عناصر الخطبة
1/ أخطر مرض يصيب المؤمن 2/ أعراض البعد عن الله: اليأس من صلاح المسلمين - النظر لمن هو دونك في الدين - البدع في الدين - الانبهار بالغرب - اتباع الاهداف الخسيسة - ضرورة المحاسبة.اقتباس
عَرَض آخر من أعراض هذا المرض: ترك الأهداف العالية، واتباع الأهداف الخسيسة، لو شققت على صدر مسلم، يريد بيتاً، يسكن فيه فقط، وزوجةً، ودخلاً، ولا شأن له بغير ذلك، أهكذا؟...
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ولا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغامـاً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته، ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الأخوة الكرام: هناك في علم الطب مرض وأعْرَاض لهذا المرض، والطبيب الحاذق ليس الذي يعالج هذه الأعراض، ولكن من يعالج أصل المرض، فأخطر مرض يصيب المسلم مرض البعد عن الله، ولهذا المرض أعراض لا نهاية لها، فكلما اتجهنا إلى معالجة هذه الأعراض، تنشأ أعراضٌ أخرى، والطريق طويل ومسدود، ينبغي أن نعالج أصل المرض.
لهذا المرض -مرض البعد عن الله- أعراض كثيرة، والإنسان حينما يصاب بمرض عضال قد ينهي حياته، ولكن إن كان مؤمناً، وإن كان قريباً من الله -عز وجل-، قد يدخل الجنة عقب هذا المرض، أما إذا كان مرضه البعد عن الله فشقي في الدنيا والآخرة.
إنني لا أبالغ حينما أقول: "إن أخطر مرض يصيب المؤمن؛ مرض البعد عن الله، قد يدع الكبائر، ويقع في الصغائر، وقد يصرُّ على الصغائر فتنقلب إلى كبائر".
أيها الأخوة الكرام: أعراض هذا المرض كثيرة جداً أكثر من أن تُحصى، من هذه الأعراض أن البعيد عن الله يائس من صلاح المسلمين، يائس من تغيير أحوالهم، ضعيفٌ، همته لا تقوى على أن ينهض، وعلى أن يصلح، والله -عز وجل- في الفاتحة التي أمرنا أن نقرأها كل صلاة وفي كل ركعة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة: 5]، والله -جل جلاله- ما أمرنا أن نستعين به إلا ليعيننا، فهذا الذي يئس من صلاح المسلمين، يئس من صلاح المؤمنين، يقول: كأنك تنفخ في رماد.
لقد أسمعت لو ناديت حيــاً *** ولكن لا حياة لمن تنــادي
ونار لو نفخت بها أضاءت *** ولكن أنت تنفخ في الرمــاد
لا أحد يصلح لهذا الدين، لا أحد معي، لا أحد يستمع إليّ، هذا اليائس من صلاح المسلمين، ومن عودتهم إلى ربهم، ومن صلاح دينهم هذا مُصاب بأحد أمراض البعد عن الله. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ" [ مسلم عن أبي هريرة] وفي رواية، "هو أهلكَهُم". جعلهم هلكى وليسوا كذلك.
فطرة الإنسان سليمة، إذا وفق الإنسان إلى إنقاذ فطرة الإنسان، وإلى إنقاذ عقله، وإلى مخاطبة عاطفته، وإلى استغلال حاجاته الأساسية لدعوته إلى الله -عز وجل-، فإن هذه الدعوة تنجح، فلا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون، وأحد أعراض مرض البعد عن الله اليأس من صلاح المسلمين، والطريق الطويل أوله خطوة.
ابدأ بنفسك فانهها عن غيّهــا *** فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل إن وعظت ويقتدى *** بالعلم منك وينفع التعليــم
إذا بدأت بنفسك فأقمت فيها الإسلام، وإذا التزمت أمر الواحد الديان ثم دعوت إلى الله بأدب وحكمة، فهناك من يستجيب لك، وهناك من يعينك، والإنسان فطرته هي فطرته، وسنة الله في خلقه هي سنة الله في خلقه، والإنسان له فطرة ثابتة، وله بنية نفسية ثابتة.
هؤلاء الذين يحجمون عن إنكار المنكرات، ويحجمون عن الدعوة إلى الله، بدعوى أن الناس هلكوا، وأنهم لا خير فيهم، وأنهم لا يستجيبون، وأنهم لا يسمعون، وأنهم يعبدون شهواتهم، هل حكمت عليهم غيباً؟! إنك تتألّى على الله، إنك تدّعي علم ما في النفوس، وهذا لا أحد يستطيع أن يعرفه غير الله.
العرَض الثاني من أعراض هذا المرض الخطير: أن المسلم في آخر الزمان ينظر إلى من هو دونه في الدين، فيرى نفسه ولياً من الصالحين ينظر إلى مرتكبي الكبائر، إلى المجرمين، إلى الزناة، إلى شاربي الخمر، يرى نفسه في أحسن حال، من قال لك: مسموح أن تنظر في أمر دينك إلى من هو أدنى منك؟!.
لا يُسمح لك أن تنظر في دينك إلا لمن هو أعلى منك, انظر إلى المؤمنين الصادقين، انظر إلى الذين أقاموا منهج الله، انظر إلى الذين تعلموا القرآن وعلموا القرآن، انظر إلى الذين تفقهوا بأحكام الدين، انظر إلى الذين يحملون هَمَّ المسلمين، أين أنت منهم؟ فلا تنظر في أمر دينك إلا لمن هو أعلى منك.
أما في أمر دنياك فالأولى أن تنظر إلى من هو أدنى منك، لئلا تحتقر نعمة الله عليك, انظر في أمر دينك لمن هو أعلى منك، وانظر في أمر دنياك لمن هو أدنى منك، فذلك أحرى ألا تحتقر نعمة الله عليك.
إذا وازنت نفسك مع المنحرفين، فأنت ولي من أولياء الله الصالحين، ولكن هذه الولاية لا تمنعك من معالجة الله -عز وجل-، لابد من أن تقيس نفسك مع الصفات التي ينبغي أن يكون عليها المؤمن، دائماً لُمْ نفسك ربنا -عز وجل- أقسم بالنفس اللوامة، قال: (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) [سورة القيامة: 1-2].
من أعراض هذه المرض الخطير -مرض البعد عن الله-: أنك تقلد في الدنيا، وتبتدع في الدين، الدين بعقيدته وعبادته توقيفي، لا يمكن أن يُضاف عليه شيء، ولا أن يُحذف منه شيء، قال تعالى: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [ سورة المائدة: 3].
أما الابتكار في أمور الدنيا فترى المسلمين اليوم يقلدون في أمور الدنيا، ويحاولون أن يبتكروا ويبتدعوا في الدين؛ ليوفقوا بين دينهم الذين يحرصون عليه حرصاً غير صحيح وبين الحضارة الغربية، أو ليقربوه من الطرف الآخر، طرف أعداء الدين، لا تبتدع في الدين.
ثلاث نصائح تُكتب على ظفر: "اتبع لا تبتدع، اتضع لا ترتفع، الورع لا يتسع" ماذا قال سيدنا الصديق الذي لو وُزن إيمان الخلق بإيمانه لرجح إيمانه؟ أول كلمة قالها في خطابه الأول: "إنما أنا متبع ولست بمبتدع، العقيدة والعبادات توقيفية، لا مجال لأن نزيد عليها، فهذا المسلم الذي يحاول أن يقرب، وأن يباعد، وأن يأتي بجديد في الدين، وأن يضيف عليه ما ليس منه، هذا يعكس الآية.
طورْ حياتك، ابحث عن حل لمشكلات المسلمين في دنياهم، أما الدين فهو الدين.
من الأعراض لمرض البعد عن الله -عز وجل-: الانبهار بالغرب "... فمن هوي الكفر فهو مع الكفرة، ولا ينفعه عمله شيئاً" [الطبراني عن جابر بن عبد الله].
ينبهرون بحضارتهم، وينسون أخلاقهم، وينسون بعدهم عن الله، وينسون جرائمهم التي لا يغفرها التاريخ، ينسون تفلتهم، ينسون انحلال أسرهم، ينسون شيوع الجريمة، ينسون شيوع المخدرات، إنهم يُؤخذون بآلة صنعها الغرب، وينسون العلة التي من أجلها خُلق الإنسان.
سُئل بعض الكتاب: ماذا نأخذ وماذا ندع من حضارة الغربيين؟. قال: نأخذ ما في عقولهم، وندع ما في نفوسهم. هذا المؤمن يصطفي، يأخذ الحقيقة الموضوعية التي ليست ملكاً لأحد، الحقيقة العلمية متفق عليها في كل أقطار الأرض، وبين كل الشعوب. نأخذ الحقيقة العلمية التي تنفعنا في شأن دنيانا، أما أن نأخذ عاداتهم وتقاليدهم وموقفهم من شأن الدين فهذا من أضل الضلال. قال تعالى: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [ سورة آل عمران: 139].
المسلمون حينما بعُدوا عن الله -عز وجل- هانت نفوسهم عليه، وضعفوا، ولم يجرؤوا أن يقولوا كلمة الحق, ربعي بن عامر كان في جيش يحارب الفرس، وكان قائد الفرس رستم وقائد المسلمين سعد بن أبي وقاص، طلب رستم مفاوضين يفاوضونه فأرسل سعد بن أبي وقاص بعض أصحابه، وطلب أن يفاوضوا رستم وكان منهم ربعي بن عامر، فلما ذهبوا إلى رستم قال رستم لهم: ما الذي جاء بكم؟ فقال ربعي: "ابتعثنا الله -جل جلاله-، لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله -لابد من أن تكون عبداً لله- فإن لم تكن عبداً لله، فأنت عبد لعبد لئيم شئت أم أبيت. ابتعثنا الله، لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله -عز وجل-، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة.
ورد في بعض الروايات أن رستم قال لجلسائه بلغتهم: ما أتعسني ليس في جيشي إلا ألف غانية، وهذا الذي جاء من البدو يقول: من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام تعجَّب.
ودققوا في كلمتي طباخ وغانية, إذا شاعت المطاعم ودور اللهو في بلاد المسلمين -ليس إلا المطاعم، ودور اللهو، والنوادي، والمقاصف، والمتنزهات، والفنادق، ليس هناك إنتاج، هناك استمتاع، هناك استرخاء، هناك خلود إلى اللذة، هناك خلود إلى الدنيا- فهذه علامة ضعف لا علامة قوة، هذه علامة انهيار لا علامة تقدم.
ثم يقول: فأرسلنا الله بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه، ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه حتى نفضي إلى موعود الله. قال رستم: وما موعود الله؟ قال: الجنة لمن مات على ذلك، والظفر لمن بقي على قيد الحياة. قال رستم: قد سمعت مقالتكم، فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه، وتنظروا. قال ربعي: نعم، كم تحب, يوماً أو يومين. قال: لا؛ حتى نكاتب أهل رأينا، ورؤساء قومنا. فقال له ربعي: ما سن لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نؤخر أعداءنا أكثر من ثلاثة، فانظر في أمرك. فقال رستم: أسيدهم أنت؟ قال: لا؛ ولكن المسلمين كالجسد الواحد يجير أدناهم أعلاهم. (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [ سورة آل عمران: 139].
أما حينما يتبع الإنسان شهواته، ويخرج عن منهج ربه، ويخلد إلى الدنيا، ويرتاح إليها، ويطمئن إليها، وينسى الآخرة، فتضعف نفسه، ويمتلئ قلبه بالخوف، وتضعف قواه.
ومن أعراض هذا المرض الخطير -مرض البعد عن الله- أن المسلم يستحي بإسلامه، يخفي هويته، إذا دعي إلى مائدة عليها شراب يقول: معدتي تؤلمني، معي قرحة!! الشراب لا يناسبني، لا يقول: أنا مسلم هذا مُحرَّم في ديني، مع أن الحق لا يُستحيا منه، والحق لا يخشى البحث، والحق لا يحتاج أن تكذب له، والحق لا يحتاج أن تكذب عليه، والحق لا يحتاج أن تبالغ به، ولا أن تقلل من شأن خصومه، الحق هو الحق، الله هو الحق: (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) [ سورة النمل: 79].
إذا كان الله معك فمن عليك. وإذا كان الله عليك فمن معك؟.
مرض خطير أن تخفي هويتك، كيف تدعو إلى الله إذا أخفيت هويتك؟ كيف تنكر المنكر إذا أخفيت هويتك؟ كيف تأمر بالمعروف إذا أخفيت هويتك؟ كن مثلاً أعلى للناس، قل لهم: أنا مسلم، ولأني مسلم أنا صادق لا أكذب أبداً، أنا مسلم ولأني مسلم أنا أمين لا أخون أبداً، أنا مسلم ولأني مسلم أنا عفيف، لا أخون في أعراض الناس أبداً، اربطْ بين أخلاقك وبين الإسلام، حتى يحب الناس الإسلام، فإذا أحبوك أنت من أنت؟. يجب أن يحبوك أنت لأنك مسلم، ولأن هذه الأخلاق تصدر عن المسلم، بهذا تدعو إلى الله وأنت ساكت، بهذا تدعو إلى الله. ولحكمة بالغةٍ بالغة، يجعل الله بعض المؤمنين دعاةً بأعمالهم، إذا عُرفوا بأنهم مؤمنون وكانوا صادقين.
حدثني رجل يعمل سائق سيارة عامة في أمريكا بأنه وجد حقيبة فيها عشرة آلاف دولار، وفيها حلي ثمينة جداً، راكبة ركبت معه ونسيت الحقيبة سلَّمها إلى الشرطة، وجدوا هذا العمل غريباً جداً. بُلغ حاكم الولاية، فجمع الفئة النظيفة في المجتمع، جمع طلاب المدارس، وجمع أساتذتهم، وسألهم: لو أن أحدكم وجد هذه الحقيبة ماذا يفعل بها؟ كان جوابهم العفوي نأخذها، فقال: هناك رجل مسلم لم يأخذها، سلمها إلى الشرطة لتدفعها إلى صاحبتها.
وكما سمعت، والذي أخبرني صادق، أقيم حفل تكريم لهذا السائق لأن الأمانة شيء عظيم، حينما ربطوا بين أمانته وبين إسلامه، كانت دعوة إلى الإسلام.
إذا كنت أخلاقياً فبيّن أن هذا من آثار دينك، ليس عادة، ولا تقليداً، ولا شيئاً نشأت عليه، ولا من تربية أبيك ولا أمك، إنه من أثر دينك، إنني مسلم.
فهذا الذي يُخفي هويته، ويخشى أن يكون مسلماً، أو يُحسب على المسلمين، هذا عرض من أعراض مرض البعد عن الله -عز وجل-.
إنك تعبد إلهاً وحداً، إنك تعبد من بيده ملكوت السموات والأرض، إنك تعبد من إليه يُرجع الأمر كله، إنك تعبد الله -عز وجل-، الذي إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون.
عَرَض آخر من أعراض هذا المرض: ترك الأهداف العالية، واتباع الأهداف الخسيسة، لو شققت على صدر مسلم، يريد بيتاً، يسكن فيه فقط، وزوجةً، ودخلاً، ولا شأن له بغير ذلك، أهكذا؟. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) [سورة التوبة: 38].
لأنه يربيكم، أرضيت بالدنيا؟ أترضى بدخل كبير وزوجة تروق لك وبيت واسع وانتهى الأمر؟ ولا تحمل هماً من هموم المسلمين ولا تسعى لمقعد صدق عند مليك مقتدر؟ هذه أهدافك؟! (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) [سورة النساء: 38], (إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً) [ سورة الإنسان: 27].
المؤمن هدفه كبير، هدفه أن يرضي الله -عز وجل-، هدفه أن يعمَّ الحق بين الناس، هدفه أن يصلح المسلمين، يساهم بشكل أو بآخر بقوته، بماله، بعضلاته، بخبرته، بعلمه، بلسانه، بوساطته لينشر الحق، ليعمَّ الهدى، ليعمَّ الخير، ليكون جندياً من جنود الحق..
لا تقلق على هذا الدين، أقيمت على هذا الدين مؤامرات لا يعلمها إلا الله، قال تعالى:
(وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) [ سورة إبراهيم : 46].
ومع ذلك يبقى الدين في علياء السماء، ويبقى أعداؤه في مزابل التاريخ، لا تقلق على هذا الدين، ولكن اقلقْ هل سمح الله لك بنصرته؟ هل سمح لك الله أن تكون جندياً من جنوده؟. هل سمح الله لك أن يكون الخير على يديك؟ يا بشر؛ لا صدقة ولا جهاد فبمَ تلقى الله إذاً؟ اسأل نفسك هذا السؤال، حاور نفسك حواراً صادقاً، ماذا قدمت للمسلمين؟.
هل قدمتُ من علمي؟ هل قدمتُ من خبرتي؟. هل قدمتُ من جاهي؟. هل ربَّيتُ أولادي تربية إسلامية؟. هل قرأتُ كتاباً انتفعتُ به ونفعتُ به؟. هل حضَرتُ مجلس علمٍ زادني علماً؟. هل عملتُ عملاً زادني قرباً؟.
لا بورك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله علماً، لا بورك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله قرباً.
أيها الأخوة الكرام: لابد من محاسبة النفس، لابد من حوار صادق مع النفس، لابد من أن تعرف أنك بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منك، لابد من أن تعرف أن الذي تجمعه في عمر مديد تخسره في ثانية واحدة حينما يأتي ملك الموت، تخسره في ثانية واحدة، ماذا أعددت للآخرة؟.
يا نفس؛ الإمام الغزالي يقول: لو أن طبيباً حذرك من أكلة تحبينها لا شكّ أنك تمتنعين، أيكون الطبيب أصدق عندك من الله؟. إذاً ما أكفرك، أيكون وعيد الطبيب أشدّ عندك من وعيد الله؟. إذاً ما أجهلك.
فالذي يعصي الله مدموغ بالجهل وبالكفر, ترك الأهداف العالية، وبحث عن أهداف ضيقة محدودة، إن أكبر مرض يصيب الذي يبحث عن أهداف محدودة مرض السأم والضجر لأن نفس الإنسان لا نهائية، فإذا اختار هدفاً محدوداً ووصله ألغيت الحياة عنده، لا معنى لحياته، يسكن البيت الذي يحلم فيه، ويتزوج المرأة التي يرغب بها، ويحصِّل المال الذي يقضي حاجته، ماذا بعد ذلك؟. المؤمن في شباب دائم، شباب المؤمن دائم لأن أهدافه كبيرة جداً، لا يوجد عنده وقت إطلاقاً.
مرَّ أحد الصالحين في هذه البلدة الطيبة بمقهى، رأى فيه رواداً يلعبون النرد، فقال: "يا سبحان الله! لو أن الوقت يُشترى من هؤلاء لاشتريناه منهم".
حدثني أخ كريم، جاء من بلد بعيد، من بلد غربي منحلٍّ أخلاقياً قال لي: إن الشذوذ يمارسه علية القوم. صار حاكم ولاية، صار قاضياً، صار مدير مؤسسة تجارية، قال: ملَّ المرأة كلها، ليس زوجته فحسب، ملّ صنف المرأة، بحث عن شيء آخر منحط.
هذا هو الفراغ، نفسك إن لم تشغلها بالخير شغلتك بالشر، إن لم تكن لك أهدافك الكبرى، تقوقعت في أهداف دنيئة خسيسة وانتهيت، اطلب معرفة الله، اطلب خدمة الخلق لتكون عند الله في مقعد صدق. حتى بعض الناس حينما يسمع العلم من رجل، هدفه أن يكون مثل هذا الرجل، لمَ لا يكون هدفك رسول الله؟.
يروى عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، أنه سأل ابنه مرةً قال: "يا بني مثل من تريد أن تكون حينما تكبر؟". قال: أريد أن أكون مثلك يا أبي، فقال سيدنا علي رضي الله عنه-: "لا بل قل إنك تريد أن تكون مثل رسول الله؛ لأنك إن كان هدفك أن تكون مثل عليٍّ فأغلب الظن أنك لن تكون مثل علي، ولكنك إذا أردت أن تكون مثل رسول الله - طبعاً في الطاعة والأعمال الصالحة فقط- فقد تكون أفضل من علي بن أبي طالب أبيك".
هذا الذي يجعل قدوته إنسان غير معصوم، غير كامل لا يصل إليه، القاعدة ليس المقلد كالمقلد، لهذا تسير الأمة نحو الهاوية، اجعل من رسول الله قدوةً لك وهدفاً.
الإمام البخاري من أستاذَه؟. لماذا لا نحفظ اسم أستاذه في الأعم الأغلب؟ لأنه فاق أستاذه، ولو جعل البخاري أستاذه هو الهدف لكان دون أستاذه.
هناك من يتوهَّم أنك إذا طمحت أن تكون مثل شيخك فقد أهنت الشيخ، من قال لك ذلك؟ فضل الله واسع عميم، فضل الله لا يحده أحد، اجعل من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدوةً لك كي تعرج في معارج الكمال، كي يصعد خط الأمة البياني، أما إذا جعلنا أهدافنا محدودة غير كاملة، غير معصومة، فينزل الخط البياني نحو الحضيض.
من الأعراض المخيفة لها المرض مرض البعد عن الله، أن الإنسان يخجل بإسلامه، ويحاول أن يقف في موقف دفاعي دائماً؛ يدافع عن تعدد الزوجات، يدافع عن قطع اليد، يدافع عن وعن، لماذا تأخذ هذا الموقف؟. عندهم سقوط لا يعلمه إلا الله، هم يرتكبون أكبر كذبة في الأرض.
قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر *** وقتل شعب مسلم مسألة فيها نظر
يسمحون بمذابح تجري في أوربا -تطهير عرقي- يتدخلون بعد أن ينتهي الأمر تدخلاً دعائياً إعلامياً، هؤلاء هم الإرهابيون، هم المنحلون، هم الكذابون، لماذا تستحي بإسلامك أمام الأعداء؟ لماذا؟ أنت مع الحق وأنت على دين الله -عز وجل-. أي حق هذا والشعوب تعاني من وطأة الاستغلال والقهر؟.
يا أيها الأخوة الكرام: لا ينبغي أن نستحي من إسلامنا، ينبغي أن ندافع عنه، ينبغي أن نرى عيوب الغرب: "... فمن هوي الكفر فهو مع الكفرة، ولا ينفعه عمله شيئاً". [الطبراني عن جابر بن عبد الله ].
العَرَض الأخير من أعراض هذا المرض الخطير مرض البعد عن الله أن المسلم أحياناً يرى في التشريعات الوضعية ما يغني عن تشريعات الله -عز وجل-، وهذا مرض خطير أيضاً، تشريع خالق الكون، تشريع الخبير العليم لا ترضى به، وترضى بقانون وضعي من صنع البشر؟!.
هذه بعض أعراض مرض البعد عن الله، فإذا اقتربت من الله فأنت إنسان آخر، قال تعالى: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [ سورة آل عمران: 139] لا تنس قوله تعالى في سور الفاتحة: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [ سورة الفاتحة: 5 ].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم