اقتباس
فبادر الحج؛ فالفُرص فواتة, والعمر يمضي, والأحوال قُلَّب وفي الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أراد الحج فليتعجل, فإنه قد يمرض المريض, وتضل الضالة, وتعرض الحاجة".
إن نظرة متعمقة في هاتيك الأنساك الطاهرة، والحِكَم الجليلة الخفية منها والظاهرة، والعمل حقيقةً على الاستفادة منها في واقع الحياة، لهي جديرة -شأنها شأن التأمل في كل الأوامر الإلهية والشعائر الإسلامية- أن تغيِّر من واقع الأمة نحو الأفضل، وأن تزيل الغشاوة عن الأعين العمشاء، والأنفس الهزيلة العجفاء؛ لتدرك الأمة مبعث قوتها الحقيقية، وتعرف حجمها الذي لا تزال يومًا بعد يوم تستصغره، وتشك في قدرته على مواجهة أعدائها المتربصين، ولكن عما قريب تنهض الأمة، وتنفض عنها غبار الذلة والصغار، لتقود العالم من جديد، وتقف على رؤوس الأشهاد، على بوابات المدائن يصرخ رجالها الفاتحون:
أذن إبراهيم –عليه السلام- في الناس بالحج فأجابوا، ودعاهم فلبوا؛ جاءوا إليه رجالاً على أرجلهم، وركبانا على كل ضامر, جاءوا للحج من كل فجّ، الشوق يحدوهم، والرغبة تسوقهم.. فهل مرَّ بك ركب أشرف من ركب الطائفيين، وهل شممت عبيراً أزكى من غبار المحرمين، وهل هزَّك نغم أروع من تلبية الملبين، لقد كان شوق السلف الصالح للبيت - مع بعد الشقة, وصعوبة الترحال, وقلة الظهر, وشدة الحال – شيئاً لا يوصف يصدق عليهم قول القائل:
هتف المنادي فانطلق يا حادي *** وارفق بنا إن القلوب صوادي
تتجاذب الأشواق وجد نفوسنا *** ما بين خافٍ في الضلوع وباد
وتسافر الأحلام في أرواحنا *** سفراً يجوب مفاوز الآماد
ونطوف آفاق البلاد فأين في *** تطوافنا تبقى حروف بلاد
هتف المنادي فاستجب لندائه *** وامنحه وجدان المحب وناد
لبيك .. فاح الكون من نفحاتها *** وتعطَّرت منها ربوع الوادي
لبيك .. فاض الوجد في قسماتها *** وتناثرت فيها طيوف وداد
لبيك ..فاتحة الرحيل وصحبه *** هلا سمعت هناك شدو الشادي
هذا الرحيل إلى ربوع لم تزل *** تهدي إلى الدنيا براعة هاد
هذا المسير إلى مشاعر لم تزل *** تذكي المشاعر روعة الإنشاد
أسال العلي العظيم الواحد الأحد الحي القيوم أن يرزقنا الوفود إلى بيته الحرام ويجعلنا من المقبولين بمنه وكرمه. اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم