عناصر الخطبة
1/ استمرار العمل بعد رمضان 2/ الدنيا فرصة للعمل الصالح 3/ الحث على التوبة 4/ التحذير من الرضا بالطاعة 5/ التحذير من الأعياد غير المشروعة 6/ أعياد المسلمين من شرعة الإسلام 7/ صيام الست من شوالاقتباس
وشريعة محمد عليه الصلاة والسلام وأتباعه هي شريعة الإسلام، والإسلام في باب الأعياد قد فرض العيدين الشرعيين، مع عيد الجمعة، وأبطل ما سواها من الأعياد؛ فلا يحل أن يتخذ المسلمون أعيادا غيرهما، ولا أن يستبدلوا بهما سواهما، وإلا كان ذلك من كفر نعمة الله تعالى على ما هدانا للعيدين الكبيرين، وهو من استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، وذلك سبب اندراس الشريعة، وغربة الدين، وسيادة الجهل، وتحكم الهوى، كما هو واقع في كثير من بلاد المسلمين
الحمد لله ذي العرش المجيد؛ يحيي ويميت، ويبدي ويعيد، وهو فعال لما يريد، نحمده على جزيل عطائه، وعظيم مَنَّهِ، فقد أحسن بنا إذ مدّ في أعمارنا، ومتعنا بقواتنا، حتى بلغنا نهاية شهرنا، وأعاننا في صيامنا وقيامنا، فله الحمد لا نحصي ثناء عليه كما أثنى هو على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وسعت رحمته كل شيء فكتبها لعباده المؤمنين، وأبعد عنها الكافرين (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) [الأعراف:156].
وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله؛ بشرنا وأنذرنا، وبلغنا دين ربنا، ونصح لنا، وأشفق علينا، فجزاه الله تعالى عنا وعن المسلمين خير الجزاء، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ كانوا يستبقون إلى العمل الصالح استباق أهل الدنيا إلى دنياهم، وقد جعلوا زمانهم كله رمضان في طاعة الله تعالى، واجتناب معصيته، والتابعين لهم بإحسان.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى -أيها المسلمون- واعتبروا بمرور أيامكم، وانقضاء شهوركم وأعوامكم؛ فما ذلكم والله إلا من أعماركم، ولن تجدوا في قبوركم وآخرتكم إلا ما قدمتم في دنياكم (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الحِسَابِ) [البقرة:200-202].
أيها الناس: إن كان رمضان قد انقضى بما أودع العباد فيه من أعمالهم؛ فإن الإنسان لا ينقضي عمله إلا بالموت، ويكتب عليه فيما بقي من عمره ما عمل من خير ومن شر؛ ولذا أمرنا ربنا جل جلاله بأن نجعل نهاية سعينا الموت، فلا يوقفنا عن العمل الصالح إلا هو (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ) [الحجر:99].
وأهل الإيمان يتزودون من الأعمال الصالحة، كما أن أهل الفجور والعصيان يكتب عليهم ما يعملون من سيئات، روى أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عنه عَمَلُهُ إلا من ثَلَاثَةٍ: إلا من صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له" رواه مسلم. فأخبر عليه الصلاة والسلام أن الموت هو قاطع العمل، وليس انتهاء شهر رمضان كما يفعله كثير من الناس، يهجرون القرآن والمساجد بعد رمضان.
ولأجل أن عمل الإنسان لا ينقطع إلا بموته كان طول عمر المؤمن خيرا له لتزوده من الطاعات، واكتسابه الحسنات، فَكُرِه في حقه أن يتمنى الموت أو يدعو على نفسه به؛ كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَتَمَنَّى أحدكم الْمَوْتَ ولا يَدْعُ بِهِ من قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ إنه إذا مَاتَ أحدكم انْقَطَعَ عَمَلُهُ وَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمْرُهُ إلا خَيْرًا" رواه مسلم.
ولكن كثيرا من المسلمين في غفلة عن هذه الأحاديث العظيمة، وما تحويه من معان جليلة، فلا يعرفون من نعمة بقائهم في الدنيا، ومَدِّ الله تعالى لهم في أعمارهم إلا أنهم بقوا للتمتع بالشهوات، وجمع الحطام، والتكاثر في الأموال والأولاد، والعمل للدنيا وهي تفنى، وهم عنها زائلون، مع تفريطهم في عمل الآخرة وهي تبقى، وهم فيها مخلدون؛ فاجتهدوا فيما كُفُوا، وغفلوا عما كُلِّفوا.
إن الله عز وجل لا تنفعه طاعتنا، ولا تضره معصيتنا، كيف؟ وهو الغني عنا، وقد قال سبحانه في الحديث القدسي "يا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي" رواه مسلم. وفي التنزيل (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الكُفْرَ) [الزُّمر:7].
وهو سبحانه وتعالى غني عن تعذيبنا وإرهاقنا؛ ولذا اختار لنا من الدين أحكمه وأحسنه وأيسره (مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) [المائدة:6] وفي الآية الأخرى (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج:78].
ولم يكلفنا عز وجل من الأعمال ما لم نطق: دعاه المؤمنون فقالوا (رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) [البقرة:286] فقال سبحانه وتعالى: قد فعلت" رواه مسلم. وقال نبيه عليه الصلاة والسلام : "يا أَيُّهَا الناس خُذُوا من الْأَعْمَالِ ما تُطِيقُونَ فإن اللَّهَ لَا يَمَلُّ حتى تَمَلُّوا وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إلى الله ما دَامَ وَإِنْ قَلَّ" رواه الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها.
وكما أنه عز وجل لم يعذب البشر في الدنيا إلا بما كسبت أيديهم، وما يعفو عنه أكثر مما يؤاخذهم به؛ فكذلك لا يعذبهم في الآخرة إلا بما اقترفوا، وما يتجاوز عنه أكثر مما يؤاخذ به (مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا) [النساء:147].
ولذا كان سبحانه وتعالى شديد الفرح بتوبة من يتوب من عباده؛ لغناه عن تعذيبهم، وإرادته الخير والفلاح لهم في الدنيا والآخرة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "للهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ من رَجُلٍ في أَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مَهْلَكَةٍ معه رَاحِلَتُهُ عليها طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وقد ذَهَبَتْ فَطَلَبَهَا حتى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ ثُمَّ قال أَرْجِعُ إلى مَكَانِيَ الذي كنت فيه فَأَنَامُ حتى أَمُوتَ فَوَضَعَ رَأْسَهُ على سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ وَعَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَاللهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ من هذا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ" رواه مسلم.
وهو سبحانه أرحم بعباده من أنفسهم، وأسرع إلى عباده إذا أقبلوا عليه من سرعتهم إليه، وقد كتب عز وجل أن رحمته تسبق غضبه، روى أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تَعَالَى: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وأنا معه إذا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي في ملأ ذَكَرْتُهُ في ملأ خَيْرٍ منهم وَإِنْ تَقَرَّبَ إلي شبرا تَقَرَّبْتُ إليه ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إلي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إليه بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً" رواه الشيخان.
وفي لفظ لمسلم: "إِنَّ اللَّهَ قال: إذا تَلَقَّانِي عَبْدِي بِشِبْرٍ تَلَقَّيْتُهُ بِذِرَاعٍ وإذا تَلَقَّانِي بِذِرَاعٍ تَلَقَّيْتُهُ بِبَاعٍ وإذا تَلَقَّانِي بِبَاعٍ جئته أَتَيْتُهُ بِأَسْرَعَ".
فلماذا لا نقبل على الله تعالى وهو يريدنا، ولماذا نَفِرُّ من عبادته بعد رمضان ولا مفرَّ لنا منه إلا إليه.
لقد أقبلنا عليه في رمضان بقلوبنا، واجتهدنا في أعمالنا، ولازمنا مساجدنا، ولم تفارقنا مصاحفنا، ورأينا صلاحا في قلوبنا، ووجدنا لذة عظيمة لم نجدها في أي شيء من متاع الدنيا، أتُرانا بعد رمضان نفارق ذلك، ونبتعد عنه، ونحن نعلم أن ربنا أسرع إلينا من سرعتنا إليه، ونحرم أنفسنا لذة عبادته وطاعته، والانكسار بين يديه، والافتقار إليه، ونحن الفقراء إليه وهو الغني عنا؟!
قال إبراهيم بن أدهم لأبي يوسف الغسولي: يا أبا يوسف، لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم والسرور لجالدونا بالسيوف أيامَ الحياة على ما نحن فيه من لذيذ العيش وقلة التعب، فقلت له: يا أبا إسحاق، طلب القوم الراحة والنعيم فأخطئوا الطريق المستقيم.
ومن تأمل حالنا، وقارنه بحال سلفنا الصالح عجب من ذلك؛ إذ نعجب بقليل عملنا، وتزهو نفوسنا، ولا نخاف الرد وعدم القبول. أما سلفنا الصلاح فمع كثرة عملهم، وشدة اجتهادهم يخافون من عدم القبول، ويدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، فإذا بلَّغهم إياه دعوه ستة أشهر أن يتقبله منهم، وحقَّ فيهم وفي أمثالهم وصف الله تعالى لهم (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون:57-61].
ورضا العبد بطاعته دليل على حسن ظنه بنفسه، وجهله بحقوق العبودية، وعدم علمه بما يستحقه الرب جل جلاله وبما يليق أن يعامل به.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: الرضا بالطاعة من رعونات النفس وحماقتها، وأرباب العزائم والبصائر أشد ما يكونون استغفارا عقيب الطاعات؛ لشهودهم تقصيرهم فيها، وترك القيام لله بها كما يليق بجلاله وكبريائه.اهـ
فحذار يا عباد الله أن تغتروا بعملكم في رمضان، وتتركوا العمل بعده؛ فحري بالطاعة المتقبلة أن تقود إلى طاعة أخرى، ويخشى من المعصية أن تولد معصية أخرى.
جعلنا الله تعالى من أهل الطاعة والاستقامة، وخلف علينا رمضان بخير، وتقبل منا الصيام والقيام.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم....
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- وأطيعوه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ) [الحشر:18-19].
أيها المسلمون: أشكروا الله تعالى على ما منَّ به عليكم من صيام رمضان وقيامه، والهجوا بدعائه أن يتقبل أعمالكم، وأن يصلح قلوبكم؛ فإن الله عز وجل لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم.
واشكروه عز وجل إذ هداكم للعيدين الشرعيين، وقد ضلَّ عنهما أكثر البشر، ومن شكر الله تعالى على هذه النعمة العظيمة الاقتصار على العيدين الشرعيين: الفطر والأضحى، مع عيد الجمعة الأسبوعي، وعدم إحداث أعياد أخرى، أو المشاركة فيها، مهما كانت مناسبتها، ومهما زينها المزخرفون، وسوغها المسوغون؛ فإن الأعياد من الشرائع، ولا يحلُّ للناس أن يبتدعوا الشرائع، وإنما تؤخذ الشرائع من دين الله تعالى: من كتابه عز وجل، أو من سنة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، وإلا كان ذلك افتياتا على الله تعالى في شرع شيء لم يأذن به. وقد ذم الله تعالى المشركين بما يشرعون لأنفسهم وأتباعهم من الشرائع والمناسك (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ) [الشُّورى:21] وأخبر عز وجل أن لكل أمة من الأمم شريعتها ومنهجها، (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) [المائدة:48].
وشريعة محمد عليه الصلاة والسلام وأتباعه هي شريعة الإسلام، والإسلام في باب الأعياد قد فرض العيدين الشرعيين، مع عيد الجمعة، وأبطل ما سواها من الأعياد؛ فلا يحل أن يتخذ المسلمون أعيادا غيرهما، ولا أن يستبدلوا بهما سواهما، وإلا كان ذلك من كفر نعمة الله تعالى على ما هدانا للعيدين الكبيرين، وهو من استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، وذلك سبب اندراس الشريعة، وغربة الدين، وسيادة الجهل، وتحكم الهوى، كما هو واقع في كثير من بلاد المسلمين الذين تهاونوا في مسألة الابتداع في الدين؛ حتى حلت البدعة محل السنة، والضلال مكان الهدى، والجهل بدل العلم، نسال الله تعالى أن يبصرنا بالحق، وأن يعيننا على التزامه.
ومن شكر نعمة الله تعالى في العيد:اجتناب المنكرات من الغناء والمعازف والاختلاط، وتبرج النساء وسفورهن، وبروزهن في الأماكن العامة بأبهى حلة، فيكون في ذلك فتنة وفساد عريض، قد تنتج عنه الفواحش التي عذبت بها بعض الأمم قبلنا.
وقد أمرنا الله تعالى بشكره في هذا اليوم العظيم (وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة:185] وكيف يُشكر اللهُ تعالى بمخالفة أمره، وإتيان نهيه في هذا اليوم الذي شرعه لنا عيدا، وأمرنا بشكره عز وجل فيه.
وإن من تمام العهد مع الله تعالى: المحافظة على فرائضه بعد رمضان، وعدم التفريط فيها، وإتباعها بالنوافل التي تكمل نقصها، وترقع خروقها، وذلك من علامات القبول إن شاء الله تعالى، وما صام المؤمن وقام لله تعالى إلا وهو يرجو القبول، فليأخذ بأسبابه، ولا ينكص على عقبيه.
وقد حثنا نبينا محمد عليه الصلاة والسلام على صيام ستة أيام من شوال عقب رمضان؛ كما في حديث أبي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا من شَوَّالٍ كان كَصِيَامِ الدَّهْرِ" رواه مسلم.
وعن ثَوْبَانَ رضي الله عنه عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صَامَ رَمَضَانَ فَشَهْرٌ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدِ الْفِطْرِ فَذَلِكَ تَمَامُ صِيَامِ السَّنَةِ" رواه أحمد.
فاحرصوا رحمكم الله تعالى على صيامها مجتمعة أو متفرقة، في أول الشهر أو وسطه أو آخره، فأيا ما فعل المسلم من ذلك أجزأه، واستحق الأجر المرتب عليها إن قبل الله تعالى منه.
ومن كان عليه قضاء أيام من رمضان فلا يحل له أن يصومها حتى يقضي ما عليه، ويبرئ ذمته من فريضة الله تعالى، والفرائض تقدم على النوافل.
واختموا شهركم بصالح أعمالكم ، وأكثروا من الاستغفار، وسلوا الله تعالى القبول؛ فإن المعول عليه في الأعمال قبولها، ولا تغتروا بعملكم، ولا تسيئوا الظن بربكم، وكونوا بين الخوف والرجاء، ترجون ربكم، وتخافون تقصيركم.
وصلوا وسلموا على نبيكم ..
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم