عناصر الخطبة
1/رمضان مدرسة الجود والإحسان 2/الوصية بالمداومة على العمل الصالح 3/بعض المعينات للزوم سبيل الطاعاتاقتباس
رمضان محطة للتزوُّد، ومدرسة للتغيير، وبوابة للانطلاق، وميادين الخير مُشرَعة، وجميع العبادات التي كانت مضمارًا للسباق في رمضان باقية للتنافس في غيره من الأزمان، وإن المداومة على الطاعة والاستمرار في العبادة ممَّا حثَّ عليه الإسلامُ، وأشار إليه القرآنُ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله الذي أكرَم وأنعَم، فهدَى للَّتي هي أقوم، نحمده -سبحانه- على سابغ الْمِنَح وواسع النعم، ونشكره -جل وعلا- على الدوام، في الحال والمآل والقِدَم، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، جعلنا خير أمة بين الأمم، وأكرمنا بأفضل رسله كامل الأخلاق عالي الشيم، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحابته، أولي الفضائل والهمم.
أما بعدُ: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله -رحمكم الله-، واعلموا أن مواسم الخير لا تنقضي، وأزمنة القرب لا تنتهي، وإن كنا قد ودعنا قبل أيام قلائل ضيفًا من أكرم الضيفان، وشهرا هو أجود أشهر العام، غير أن الفُرَص تتابع، والسوانح تتوالى، وأعمال البِرّ لا تنقطع، فهل من مشمر تواق؟! وهل من مجتهد حريص؟!
عبادَ اللهِ: رمضان محطة للتزوُّد، ومدرسة للتغيير، وبوابة للانطلاق، وميادين الخير مُشرَعة، وجميع العبادات التي كانت مضمارًا للسباق في رمضان باقية للتنافس في غيره من الأزمان، وإن المداومة على الطاعة والاستمرار في العبادة ممَّا حثَّ عليه الإسلامُ، وأشار إليه القرآنُ، والتزَمَه خيرُ الأنام -صلى الله عليه وسلم-، قال -تعالى-: (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ)[الْمَعَارِجِ: 23]، وفي الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها- أنَّها سئلت: "يا أم المؤمنين، كيف كان عمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ هل كان يخص شيئًا من الأيام؟ قالت: لا، كان عمله ديمة، وأيكم يستطيع ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستطيع".
ولو كان العمل قليلًا والمعروف يسيرًا، فقليل دائم خير من كثير منقطع، في الصحيحين عنها -رضي الله عنه- أنَّها قالت: سئل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ"، وقال: "اكْلَفُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ"، قال الإمام النوويّ -رحمه الله-: "أي تطيقون الدوام عليه بلا ضرر"، وفيه دليل على الحث على الاختصار بالعبادة، واجتناب التعمق، والقليل الدائم خير من الكثير المنقطع؛ لأن بدوام القليل تدوم الطاعة، بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافًا كثيرة.
والمداوَمة على العمل اليسير تحمي من الانقطاع الكبير؛ فالعبد لا يزال إمَّا في تقدُّم أو تأخُّر، إذ هو في سير دائم، ولا وقوف له البتة؛ (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ)[الْمُدَّثِّرِ: 37].
وأفضل ما يُستأنَف به الإنسان أعمال البر بعد رمضان صيام الست من شوال متتالية أو مفرَّقة؛ في صحيح مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر"، فهنيئًا من اتخذ من رمضان مسيرة للسير إلى الرحمن، وجعل أيامه كلها قربة تزلفه من الجنان.
أقول قولي هذا وأستغفِر اللهَ لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانه، وعلى آله وصحابته وإخوانه.
أمَّا بعدُ، عبادَ اللهِ: إذا أراد الله بعبده خيرًا ثبَّتَه على طريق الطاعة، وألزَمَه غرسَ الاستقامة، وفتَح له أبوابَ الخير، ويسَّر له سُبُلَ العبادة، قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "وفي هذه الفترات التي تَعرِض للسالكينَ، يتبيَّن الصادقُ من الكاذب؛ فالكاذب ينقلب على عقبيه، ويعود إلى طبيعته وهواه، والصادق ينتظر الفرج، ولا ييأس من روح الله، ويلقي نفسه بالباب طريحا ذليلًا، كالإناء الفارغ، فإذا رأيت الله أقامك في هذه المقام، فاعلم أنَّه يريد أن يرحمك ويملأ إناءك".
وإن من أعظم ما يعين العبد على ذلك دعاء الله -جل وعلا-، فقد وعد الله عباده بالاستجابة، فقال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)[الْبَقَرَةِ: 186]، وممَّا كان يدعو به النبي -صلى الله عليه وسلم- الثبات على الدين، في مسند الإمام أحمد، وجامع الترمذي وحسَّنَه، عن أنس -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكثر أن يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، فقلتُ: يا رسول الله، آمَنَّا بكَ وبما جئتَ به، فهل تخاف علينا؟ قال: نعم، إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله، يقلبها كيف يشاء".
ثم صلُّوا وسلِّموا -رحمكم الله- على خير خلق الله محمد بن عبد الله، فقد أمرَكم بذلك ربُّكم فقال -جل في علاه-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، فاللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهمَّ عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن باقي العشرة وأصحاب الشجرة، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين وتابعين بإحسان إلى يوم الدين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، ، واحمِ حوزةَ الدين، وانصُرْ عبادَكَ الموحِّدينَ يا قوي يا متين، اللهمَّ فَرِّجْ همَّ المهمومينَ من المسلمين، ونَفِّسْ كربَ المكروبين، واقضِ الدَّينَ عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين.
اللهمَّ آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِحْ أئمتنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق والتوفيق والتسديد إمامنا وولي أمرنا، اللهمَّ أطل عمره في صحبة وعافية، ونعمة سابغة ضافية، اللهمَّ وفِّقْه ووليَّ عهده الأمين لِمَا فيه صلاحُ البلادِ والعبادِ، وعز ورفعة للإسلام والمسلمين يا ربَّ العالمينَ.
اللهمَّ احفظ جندَنا المرابطينَ على الحدود والثغور، اللهمَّ احرسهم بعينك التي لا تنام، واكنفهم بركنك الذي لا يرام، يا ربَّ العالمينَ.
اللهمَّ كن لإخواننا المستضعَفين في كل مكان، اللهمَّ أبدل ضعفهم قوة، وخوفهم أمنا، وبؤسهم سعة ورخاء يا ربَّ العالمينَ، اللهمَّ انصرهم في فلسطين على الصهاينة الغاصبين، اللهمَّ كن لهم مؤيدًا وظهيرًا، ومُعينًا ونصيرًا، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا متين، اللهمَّ اجعل خير أعمالنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك فيه، توفنا وأنت راض عَنَّا غير غضبان، وثبتنا على طاعتك، وأعنا على مرضاتك، يا أرحم الراحمين.
(رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182]، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم