عناصر الخطبة
1/ وجوبُ تعاوُن المسلمين وتآزرهم 2/ محاربة النظام السوري للإسلام 3/ منزلة الشام وعلو مكانتها 4/ أحوال المسلمين في سوريا 5/ الثقة في نصر الله 6/ ضرورة تقديم الدعم للسورييناقتباس
التقيت بأقوام هربوا من اغتصابٍ وحرْقٍ وتقطيع وظلم ظاهر، هربوا من خلال الوديان والجبال والمزارع، وبعضهم أكلَتْه الضباع والذئاب المنتشرة في تلك الأماكن. ولما علم ذاك الفاجر وزمرتُه لما علموا بهم وأن الناس بدؤوا يهربون من خلال مزارع ووديان أمر زبانيته فذهبوا إلى تلك المناطق ثم جعلوا يحفرون ويزرعون الألغام، فهم يقولون لي: نحن نمشي فلا نلبث أن نرى طفلاً قد قفز في السماء قد سقط ميتا بسبب هذه الألغام التي زُرِعَتْ في طريقه ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جَلَّ عن الشبيه والمثيل والكفء والنظير.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، أرسله ربه رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، فهدى الله تعالى به من الضلالة، وبصَّر به من الجهالة، وجمع به بعد الشتات، وأمَّن به بعد الخوف، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين، وأصحابه الغر الميامين، ما اتصلت عين ببصر، ووعت أذن بخبر، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
أيها الإخوة الكرام: إن الله في كتابه العظيم أمر المؤمنين بالتآزر والتعاون، فقال الله -جل في علاه-: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [التوبة:71]، وأمر الله تعالى المؤمنين بنصرة المظلومين، خاصة إذا كانوا قد أُسْقِطَ في أيديهم فلم يجدوا سلاحا ولا عتادا ولا قوة يدافعون بها عن أعراضهم وأموالهم وأنفسهم، فقال الله -جل وعلا-: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) [الحج:39].
وقال -جل في علاه-: (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) [الأنفال:72]، عليكم أن تنصروهم بأي طريقة تستيطعون أن تنصروهم بها، ولا يخفى على عاقلٍ أبداً، سواء كان مسلم أو كافراً، تَقِيَّاً أو فاجِرَاً، ما يتعرض له إخواننا منذ أمد طويل من النظام السوري في سوريا؛ لا يخفى علينا حربه على الإسلام، وتقتيله المسلمين، ومحاربته لأهل السنة والجماعة؛ لا يخفى علينا حربه للمساجد، وانتهاكه للأعراض، وقتله للأنفس، وما سكب من الدماء الجاريات.
لا يخفى علينا ما فعله بشار الأسد -وما فعله أبوه من قبله- من الحرب على الإسلام، ومنع الكتب الإسلامية، والتضييق على تدريس الإسلام، والتضييق على أئمة المساجد؛ حتى أصبح الناس هناك كأنهم يُحكَمون بفرعون آخَرَ كالفرعون الذي حكم في عهد موسى -عليه الصلاة والسلام-.
أيها الإخوة الكرام: إن الشام قد كرمها الله تعالى، ورفع قدرها، وبين الله تعالى مكانتها: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) [الإسراء:1]، وقديما قال موسى -عليه السلام- لقومه: (ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ) [المائدة:21]؛ بل من عهد سليمان -عليه السلام-، قال الله -جل وعلا-: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا) [الأنبياء:81]، يعني تجري إلى الشام.
جعل الله تعالى الشام أرضاً مباركة، جعلها مهبطاً لعدد كبير من الأنبياء، وذكرها الله تعالى في كتابه: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) [التين:1-3]، فبين الله -جل وعلا- أنه في هذه الآية جعل التين والزيتون مُقْسَمَاً به، وهو قد وجد في أرض الشام، وهي مهبط جمع كبير من الأنبياء.
بل إن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما ذكر الشام عظَّمَها وبجَّلها، فقال فيما رواه الإمام أحمد في مسنده: "يا طوبى للشام! يا طوبى للشام! يا طوبى للشام"، قيل: لمَ يا رسول الله؟ قال: "إن ملائكة الرحمن باسطةٌ أجنحتها عليها".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزالُ طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحق، قاهرين لعدوهم، لا يضرهم مَن خذلهم ولا مَن خالفهم"، قيل: وأين هم يا رسول الله؟ قال عليه الصلاة والسلام-: "هم في الشام"، وفي رواية قال: "هم في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس".
فنحن عندما نتكلم عن الشام يختلف عن كلامنا عن ليبيا وعن مصر وعن تونس وعن اليمن وعن العراق وعن فلسطين، إنما نتكلم عن بلد عظَّمه الله تعالى وشرَّفَه، وجعل فيه الحرب بين المسلمين والنصارى في آخر الزمان، كما قال -عليه الصلاة والسلام- فيما رواه مسلم لما ذكر أن المسلمين يقاتلون النصارى مقتلة عظيمة فيأتي النصارى تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألف، بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن هذه المقتلة العظيمة، وهذا الانتصار الكبير، وهذا الظهور للإسلام، وهذا الإعلاء لكلمة الله تعالى، يكون في أرض الشام .
بل إنه -عليه الصلاة والسلام- ذكر أن نزول عيسى ينزل في المنارة البيضاء شرقي دمشق، يعني في الشام، وذكر -عليه الصلاة والسلام- أن مقتل الدجال الذي يغوي الناس ويلعب بدينهم ويستهويهم إلى الكفر أنه يقتل أيضا في الشام؛ فيا طوبى للشام! ما أبرز حقها! وما أعلى شأنها! وكيف اختارها الله تعالى بعدما اختار مكة والمدينة وجعل لها شرفاً ومكانةً عظيمة!.
والشام معروفة منذ القديم بتصدير العلماء وبإظهارهم وبتعليمهم، فإذا ذكرت الإمام ابن تيمية نسبته لزاما إلى الشام، وإذا ذكرت الإمام ابن القيم نسبته لزاما إلى الشام، وإذا ذكرت الإمام ابن كثير نسبته لزاما إلى الشام، وإذا ذكرت الإمام النووي نسبته لزاما إلى الشام؛ فيا طوبى لها! كم أخرجت من علماء! كم فيها من مجاهدين! كم فيها من مؤلفات! كم طلب فيها العلم! وكم صدرت للعالم كله من الحفَظة والقرَّاء والعلماء والدعاة والمجاهدين! مِنْ مَنْ هم مثال لنا إلى يومنا هذا.
إلا إنَّ الشام ابتُلِيَت خلال عشرات سنين سابقة بحكام ظلمة، ظلموا الناس في كل شيء، ظلموهم حتى في دينهم، وحالوا بينهم وبين طلب العلم، وكل من ذهب لطلب العلم إلى خارجها، ثم عاد كان مصيره أن يسجن أو يقتل أو يضيق عليه في دينه وفي عقيدته وفي كتبه ومكتبته وفي أهله، إلى غير ذلك.
وقد كنت خلال الأيام الماضيات في زيارة إلى عدد من البلدان المحيطة بسوريا، والتقيت بأقوام هربوا من ذلك النظام الفاجر الذي لا أعلم نظاما في العالم يحارب الدين إلا وقد فعل هذا النظام كما فعل؛ حرب للمساجد، نعم! حرب للخطباء، نعم! حرب للكتب الإسلامية، نعم! ما يكاد يجد مدخلاً من المداخل ليحارب الدين إلا سلك من خلاله.
وهو يعتقد عقيدة النصيرية العلوية التي لا تمت إلى الإسلام بصلة، فيرى أن الآلهة ثلاثة، يرى أن الله حَلَّ في مُحَمَّدٍ -عليه الصلاة والسلام-، وحل في عليٍّ، فعليٌّ عندهم كروح القدس، وحل في سلمان، فهم يعبُدون غير الله، ولا يعظِّمون القرآن، ولا يغتسلون من جنابة، ولا يعرفون الوضوء، ويربون الناس على مثل ذلك؛ ألم تَرَ أنه في الجيش السوري يحرم عليهم الصلاة ويُمْنَعُون منها، ويُمْنَعُون أن يطلق أحدهم لحيته! بل من أنواع الكفر التي سمعناها تجد من ذلك عجبا.
التقيت بشيوخٍ كبار ونساء ثكالى وأطفال يُتَّمٍ في مخيمات للاجئين، دخلت مساكنهم وجالستهم ورأيت في عين كل يتيم عبرة، وسمعت من أنات كل حيران قصة، ورأيت عجائز اغتُصِبَتْ بناتُها، فهي ترفض أن يدخل أحد بالكاميرا عليها، ورأيت رجالا يطلب أن يخرج كل من في المجلس قبل أن يتكلم، ثم يقول: يا شيخ، اغتُصِبْتُ أمام بناتي وزوجتي.
التقيت بأقوام هربوا من اغتصابٍ وحرْقٍ وتقطيع وظلم ظاهر، هربوا من خلال الوديان والجبال والمزارع، وبعضهم أكلَتْه الضباع والذئاب المنتشرة في تلك الأماكن.
ولما علم ذاك الفاجر وزمرتُه لما علموا بهم وأن الناس بدؤوا يهربون من خلال مزارع ووديان أمر زبانيته فذهبوا إلى تلك المناطق ثم جعلوا يحفرون ويزرعون الألغام، فهم يقولون لي: نحن نمشي فلا نلبث أن نرى طفلاً قد قفز في السماء قد سقط ميتا بسبب هذه الألغام التي زُرِعَتْ في طريقه.
هذا مَن استطاع أن يهرب، من كان عنده مال يعطيه للمهربين لأجل أن يسلكوا به هذه الطرق، أما مَن لم يكن عنده مالٌ أو كان عنده مُصابٌ أو جريحٌ، أو كانت امرأة مع أولاده في بيته قُتِلَ زوجها، وأُسِرَ أولادُها، فلمْ تستطيع أن تتحرك من مكانها، فهؤلاء لهم قصة أخرى.
حدَّثُوني عن المساجد، فحدَّثَني صَبِيٌّ صغير وفي عينيه يتم وعَبرة، قال: يا شيخ، كنا في المسجد في حمص أثناء خطبة الجمعة، يقول: وفجأة دخل علينا هؤلاء الزبانية، معهم أسلحتهم، ومعهم عصي كهربائية فجعلوا يضربون الناس، فجعل الخطيب يحاول أن يهدئهم، فصوبوا إليه الرصاص، فنزل الخطيب من مكانه، وتفرق الناس خائفين.
قال: فقام شيخ كبير عمره جاوز الثمانين، حمامه في المسجد منذ أكثر من 60سنة، قام هذا الشيخ يعاتبهم: ما تستحون حتى في بيت الله؟ قال: فأقبل إليه أحدهم فدفعه فسقط على الأرض، ثم أقبلوا إليه مِن قدَمِهِ، وسحبوه في المسجد كله، والناس ينظرون إليه ولحيته تنكس الأرض في خلال ذلك، وجعلوا يسحبونه حتى نزلوا به من الدرج، ثم على الرصيف، ثم حمله اثنان وألقوه في السيارة. يقول الطفل: ولا أدري أين هو الشيخ، أهُو حيٌّ أو ميت؟.
وحدثوني أن المساجد في درعا لما حيل بينهم وبين الصلاة فيها وأقفلت وصار كل مَن يخرج من بيته قيد شبر قتل، قال: المساجد تحولت بعد ذلك إلى أماكن للفجور وفعل الفاحشة، ووالله يا شيخ! لقد رأينا في داخلها كتابات فارسية سب للصحابة، لعنة الله عليكم يا أحفاد أبي بكر، لعنة الله عليكم يا أبناء عائشة، باللغة الفارسية.
وكانوا يشربون الخمر في داخلها، أيُّ ادعاءٍ للإسلام؟! وأي انتساب إلى الإسلام؟! وأي تعظيم لله يدعيه هذا النظام بعد ذلك؟!.
حوصرت درعا في الأوائل على يد الفاجر، فكان الناس في عطش ومسكنة وحاجة، لا ماء ولا كهرباء ولا طعام، وكان أولئك الفجرة يدخلون إلى البيوت عنوة فيسرقون ما فيها من طعام، وإذا بقي شيء من الطعام لم يحملوه معهم خلطوا بعضه على بعض، فخلطوا الرز على الزيت على الجبن على غير ذلك وخرجوا.
ويأتون إلى مستودعات الطعام التي هي للمحلات الكبرى فيسرقون كل ما فيها ثم يحرقونها بعد ذلك، وأقبلوا إلى الصيدليات وسرقوا كل ما فيها من أدوية ثم أحرقوها بعد ذلك، وإذا وجدوا طبيبا يعالج الجرحى قتل أو أسر ولا يعلمون أين هو بعد ذلك، وإذا جيء بالجرحى إلى المستشفيات كان الحال بهم أن يأتي زلمة النظام ثم يأخذون هذا الجريح ويفتحون ثلاجة الموتى ويلقونه فيها ويغلقون عليه، فهو لا يموت بجرحه وإنما يموت في داخل الثلاجة، وإما أن يختطف إن كان له شأن ولا يدرون أين هو بعد ذلك.
وحدثوني أنهم كانوا يأتون إلى خزانات المياه ويرمونها بالرصاص من أسفلها حتى تُخرج كل ما فيها من ماء، حتى إن بعض الأطفال يطل برأسه من بيته ليشرب الماء من الشارع من شدة العطش.
أما حكاية المعتقلات فهي حكاية طويلة تسمع فيها الأسى وترى فيها الحزن، وتُقِر فيها بفجور أولئك وبُعدهم عن الدين وضلالهم، وأنهم لا يستحقون أن يحترموا ولا أن يبجلوا ولا أن يبقوا على حكم المسلمين ولا طرف ساعة أبدا.
حدثوني بأنواع العذاب من أقوام يعلقون الأيام الطوال بأيديهم، ومن أقوام يحبسون في زنازين لا تتعدى أحيانا متراً في متر يحبس فيها من عشر إلى خمسة عشر لو أراد أن يثني ركبته لا يجلس، مجرد أن يثني ركبته لا يستطيع.
حدثوني عن طالب علم قُبض عليه لأنه فقط يدرس الناس التوحيد، قبض عليه ثم رُمِيَ في زنزانة وربط وقُيِّدَ وعصبت عيناه، فلبث اليوم الأول بلا طعام ولا شراب ولا حمام، واليوم الثاني بلا طعام ولا شراب ولا حمام، واليوم الثالث، حتى كاد أن يهلك وسقط أرضا، فجعل يصيح: ماء! ماء! فأقبل إليه أحد الزبانية قال له: تريد ماء؟ قال: نعم، فلما قال له ذلك قال: افتح فمك، فلما فتح فمه أخرج ذلك عضوه وتبول في فمه!.
هذه وقائع ما سمعتها في أخبار، ولا رأيتها في قناة إخبارية، ولا قرأتها في انترنت، وقائع حدثني بها الذين عاصروها، وربما كان ابن له أو كانت أختا أو كانت زوجة، يقطع الكلام منهم البكاء حتى إنك لا تستطيع أن تطلب من أحدهم أن يكمل قصته.
وحدثونا عن الاغتصاب والفجور، وكم من عين باكية وقلب حزين ولسان يتقطع وهو يتكلم، فتدرك في داخل أنه يقصد نفسه أو ابنته لكنه يضيق صدره ولا ينطلق لسانه.
كانوا إذا جنَّ عليهم الليل أمروا بناتهم فدخلن في الحمام يختبئن طوال الليل ينمن في الحمام، أو ينمن تحت الأسِرَّةِ خوفا من أن يأتي أحد من زبانية ذلك الفاجر ليغتصبهن، فقد أباح لهم كل شيء: افعلوا ما شئتم، سرقة، اغتصاب، قتل، افعلوا ما شئتم؛ المهم أن أبقى على الكرسي.
وحدثوني عن فتيات اختطفن، وأولئك كانوا يقصدون المتحجبات بالذات، اختطفت وهي فتاة عفيفة مؤمنة غافلة لا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ وتصبح غرثى من لحوم الغوافل ، فتاة ربيت على القرآن والتوحيد، ولو نظر أحد إلى طرف أصبعها لغضبت وما رضيت، وإذا بها تختطف .
يقولون: ويصاب أبوها وأمها بالجنون، يا ليتها قتلت! فما يدرون أين هي؟ يقول: فلا يمضي -والله- يا شيخ يوم أو يومان إلا ونجدها في صندوق الزبالة عارية ومقطعة.
يقسمون لي أنهم رأوا ذلك بأعينهم، وأولئك الفجرة لا يقتلونها ويرمونها بعيدا..لا؛ بل زيادة في الإذلال يأتون بها لأجل أن يراها أهلها.
ودخلوا على قرية من القرى -وأنا أعرف أسماء هذه القرى وأحفظها الآن لكن لا أريد أن أذكرها حماية لهم، وقد سموا لي أشخاصا وبيوتا ومدن وقرى؛ لكنني لن أذكرها، وأنا متأكد يقينا من صدق هؤلاء الذين حدثوني- دخلوا على إحدى القرى وروعوا أهلها في دخولهم فجعل الشباب يخرجون ليدافعوا عن أعراضهم، يريد أن يدخل الفاجر إلى البيت بكل ما فيه فكانوا يقولون له: انتظر البيت فيه نساء، فيقبضون عليه.
فقبضوا خلال ساعة على سبعين شابا، وأركبوهم في السيارات، وبعض الشباب الموجودين اضطروا للخروج والاختباء، فدخلوا إلى البيت، وقاموا باغتصاب الفتيات، وأقبلت امرأة حامل تدفعهم عن ابنتها فرموها بالرصاص في بطنها، فلما سقطت على الأرض حملوها معهم، قال فوجدت بعد يومين وهي منحورة نحراً ومقطعة ومرمية عند بيت أهلها في كيس لحم.
وحدثني أحدهم أنه قبض عليه، قال: فكنت أعذَّبُ، يا شيخُ، ولما قلت: يا الله! التفت إليَّ أحدهم وقال: شو الله؟ الله قتلناه ورميناه. تعالى الله عما يقول الكافرون علوا كبيرا.
والله! إنك ترى العبرة في عيون اليتامى، وفي أنات الثكالى، وفي قلوب الحيارى، تراهم، (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [البروج:8].
تسمع كلامهم فلا تملك إلا أن تدعوا على ذلك الفاجر وتدعو الله بأن يقيم علم الجهاد بينهم؛ التقيت برجل قد بلغ من الكبر عتيا، له أولاد كأنهم أقمار، شباب صالحون، يقول: يا شيخُ، أقبلَتْ مرة كتيبة لقتالنا وأقبلوا للفجور والعهر فخرج إليهم ولدي، قال: فقتلوه وهو عنده أربع بنات وولدان، فدخلت على أمه بعدما قتل الولد وسحب معهم، دخلت على أمه، قلت يا فلانة، أحسن الله عزاءك في فلان، قال: فقالت: الله أكبر الحمد لله الذي أكرمني باستشهاده.
يقول: ثم مضى أيام وعمْر ولدي ثلاثون سنة وإذا ولدي الآخَر الذي عمره ثمانٍ وعشرون سنة يخرج للدفاع عن أعراضنا، فيقتل وعنده ثلاثة أطفال، قال فدخلت على أمه فقالت: الحمد لله الذي زادني من فضله.
قال :وفي اليوم الثالث أو الرابع خرج الولد الثالث وعمره ست وعشرون سنة، ولا يزال يا شيخ منذ ثلاثة أشهر لا يُعلَم أهو حي أم ميت، وليته استشهد مثلهم.
وأقبل طفل صغير وأنا أتحدث معه وقال يا شيخ هذا ولد ابني فلان، تعالى يا ولدي، فجيء به إلي، فقال له: يا ابني، هذا يسأل عن أبيك، الأب الجد يريد أن يعطي الولد دفعة أن أباه رجل مهم والابن عمره سنتان أو ثلاث، قال: يا ابني، هذا يسأل عن أبيك، فقال: يا جدي، فين بابا؟ قال: يا ابني انا قلت لك بابا راح الجنة، قال: يا جدي ليش ما تروح الجنة ترجِّع بابا. فانفطر قلب الجد، وجعلت تزرف عيناه بالدموع.
وحدثني أحدهم عن ولده، وهو شيخ كبير، وقد استشهد ولده، حدثني عن ولده، قال: خرج ولدي يوما فأصيب فرجع إلينا، وجعلنا نحاول أن نعالج إصابته، يقول: فإذا بمجموعة من الزبانية يدخلون علينا ويضربون الولد، يقول: وكانوا يكررون: مَن الخيالة البيض الذين معكم، مَن الرجال البيض الذين كانوا يركبون خيولا بيض، اعترف مَن هم. يقول: والله يا شيخ، ما كان معهم خيول ولا رجال بيض إلا أن تكون ملائكة من السماء، ثم استشهد ولده بعد ذلك.
وحدثوني أنه لما ضيق عليهم في درعا فلم يجدوا ماء ولا طعاما ولا كهرباء حتى كاد الناس أن يهلكوا، قال: فلا تسمع من البيوت مع حظر التجوال لا تسمع إلا لا إله إلا الله والله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر؛ قال: فوالله! ما مضى علينا وقت إلا وقد انطلقت علينا السماء بالماء، قال فذهبت عنا تلك الضائقة.
وحدثوني عن شاب في الجامعة دافع مرة عن أحد الأخيار الصالحين فتغاضب معه شاب أخر طالب مثله من أنصار تلك النصيرية العلوية، من أنصار بشار الخنزير ومَن معه، فتعارك معه وتخاصما، فذهب ذلك الطالب الأول وبلغ عنه، هذا وهابي، هذا يصلى، هذا يروح للجامع، هذا... ركب عليه أنه يصلي ويذهب للجامع ويعتقد بالتوحيد.
يقول: وإذا بالزبانية يرسلون إليه من يقبض عليه فيعذبه، ثم في اليوم الثاني لما بدأت الدراسة أدخل إلى الجامعة وذهب به إلى القاعة التي هي مليئة بزملائه الطلاب، ثم عري من ملابسه ووقع عليه أحدهم مغتصبا أمامهم، ثم لم يقتلوه، تركوه. فلك أن تتخيل كيف سيعيش نفسيا في حياته وقد فُعل به ما فُعِل.
انتهاك الأعراض، العبث بالنساء أمام أزواجهن، التحقيق مع الناس وهم عراة، هذا أمر تواتر، طلبة علم ومشايخ وأئمة مساجد، وناس فضلاء كرماء عقلاء لهم شأن وإذا هم يعرون في السجون ويؤمرون إذا أقبلوا إلى الضابط ليتكلم معهم يؤمرون قسرا أن يركعوا و هم عراة ويدفع، بعضهم على بعض حتى دخل وجه الرجل في دبر الآخر وهم ينظرون إليه.
(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ) [الإسراء:70]، (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين:4]، لكن هذا الخنزير القذر ومن معه لا يعرفون كرامة إلا لأنفسهم، ولا يعرفون رفعة إلا لهم، ولا يبحثون عن عزة إلا لعزهم وشرفهم ومكانتهم.
وأي كفر أعظم ممن يسب الله أو يتنقص وحدانيته -عز وجل-؟ (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [البروج:8].
والله إنك لتسمع منهم حكايات ينتفض الأطفال وهم يتكلمون فيها؛ بل قد حدثوني أن ذلك النظام الفاجر قد سلَّح بعض الطوائف في سوريا وأمرهم أن يقتلوا بها أهل السنة، يقول: وكان بعضهم على علاقة حسنة بأهل السنة فلم يرفعوا عليهم سلاحا، قال: فجعل ذلك النظام يختطف بناتهم ويختطف أطفالهم وربما اعتدى عليهم بالقتل ليظهر أن أهل السنة فعلوا ذلك.
يقول: وكانوا يسألون الأطفال في الشوارع: تعرف الشيخ فلان؟ ويسمون بعض المشايخ الذين لهم أثر في دعم الجهاد في سوريا، وفي الدفاع عن كرامة أهلنا هناك، يسمون فلانا وفلانا وفلانا: تعرف الشيخ فلان؟ فإذا قال الطفل نعم أعرفه قبض عليه مباشرة وقتل هو وأهله، لماذا تتابعون فلانا؟! (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) [القصص:4-6].
والله إننا واثقون في نصر الله تعالى للإسلام، في نصره للإسلام، إنْ في سوريا وإن في غيرها من البلدان، وَلَيُغْلَبَنَّ مُغَالبُ الغَلَّابِ، (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) [الحج:40]، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ...) [التوبة:33، الصف:9، الفتح:28]، (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) [التوبة:32].
واللهُ ناصرُ دينِه، وناصر كتابه؛ لكنه يجب علينا نحن أن ننصرهم، لنعتبر ذلك الطفل الذي يقتل اعتبر انه ولدك، وتلك الفتاة أختك، وتلك الأم أمك، وذلك الشيخ الكبير هو أبوك.
ينبغي أن نحزن لحزنهم وأن نجد لمجودتهم وأن نصاب لمصابهم، وأن نكترب لكربتهم، (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:10]، هل نحن نقرؤها فقط دون أن يكون لها أثر على واقعنا على أموالنا، على أنفسنا، على جهادنا؟.
أين الأخوة الإسلامية؟ أين الرفعة للدين؟ أين الحرص على نصرة المسلمين؟ أين حق المسلم على المسلم؟ يقول الله يوم القيامة للعبد: "يا عبدي، مرضت فلَم تعُدْنِي، قال: كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: قد مرض عبدي فلان فلم تعده، فلو عُدْتَّه لوجدت ذلك عندي".
فإذا كان الله تعالى يعاتب العبد أنْ لماذا لم تزر فلانا لما مرض ولم تعده ولم تقف معه، فكيف إذا كان يقتل ويسحل ويغتصب وتغتصب بناته وتؤخذ أمواله ويُحال بينه وبين دينه؟.
(وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ)، والله إننا واثقون بنصرة الله تعالى، والله إني واثق أن الله تعالى سينصرهم، وكأني أرى بين عيني الآن هذا الفاجر بشار وزمرته كأني أراهم إما قتلى وإما هاربين وإما مسجونين.
ووالله! كأني أرى ذلك أمام عيني الآن، وأقسم بالله تعالى -إن شاء الله- أن ذلك حاصل! يقول ابن تيمية: "إذا أراد الله إسقاط حاكم أسقط هيبته من القلوب أولا"، وها هو قد سقطت هيبته فلا ينادي إلا بالخنزير والقذر والفاجر، والناس ينبذونه بهذه الألقاب حتى في داخل سوريا.
إنني أوجه نداء إلى كل مَن كان معه في جيشه إلى أن لا يتعاونوا معه على ظلمه، لا تريقوا دما حراما: "لَزَوالُ السماوات والأرض أهون عند الله من قتل امرئ مسلم بغير حق".
إنني أنادي الجميع هناك إلى أن ينضموا إلى الجيش السوري الحر، وها هم -ولله الحمد- عقداء وعمداء ورتب كبيرة عسكرية ينضمون إلى الجهاد في سبيل الله.
إنا أنادي كل حر في سوريا إلى أن يخرج على هذا النظام الفاجر، وألا يعاونه، وألا يأذن له باستقرار أبدا، وأن يبذلوا ما يستطيعون في سبيل نصرة إخوانهم في كل موطن هناك.
دافعوا عن أعراضكم، دافعوا عن أنفسكم، دافعوا عن أموالكم، لا تكونوا لقمة سهلة يأكلها هؤلاء الفجَرة، ولا إن كان هو يستنصر بالفارسيين الخونة الشيعة الفجرة ويستنصر بحزب اللات فإنا نستنصر بربنا -جل وعلا- الحي الذي لا يموت، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وإخوانه وخلانه، ومن سار على نهجه واقتفى بأثره واستن بسنته إلى يوم الدين.
اللهم إنا نسألك الخير كله عاجله وآجله، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله؛ اللهم يا حي يا قيوم إنا نسألك أن ترينا عجائب قدرتك على بشار وزمرته...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم