على الأرض.

 

في صحيح الترغيب من حديث أنس قال: "يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ، قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلاه فِي يَدِهِ الشِّمَالِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَ ذَلِكَ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الْأُولَى، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَبِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنهما- فَقَالَ: "إِنِّي لاحَيْتُ أَبِي -أي حصلت بيني وبينه خصومة- فَأَقْسَمْتُ أَنْ لا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ فَعَلْتَ". قَالَ: "نَعَمْ".

 

قَالَ أَنَسٌ: فكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثَ، فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- وَكَبَّرَ حَتَّى يَقُومَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ.

 

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: "غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا"، فَلَمَّا مَضَتْ الثلاث اللَيَالٍي، وَكِدْتُ أَنْ أَحْتَقِرَ عَمَلَهُ، قُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ: إِنِّي لَمْ يَكـُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي غَضَبٌ وَلا هَجْرةٌ وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ لَكَ ثَلَاثَ مِرَاتٍ: "يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلاثَ مرَات، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ لِأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ؟! فَأَقْتَدِيَ بِهِ، فَلَمْ أَرَكَ عملتَ كبيرَ عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟!

 

قَالَ: "مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ". يعني ما أخفيت عليك شيئًا، قَالَ: فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي فَقَالَ: "مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ، غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا، وَلا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ"، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: "هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ".

 

صفاء القلب يصل بالمسلم إلى الجنة وهو في الأرض، فلماذا نرهق قلوبنا بالظن السيئ على من لا يظن به السوء؟! وما لم نترك ذلك فلن تصفو قلوبنا.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم أصلح قلوبنا.

 

 

 

 

 

المرفقات

الأخلاق (خلق إحسان الظن)

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات