متى نصر الله؟

محمد ملّا مراد

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

وليس هذا هو زبدة الموضوع ومكمن الأمر، وحقيقة السر، فلقد نقل الله عز وجل لنا مشهد أصحاب الأخدود، حينما قال في محكم كتابه: (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق) إنها نهاية مؤلمة يتفطّر لها قلب كل إنسان، ولا يملك عينه أن تكفكف الدمع عندما يتراءى له ذلك المشهد أمام مخيّلته، وبالرغم من ذلك لم يخبرنا الله تعالى بأنه أيدهم بجنودٍ من السماء لنصرتهم .. ولكن حقيقة النصر يكمن في الثبات على المبادئ ..

 

 

 

 

 

في ظل هيمنة النظام وانتشار سطوته، واستفراده بالشعب السوري على مرأى ومسمع العالم كاستفراد الذئب بالقطيع، مع ما يقابله من شعب أعزل سلاحه صوته، يتطلع كل فرد من الشعب السوري إلى ذلك اليوم الذي يفوح فيه عبير الحرية، وترتفع فيه رايات النصر خفاقةً في أرجاء سورية الحبيبة، وتنتشر فيه أنوار الحق والكرامة والعزة تضيء لسورية التي أثقلتها قيود الطغيان، ولكي تتحقق هذه الأماني الغالية يجب علينا أن نتلمّس طريق النصر والخلاص من هذا الواقع الكئيب، ولا يكون ذلك إلا بالعودة إلى كتاب الله تعالى؛ لنأخذ منه السنن الكونية والنفسية لتحقيق الأمل المنشود؛ فبعد أن تلمست من بعض الإخوان الثوريين أن اليأس تسرب إلى قلوبهم، فلذلك اخترت في هذا الصدد آيةً عظيمةً من كتاب الله تعالى، تصور حال الفئة المؤمنة وقت الشدة والأزمات، وهي قوله تعالى: (متى نصر الله) لتكون منطلقاً لحديثي عن هذه القضية المهمة.

يقول الله سبحانه في كتابه العزيز: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب) هذه الآية الكريمة نزلت في يوم غزوة الخندق، حينما ذاق المسلمون أقسى لحظات الأذى النفسي والجسدي من البرد وضيق العيش، وتكالبت قوى الكفر عليهم لتنزعهم من جذورهم، وتجعلهم أثراً بعد عين، كما هو حال أهلنا في سورية الحبيبة، ولقد قرب الله لنا هذا المشهد المرعب، وأبلغ في وصف حالهم عندما قال في محكم تنزيله وفصيح بيانه: (إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا * هنالك ابتليَ المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً) وبالرغم من ذلك الزلزال العنيف الذي واجهه المسلمون فقد صبروا على ما أصابهم، وأدّوا ما أمرهم الله حتى جاءهم النصر المبين، واندحرت جيوش الكفر تجرّ أذيال الهزيمة، وتتجرّع كؤوس المهانة، فهذه الواقعة هي درس عظيم للأمة السورية، كشفت بجلاء عن حقيقة النصر، والطرق التي تؤدي إليها.

ومن خلال فَهْمنا لهذا الدرس، نستطيع أن نرد على تلك التساؤلات التي يرتفع صوتها بين الفينة والأخرى قائلةً: "أما آن للظلم أن يندحر؟ أما آن للقيد أن ينكسر؟ متى يأتي ذلك اليوم الذي يبزغ فيه فجر الحرية وتخمد فيه نار الظلم، ويزول فيه ليل الطغيان؟" أسئلة كثيرة تدور في أذهان بعض الذين تسرب اليأس إلى قلوبهم، والرد عليها أن الله تعالى قضى بحكمته أن يكون الصراع بين الحق والباطل سنةً كونيةً من سنن الحياة منذ عهد أبينا آدم عليه السلام وحتى يرث الله الأرض ومن عليها، ولكن دائما لا يصح إلا الصحيح؛ فالعاقبة للمتقين، والغلبة لله ولرسوله وللمؤمنين، وفي هذا يقول الله تعالى: (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز)، وقال تعالى: (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنهم لهم المنصورون * وإن جندنا لهم الغالبون)، وها هو النبي صلى الله عليه وسلم يبشّر أمته بذلك، فعن تميم الداري رضي الله عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدرٍ ولا وبرٍ الا أدخله الله هذا الدين، بعزّ عزيز أو بذلّ ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر).

وهذا النصر الذي وعد الله به عباده المؤمنين ليس مقتصراً على الدنيا فحسب، كما دلّ عليه قوله تعالى: (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) وقد يتأخر النصر قليلا وإن لم يشهده الذين قدموا دماءهم للوصول إلى هذا النصر، ولنا في بعض الأنبياء قدوة حسنة كيحيى و زكريا عليهما السلام قتلهما قومهما؛ لأن الانتصار لأولئك الأنبياء قد حصل بعد مماتهم، كما فعل الله بقتلة يحيى وزكريا عليهما السلام، فقد سلّط الله عليهم من أعدائهم من يهينهم ويسفك دمائهم، وتحقق بذلك موعود الله تبارك وتعالى، وهكذا نصر الله أنبياءه على من خالفهم وكذبهم.

وليس هذا هو زبدة الموضوع ومكمن الأمر، وحقيقة السر، فلقد نقل الله عز وجل لنا مشهد أصحاب الأخدود، حينما قال في محكم كتابه: (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق) إنها نهاية مؤلمة يتفطّر لها قلب كل إنسان، ولا يملك عينه أن تكفكف الدمع عندما يتراءى له ذلك المشهد أمام مخيّلته، وبالرغم من ذلك لم يخبرنا الله تعالى بأنه أيدهم بجنودٍ من السماء لنصرتهم، ولم يخبرنا أيضاً بأنه خسف الأرض بالقتلة أو أرسل عليهم حاصباً، كل هذا لم يخبرنا الله به، إذا فأين النصر؟!! إن الله عز وجل يريد أن يعلمنا درساً عظيماً، وأمرا جليلاً، ألا وهو أن النصر لا يكون بالأسباب الظاهرة، والعقوبات العاجلة فحسب، ولكن حقيقة النصر يكمن في الثبات على المبادئ.

فأولئك الشهداء المؤمنين من أصحاب الأخدود قد انتصروا في حقيقة الأمر؛ لأنهم استطاعوا أن يثبتوا على مبدأ الإيمان مع كل تلك الخطوب العظيمة، والآلام الجسيمة، تلك هي حقيقة النصر التي يجب أن يتعلمها الشعب السوري ويعيها جيداً؛ فالثبات على الثورة السلمية هي حقيقة النصر، فعلى الثوار عدم التراجع عن ثورتهم مهما كانت العواصف قوة.

لأن هذا النصر الظاهر قد يتأخر، ويستبطئه الشعب؛ لحكمة يريدها الله، ولأسباب لا يعقلها إلا من وهبه الله إيماناً قوياً وفهماً عميقاً للأمور والأحداث، ومن هذه الأسباب كون الشعب السوري غير مؤهلة لحمل مسؤولية الدولة وحمايتها، فلو نال النصر لفقده سريعاً؛ لعدم قدرته على حمايتها طويلاً، وقد يبطئ النصر؛ لأن الله سبحانه يريد من الشعب السوري أن يزيدوا قربهم من الله، ويجردوا نواياهم من كل ما يشوبها من حب للظهور أو طلبٍ لأطماع دنيوي أو مآرب شخصية، فإذا توافرت أسباب النصر عند الشعب السوري كان الشعب جديرا بنصر الله تعالى له، ومن ناحية أخرى قد يتأخر النصر؛ لأن النظام الذي يحاربه الشعب السوري لم تنكشف حقيقته للبسطاء من الناس، وبالتالي لم يقتنعوا بعدُ بفساده، وضرورة زواله، فيحتاج الأمر إلى مزيد من الوقت والجهد لكشف زيفه، وبيان بطلانه، كي يتقبّل الناس ذلك النصر، ويكون له أعظم الأثر في نفوسهم بعدما تبيّنت لهم حقيقة النظام، وأثره السيئ على سورية. فإذا انتصر الثوار حينئذٍ لم يجد من يذرف الدموع عليه، ويأسف على زواله.

وخلاصة القول: إن الله سبحانه وتعالى سوف يعلي كلمة الحق، وينصر الشعب السوري، ولن يتم ذلك إلا بالأخذ بأسباب النصر، وعوامل تحققه، ومهما طال ليل الهزيمة، فإن فجر النصر آت بإذن الله، وحينئذٍ يفرح الشعب بنصر الله، ويتم الله الأمر لهم، نسأل الله تعالى أن يرينا ذلك اليوم عاجلا غير آجل، وما ذلك على الله بعزيز.

 

 

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات