عناصر الخطبة
1/ حاجة المسلمين لمراجعة أنفسهم والرجوع لدينهم 2/ أحداث غزوة الأحزاب ومصير بني قريظة 3/ الاعتبار بمشابهة تلك الأحداث للأحداث المعاصرةاقتباس
إن في دروس السيرة عبراً، والأيامُ دولٌ، والتاريخُ يعيد نفسَه، فما من كارثة أو حادثة تمر بنا إلا وقد مر بالمسلمين في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو في عهد خلفائه الراشدين أمثالُها.
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره...
أمّا بعد: فاتقوا الله عباد الله، فالتقوى هي وصيّةُ الله لعباده الأوّلين والآخِرين: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131].
أيّها المسلمون: تعيش الأمةُ الإسلاميةُ في هذا العصر أوضاعاً تحزن القلوب المؤمنة، محنٌ تعصف بالأمة، وفِتنٌ تحيط بها من كل جانب، كوارثُ وحروب، وخلافاتٌ وفرقةٌ، وشتاتُ رأيٍ وكلمة.
ما أحوجَ المسلمين اليوم إلى مراجعةِ أنفسهم، وتفقد أحوالهم، وتمسكهم بدينهم! فالله -جل وعلا- ناصرٌ دينَه وعبادَه المؤمنين، وقد كتب العواقِب الحسنى للمتقين.
عباد الله: إن في دروس السيرة عبراً، والأيامُ دولٌ، والتاريخُ يعيد نفسَه، فما من كارثة أو حادثة تمر بنا إلا وقد مر بالمسلمين في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو في عهد خلفائه الراشدين أمثالُها.
أحبتي في الله: إن كنا في عصرنا هذا نرى تحالف الكافرين مع اليهود ومناصرتهم لهم، فهذا ليس غريبا، ولا جديدا، وإن كان اليهود نقضوا المواثيق والعهود، ويسعون إلى القضاء على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- فقد كان لأسلافهم وأجدادهم تاريخٌ مليء بمثل تلك الأحداث.
لقد مرت بالنبي -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين واقعةٌ شديدةٌ، وأيّام عصيبة، ولكن كانت عاقبتها -ولله الحمدُ والمنةُ- نصرًا وتمكينًا.
امتحَن الله بهذه الواقعة العظيمة القلوبَ، وميّز المؤمنين من المنافقين، إنها غزوةُ الخندق، التي سمّاها الله -تعالى- بالأحزاب، وأنزل فيها سورةً تُتَلى إلى يومِ القيامة.
وقعَت تلك الغزوة في السنة الخامسة من الهجرة، وسببها الرئيس هم اليهود، فقد قام نفر من يهودِ بني النضير، بعد أن أجلاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر، بالخروج إلى مكّةَ واجتمعوا بأشرافِ قريش، وألَّبوهم على حربِ النبي -صلى الله عليه وسلم-، ووعدوهم بالنّصر والإعانة، وهذه هي عادَةُ اليهود، وهذا هو منهجهم.
فوافقت قريش، ثمّ خرجوا إلى غطفان فدعوهم وأَغرَوهم، فاستجابوا لهم أيضًا، وخرَجت قريشٌ ومن تابَعها من أهلِ تِهامة وغيرهم، وكذا غطفان، بجيش يفوق عشرةَ آلاف.
خرجت قريش بقيادة أبي سفيانَ بن حرب، وواصلَ كلٌّ سيرهُ، فنزلت قريش في الشمال الغربي، ونزلت غطفان في الشمال الشرقي إلى جنب أُحد.
حاصروا المدينة وعدد المسلمين فيها قليل، والنساء والأطفال يحتاجون إلى حماية، والظروف الاقتصادية شديدة، لا يجدون في المدينة ما يسد جوعهم، يكشف أحدهم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بطنه، فإذا هو قد ربط عليه حجرا من الجوع، فيكشف النبي -صلى الله عليه وسلم- له بطنَه فإذا هو قد ربط عليه حجرين!.
أعداء بالخارج تحاصر المدينة، وأعداء بالداخل من المنافقين الذين لا يزال المسلمون منهم في محنة وبلية، ويهود بني قريظة المعاهدون للنبي -صلى الله عليه وسلم- لا يؤمن جانبهم، فهم أهل غدر وخيانة، فما أحرجه من موقف! لكنِ المؤمنون الصادقون يتذكرون قول الله -تعالى-: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ) [آل عمران:160]، وقوله: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم:47]، وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد:7].
عباد الله: مع هذه الشدة، عرضت للمسلين وهم يحفرون الخندق صَخرةٌ عظيمةٌ شديدةٌ لا تأخذ فيها المعَاوِل، فأتى إليها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وسمّى اللهَ وضربها ثلاث ضربات، فعادت كثيبًا أهيَل، وقال: "اللَّهُ أَكْبَرُ! أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ مِنْ مَكَانِي هَذَا!"، ثُمَّ قَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ"، وَضَرَبَ أُخْرَى، فَكَسَرَ ثُلُثَ الْحَجَرِ، فَقَالَ: "اللَّهُ أَكْبَرُ! أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ الْمَدَائِنَ، وَأُبْصِرُ قَصْرَهَا الْأَبْيَضَ مِنْ مَكَانِي هَذَا"، ثُمَّ قَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ"، وَضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى، فَقَلَعَ بَقِيَّةَ الْحَجَرِ، فَقَالَ: "اللَّهُ أَكْبَرُ! أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي هَذَا!".
يقولها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون في موقفٍ لا يعلم مآلهم إلا الله، قد عضَّهم الجوع، وآذاهم البَرد، وأحاط بهم العدوّ، وظهر النِّفاقُ، حتى قال بعض المنافقين: "ألا ترونَ إلى محمّد يدّعِي أنه يُعطَى مُلكَ فارس والروم وأحدُنا لا يأمَن على نفسه أن يذهبَ إلى الغائط!"، قال الله -عز وجل- عنهم: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) [الأحزاب:12].
أما المؤمنون الذين صدقوا في إيمانهم برسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد صدقوه، فإيمانهم تجاوز بهم حواجب الغيب فجعلها كأنها شهادة.
عندما تجهّز رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام -رضي الله عنهم- لمقابلة العدو، واصطفت جموع الطغيان والشرك أمام معسكر الطهر والتوحيد، يحجز بينهما الخندق، المشركون في كامل عدتهم وعتادهم وجموعهم الكثيرة، والمسلمون في عدد قليل وشفقة على الأهل والذرية، في هذه الأثناء يصل الخبر للنبي -صلى الله عليه وسلم- بأن بني قريظة نقضوا العهد، فانفتحت جبهة جديدة في الداخل على المجاهدين.
عظمت الفتنة، واشتد البلاء، وعظم الكرب، وأصبحت الحال كما وصف الله -تعالى- في كتابه: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) [الأحزاب:10]، أي: قريظة من فوق من الجنوب الغربي، وقريش وغطفان من أسفل، من الشمال الغربي والشمال الشرقي، (وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ) [الأحزاب:10]، أي: من شدة الخوف، (وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا) [الأحزاب:10]، وهذه حال المنافقين وضعَفة الإيمان.
عندها رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يخفف عن أصحابه رحمةً بهم، فبعث إلى قائدَيْ غطفان يعرض عليهما صلحاً، بأن يعطيهم ثلث ثمار المدينة على أن يرجعوا بمن معهم من قومهم، وتم الصلح، ثم استشار النبي -صلى الله عليه وسلم- سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، فقالا له: "يا رسول الله، أمراً تحبه فنصنعه، أم شيئاً أمرك الله به لا بد لنا من العمل به، أم شيئا تصنعه لنا؟"، فقال: "بل شيء أصنعه لكم، والله! ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما...".
فقال سعد بن معاذ: "يا رسول الله، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله، وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة إلا قِرىً أو بيعاً، أفحين أكرمنا الله بالإسلام، وهدانا له، وأعزنا بك وبه، نعطيهم أموالنا؟ والله! ما لنا بهذا حاجة، والله العظيم! لا نعطيهم إلا السيف، حتى يحكم الله بيننا وبينهم". فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فأنت وذاك".
واستمرَّ الحصار قريبًا من الشّهر، واستأذَن المنافقون وتسلَّلوا هربًا، وأخذوا يخذِّلون، وثبّت الله المؤمنين بعدَ أن ابتلاهم وعلِمَ صدقَ إيمانهم، (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) [الأحزاب:22]، وهذا هو حال المؤمنين الصادقين الموعودِين بالنصر، لا تزيدهم الشدائدُ إلاّ إيمانًا، وازديادًا في الطّاعات، وتمسُّكًا بأمرِ الله وحُكمِه، وتشبُّثًا بدينهِ، حتى يلقَوا ربَّهم، فليس النّصر هو السلامة والدَّعَة والتمتع بزُخرُف الدّنيا، بل النّصر هو الثباتُ على المبادِئ، وعجزُ العدوِّ عن سَلبِ المؤمِنِ دينَه، وإن آذاه في بدنه أو ماله.
وأثناء هذا الحِصار وهذه الابتلاءات جاء نُعيم بن مسعود الغطفاني -رضي الله عنه- إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- مسلمًا، وقد نفع الله به نفعًا عظيمًا وهو حديثُ عهدٍ بالإسلام، وقومه لا يعلمون بإسلامه، فقال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مرني بما شئت"، فقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "إنما أنت رجل واحد، فخذِّل عنا ما استطعت، فإن الحرب خدعة".
فذهب إلى بني قريظة -وكان عشيراً لهم في الجاهلية- فدخل عليهم وقال: "قد عرفتم ودي إياكم، وخاصة ما بيني وبينكم"، قالوا: "صدقت". قال: "فإن قريشاً ليسوا مثلكم، البلد بلدكم، فيه أموالكم، وأبناؤكم، ونساؤكم، لا تقدرون أن تتحولوا منه إلى غيره، وإن قريشاً وغطفان قد جاؤوا لحرب محمدٍ وأصحابِه، وقد ظاهرتموهم عليه، وولدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره، فإن أصابوا فرصة انتهزوها، وإلا لحقوا ببلادهم، وتركوكم ومحمداً، فانتقم منكم". قالوا: "فما العمل يا نعيم؟"، قال: "لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن". قالوا: "لقد أشرت بالرأي".
ثم مضى نعيم على وجهه إلى قريش، وقال لهم: "تعلمون ودي لكم ونصحي لكم؟". قالوا: "نعم". قال: "فإن يهود قد ندموا على ما كان منهم من نقض عهد محمد وأصحابه، وإنهم قد راسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه، ثم يوالونه عليكم، فإن سألوكم رهائن فلا تعطوهم"، ثم ذهب إلى غطفان وقال لهم مثل ذلك.
ثم بعث الله -تعالى- ريحًا شديدة في ليلةٍ شاتية باردة مظلِمة، فجعلت تقلِب القدورَ وتطرح الأبنيةَ وتقلب عليهم الحِجارة، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائمٌ يصلّي، يقول حذيفة -صلى الله عليه وسلم-: "لقد رأيتُنا ليلةَ الأحزاب وأبو سفيان والأحزابُ فوقَنا، وقريظةُ اليهود أسفَل منّا، نخافهم على ذرارِينا، وما أتَت علينا قطّ ليلةٌ أشدّ منها ظلمةً ولا أشدّ ريحًا، في أصواتِ ريحها أمثالُ الصواعق، وهي ظلمةٌ ما يرى أحدُنا أصبعَه".
إلى أن قال: "فسمعتُ المشركينَ يقولون: الرحيلَ الرحيلَ! لا مُقام لكم، وإذا الريحُ في عسكرهم، فوالله! إني لأسمع صوتَ الحجارة في رحالهم وفُرشِهم، والرّيح تضربهم بها".
قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا) [الأحزاب:9].
وتفرّق الأحزاب، وعادَت قريشٌ وغطفانُ لم ينالوا خيرًا، وانقلَب اليهودُ بخيانَتِهم وخَيبتهم، وقال النبيّ-صلى الله عليه وسلم-: "لن تغزوَكم قريشٌ بعد عامكم هذا، ولكنّكم تغزونهم" رواه أحمد بإسناد صحيح، ولفظ البخاريّ: "الآن نغزوهم ولا يغزونا".
وفي الصحيحين أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو ويقول: "اللهمّ منزِلَ الكتابِ، سريع الحساب، اهزِم الأحزابَ، اللهمّ اهزِمهم وزلزلهم". وفي الصحيحين -أيضًا- أنّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان يقول فيما بعد: "لا إله إلا الله وحدَه، صدق وعدَه، ونصر عبدَه، وأعزَّ جندَه، وهزم الأحزابَ وحدَه، فلا شيء بعدَه".
أسأل الله عز وجل أن ينصر عباده المؤمنين، ويضاعف أجر المرابطين، وينتقم لهم من الكافرين والمنافقين والمخذلين.
اللهم يا من لا يهزم جنده، ولا يخلف وعده، أنت القاهر القادر، وأنت الأول والآخر والظاهر، يا منتهى كل شكوى، ويا دافع كل بلوى، يا نصير المظلومين، ويا إله الأولين والآخرين، لا حول ولا قوة لنا إلا بك، نشكو إليك ضعفنا، وقلة حيلتنا، نسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلا، وباسمك الأعظم الذي إذا سئلت به أعطيت، وإذا دعيت به أجبت، أن تنصر إخواننا المجاهدين والمرابطين في غزة، اللهم ثبت أقدامهم، وأنزل السكينة على قلوبهم، وسدد رميهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم.
اللهم كن لهم معينا ونصيرا، ومؤيدا وظهيرا، اللهم أطعم جائعهم، واكس عاريهم، واشف مريضهم، وارحم ميتهم يا رب العالمين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله المحمود بكل حال، نحمده حمداً يليق بجلاله وكماله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له...
أما بعد: عباد الله، فاتقوا الله حق التقوى.
معاشر المؤمنين: لما رجع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة ووضَع السلاحَ ليغتسل مِن وعثاءِ تلك المرابطة، جاءه جبريل -عليه السلام- وقال: "إنّ الملائكةَ لم تضع أسلحَتَها"، وأمرَه بالمسير إلى بني قُريظة، فسار إليهم وحاصَرهم، ثم أنزلهم على حُكمِ سيِّد الأوس سعدِ بن معاذ -رضي الله عنه-، فلم تأخذه في الله لومَةُ لائم، وحكم فيهم بحكم الله، بقتلِ مقاتِلَتِهم، وسبي ذراريهم، فضُربت أعناقُ الخَوَنة، وانتصَرَ الله لدينه وأوليائِه.
قال -عز وجل-: (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا) [الأحزاب:26-27].
هذا مصير الخونة وناقضي العهود، وهذا نصر الله للمتّقين الصابرين الذين لا تثنِيهم الشّدائد عن دينهم، ولا تزعزِعُهم الفِتَن عن اليقين بربهم.
هذه هي سنة الله: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) [البقرة:214].
عباد الله: ما أشبه الليلة بالبارحة! فمن دقق النظر في أحداث غزوة الأحزاب يراها تتكرر اليوم على أرض غزة؛ فسنّة الله جاريةٌ، وغُربةُ الدين وضَعفُ المسلمين لا ينبغي بحالٍ من الأحوال أن تقودَ إلى الإحباط وخَور النّفوس، بل يجب أن يكونَ دافعًا للصبر والبذل والثّبات حتى يأذَنَ الله -تعالى- بالفَرَج.
ومِن مقامَاتِ العبودية التي يجب أن تُذكَى: الصبرُ، والمصابرةُ، والمرابَطَةُ، والثباتُ، واليقينُ، والدعاءُ، والاحتسابُ، والقِيامُ بأمر الله، والإيمانُ بالقضاء، وإدراكُ سُنّةِ الابتلاء، وصيانةُ الدين، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف:21].
هذا وصلّوا وسلِّموا على خير البريّة، وأزكى البشريّة، محمد بنِ عبد الله، حيث أمرنا ربنا بذلك في كتابه المبين فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم