عناصر الخطبة
1/ السعادة في ثلاثة أشياء 2/ العبد في الدنيا يدور حول ثلاثة أشياء 3/ فضل الصبر ومنزلته 4/ فضل الاستغفار وثمراته 5/ حديث جمعت فيه ثلاثة أشياء عليها مدار السعادة 6/ أهمية التوحيد وفضلهاقتباس
أيها المؤمنون عباد الله: إنَّ سعادة العبد في دنياه وأخراه تدور على تحقيق أمورٍ ثلاث؛ لابد منها؛ فمن وُفِّق لتحقيقها ويُسِّر له القيام بها كان من أهل السعادة في الدنيا والآخرة؛ ألا... وإذا تأمل العبد في نفسه فإن الذنوب كثيرة والخطايا متعددة والاستغفار قليل؛ فالواجب علينا عباد الله أن نُكثر من الاستغفار وأن نكثر من الإقبال على الله والإنابة إليه جل في علاه، وقد كان نبينا صلوات الله وسلامه عليه الذي...
إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، وصفيُّه وخليله، وأمينه على وحيه، ومبلِّغ الناس شرعه، ما ترك خيراً إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شراً إلا حذَّرها منه ؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعدُ:
أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله تعالى، فإنَّ من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
وتقوى الله جل وعلا: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله.
أيها المؤمنون عباد الله: إنَّ سعادة العبد في دنياه وأخراه تدور على تحقيق أمورٍ ثلاث؛ لابد منها؛ فمن وُفِّق لتحقيقها ويُسِّر له القيام بها كان من أهل السعادة في الدنيا والآخرة؛ ألا وهي -أيها المؤمنون-:
شكر الله على نعمائه.
والصبر على قدره وقضائه.
والاستغفار والتوبة إليه جلَّ في علاه.
وذلك -أيها المؤمنون- أن العبد في هذه الحياة يدور مع أمورٍ ثلاثة:
نِعَمٌ متوالية وعطايا متوالية يمنُّ الله تبارك وتعالى بها عليه، والنعمة تستوجب شكر المنعِم سبحانه.
أو مصائب وأمورٌ يقدِّرها الله تبارك وتعالى ويقضي بها على عبده، فالواجب على العبد أن يتلقى هذه المصائب والابتلاءات بالصبر على قضاء الله وقدره محتسباً راجياً فضل الله وعطاءه.
والأمر الثالث -عباد الله-: ذنوب يقترفها وخطايا يرتكبها وتقصيرات في جنب الله يقع فيها، فهذه تتطلَّب توبةً واستغفارا.
فطوبى أيها المؤمنون لمن إذا أُعطي شكر، وإذا أذنب استغفر، وإذا ابتُلي صبر.
أيها المؤمنون عباد الله: والحمد والشكر لله عز وجل على مننه وعطاياه الدينية والدنيوية مؤذِنٌ بالمزيد؛ كما قال الله تبارك وتعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم:7].
والله سبحانه يرضى عن عبده إذا أكل الأكلة أن يحمده عليها، وإذا شرب الشربة أن يحمده عليها.
والمؤمن -عباد الله- مطالَبٌ بالاعتراف بنعم الله عليه ومننه وأفضاله، ومطالبٌ بأن يحرِّك لسانه شكراً لله وحمداً وثناءا، ومطالبٌ أن يُعمِل جوارحه في طاعة الله كما قال الله تعالى: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا)[سبأ:13].
أيها المؤمنون: والصبر على البلاء مقام عظيم من مقامات الدين الرفيعة، ومنازله العليَّة، ولا يوفَّق له إلا من منَّ الله عليه، وشرح صدره، وتلقى قضاء الله تبارك وتعالى وقدَره بالعلم والإيمان بأنَّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأنَّ ما أخطأه لم يكن ليصيبه: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)[التغابن:11].
قال علقمة رحمه الله تعالى: "هو المؤمن تصيبه المصيبة فيعْلمُ أنها من عند الله فيرضى ويسلِّم".
وهذه الحياة - أيها المؤمنون - ميدانٌ للابتلاء، ودارٌ للامتحان، وما مُلئ بيتٌ فرحة إلا مُلئ عبرة وترحة؛ ولهذا ينبغي للمسلم أن يروِّض نفسه على الصبر على القضاء كما يروِّض نفسه على الشكر على النعماء، والله تعالى يقول: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 155-157].
وأما الاستغفار - عباد الله- فشأنه عظيم وثوابه عند الله جزيل، وفي الحديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: "طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا".
وآثار الاستغفار على العباد وثماره عليهم في الدنيا والآخرة لا تُعد ولا تحصى، وإنَّ من الثمار الدنيوية ما جاء في قول الله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) [نوح:10-12].
وإذا تأمل العبد في نفسه فإن الذنوب كثيرة والخطايا متعددة والاستغفار قليل؛ فالواجب علينا عباد الله أن نُكثر من الاستغفار وأن نكثر من الإقبال على الله والإنابة إليه جل في علاه، وقد كان نبينا صلوات الله وسلامه عليه الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يُحصى له في المجلس الواحد: "أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ" أكثر من مئة مرة.
فنسأل الله عز وجل أن يجعلنا أجمعين ممن إذا أُعطي شكر، وإذا ابتُلي صبر، وإذا أذنب استغفر، وأن يجعلنا من أهل السعاة في الدنيا والآخرة إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء، وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أيها المؤمنون: اتقوا الله تعالى، وراقبوه سبحانه مراقبة من يعلم أنَّ ربه يسمعُه ويراه.
واعلموا -رعاكم الله - أن تقوى الله جل وعلا خير زادٍ يبلِّغ إلى رضوان الله؛ كما قال الله تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة:197].
وهي وصية الله تبارك وتعالى للأولين والآخِرين من خلْقه؛ كما قال الله تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131].
وهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، وهي وصية السلف الصالح بينهم.
أيها المؤمنون عباد الله: لقد جُمعت هذه الأمور الثلاثة التي عليها مدار السعادة - ألا وهي: الشكر، والصبر، والاستغفار- في أثرٍ عظيم يروى عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما فيما رواه البيهقي في شعب الإيمان وابن أبي الدنيا في كتابه الشكر وابن المبارك في كتابه الزهد وغيرهم أنه رضي الله عنه قال: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ: مَنْ كَانَ عِصْمَةُ أَمْرِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَإِذَا أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ قَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَإِذَا أُعْطِيَ شَيْئًا قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَإِذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ".
فذكَر هذه الأمور الثلاثة التي عليها مدار السعادة، وأضاف إليها أمراً عظيما، وأصلاً متينا، وقاعدةً مهمة للغاية عليها قيام الدين، وهي عصمة أمر المسلمين، ولا نجاة لهم ولا سعادة في الدنيا والآخرة إلا بتحقيقها ألا وهي: أن يكون عصمة أمرهم: "لا إله إلا الله".
وهذه الكلمة -أيها المؤمنون- هي كلمة التوحيد التي عليها قيام دين الله تبارك وتعالى؛ فلا قَبول لأي عمل من الأعمال، ولا انتفاع بأيِّ طاعة من الطاعات إلا إذا قامت على توحيد الله تبارك وتعالى؛ كما قال الله جل وعلا: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [البينة:5].
وكما قال سبحانه: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل:36].
وقال جل وعلا: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء:25].
وهذه الكلمة -أيها المؤمنون- عليها مدار السعاة في الدنيا والآخرة؛ فأهل التوحيد هم أهل السعاة، وأهل ضد التوحيد هم أهل الشقاء في الدنيا والآخرة.
وكلمة التوحيد "لا إله إلا الله" تعني إخلاص الدين لله وإفراده تبارك وتعالى وحده بالعبادة؛ فلا يُدعى إلا الله، ولا يستغاث إلا بالله، ولا يُتوكل إلا على الله، ولا يُذبح ولا يُنذر إلا لله، ولا يُصرف شيء من العبادة إلا له وحده جل في علاه؛ كما قال الله تبارك وتعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)[الأنعام:162-163].
واعلموا -رعاكم الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدى هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وعليكم بالجماعة فإنَّ يد الله على الجماعة.
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد ابن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد.
وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهمَّ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين.
اللهم انصُر من نصَر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.
اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان.
اللهم كن لهم ناصراً ومعِينا وحافظاً ومؤيِّدا.
اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنَّا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير والموت راحةً لنا من كل شر.
اللهم اجعلنا أجمعين مباركين، اللهم اجعلنا أجمعين مباركين.
اجعلنا يا رب العالمين ممن إذا أُعطي شكر، وإذا ابتُلي صبر، وإذا أذنب استغفر.
اللهم وأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
اللهم واهدنا إليك صراطاً مستقيما.
اللهم اغفر لنا ذنبنا كله؛ دقه وجلَّه، أوله وآخره، سرَّه وعلنه.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
ربنا إنَّا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم