عناصر الخطبة
1/محبة النبي من أعظم العبادات القلبية 2/واجبنا تجاه النبي -عليه الصلاة والسلام- 3/شدة محبة الصحابة للنبي -عليه الصلاة والسلام- 4/جوائز وثمرات محبة النبي -عليه الصلاة والسلام-اقتباس
ومن محبته -صلى الله عليه وسلم- محبة قرابته وصحابته، وبغض من يبغضهم، وحب كل من وما يحبه رسول الله، وبغض كل من وما يبغضه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب الصحابة، ويحب المؤمنين بعد الصحابة، ويحب أهل بيته...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إن الْـحَمْد لِلَّـهِ نَحْمَدُه، وَنَسْتَعِينُه، وَنَسْتَغْفِرُه، ونعوذُ بِاَللَّـهِ مَن شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنّ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَن يَهْدِه اللَّـهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنّ يُضْلِل فَلا هَادِي لَه، وَأَشْهَدُ أن لا إلَه إلَّا اللَّـهُ وَحَدَهُ لا شَرِيكَ لَه، وَأَشْهَدُ أن محمداً عبدُهُ ورسوُلُه.
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70 - 71].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْـحَدِيثِ كِتَابُ اللـهِ، وَخَيْرَ الْـهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ.
أما بعد: فإننا نعلن لكل الناس: أنا نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ونعتز ونفتخر بها؛ هي منهاج حياتنا، وطريق سعادتنا، ونهاية أملنا، وغاية وجودنا، وبشهادتنا أن محمدًا رسول الله نؤمن أنه -صلى الله عليه وسلم- هو منقذنا من الضلال، والعذاب والشقاء في الدنيا والآخرة، هو رسول الله وهو مبلغ رسالة الله -سبحانه-، فما واجبه علينا؟.
لا شك أن هذه الشهادة يتبعها واجبات كثيرة، منها محبته -صلى الله عليه وسلم-، كيف لا؛ وهو الرحيم بنا؟ (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[التوبة: 128]، كيف لا؛ وهو مبلغ القرآن الكريم لنا؟ (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا)[النساء: 113].
إن محبته -صلى الله عليه وسلم- من أعظم العبادات القلبية التي أمرنا بها القرآن الكريم والسنة النبوية، والحبّ والبغض من أوثق عرى الإيمان، فكيف نحب الصحابة والمسلمين ولا نملأ قلوبنا بحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ وهو معلّمهم ومربيهم ومنقذهم من الضلال؟! أما إنه لا حظ في الإسلام لمن لم يحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الله -تعالى- جمع محبته بمحبة الله -سبحانه- فقال -عز وجل-: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ)[التوبة: 24]؛ ولأن المسلم لا يكون مؤمنًا حتى يحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر من نفسه والناس أجمعين، فقد صح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين"(متفق عليه).
ولأن الله -تعالى- يحبه، فإذا أحببت رسول الله فقد أحببت من يحب الله، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أحبوني لحب الله إياي"(رواه الترمذي)؛ ولأنه يحبنا -صلى الله عليه وسلم-، فقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج إلى المقبرة، فقال: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددتُ أني قد رأيت إخواننا"، قالوا: يا رسول الله، ألسنا إخوانك؟! قال: "بل أنتم أصحابي، وإخواني الذين لم يأتوا بعد، وأنا فرطهم على الحوض"، قالوا: يا رسول الله، كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟ قال: "أرأيت لو كان لرجل خيل غير محجلة في خيل بهم دهم؟ ألا يعرف خيله؟"، قالوا: بلى، قال: "فإنهم يأتون يوم القيامة غُرًا محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض".
فلنكثر من الصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم-؛ فبكثرة الصلاة عليه تتعزز محبته في قلوبنا، كيف لا؛ والله -تعالى- يصلِّي عليه والملائكة الكرام؟ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]؛ لذا كان أكثر الناس محبة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهل الحديث ورواته؛ لأنهم يكثرون من ذكر اسم النبي -صلى الله عليه وسلم- والصلاة عليه، كما قيل:
أهلُ الحديثِ هُمُ أهلُ النبي *** وإن لم يصحبوا نفسَه أنفاسَه صَحِبوا
ولنكثر من قراءة سيرته العطرة -صلى الله عليه وسلم-، وتذكّر مواقفه، هذا أبوبكر الصدّيق -رضي الله عنه- لما ضُرب وهو يدافع عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أُغمي عليه، فلما أفاق لم يهتم بصحته وألمه، وإنما كان أول ما قال: "ما فعل رسول الله؟"، قالوا: سالم.
وهكذا يأتي أناسٌ يحبون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كحب الصحابة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيكون أجرهم كالصحابة، نسأل الله -تعالى- أن نكون منهم، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "من أشد أمتي لي حبًّا ناس يكونون بعدي، يود أحدهم لو يراني بأهله وماله"(رواه مسلم).
كان الصحابة يجلُّون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا تكلَّم كأن على رؤسهم الطير من خشوعهم وسكونهم، ولا يتوضأ إلا ابتدروا وضوءه، ولا يتنخم إلا تلقوها بأكفهم، ولا تسقط منه شعرة إلا ابتدروها، وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيمًا له، كما قال عروة بن مسعود -رضي الله عنه-: "إني جئت كسرى في ملكه، وقيصر في ملكه والنجاشي في ملكه، وإني -والله- ما رأيت ملكًا في قوم قط مثل محمد في أصحابه"(رواه البخاري).
ولنلتزم بسنّته ونتبع هديه، فإن اتباعه -صلى الله عليه وسلم- يورث محبته، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدَثات الأمور"(رواه أحمد وأهل السنن)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى"، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى"(رواه البخاري)، هؤلاء الأُباة أهل البدع الذين يتبعون محدثات الأمور، ويعظمون رؤساءهم وزعماءهم، بدل أن يحبوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن البدعة تبعد عن السنة.
ومن محبته -صلى الله عليه وسلم- محبة قرابته وصحابته، وبغض من يبغضهم، وحب كل من وما يحبه رسول الله، وبغض كل من وما يبغضه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب الصحابة، ويحب المؤمنين بعد الصحابة، ويحب أهل بيته، ويحب أزواجه، ويحب الكعبة، ويحب القرآن، ويحب الصمت، ويحب الطيب والنساء، وقرة عينه في الصلاة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله؛ (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ)[غافر: 3]، (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[القصص: 88]، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه؛ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة عليّ"، وقال --صلى الله عليه وسلم--: "أولى الناسِ بي يومَ القيامةِ أكثرُهم عليّ صلاةً".
وبعد: فهنيئًا لمن أحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإنه سينال الكثير من الجوائز، أعظمها محبة الله -سبحانه- له، وإذا أحبه الله يسَّر له أمور دينه ودنياه، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خليل الله، والخلّة من أرقى درجات المحبة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لو كنتُ متَّخذًا من أهلِ الأرضِ خليلًا لاتخذت أبابكر خليلًا، ولكن صاحبكم خليل الرحمن"(رواه البخاري).
والجائزة الثانية لمحبته -صلى الله عليه وسلم- أن يكون رفيقًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الجنة، وما أعظمها من جائزة!، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ومن أحبني كان معي في الجنة"(رواه الترمذي)، وقال رجل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: متى الساعة؟ قال: "ما أعددت لها؟"، قال: ما أعددت لها بكثير صلاة ولا صيام؛ ولكني أحب الله ورسوله، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أنت مع من أحببت"(متفق عليه).
جعلني الله وإياكم من أحباب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم