عناصر الخطبة
1/ العبرة في انصرام الأعمار 2/ الفوز العظيم في الاستقامة على الطاعة 3/ شكر الله على نعمة الطاعة 4/ التحذير من التعدي على المخلوقين 5/ الحث على صيام ست من شوال 6/ انشغال المصلين في المساجد بالهواتف النقالةاقتباس
إن الفوزَ الأعظمَ، والفلاح الأتمَّ، والسعادة الكُبرى، والغنيمةُ العُظمى، كل ذلك لا يكون إلا بالاستقامة على الإيمان والتُّقَى، والطاعة الدائمة لله جل وعلا، ولذا تعدَّدَت مطالِبُ القرآن الكريم بالاستقامة على البرِّ والتُّقَى، والثبات على الخير والهُدى، يقول -جل وعلا- لنبيِّه محمدٍ عليه الصلاة والسلام: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ)، ويقول سبحانه: (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ) ..
إن الحمد لله، نحمده ونستعينُه ونستغفِره ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرور أنفُسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].
أيها المُسلمون: في انصِرام الأزمان أعظمُ مُعتبَرٍ، وفي تقلُّب الأيام أكبرُ مُزدَجَر، يقول -جل وعلا-: (إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) [يونس: 6].
معاشر المسلمين: لقد عاش المُسلمون في رمضان لذَّة المُناجاة لربهم -جل وعلا-، وأُنسَ القُرب منه بالتضرُّع إليه والدعاء، فطابَت بذلك نفوسُهم، وانشرحَت صدورُهم، واستأنَسَت أفئدتهم، فلله الحمدُ والمنَّة، وله الشكرُ على هذه النعمة.
إخوة الإسلام: إن الفوزَ الأعظمَ، والفلاح الأتمَّ، والسعادة الكُبرى، والغنيمةُ العُظمى، كل ذلك لا يكون إلا بالاستقامة على الإيمان والتُّقَى، والطاعة الدائمة لله -جل وعلا-، ولذا تعدَّدَت مطالِبُ القرآن الكريم بالاستقامة على البرِّ والتُّقَى، والثبات على الخير والهُدى، يقول -جل وعلا- لنبيِّه محمدٍ -عليه الصلاة والسلام-: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) [هود: 112]، ويقول سبحانه: (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ) [فصلت: 6].
ولقد أوصى نبيُّنا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- أمَّتَه بوصيةٍ عظيمةٍ، جميلةِ المبنى، جميلةٍ المعنى، قليلة العبارة، كثيرة الإشارة، وذلك في حديث سُفيان الثَّقفي حينما جاء إليه -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول اللهَ: قُل لي في الإسلام قولاً لا أسألُ عنه أحدًا بعدك. فقال -عليه الصلاة والسلام-: "قُل: آمنتُ بالله، ثم استقِم".
إنها وصيةٌ عظيمةٌ تتضمَّنُ الأمرَ بلزومِ الإيمان الكامل والاعتقاد الصحيح، وفعلِ الواجبات، واجتناب المنهيَّات، وفعلِ الفضائل والمكرُمات.
إن هذه الوصيةُ هي وظيفةُ الإنسان في عُمره حتى الممات، (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99]، ويقول -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم: "قارِبوا وسدِّدوا". والتسديدُ هنا معناه: الاستقامةُ والإصابةُ على السُّنَّة.
أيها المسلمون: إن من أنعمَ الله عليه بالعمل الصالحِ وفعلِ الطاعات فإنه يجبُ عليه أن يشكُر الله -جل وعلا-، وأن يبذُلَ المزيدَ، وليحرِص أشدَّ الحِرص على أن يحفظَ حسناته.
ألا وإن أشدَّ ما ينبغي أن يكون عليه المُسلمُ من الحَذَر: التعدِّي على المخلوقين بقولٍ أو فعلٍ، أو النَّيل منهم في عِرضٍ أو مالٍ أو نحو ذلك؛ فإن حقوقَ الخلق عظيمةٌ عند الله -جل وعلا-، وهي من الديوان الذي لا يُغفَر حتى يتحلَّل المرءُ من أصحابِ المظلمات.
يقول الله -جل وعلا-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الأحزاب: 58].
ورسولُنا -صلى الله عليه وسلم- يقول فيما رواه البخاري: "من كانت عنده لأخيه مظلمةٌ فليتحلَّل منه قبل أن لا يكون درهمٌ ولا دينارٌ، إن كان له عملٌ صالحٌ أُخِذ منه بقدر مظلَمته، وإن لم يكن له حسناتٌ أُخِذ من سيئات صاحبِه فحُمِل عليه".
ألا وإن من الخسارَة الكُبرى: أن تُسدِيَ لخيرِك أعظمَ ما تحصَّلتَ عليه من الحسنات، فذلك هو الإفلاسُ الحقيقيُّ؛ ففيما رواه مسلمٌ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال للصحابة: "ما المُفلِسُ فيكم؟!". فقالوا: المُفلِسُ فينا من لا متاعَ عنده ولا دينار. فقال -عليه الصلاة والسلام-: "المُفلِسُ من أمتي: من يأتي بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي وقد شتمَ هذا، وقذفَ هذا، وضربَ هذا، وسفكَ دمَ هذا، وأخذَ مالَ هذا، فيأخُذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنِيَت حسناتُه قبل أن يُقضَى ما عليه أُخِذ من خطاياهم فطُرِحَت عليه ثم طُرِح في النار".
ألا فاستقيموا على طاعة الله -جل وعلا-، واستجيبوا لأمره في جميع أدوار حياتكم، وشتَّى أحوالكم؛ تفوزوا وتغنَموا، وتسعَدوا وتُفلِحوا.
يقول ربُّنا -جل وعلا-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأحقاف: 13، 14].
بارك الله لي ولكم فيما نقول وما نفعل، وأقولُ هذا القولَ، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رِضوانه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: أُوصيكم ونفسي بتقوى الله -جل وعلا-؛ فهي وصيةُ الله -جل وعلا- للأولين والآخرين.
عباد الله: مما شرعَه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأمَّته بعد رمضان من النوافل والقُربات: صيامُ ستَّة أيامٍ من شوال؛ فيقولُ -عليه الصلاة والسلام- فيما رواه مسلم: "من صامَ رمضان ثم أتبَعَه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر".
ولا بأس بصيامِها مُتتابعةً أو مُتفرِّقة، واعلموا أن من عليه قضاءٌ من رمضان فإنه لا ينبغي له أن يأتي بالنَّفل قبل الواجبِ؛ فإن قواعد الشريعة تقضِي بتقديمِ الواجبِ على النَّفل.
عباد الله: إن من واجبِ التناصُح بين المُسلمين أن يتناصَحوا، وأن يُعلِّم بعضُهم بعضًا.
ألا وإن من المُلاحَظات التي يلحظُها كثيرٌ من المُصلِّين في هذا المسجدِ العظيمِ: انشغالُ بعض المُصلِّين بأجهزة الهواتف النقَّالة، فتجِده إما أن يُصوِّر بها، أو أن يُكلِّم بها، أو أن يشتغِلَ بها بأي صُورةٍ ما، وذلك غيرُ لائقٍ بالمُسلم في بيتٍ من بيوت الله -جل وعلا-؛ فإن هذه المساجد إنما أعِدَّت للصلاة، ولقراءة القرآن، وللانشغالِ بالذِّكرِ.
فانشغِلوا بطاعة الله -جل وعلا- عن توافِهِ الدنيا، ولا يليقُ بالمُسلم أن يفعلَ مثلَ هذه الأفعال في مسجدِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-.
نسأل الله لنا ولكم التوفيقَ والسدادَ.
ثم إن من أفضل الأعمال: الصلاةَ والسلامَ على النبيِّ الكريم.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الآلِ والصحابةِ أجمعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أصلِح أحوالَنا وأحوالَ المسلمين، اللهم أصلِح أحوالَنا وأحوالَ المسلمين، اللهم احفظ دماءَ المسلمين في كل مكان، اللهم احفظ دماءَ المسلمين في كل مكان، اللهم احفظ دماءَ المسلمين في الشام، اللهم اكتب لهم الفرجَ يا ذا الجلال والإكرام، اللهم احفظ إخواننا في بُورما، اللهم احفظ إخواننا المسلمين في بُورما، اللهم احفظ إخواننا في كل مكان يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم هيِّئ لإخواننا في مصر وفي تُونس وفي اليمن وفي ليبيا الأمنَ والأمان، والرخاءَ والاستقرارَ يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنا عذاب النار.
اللهم ارزقنا الاستقامةَ على دينك يا حي يا قيوم، اللهم ثبِّتنا بالقول الثابت يا ذا الجلال والإكرام.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم