مقاصد العبادات السَّنِيَّة في الشريعة الإسلامية

حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ

2021-05-07 - 1442/09/25 2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/للعبادات في الإسلام مقاصد سامية 2/أعظم مقاصد الصوم تحقيق التقوى 3/المسلم يداوم على الطاعة حتى يأتيه اليقين (الموت) 4/وجوب التصافي وتحقيق المودة والإخاء 5/الحذر من العودة للمعاصي بعد رمضان 6/مصالح العبادات تعود بالنفع على العباد

اقتباس

ومِنْ مقاصدِ مشروعيةِ صيامِ هذا الشهرِ حرصُ الشريعة على المجتمع المسلم؛ بأن يعيش أفرادُه على أصول المودَّة والمحبَّة، والإخاء والتآلُف؛ فشهرُ رمضانَ يُرشِد المسلمَ إلى أسباب صفاء القلب، وسلامة الصدر من الشحناء والخصام، ومن الحسد والأحقاد...

الخطبة الأولى:

 

الحمد الذي بنعمته تتم الصالحاتُ، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، ربُّ الأرض والسموات، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، أفضلُ مَنْ سابَق إلى الخيرات، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِكْ عليه، وعلى آله وأصحابه إلى يوم الممات.

 

أما بعد فيا أيها المؤمنون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -جل وعلا-؛ فهي سبيل السعادة والفوز والنجاة.

 

أيها المسلمون: إن العبادات كلَّها ذاتُ مقاصدَ ساميةٍ، وحِكَمٍ نبيلةٍ باهرةٍ، وأسرارٍ بديعةٍ عاليةٍ، فما شُرعت عبادةٌ إلا لمصلحة العبادِ دنيا ودينا، قال ابن تيمية: "مَنْ فَهِمَ حكمةَ الشارع فهو الفقيهُ حقًّا"، وإن صوم هذا الشهر وما شُرِعَ فيه من عبادات وطاعات، فإنما ذلك -كما قال ابن القيم رحمه الله-: "لمصالح معروفه بالعقول السليمة، والفِطَر المستقيمة"؛ ولهذا تأتي العباداتُ اليوميةُ والشهريةُ والسنويةُ لتُجدِّدَ الإيمانَ وتُعلِيَ الهممَ، وتُزَكِّيَ النفوسَ، وتُحيِيَ الضمائرَ، وتبعث في القلوب الفضيلةَ والصفاءَ والنقاءَ.

 

إخوة الإسلام: أعظم مقاصد مشروعية صوم هذا الشهر وقيامه، أنه يبلغ بالنفوس إلى تحقيق تقوى الله -جل وعلا-، تلك الثمرة التي هي غاية العبادات كلِّها والطاعاتِ جميعِها، قال ابنُ القيِّم -رحمه الله-: "الصوم من أكبر العون على التقوى؛ فالصوم لِجَامُ المتقينَ ورياضةُ الأبرارِ والمقرَّبينَ".

 

أيها المسلم: خُذْ من عبادات هذا الشهر ما فيه تزكية قلبكَ وجوارحكَ؛ لتنالَ العاقبةَ الحسنةَ دنيا وأخرى، (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)[النَّازِعَاتِ: 40-41].

 

أيها المسلم: انطَلِقْ من شهرِكَ هذا إلى تحقيقِ غايةِ المحبةِ لخالقِكَ -تبارك وتعالى-، وإلى كمال التذلُّل والخضوع له، والاستجابة لأوامره، والبعد عن مناهيه وسخطه -جلَّ وعلا-، في كل وقت وحين، قال الشاطبي -رحمه الله-: "المقصد الشرعي من وضع الشريعة إخراج المكلَّف عن داعية هواه؛ حتى يكون عبدًا لله اختيارًا، كما هو عبد لله اضطرارًا"؛ ألا فلنكن -رعاكم الله- على حذرٍ شديدٍ وبُعْدٍ أكيدٍ عن حال قوم إذا انتهى رمضان عادوا إلى التفريط في الفرائض، والوقوع في الآثام والفواحش، فربنا -جل وعلا- يقول: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الْحِجْرِ: 99]، ومن مقولات الإمام أحمد والفضيل بن عياض -رحمهما الله-: "بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان".

 

معاشر المسلمين: ومن مقاصد مشروعية صيام هذا الشهر حرص الشريعة على المجتمع المسلم، بأن يعيش أفرادُه على أصول المودة والمحبة، والإخاء والتآلف؛ فشهر رمضان يُرشِد المسلمَ إلى أسباب صفاء القلب، وسلامة الصدر من الشحناء والخصام، ومن الحسد والأحقاد، قال صلى الله عليه وسلم: " فإذا كان يومُ صومِ أحدِكم فلا يَرفُثْ، ولا يَصْخَبْ، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتَلَه فليَقُلْ: إني امرؤٌ صائمٌ"(متفق عليه).

 

سئل ابن مسعود -رضي الله عنه-: "كيف كنتم تستقبلون رمضان؟ قال: ما كان أحدنا يجرؤ أن يستقبل رمضان وفي قلبه مثقال ذرة حقد على أخيه المسلم"؛ فرمضان -أيها الإخوان- شهرُ المحبةِ والإخاءِ، والجودِ والعطاءِ، والإطعامِ والصدقةِ والسخاءِ، مَنْ فطَّر صائمًا فلَه مثلُ أجرِه.

 

ألَا فلنجعل هذه الصفاتِ الجليلةَ شعارًا لنا في سائر أزماننا، وبينَ أفراد مجتمعنا.

 

عبادَ اللهِ: وبعد أن عشنا رمضان، وما فيه من أجواء عبقة، وأخلاق جميلة فعلينا الحذر أن نعود إلى ما لا يجمل دنيا ودينًا، ممَّا حذَّر منه صلى الله عليه وسلم في قوله -وانظروا إلى هذا الحديث بدقة وتفكير عميق-: "سيُصِيب أمتي داءُ الأمم. فقالوا: يا رسول الله، وما داءُ الأمم؟ قال: الأشَرُ والبطرُ، والتكاثرُ والتشاحنُ في الدنيا، والتباغضُ والتحاسدُ، حتى يكون البغيُ ثم الهرجُ؛ أي القتل"(رواه الحاكم وصححه الذهبي وجوَّد سندَه الحافظُ العراقيُّ)؛ فلتكن أمتُنا جميعًا متخذةً من هذا الشهر ومن صيامه وقيامه ومن تلاوة القرآن فيه منطلقةً إلى تحقيق هذه المقاصد العالية، والمعاني الرفيعة، في أرض واقعها، لتسير على صراط مستقيم، في جميع مناحي حياتها.

 

يجب أن نتخذ من هذا الشهر الكريم منطلقًا لتزكية نفوسنا، وتطهيرها من كل الصفات الرذيلة، وجميع الأخلاق السيئة، التي أحدثتها دنيا الناس؛ لنصل بذلك إلى أعلى المراتب، وأسنى المطالب، التي حثَّ عليها دينُنا، قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لم يَدَعْ قولَ الزور والعملَ به، فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامَه وشرابَه"(رواه البخاري).

 

إن هذا الشهر يجب أن يعلِّم نفوسَنا ألَّا تخضعَ لسفاسف الأمور ورديئا، وألَّا تستجيبَ للنفوس الأمَّارة بالسوء فيما يخالف شرعَ خالقها، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "الصيامُ جُنَّةٌ"، فمن أراد الخير دنيا وأخرى، فليقف عند هذه المقاصد، وليعمل بها في جميع حياته، ولْيَسْتَقِمْ على ذلك، وفَّق اللهُ الجميعَ لما يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

 

 

الخطبة الثانية:

 

أحمدك ربي وأشكرك، وأستغفرك، وأشهد ألَّا إلهَ إلا أنتَ، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِكْ على نبينا ورسولنا محمد.

 

أيها المسلمون: مصالح العبادات تعود على العباد، وهم فقراء إلى الله -جل وعلا-، والله هو الغني الحميد، فاجتهِدُوا -عبادَ الله- في اغتنام حياتكم، فيما يُقرِّبكم إلى ربكم، وأنتم ترون ما هو واقع بكم، من هذه الْمَثُلَات، جاء في الحديث القدسي، الذي رواه مسلم: "يا عبادي، إنما هي أعمالكم أُحصِيها لكم، ثم أُوَفِّيكم إيَّاها،، فمَنْ وَجَدَ خيرًا فَليَحْمَدِ اللهَ، ومَنْ وجَد غيرَ ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسَه"، ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- صح عنه أنه صعد المنبر فقال: "آمين" ثلاثًا، فسُئل -عليه الصلاة والسلام- فقال: "جاءني جبريل فقال: مَنْ أدرَك رمضانَ فلم يُغفَر له فدخَل النارَ فأبعَدَه اللهُ، قُلْ: آمينَ. قلتُ: آمينَ".

 

فيا أيها المسلمون: أحسِنُوا في حياتكم، واتقوا ربكم، تنالوا الخير في الدنيا وفي الآخرة.

 

ثم إن من الأعمال الصالحة الإكثار من الصلاة والسلام على النبي الكريم، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

اللهم إنا نسألك أن تتقبَّل منا عباداتنا، وأن تستجيب دعاءنا، وأن تجعلنا ممن غفرتَ ذنوبهم، وكفَّرتَ عنهم سيئاتِهم، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.

 

اللهم اغفر لموتى المسلمين، اللهم اغفر لهم وارحمهم وتجاوَزْ عنهم، اللهم يا حي يا قيوم، اللهم إنَّا نسألكَ سؤال المتضرِّعينَ، أن تُنْجِيَ كلَّ مسلمٍ من الهمِّ ومن الكربِ يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اقضِ دَيْنَ المدينينَ، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اكشف ما أصابنا، ربَّنا إننا أصابنا الضرُّ وأنتَ أرحمُ الراحمينَ، اللهم اكشف عنا هذا الداءَ، اللهم إنه سببٌ لضررنا في ديننا ودنيانا، اللهم فلا كاشفَ له إلا أنتَ، لا كاشفَ لها إلا أنتَ، اللهم ارفعه عنا بمنك وكرمك.

 

اللهم احفظ بلادنا من كل سوء ومكروه، اللهم احفظ جميع بلاد المسلمين، اللهم اعْمُرْهَا بطاعتك، اللهم من أراد ديننا بسوء فأشغِلْه في نفسه، اللهم أشغله في نفسه، اللهم من أراد ديار المسلمين بالسوء، اللهم فاجعل عليه دائرة السوء يا أرحم الراحمين.

 

اللهم اجعل تدميره في تدبيره، يا حي يا قيوم.

 

اللهم احفظ ووفِّق وليَّ أمرنا، ووليَّ عهده، اللهم اجعلهما مباركينَ أينما كانا، اللهم احفظهما من كل سوء ومكروه، اللهم انصر بهما دينَكَ، وشريعتَكَ، اللهم احفظ بهما هذه البلادَ، واجعل سعيَهما مبارَكًا، موفَّقًا مسدَّدًا، اللهم وفِّق ولاةَ أمور المسلمين لما فيه خير دينهم ودنياهم، يا حي يا قيوم.

 

اللهم تقبَّلْ منا إنكَ أنتَ السميع العليم، اللهم أَتْمِمْ لنا الصيامَ والقيامَ، على كل خير يا حي يا قيوم، اللهم اجعلنا ممَّن يوفَّق لقيام ليلة القدر، اللهم بمنِّكَ وكرمِكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ اللهم اجعلنا ممَّن يُوفَّق لقيام ليلة القدر، ويفوز بعظيم الأجر، يا رحمن يا رحيم.

 

وصلى الله وسلم على نبينا ورسولنا محمد.

المرفقات

مقاصد العبادات السَّنِيَّة في الشريعة الإسلامية.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات