عناصر الخطبة
1/ وجوب الحلف بالله والنهي عما سواه 2/ كفارة الحلف بغير الله تعالى 3/ الصدق في الحلف ومنزلته عموماً 4/ أحوال المحلوف له مع الحالف 5/ تعظيم الله تعالىاقتباس
واليمين في الإسلام أمرها عظيم، إذ تعتمد بعض الأحكام الشرعية عليها، وقد يحتاجها المسلم في وقت من الأوقات أو حالة من الحالات، فإن احتاج إلى ذلك؛ فعليه بالحلف بالله -عز وجل-؛ إذ هو ربه وإلهه؛ فلا يحلف إلا به، أو بأسمائه أو صفاته ولا يجوز الحلف بغيرها، وعليه تحري الدقة والحق في ذلك حتى يكون صادقًا فيما يقول
الحمد لله، قاصم الجبابرة قهرًا، وكاسر الأكاسرة كسرًا، وواعد من نصره من لدنه نصرًا، خلق من الماء بشرًا فجعله نسبًا وصهرًا، شهدت جميع الكائنات بربوبيته، وهي على وحدانيته آية كبرى.
فسبحانه من إله بذاته فوق مخلوقاته مع علوه قدرًا وقهرًا، وتقدس من متفضل بسط إنعامه برًا وبحرًا، أحمده سبحانه على نعم لم تزل تترى، وأشكره على مننه الكبرى.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تكون لنا يوم القيامة ذخرًا، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، أعز الله به بعد الذلة وأغنى به بعد العلة، وجمع به بعد الفرقة، وكثَّر به بعد القلة، إحسانًا منه سبحانه وبرًا.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه الذين رفع الله لهم ذكرًا، وأعلى لهم قدرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله، وطهروا قلوبكم، وألسنتكم، وجوارحكم تفلحوا، واستعدوا لما أمامكم من المنازل تنجوا.
عباد الله: من تأمل نصوص الكتاب والسنة؛ رأى نصوصًا كثيرة تحث على القيام بكل ما يُقوي التوحيد؛ وينميه ويغذيه من الحث على الإِنابة إلى الله وانحصاره في تعلق القلب بالله رغبة ورهبة وقوة الطمع في فضله وإحسانه، والسعي لتحصيل ذلك وإلى التـحرر من رق المخـلوقين، وعدم التعلق بهم بوجه من الوجوه، أو الغلو في أحد منهم، والقيام التام بالأعمال الظاهرة والباطنة، وتكميلها، وخصوصًا حث النصوص على روح العبودية وهو الإِخلاص التام لله وحده.
ثم في مقابلة ذلك: نهى عن أقوال وأفعال فيها الغلو بالمخلوقين، ونهى عن التشبه بالمشركين؛ لأنه يدعو إلى الميل إليهم، ونهى عن أقوال وأفعال يُخشى أن يتوصل بها إلى الشرك، كل ذلك حماية للتوحيد، ونهى عن كل سبب يوصل إلى الشرك، وذلك رحمة بالمؤمنين، ليتحققوا بالقيام بما خلقوا له من عبودية الله الظاهرة والباطنة وتكميلها، لتكمل لهم السعادة والفلاح، وشواهد هذه الأمور كثيرة ومعروفة.
عباد الله: يغشى الناس في مجامعهم ومجالسهم وخصوماتهم كثرة الحديث والكلام، وربما احتاج بعضهم إلى تأكيد حديثه وكلامه، وأنه فيما قال مُصيب وصادق، فيلجأ إلى تأكيد كلامه بالحلف؛ طلبًا منهم أو رغبة منه في تأكيد ما قال، ليكون ذلك أدعى للقبول وعدم الرد.
واليمين في الإسلام أمرها عظيم، إذ تعتمد بعض الأحكام الشرعية عليها، وقد يحتاجها المسلم في وقت من الأوقات أو حالة من الحالات، فإن احتاج إلى ذلك؛ فعليه بالحلف بالله -عز وجل-؛ إذ هو ربه وإلهه؛ فلا يحلف إلا به، أو بأسمائه أو صفاته ولا يجوز الحلف بغيرها، وعليه تحري الدقة والحق في ذلك حتى يكون صادقًا فيما يقول.
عن ابن عمر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تحلفوا بآبائكم، من حلف بالله فليصدق، ومن حلف له بالله فليرض، ومن لم يرض فليس من الله" رواه ابن ماجه بإسناد حسن. والحلف هو اليمين.
وقد نهى -صلى الله عليه وسلم- عن الحلف بالآباء، فقال: "لا تحلفوا بآبائكم"؛ لأن الحلف تعظيم للمحلوف به، والتعظيم حق الله -سبحانه- فمن حلف بغير الله فقد وقع في الشرك الأصغر وخص الآباء -هنا- بالذكر؛ لأن أهل الجاهلية كانوا يحلفون بآبائهم؛ وإلا كلُّ من حلف بغير الله فقد وقع في الشرك، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك" رواه أحمد.
وخرج أبو داود من حديث بريدة بن الخصيب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من حلف بالأمانة فليس منا".
أجمع العلماء على أن اليمين لا تكون إلا بالله، أو بأسمائه وصفاته وأجمعوا على المنع من الحلف بغيره، وعليه فلا يجوز الحلف بشيء من المخلوقات لا بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا بالكعبة، ولا بالأمانة.
يأمر -صلى الله عليه وسلم- من حلف بالله أن يكون صادقًا فيما يحلف عليه، فقال: "من حلف بالله فليصدق" لأن الصدق مما أوجبه الله على عباده، وحضهم عليه في كتابه، فالصدق في الأقوال واجب ولو لم يحلف العبد، فإذا حلف بالله كان أقوى وأوكد.
ومنزلة الصدق -رحمكم الله- منزلة عظيمة، فبه تميَّز أهل النفاق من أهل الإِيمان، وهو أساس بناء الدين، وعمود فسطاط اليقين، ودرجته تالية لدرجة النبوة التي هي أرفع درجات العالمين.
وقد أمر الله -سبحانه- أهل الإيمان أن يكونوا مع الصادقين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119] وخص المُنعم عليهم بالنبيين والصديقين، والشهداء والصالحين، قال تعالى: (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا) [النساء: 69]
عباد الله: أوضح النبي -صلى الله عليه وسلم- الطريق لمن حلف بغير الله، وكفارة ذلك؛ فقد خرج النسائي بإسناد صحيح عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أنه حلف باللات والعزى، فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك؛ فقال: "قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وانفث عن يسارك ثلاثًا، وتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ولا تعد".
ومن حلف بالله ليفعلن كذا، ولم يفعله، فعليه كفارة يمين لقوله تعالى: (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [المائدة: 89]
ويجب على من حُلف له بالله أن يرضى ويقنع؛ إعظامًا وإجلالاً لله، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ومن حلف بالله فليرض"، وهي على التفصيل التالي:
إذا حُلف له بالله في خصومة عند القاضي.
إذا حَلف أخوه المسلم له بالله معتذرًا؛ فعليه أن يقبل منه وأن يُحسن الظن به إذا لم يتبين كذبه، كما قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "ولا تظن بكلمة خرجت من أخيك شرًا، وأنت تجد لها في الخير محملاً، وهو من محاسن الأخلاق ومكارمها، وكمال العقل، وقوة الدين".
وقد بين -صلى الله عليه وسلم- الوعيد الشديد لمن حُلف له بالله فلم يرض بقوله: "ومن لم يرض بالله فليس من الله"، أي: فقد برئ الله منه، وفي هذا دلالة على أن عدم الرضا باليمين من المحرمات المنقصة لتوحيد العبد.
إن القلب الممتلئ بمعرفة الله وعظمته وجلاله إذا حُلف له بالله يرضى؛ إجلالاً وإعظامًا له -سبحانه-، أما من لم يرض فذلك دليل على قلة تعظيمه لربه -تبارك وتعالى-.
فاحرصوا -عباد الله- على حفظ ألسنتكم وأسماعكم وأبصاركم، فإنها نعم من نعم الله -عز وجل- التي وهبها إياكم فلا تصرفوها فيما يغضبه -سبحانه-.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ) [القلم: 10]
بارك الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي عمت رحمته كل شيء ووسعت، وتمت نعمته على العباد وعظمت، نحمده على نعم توالت علينا واتسعت، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تنجي قائلها يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت، وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبده ورسوله، جاهد في الله حق جهاده حتى علت كلمة التوحيد وارتفعت، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
القلب الممتليء بمحبة الله يُسارع إلى تعظيمه وإجلاله، كيف وهو يقول في كل ركوع (سبحان ربي العظيم) العظيم الذي لا أعظم منه ولا أكبر؛ العظيم في قلوب أولياءه، الذي يعظمه أهل السموات والأرض: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [الإسراء: 44]
ومن تعظيمه -سبحانه وتعالى-: أن يُجلَّ فلا يُعصى، تُعظم أوامره ونواهيه، ويسارع المسلم إلى ذلك في حركاته وسكناته، وكلما زاد القلب إيمانًا بعظمة خالقه وبارئه كان أقرب إليه -سبحانه وتعالى-.
جعلني الله وإياكم ممن نال هذا الشرف الرفيع، وانتظم في سلك المقربين فضلاً منه وجودًا وكرمًا.
هذا، وصلوا وسلموا.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم