عناصر الخطبة
1/ الرقى والتمائم معناهما وحكمهما 2/ من أمثلة التعاليق الشركية قديماً وحديثاً 3/ أقسام الرقى وشروطها 4/ أقسام التعلق بغير الله تعالى 5/ الإِيمان وسيلة إلى المطالب والرغائباقتباس
ومن أمثلة التعاليق الشركية: ما يعلق على الإنسان اعتقادًا أنه يدفع العين: كالتعاليق الجلدية الصغيرة التي توضع فيها التميمة، أو خرزات أو عظام بعض الدواب، أو لبس أساور من نحاس، أو خواتم لها فصوص، أو عين زرقاء وهي رسم لعين إنسان باللون الأزرق؛ يزعم أهل الشرك أنها ترد العين ..
الحمد لله، من تمسك بهديه قربه وأدناه، ومن خالف أمره أبعده وأقصاه، أحمده -سبحانه- لا يذل من والاه، ولا يعز من عاداه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا إله غيره ولا رب سواه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله اجتباه ربه واصطفاه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن دعا بدعوته واهتدى بهداه.
أما بعد: فاتقوا الله -أيها المسلمون- واحذروا السيئات، واستكثروا من الحسنات.
عباد الله: أرسل الله -جل وعلا- نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- لتوحيد العبادة وإفرادها لله -عز وجل-، وقطع العلائق عما سواه، فجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، واستنار به طريق المؤمنين.
في الصحيح عن أبي بشير الأنصاري: "أنه كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره فأرسل رسولاً أن لا يُبقين في رقبة بعير قلادة من وتر، أو قلادة؛ إلا قطعت".
القلادة: هي ما يعلق في رقبة البعير وغيره، من وتر ونحوه، وكان أهل الجاهلية إذا اخلولق الوتر أبدلوه بغيره، وقلدوه الدواب، اعتقادًا منهم أنه يدفع عن الدابة العين، ويدفع عنهم المكاره.
هذا أمر من الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو الحريص على أمته بقطع الأوتار التي كان أهل الجاهلية يعلقونها على دوابهم اعتقادًا منهم أنها تعصمهم من الآفات؛ لأن هذا شرك يجب إزالته لما فيه من التعلق بغير الله -سبحانه-.
في الحديث دلالة على حرص الرسول -صلى الله عليه وسلم- على محاربة الشرك وأن الأوتار والتمائم في الحكم شيء واحد.
ومن أمثلة التعاليق الشركية: ما يعلق على الإنسان اعتقادًا أنه يدفع العين: كالتعاليق الجلدية الصغيرة التي توضع فيها التميمة، أو خرزات أو عظام بعض الدواب، أو لبس أساور من نحاس، أو خواتم لها فصوص، أو عين زرقاء وهي رسم لعين إنسان باللون الأزرق؛ يزعم أهل الشرك أنها ترد العين.
ومن أمثلة التعاليق الشركية التي انتشرت اليوم: ما يُعلق على الدابة أو السيارة؛ اعتقادًا أنه يدفع البلاء، أو يجلب الرزق، كالقلادة من وتر، أو الخرق السوداء، أو الِقَرب البالية، وما كان على شكل حذاء صغير أو تمثال حيوان يوضع في مقدمة أو مؤخرة السيارة.
ومنها -عباد الله- ما يُعلق على الدار، أو المتجر، أو يوضع فيهما، اعتقادًا أنه يدفع البلاء أو يحل البركة في المكان، كالدراهم الفضية القديمة، أو حذوة فرس، أو رأس ذئب، أو رأس غزال، وقد تكون من أشياء عديدة على حسب ما يعتقده واضعوها، وهذا الفعل من تعلق القلب بغير الله، والله -سبحانه- هو النافع الضار، الرازق المعطي لا إله إلا هو، ولا رب سواه.
أما من علق شيئًا يشبه هذه التعاليق الشركية بقصد الزينة من غير اعتقاد لنفعها فحرام؛ لعلة المشابهة لأهل الشرك. وفي الحديث عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: "إن عبد الله رأى في عُنقي خيطًا، فقال: ما هذا؟ قلت: خيط رُقي لي فيه، قالت: فأخذه ثم قطعه، ثم قال: أنتم آل عبد الله لأغنياء عن الشرك، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الرقى والتمائم والتولة شرك".
وفي رواية لابن ماجه قلت: "لقد كانت عيني تقذف، وكنت أختلف إلى فلان اليهودي، فإذا رقى سكنت، فقال عبد الله: وإنما ذلك عمل الشيطان، كان ينخسها بيده، فإذا رقى كف عنها، إنما كان يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أذهب البأس رب الناس، واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقمًا" رواه البخاري.
والمراد بالرقى المنهي عنها: ما كان من جنس رقى الجاهلية؛ والرقى: هي التي تسمى العزائم، وخص منها الدليل ما خلا من الشرك، رخص فيه -صلى الله عليه وسلم- من العين والحُمة، والرقى تنقسم إلى قسمين:
أولاً: رقية مشروعة: وهي ما توفرت فيها ثلاث شروط وهي:
أن تكون بأدعية مشروعة، والأفضل كونها من الكتاب والسنة، وأن تكون باللغة العربية، أو بلغة مفهومة المعنى، وأن يعتقد أنها سبب، وأن النفع والضر بيد الله، وقد تكون الرقية بالنفث على المريض مباشرة أو تقرأ في ماء ويشربه المريض.
ثانيًا: رُقية ممنوعة: كالتي تشتمل على دعاء غير الله، كدعاء الملائكة، أو الأنبياء، أو الصالحين، أو الشياطين، أو الكواكب، أو غير ذلك. فهذا شرك أكبر، وإن كانت طلاسم أو أسماء لا يعرف معناها فهي ممنوعة أيضًا، لأنها تجر إلى الشرك.
عباد الله: قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-: "والتمائم شيء يعلق على الأولاد من العين ولكن إذا كان المُعلق من القرآن فرّخص فيه بعض السلف، وبعضهم لم يرخص فيه، ويجعله من المنهي عنه، منهم ابن مسعود -رضي الله عنه-".
التمائم تنقسم إلى قسمين:
التمائم المشتملة على القرآن والأدعية النبوية: كمن يعلق القرآن كاملاً على عنقه، أو سورًا معينة أو آية الكرسي، وهذا النوع لا يجوز لثلاثة أسباب:
أولاً: عموم النهي في الحديث النبوي: "إن الرقى والتمائم والتولة شرك".
الثاني: سد الذريعة لئلا يُعلق ما هو شرك.
الثالث: لأنها عرضة للامتهان عند دخول الخلاء، أو النوم عليها، ولو كان تعليق تمائم القرآن جائزًا لأمر به -صلى الله عليه وسلم- فقد كان يُرقى ورقى، وليس في كتاب الله -تعالى- ولا سنة رسول -صلى الله عليه وسلم- ما يدل على إجازة تعليق شيء من القرآن.
القسم الثاني من التمائم: التمائم التي بغير القرآن والأدعية النبوية: وهي ما يكون فيها استعانة بغير الله، كالاستعانة بالملائكة والأنبياء، أو تعليق خرزات أو عظام، أو غير ذلك لجلب النفع أو دفع الضر، وهي شرك لأنه لا كاشف للضر إلا الله وحده، وهي المرادة في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الرقى والتمائم والتولة شرك".
والتولة ممنوعة مطلقًا إجماعًا، وهي شيء يصنعونه يزعمون أنه يُحبب المرأة إلى زوجها، والرجل إلى امرأته، ويسمونه العطف؛ وهو ضرب من السحر، وإنما كان من الشرك لما يراد به من دفع المضار، وجلب المنافع من غير الله -تعالى-، قال علي -رضي الله عنه-: "إن كثيرًا من هذه الرقى والتمائم شرك، فاجتنبوها"، رواه وكيع.
وعن عبد الله بن حكيم مرفوعًا: "من تعلق شيئًا وكل إليه" رواه أحمد والترمذي. والتعلق -عباد الله- يكون بالقلب، ويكون بالفعل، ويكون بهما جميعًا، فمن تعلق شيئًا وكله الله على ذلك الشيء الذي تعلقه، فمن تعلق بالله، وأنزل حوائجه به، والتجأ إليه، وفوض أمره إليه كفاه، ومن تعلق بغيره، أو سكن إلى رأيه وعقله ودوائه وتمائمه ونحو ذلك، وكله الله إلى ذلك وخذله، وهذا أمر معروف بالنصوص والتجارب: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق: 3]
وأقسام التعلق بغير الله تنقسم إلى قسمين:
الأول: ما ينافي التوحيد الواجب من أصله، وهو أن يتعلق بشيء لا يمكن أن يكون له تأثير، ويعتمد عليه اعتمادًا مُعرضّا عن الله، مثل تعلّق عُبَّاد القبور بمن فيها عند حلول المصائب، ولهذا إذا مسَّتهم الضراء الشديدة يقولون: يا فلان! أنقدنا؛ فهذا لا شك أنه شرك أكبر مخرج من الملة.
الثاني: ما ينافي كمال التوحيد الواجب، وهو أن يعتمد على سبب صحيح كاعتماد المريض على الدواء مع الغفلة عن المسبب، وهو الله -عز وجل- وعدم صرف قلبه إليه، فهذا شرك أصغر.
وكذا الموظف الذي يتعلّق قلبه بمُرتبه تعلقًا كاملاً، مع الغفلة عن المسبب وهو الله، قد وقع في شيء من الشرك الأصغر، أما إذا اعتقد أن المراتب سبب، والمسبب هو الله -سبحانه وتعالى-، وجعل الاعتماد على الله، وهو يشعر أن المرتب سبب؛ فهذا لا ينافي التوكل.
وقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يأخذ بالأسباب مع اعتماده على المسبب، وهو الله -عز وجل-.
الواجب على المسلم أن يُعلق قلبه بالله ويفوض أمره إليه، ويفعل السبب؛ وهذا هو التوكل بعينه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ) [الأنعام: 17]
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الحليم التواب، غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب، أحمده -سبحانه- وأشكره، لم يزل بالمعروف معروفًا، وبالكرم موصوفًا يكشف كربًا، ويغفر ذنبًا، ويغيث ملهوفًا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، بشر وأنذر، وأرشد وحذر، وأوضح المحجة فلا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: الإيمان بالله وحده لا شريك له رأس الوسائل وجماعها، وكل وسيلة لم يعضدها الإِيمان، ولم يشد أزرها اليقين باطلة ذاهبة ضياعًا، لا يحظى منها صاحبها بطائل، ولا يظفر بنائل، ولا تغني عن المتوسل بها شيئًا.
قل للذين آمنوا: لا يستخفنكم الشيطان، فيضلكم عن حقيقة الإِيمان، فتكونوا من الخاسرين. لا وسيلة أعظم من الإِيمان، ولا قربة أقرب من الإِسلام، وحسبك قول الله - تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ) [فصلت: 30 – 32]، وقوله -تعالى-: (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) [آل عمران: 53]
وقوله -تعالى-: (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ) [آل عمران: 193] فهذه الآيات البينات برهان ساطع، وحجة قاطعة، ودليل صادق، على أن الإِيمان وسيلة إلى كل ما فيها من المطالب والرغائب.
جعلنا الله وإياكم ممن سمع المنادي فاستجاب له، وأكرمه ربه بجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين.
هذا، وصلوا وسلموا.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم