عناصر الخطبة
1/ مشاهد شبابية مؤلمة 2/ واقع الشباب تجاه كرة القدم 3/ همم لا منتهى لصغارها 4/ التعصب الكروي آفة عصرية 5/ الآثار السلبية للتعصب في المجتمعاقتباس
ليت أصحابَ هذه الدعواتِ علموا ما تجيش به شوارعُ العالم العربي والإسلامي من حب وعشق وافتتان وضياع، ومؤامراتٍ على إفساد الذاكرة الإسلامية لروحها وأمجادها وحواضرها، عبر كرة القدم!! حتى صار اللاعب الأرجنتيني، أوعى في قلوب الشباب من رجل الأمة الأول، وخلفاء رسولها الراشدين!! والعشرةَ المبشرين!! حتى ونحن نشاهد المقابلة التي قابلها أحدهم مع فئام من الشباب وهو يسألهم عن ثلاثة من أصحاب رسول الهدى -عليه الصلاة والسلام- ليجيب...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
المشهد الأول: أتى بعد صلاة الجمعة الفائتة ثم سلم وجلس، ثم ابتدأ معاتبًا وهو يقول: لقد كنت حدثتنا هذه الجمعةَ عن الصنم الكبير، وحدثتنا عن كرة القدم وعن لغوها والغلو في محبتها ومشاهدتها واللعب بها، أين كان هذا الحديث من قبل؟! بل أينك وأين آلاف الخطباء عن حديث كهذا؟! من المسؤول عن تغييب مواضيع العصر الملحّة، وعن تغييب الكلام عن أكثرها شيوعًا وأشدِّها حساسية وتعقيدًا، من هو المسؤول عن هذا التغييب؟! وهذا الحديث هو أكبر واردات الهموم في قلوب الشباب، بل الرقمُ الأول في سلك قضاياهم، أينكم عن هموم الشباب؟! أبعدما يبلغ الإدمان في القلوب وتستحكم الفتنة في العيون، وتنجرف الجماهير تحت لواء التعصب المذموم، وتمور في درب الضياع، بعدها تتحدثون؟! أين حرقة المسؤولية لهذه الأمة عن حديث أقض شريحة عظمى من شباب ينتسب لهذه الملة وحبِّ هذا الدين؟! أما إني أعلنها صريحة أني اعتزلت كل هذا الغثاء لغير رجعة، فوقتي هو مستقبلي في الجنة.
المشهد الثاني: كتب إليَّ رسالةً ضمنها ما يلي: حديث الولاء والبراء في كرة القدم حديث يطول، حديث غُيِّب عن الواقع الدقيق في هذه اللعبة، مع أنه من أظهر أنواع المنكراتِ التي تحتف بها. ثم يقول: إن قضية الولاء والبراء وموالاة المشركين من خلال كرة القدم هي قضية تتعدى قضية اللهو المباح بل حتى المحرَّم منه! ثم يستمر معلقًا ويقول: ثق أن ما ذكرته لك هو من أجلى الظواهر في هذه اللعبة، حتى إنني سمعت، بل شاهدت من ولاء شبابنا ما لتزول منه الجبال، إلى حد جعل تلك الجماهير المسلمة تستقبل ذلك اللاعب الكافرَ في إحدى المطارات وتحاولُ أن تحتك به وتجتهدَ في ابتداء مصافحته والسلام عليه، والهشِّ له والتمسحِ به وإفساح الطريق له، والتصوير معه، والتسابق للوقوف بين يديه والتصفيق عنده؛ وما ذاك إلا لظهور الخلل العقائدي عند كثير من شبابنا، وانهزام حضاري في أقل الأحوال.
المشهد الثالث: كتب يقول: ضغط الواقع يقلق الأجيال المعاصرة، واعجباً لك، فما الذي تريده من الشباب، وأنت تعلم أن الشباب إذا لم يتعلق بشيء، سيتعلق بمتابعة الكرة وصرف وقته لها! أو تعلم أن هذه اللعبة كانت الأمل في انصراف الشباب عن محرماتٍ قطعية، وجرائمَ لا تخفى؟! إن هذه اللعبة هي الدرب السيئ الذي يصرف الناس عن درب أسوأ منه!!
انتهت المشاهد من جملةِ مشاهد كثيرة.
ثم أما بعد:
وإذا كانت النفوس صغارًا *** فرحت في مرادها الأجسام
لا ضير؛ فصعب العلا في الصعب والسهل في السهل!! ليس عجبًا أن تخرج دعواتٌ تنادي بإقفال الموضوع، لأنه موضوع حسَّاس، وأن هذه الأمة تعترضها شؤون أولى بالحديث عن مثله!! وا عجبًا لهذه الدعوات، وهذا الواقع المعاصر يشهد أن نازلة كرة القدم ما سلمت منها دار، ولم تغب عولمتُها عن مَجمعٍ أو مجلس شبابي!! وكأن من لم يتحدث عنها كانت عليه من قلوب أصحابه تِرة!!
وا عجبًا لهذه الدعوات ونحن نفقد الحساسية والقلب المشفق حين نرى موضوعًا حساسًا، ثم تموتُ حساسيتنا في علاجه!!
فكيف نجيز غصتنا بشيء *** ونحن نغصُّ بالماء الشريب
ليت أصحابَ هذه الدعواتِ علموا ما تجيش به شوارعُ العالم العربي والإسلامي من حب وعشق وافتتان وضياع، ومؤامراتٍ على إفساد الذاكرة الإسلامية لروحها وأمجادها وحواضرها، عبر كرة القدم!! حتى صار اللاعب الأرجنتيني، أوعى في قلوب الشباب من رجل الأمة الأول، وخلفاء رسولها الراشدين!! والعشرةَ المبشرين!! حتى ونحن نشاهد المقابلة التي قابلها أحدهم مع فئام من الشباب وهو يسألهم عن ثلاثة من أصحاب رسول الهدى -عليه الصلاة والسلام- ليجيب أحدهم أن موسى -عليه السلام- وأبا بكرٍ الرازي هما من أجلاء صحابة رسول الله!
لن يأخذك العجب وأنت تسير في أي شارع ينتسب لحضارة الإسلام، وتريد أن تعيَ حجم التغييب وغسيل عقول شبابها!! لا تعجب فكثير من هذه الشوارع قد فقدت ذاكرتها! بل لم يأخذني العجب وأنا أسأل أحد الشباب المهتمين عن برنامجه اليومي ليجيبني أن النظر إلى ثلاث مباريات أوروبية في اليوم يعتبر أمرًا عاديًا لديه!!
كم وددت ألا تأتي اللحظة التي أرى فيها أحد شباب الإسلام وهو يزعم أن رسول الله هو أحد الصحابة!! بل ما وددت والله أن تأتي علي اللحظة التي أشاهد فيها الغزو العسكري يُستبدل بالغزو الكروي!! أم كنت أودُّ أن أرى شابًا لا يقرأ الفاتحة، وهو يعلم عن لاعبي الصف الثاني للمنتخب الإسباني! أم كنتُ أود أن أرى شابًا مسلمًا يُسأل عن دينه فيقول: هاه لا أدري، وهو الذي أجابهم حين سئل عن سيرة رئيس الاتحاد الأوربي!! أم كنت أود أن أرى شبابًا ضاعت معالمهم بما شاهت به قصاتهم، وهم هم لا يفقهون حديثًا، إلا حديث كرة القدم!!
نسبوهم لأمة بات فيها *** يحزن الحزن من أليم عناها
نسبوهم لنا وأمتهم حارت بهم كيف ينسبون إليها!! إنهم ينتسبون لهذه الأمة!! أهم ينتسبون؟!
ما هم بأمة سيدي حاشا فليسوا الأكفياء
ما هم بأمة من على الأفلاك قد ركز اللواء
من حطم الأصنام من أرسى العدالة والإخاء
من أسمع الدنيا حداء المجد فاشتعلت حداء
من قاد قافلة السلام وفجر الصحراء ماء
واستمطر التاريخ فانهمرت سحائبه ثراء
وغزا الظلام وجاء بالحق المنور حين جاء
لم يفقهوا بدرًا ولا أمَّت ركائبهم حراء
لم يقرؤوا سعدًا وسيف الله ما فهموا البراء
إني أحـار بهؤلاء أحـار نهجًا وانتمـاء
هذا إلى كرة يَطيف بها وذا عبد الرغـاء
إني أحار بهم وقد أمست جموعهم غثاء
يتناطحون تناطح الأكباش تلتهم الغذاء
ويقاتلون لأجل ما كرة ويا عبث الدماء
ويحز بعضهم رقاب البعض شوقًا واشتهاء
همم لا منتهى لصغارها!! يتحسر أهل الجنة وهم في الجنة على لحظة لم يذكروا الله فيها، وعلى لحظة أضاعوها في غير ذكر الله!! فكيف بلحظة في نار الله يومها أشد من ألف سنة مما يعد المجنونون بهذه الكرة؟!
همم لا منتهى لصغارها:
دقات قلب المرء قائلةٌ له *** إن الحياة دقائق وثواني
همم لا منتهى لصغارها، يبحث بعض الشباب عمن يجيز له تضييع الأوقات في مشاهدة المباريات!! وينسى همة تقول له: لا تُضِع فسلعة الرحمن غالية على الكسلان!!
هي سلعة وتقول أين المشتري *** فلقد عُرضْتُ بأيسر الأثمان
يا سلعة الرحمن هل من خاطب *** فالمهر قبل الموت ذو إمكان
همم لا منتهى لصغارها، يستفتون الناس في الترخيص للمحرمات، ولا يستفتونهم في المندوبات، يبحثون عن الأغوار، ويبحث أصحاب الهمم عن الأنجاد، نعم..
فمن يتهيب صعود الجبال *** يعش أبد الدهر بين الحفر
همم لا منتهى لصغارها، يبحثون عن تضييع الأوقات وأبو مسلم الخولاني يقول لمن سأله عن عمله: "والله لو قيل لي: إن جهنمَ تسعُر الآن ما استطعت أن أزيد في عملي شيئًا".
ما لهم لا يندمون؟! وابن مسعود يقول: "ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي".
ما لهم لا يندمون والله يقسم بالوقت فيقول: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ)، وهم: لا يعرفون من المقسم!! وجدية القسم، بل يسخرون، ويضحكون!! وهم سادرون سامدون!!
أيها الجيل الحبيب: نعمتان مغبون فيهما كثير من الشباب: الصحة والفراغ، فاغتنم هذه قبل أن تفجأك الخوارم!!
أيها الجيل الحبيب: من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه!! فاترك الغثائية والعبثية والسبهللية، تغنم قلبًا راضيًا، وجوارح مطمئنة، وسعادة أبدية، تسعون دقيقة من المشاهدة، من تركها لله في قراءة قرآن أو تعلُّم نافع من القول والعمل، عوضه الله بها خيرًا من لذة مشاهدة يكتبها الملكان في سجلات الشِّمال! تسعون دقيقة، من تركها لله في ركيعات قليلات، عوّضه الله بها لذة الأولى قبل الأخرى، خيرًا من فناء لذاذة تفنى، ويبقى الإثم والعار!!
تسعون دقيقة، من تركها لله في ذكر الله عوّضه الله بها نعيمًا لا ينفد وقرة عين لا تنقطع، تسعون دقيقة في قول لا إله إلا الله مائة مرة تكون له بها عدلُ عشر رقاب، وتكتب له مائة حسنة، وتمحى عنه مائة سيئة، وتكون له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه، من تركها لله عوّضه الله بها خيرًا من لذة مشاهدة تنتهي بفوز أو خسران.
تسعون دقيقة، عرف حقيقتها أقوام فسافروا لأجلها، فما ضيعوها، بل حفظوها، حتى روي عن أحدهم أنه قال: "والله ما اغتممت على شيء كاغتمامي على طلوع الفجر وأنا ناصب قدمي بين يدي ربي".
وأبو الدرداء -رضي الله عنه- يقف ذات يوم أمام الكعبة ثم يقول لأصحابه: "أليس إذا أراد أحدكم سفرًا يستعد له بزاد؟!". قالوا: نعم، قال: "فسفر الآخرة أبعد مما تسافرون!". فقالوا: دلنا على زاده، فقال: "صلوا ركعتين في ظلمة الليل لوحشة القبور، وصوموا يومًا شديدًا حره لطول يوم النشور".
يا سلعة الرحمن كيف تصبر *** الخطاب عنك وهم ذوو إيمان
ما كان عنها قط من متخلف *** وتعطلت دار الجزاء الثاني
لكنها حجبت بكل كريهة *** ليصد عنها المبطل المتوانى
وتنالها الهمم التي تسمو إلى *** رب العلا بمشيئة الرحمن
فاتعب ليوم معادك الأدنى تجد *** راحاته يوم المعاد الثاني
"ما مر يوم على ابن آدم إلا قال له: يا بن آدم: إني يوم جديد، وعلى ما تعمل شهيد، وإذا ذهبتُ عنك لم أرجع إليك، فقدم ما شئت تجده بين يديك، وأخّر ما شئت فلن يعود أبدًا إليك".
أستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
قصدوا الرياضة لاعبين وبينهم *** كـرة تراض بلعبهـا الأجسامُ
وقفـوا لها متشمرين فألقيت *** فتـداولتهـا منهـم الأقـدامُ
يتراكضون وراءها في ساحة *** للسـوق معتـرك بها وصـدامٌ
رفسًا بأرجلهم تساق وضربها *** بالكف عند اللاعبـين حـرامٌ
ولقد تحلق في الهواء إذا هوت *** شرعوا الرؤوس فناطحتها الهامٌ
وتخـالها حينًا قـذيفةَ مدفع *** فتمـر صـائتـة لهـا إرزامٌ
كرة تقول لكل ساع خلفها *** آخ الجنـون فعقـلك الأقـدام
يقول الشيخ عبد الرحمن البراك: "كرة القدم وما كرة القدم، هي أم الآثام من الإنفاق الحرام وأكل الحرام، والولاء والبراء لغير الله والفرح بالباطل والجزع بالباطل، فهي معبود للمفتونين، من أجلها يحبون ويبغضون، ومن أجلها يوالون ويعادون، فتعسًا لهم كما تعس عبد الدينار وعبد الدرهم الذي إن نالهما رضي وإن حُرم سخط، وهذه حال المفتونين بكرة القدم، لذا لا يشاهدها الكرام؛ لأنها من اللغو الباطل: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً)، ويجب أن يعلم أن نشرها ونشر قوانينها من دسائس اليهود على المسلمين كما هو المشهور في بروتوكولاتهم، لصد المسلمين عن ذكر الله وعن الصلاة وإفساد أخلاقهم وإضاعة أوقاتهم وشغلهم عما ينفعهم في دنياهم، وإضعاف همم شبابهم، فيجب على عقلاء الأمة فضلاً عن صلحائها أن ينكروا هذه المباريات الدولية والمحلية، ويعرضوا عنها ويربوا أولادهم على استهجانها: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ)، ولا ريب أن أعداء الإسلام من دول الكفر يسرون بما توليه الدول الإسلامية من اهتمام بالغ بالمباريات الرياضية وتشجيع مادي ومعنوي لها، وإنفاق الأموال الطائلة في بناء الملاعب الضخمة، والاعتزاز الكبير باستضافة كأس العالم لكرة القدم والاستعداد لذلك، وهو عين السفه إذ تنفق الأموال على اللعب ويعطل كثير من المصالح والحقوق.
وقد عُلم من دين الإسلام أن إنفاق المال فيما لا ينفع في دين ولا دنيا هو من أكل المال بالباطل ومن التبذير والسرف الذي نهى الله عنه في كتابه، فقال: (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً)، والمال هو قوام مصالح الدين والدنيا، ولهذا قال الله: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً)". انتهى كلامه.
المقام الثاني: إن التعصب آفة عصرية، تهوي بصاحبها إلى الدركات!!
التعصب الكروي لم يعد مجرد ظاهرة انتماء أو ولاء لنادٍ أو فريق رياضي، بل تعداهما إلى ما يمس عقيدة المؤمن، وليس ذلك الكلامُ طريقًا إلى التهويل وتحميلِ الأمور فوق حملها، بل إن من قُدر له أن يشاهد بعض التصرفات والأفعال لبعض جماهير كرة القدم، سيشاهد أنهم قد انحرفوا بتلك الرياضة عن هدفها المقصود، من أنها وسيلةٌ لتقوية الجسم!!
قد جعلت الجماهير من التشجيع أداةً للتعصب والولاء والبراء والتنصنيفات المقتيتة البغيضة، ولكم سمعت الجماهير عن أناس أصيبت بالسكتات والجلطات، والموتات بسبب كرة، ولكم سمعت الجماهير عن رجال تهدمت بيوتهم، ورجال طلقت زوجاتهم لأجل مباراة، ولكم سمعت الجماهير عمن قتل بسبب تعصُّبٍ أعمى لفريق أو لاعب.
ولكم سمعت الجماهير عن بيوت تشظت مزعًا، حتى صار أهل البيت الواحد ينقسمون على أنفسهم، هذا يتبع فريقًا، وذاك يتبع آخرًا، ولكم علمت الجماهير أنه ما وقف الأمر عند حد التشجيع بل تعداه إلى سخرية أتباع الفريق المنتصر من الفريق المهزوم، والله يقول: (لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ)، وعند النهاية يكون الشجار والعراك الذي يدور بين المشجعين، بل وسقوط القتلى والجرحى بالمئات من ضحايا كرة القدم!
قاتل الله التعصب! يصل المسلم فيه إلى البغضاء، ونبي الإسلام يقول: "لا تباغضوا، وكونوا -عباد الله- إخوانًا، المسلم أخو المسلم"، وما من عجب بعدها أن يصل الأمر حينئذ إلى انتشار البغضاء حتى بين بعض الدول لأجل مباريات كرة.
قاتل الله التعصب الذي جعل من هذه الكرة مرتعًا للآثام والخصام، بل زهَّدت عن كل مرام تبتغي به العلياء، وقد ثبت بالتجربة، أن من زاحمت هذه الكرةُ وحبُّ مشاهدتها قلبه، أصبح الإدمان رفيقه، والتطبع بالسفاسف خدنه وصديقه، وقلما تجد رجلاً يشار إليه بالكرامة والنصرة والاستقامة ومعالي الأمور وهو يدمن مشاهدات الكرة، وتطغى على جل وقته.
قاتل الله التعصب الذي جعل من هذه الكرة وظيفة من لا وظيفة له، وشغلاً لمن يبحث عن شغل، حتى لوت كل الأعناق، فاللاعب هو القدوة والأسوة، وهو محل الجلال والكمال، وجعلت من اللاعبين هم أمل الأمة القادم، وهم رايتها الخضراء !! كرة القدم!!
أمضى الجسور إلى العلا *** بزماننا كرة القدمْ
تحتل صدر حياتنا *** وحديثها في كل فمْ
وهي الطريقُ لمن يريـ *** ـد خميلةً فوق القممْ
أرأيتَ أشهرَ عندنا *** من لاعبي كرة القدمْ؟!
أهمُ أشـد توهجـاً *** أم نارُ برقٍ في علمْ
ما قيمةُ العلمِ الغزير *** وأن تكونَ أخًا حكم
وتظلُ ليلكَ ساهـرًا *** تقضيهِ في همٍ وغمْ
فتُـرى ولم يبقَ الضنى *** لحمـاً عليك ولا شحمْ
ما دام أصحابُ المعا *** لي عندنا أهل القدمْ
لهمُ الجبايةُ والعطاءُ *** بلا حدودٍ، والكرمْ
لهمُ المزايا والهبات *** وما تجودُ به الهممْ
ولعــالمٍ سهر الليالي *** عاكفـاً فوق القـلمْ
ولزارعٍ أحيا المواتَ *** فأنبتــت شتى النعـم
ومقاتلٍ حُـرِمَ السهاد *** ولم يزل رهن الحممْ
بعض الفتاتِ لكي تعيـ *** ـش عِليّـةً كرةُ القدمْ
فبفضلها سيكون هذا *** الجيل من خير الأممْ
وبفضلها يأتي الصباحُ *** وينتهي ليلُ الظلمْ
وتُــردّ صهيونُ التي *** ما ردها علـمٌ وفهمْ
قاتل الله التعصب، يهوي بصاحبه إلى الحرام، بل يجعل من المسلم الذي يقول الله عنه: (وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، إلى سافل يتبع محبوبه ويواليه، ويبغض مخالفيه.
قاتل الله التعصب، به رأينا شبابًا يوالون كفرة بالله، لا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
شاهدنا شبابًا يحبونهم ويعلقون صورهم ويدافعون عنهم ويتبرؤون من منافسيهم!! شاهدنا شبابًا يبكون على هدف يضيع، أو لاعب كافر يصاب، أو لاعب يعتزل، شاهدناهم يطيرون لحضور مبارياتهم، والتصوير معهم ومعانقتهم، وتتبع أخبارهم!
ولن تجد مثل هذا الشعور لقضايا المستضعفين في كل مكان.
والإمام أحمد يُسأل عن حاله: كلما مر نصراني أغمض عينيه، فقيل له: لم تغمضُ عينيك -يرحمك الله-، فقال: لا أطيق أن أنظر إليه، أأنظر إلى رجل يكذب على الله ويفتري عليه ويقول: الله ثالث ثلاثة!!
يقول ابن باز -رحمه الله-: "إن محبّة الكفار وإعانتهم على باطلهم، وموالاتهم ومعاشرتهم ومصادقتهم والميل إليهم، واتخاذَهم أصحاباً وأخداناً ونحو ذلك هو من كبائر الذنوب، ومن وسائل الكفر بالله. أما التولي الذي هو محبتهم ونصرتهم ومساعدتهم فذلك كفر وردة".
اللهم إنا نعوذ بك من نزغات الشيطان، ونعوذ بك من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن أغنيته عنا.
معشر الفضلاء: إن الله –عز وجل- يقول: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ)، وإن من ضوابط العمل الأحسن أن يتحرى المسلم به الأمكنة المقدسة والأوقات الفاضلة، وهذا الشهر من أفضل شهور العام، فهو شهر حرام، به نصر الله نبيه موسى -عليه السلام-، وخذل فيه فرعون وجنده، وقد صامه موسى -عليه السلام- شكرًا لله، وصامه محمد بن عبد الله؛ فعن أبي قتادة -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل عن صيام يوم عاشوراء فقال: يكفر السنة الماضية، وقال أيضًا: إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله.
اللهم اهدنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم