عناصر الخطبة
1/ الاستعدادُ للموتِ وطلبُ الجنةِ بالعمل 2/ وصفُ نعيمِ الجنَّةِ ووصفُ حالِ أهلها 3/ بعض عذاب أهل النار 4/ بعض الأسباب الموصلة للجنة والمبعدة عن النار 5/ دعوة للتشمير طلبا للجنةاقتباس
ألا إن سبب دخول الجنة والنجاة من النار القيام بأركان الإسلام وما يتبعها، ألا وإن صيام رمضان ركنٌ من أركان الإسلام، وقد طُوِيَتْ صحائفُه، فمَن وفق فيه للصيام والقيام فيما مضى، فلْيَحْمَد الله على ذلك، ولْيَشْكُر الله -عز وجل-، وليثبت على طاعة الله -عز وجل-؛ فإن من ثواب الحسنةِ الحسنةَ بعدها؛ ومَن قصَّرَ فلْيَتُبْ إلى الله تبارك وتعالى؛ فإن التوبة بابها مفتوح في كل وقت ..
الحمد لله العزيز الغفور، الحليم الشكور، (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ * يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [الحديد:4-6].
أحمَدُ ربِّي وأشكرُه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي الكبير، وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله المبعوث بالرحمة والنور، اللهم صَلِّ وسلِّمْ وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ذوي السعي المشكور.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى فإن تقواه نجاة من عذابه، وفوز بثوابه.
أيها المسلمون: إن لكم داراً غير هذه الدار، فإما دار نعيمٍ أبديٍّ مقيم، وإما دار عذاب سرمدي أليم، وكُلُّ آتٍ قريب، فالليلُ والنَّهارُ يختلفان، والخلق يلبسونهما إلى أجل مسمى.
والموت غاية كل مخلوق، قال الله تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) [الرحمن:26-27].
ولا يكذِّبُ بالموت أحَدٌ، فأمَّا المؤمن فيستعدُّ له، وأما الفاجر فيغره أملُه، حتى يصرعَه أجلُه. ألا وإن دار الدنيا تصلح بصلاح الأعمال، وتتغير بقبيح الفعال، قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل:97].
وقال تعالى: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ) [المؤمنون:71].
فنعم دار الابتلاء لِمَنْ أصلحها بالخير! وبئست الدار لمن اتبع بها الشهوات! قال تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) [النجم:31].
وقال -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [فاطر:5].
ألا وإن في الدنيا جنة من دخلها دخل جنة الآخرة، ألا وهي طاعة الله بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، قال الله تعالى: (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الزخرف:72].
وإن نار الآخرة لا يدخلها إلا من اخترق سياج شهواتها، وتجرأ على ربه، وفي الحديث: "حُفَّت الجنةُ بالـمَكَاره، وحُفت النار بالشهوات".
فاطلبوا -عباد الله- جنة ربكم بحسن العمل، مع الإخلاص لله تعالى، والعمل بسنة نبيكم -صلى الله عليه وسلم-؛ فمَن لم يكن على إخلاص وسنة فهو مبعد من رحمة الله -عز وجل-.
وقد رغب الله تعالى في جنته، ووصفها لكم كأنها رأي عين، ووصف أهلها، وكذلك أعمالهم؛ ليعمل العاملون، ويتسابق المتسابقون.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ألا هل مِن مُشَمِّرٍ للجنة؟ فإن الجنة لا خطر لها، هي -ورب الكعبة!- نور يتلألأ، وريحانة تهتز، وقصر مَشيد، ونهر مطرد، وثمرة نضيجة، وزوجة حسناء جميلة، وحُلل كثيرة، ومقام في أبد في دار سليمة، وفاكهة وخضرة وحضرة ونعمة، في محلة عالية بهية"، قالوا: نعم يا رسول الله، نحن المشمرون لها. قال : "قولوا إن شاء الله"، فقال القوم: إن شاء الله. رواه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قلنا: يا رسول الله! حدِّثْنا عن الجنة، ما بناؤها؟ قال: "لبِنة ذهب ولبنة فضة، وملاطها المسك"، والملاط: ما يكون بين الحجرين، "وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران، مَن يدخلها ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت، ولا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه" رواه احمد والترمذي.
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يأكل أهل الجنة فيها، ويشربون، ولا يتغوطون، ولا يمتخطون، ولا يبولون؛ ولكن طعامهم ذاك جُشاءٌ كرشح المسك، يُلْهَمُونَ التسبيح والتكبير كما يلهمون النفَس" رواه مسلم.
وعن أنس -رضي الله عنه- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَغَدْوَةٌ في سبيل الله أو رَوْحَةٌ خيرٌ من الدنيا وما فيها، وَلَقَابُ قوسِ أحدِكم أو موضع قده بالجنة خير من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطَّلَعَتْ إلى أهل الأرض لَأَضاءَت الدنيا وما فيها، ولَمَلأت ما بينهما رِيحاً، ولَنَصِيفُها (يعني خمارها) خير من الدنيا وما فيها" رواه البخاري ومسلم.
وعن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنكم سترون ربكم عِياناً كما ترون هذا القمر، لا تُضامون في رؤيته" رواه البخاري ومسلم.
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إني لَأَعْلَمُ آخِر أهل النار خروجا منها، أو آخر أهل الجنة دخولا الجنة، رجل يخرج من النار حبْوا، فيقول الله -عز وجل- له: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها، فيُخَيَّلُ إليه أنها ملآى، فيرجع فيقول: يا رب وجدتها ملآى، فيقول -عز وجل- له: فادخل الجنة، فيأتيها فيخيل إليه أنها ملآى، فيرجع فيقول: يا رب، وجدتها ملآى، فيقول الله -عز وجل- له: اذهب فادخل الجنة، فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها، أو: لَكَ مثل عشرة أمثال الدنيا، فيقول: أتسخر بي -أو تضحك بي- وأنت الملِك!" قال: فلقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضحك حتى بدت نواجذه، فكان يقول: "ذلك أدنى أهل الجنة منزلة" رواه البخاري ومسلم.
فهذا الوعد الصدق، والثواب الحق، ودار الخلد والنعيم هو الذي جعل السلف الصالح -رضي الله عنهم- يبذلون أنفسهم وأموالهم، ويفارقون أوطانهم؛ نصرةً لدين الله، وحبا في الله ورسوله، ويتصفون بالفضائل ويبتعدون، عن الرذائل، ويُحسنون إلى الخَلق، ويُحبُّون لله، ويبغضون لله، ويُعطون لله، ويمنعون لله؛ طلبا لرضوان الله وجنته. لا تفتر هِممُهُم، ولا ينقطع عملهم، ولا يضعف خوفهم ورجاؤهم لربهم، ولا ينسون ذكر ربهم.
فيا مَن غرَّتْهُ دنياهُ، ونسِيَ أُخْراهُ، ويا من جرَّأهُ حلم الله على المعاصي فضيع الواجبات، ويا من متَّعه الله بالنِّعَم وظن أنه أوتى الحظَّ السعيد، الزم الأمر الرشيد، واستفق من نوم غفلتك، فما أسرع الموت وسكراته! وما أقرب القبر وظلماته! وما تخطاك إلى غيرك سيتخطى غيرك إليك. وليس بينك وبين الجنة أو النار إلا نزول ملائكة الموت، ففروا إلى رب كريم.
واحذروا -عباد الله- دار الهوان والعذاب الأليم، فإن الله تعالى قد أنذركم وحذركم من النار، ووصف لكم عذابها كأنها رأي العين، وذكر أعمال أهلها؛ لنجتنب تلك الأعمال، وأخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشدة عذابها، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ أهونَ أهل النار عذابا مَن له نعلان وشراكان من نارٍ يغلي منهما دماغُه، كما يغلي المرجِل، ما يرى أنَّ أحداً أشدَّ منه عذابا؛ وإنه لأهونهم عذابا" رواه مسلم، من حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنه-.
وأما أشدُّهُم عذابا في النار فذلك الكرب العظيم، والرجز الأليم، الطعام ضريع وزقوم، والشراب المهل والصديد والحميم، واللباس من قطران، ومن قطع النار، قال تبارك وتعالى: (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) [الأعراف:41]، وقال تعالى: (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ) [الزمر:16].
ألا إن سبب دخول الجنة والنجاة من النار القيام بأركان الإسلام وما يتبعها، ألا وإن صيام رمضان ركنٌ من أركان الإسلام، وقد طُوِيَتْ صحائفُه، فمَن وفق فيه للصيام والقيام فيما مضى، فلْيَحْمَد الله على ذلك، ولْيَشْكُر الله -عز وجل-، وليثبت على طاعة الله -عز وجل-؛ فإن من ثواب الحسنةِ الحسنةَ بعدها.
ومن قصَّرَ فلْيَتُبْ إلى الله تبارك وتعالى؛ فإن التوبة بابها مفتوح في كل وقت، وإن من عقوبة المعصية المعصية بعدها، قال الله -تبارك وتعالى-: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) [هود:114].
وإن المعصية بعد الطاعة إما أن تذهبها وإما أن تنقص ثوابها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الحج:77].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفَعَنا بهدْيِ سيد المرسلين، وقوله القويم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم وللمسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألَّا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن نبيَّنا محمداً عبدُهُ ورسولُه الصادق الوعد الأمين، اللهم صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى حَقَّ التَّقْوَى، وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، يقول الله تعالى: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الحديد:21].
وقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6].
وروي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَا رأيتُ مثْلَ النار نام هاربُها، ولا مثْلَ الجنَّةِ نامَ طالبُها" رواه الترمذي.
أيها المسلمون: إن رسولنا -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الحلال بيِّنٌ، وإن الحرام بين، وبينهما أمورٌ مشتبهات، لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمَن اتَّقَى الشُّبُهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقَع في الشبهات وقع في الحرام". فاعملوا بعمل أهل الجنة تكونوا من أهلها، ولا تعملوا بأعمال أهل النار؛ لئلا تكونوا من أهلها.
وعلى المسلم أن يكثر من الدعاء دائما أن يُدخله الله الجنة ويعيذه من النار، فإن الدعاء هو مخ العبادة، فذلك هو غاية المسلم، ومنتهى أمانيه؛ قال رجل: يا رسول الله! إني لا أُحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، ولكني أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "حولها ندندن".
ألا وإن مَن صام ستةً من شوال فإنه كصيام الدهر، وقد رغب النبي -عليه الصلاة والسلام- في صيام هذه الستة فقال: "مَن صام رمضان، وأتبعه ستَّاً من شوال فكأنما صام الدهر كله" رواه مسلم.
عبادَ الله: (إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمَاً) [الأحزاب:56]، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى اللهُ بها عليه عشرا"، اللهمَّ صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم