عناصر الخطبة
1/ سر الحنين إلى معاودة زيادة البيت المعظم 2/ وجوب استمرار الإنسان على طاعة الله وعبادته 3/ تحقيق التقوى هي ثمرة العمل الصالح 4/ سمات وأعمال أهل الإيمان الذين يرغبون في ثواب الله 5/ أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل 6/ أسباب الحرمان من الطاعات.اقتباس
تذكير الله لنا بالتقوى في آيات الحج يوضح لنا بجلاء بأن الحج يجب أن يمنع صاحبه عن معصية الله، وأن يرغّبه في طاعة الله، فيتحول بعد الحج من سيء إلى حسن ومن حسن إلى أحسن. وهذه هي ثمرة العمل الصالح فالسنة شجرة، والشهور فروعها، والأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمارها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرته شجرة طيبة ومن كانت أنفاسه في معصية فثمرته حنظل...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
أما بعد: فيا أيها الناس أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل- فلا يراكم حيث نهاكم ولا يفقدكم حيث أمركم، اتقوا عذاب الله بصالح العمل، واخشوه في السر والعلن (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ)، ولا تغرنكم الحياة الدنيا فقد رأيتم تقلبها بأهلها فاعتبروا يا أولو الأبصار.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [الحشر: 18 - 19].
أيها المسلمون لئن كان الحج قد قوّض خيامه، ورجعت قوافل الحجيج إلى بلدانهم أو كادوا، وانتهى يوم النحر ويوم عرفة، والوقوف بالمشاعر المقدسة، وأعمال العشر والأضحية، نسأل الله أن يتقبل من جميع المسلمين؛ إلا أن هذا الموسم المعظم قد ترك أثره في النفوس المؤمنة وتأثيره في القلوب الواعية.
لقد ترك آثارًا حميدة لا يمحوها مرور الزمن، ولا تبرح من الذاكرة، ومن هذا سر الحنين إلى معاودة زيادة البيت المعظم مرة بعد أخرى كما قال جل وعلا (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً) [البقرة: 125].
فهذه الكعبة المشرفة يتردد المسلمون إليها في كل زمن بلا كلل ولا ملل، وكلما رجعوا منها اشتاقوا مرة أخرى إليها، فلا يقضون وطرهم منها أبداً.
جعل الله هذا البيت قيامًا للناس، وجعله الله مباركا، وقبلة للمسلمين، وجعله رمزا لوحدة المسلمين، فيتوجهون إليه في خمس صلوات، ويلتقي في رحابه العربي والعجمي، والأبيض والأسود، يرجون رحمة الله، لا فضل لواحد منهم على الآخر إلا بتقوى الله وطاعته والإيمان به وعبادته.
أيها المسلمون: انتهت هذه المواسم المعظمة، فربح أقوام، وخسر آخرون، فكم من عتيق من النار في تلك الأيام! وكم من أناس قد قبل الله أعمالهم وصاروا من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم! وكم من أناس لم يحصلوا على شيء من ذلك! وذلك بما قدمت أيديهم وما ربك بظلام للعبيد.
أيها المسلمون: استمرار الإنسان على طاعة الله وعبادته والأعمال الصالحات والمواسم الفاضلات ومداومته للاستغفار والذكر خير دليل وبرهان على قبول العمل، فالخير كله مجموع في طاعة الله، والإقبال عليه، والشر كله في الإعراض عنه والغفلة عن ذكره.
فتزود أيها المسلم من الأعمال الصالحات ليوم مصرعك، فكأنك بالموت وقد نزل بك كما نزل بغيرك، وهيهات لا تدري متى الموت ينزل.
أيها المسلمون: كم هو جميل أن يرجع الحاجّ من حجه بالمداومة على الأعمال الصالحة، والمحافظة على صلاة الجماعة وبر والديه، وصلة رحمه، والإحسان إلى جيرانه وإخوانه والصدق في معاملة جميع الناس.
أيها الحاج الذي منَّ الله عليه بالوصول إلى هاتيك البقاع الشريفة والأماكن المقدسة، ويا أيها المسلم الذي منَّ الله عليه بصيام يوم عرفة وذبح الأضحية وصلاة العيد، وذكر الله وعمل الصالحات كن آخذًا بوصية الله -عز وجل- التي ذكرنا بها في آيات متعددة وختم بها آيات الحج فقال: (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) [البقرة: 197].
وقال -عز وجل-: (فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [البقرة: 203].
قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "إنما جُعلت المغفرة لمن اتقى بعد انصرافه من الحج عن جميع المعاصي".
أيها المسلمون: تذكير الله لنا بالتقوى في آيات الحج يوضح لنا بجلاء بأن الحج يجب أن يمنع صاحبه عن معصية الله، وأن يرغّبه في طاعة الله، فيتحول بعد الحج من سيء إلى حسن ومن حسن إلى أحسن.
وهذه هي ثمرة العمل الصالح فالسنة شجرة، والشهور فروعها، والأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمارها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرته شجرة طيبة ومن كانت أنفاسه في معصية فثمرته حنظل.
والواجب على المؤمن أن يبادر بالعمل الصالح قبل ألا يقدر عليه إما بموت أو مرض أو غير ذلك من العلل والآفات.
على المسلم أن يطرح التسويف جانبًا فالقوة والحزم ألا تؤخر عمل اليوم لغد، وفي سنن الترمذي "اغتنم خمس قبل خمس شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك".
فالمؤمن الحازم إذا دنا غروب شمس يومه سبّح ربه، ودعا بدعاء المساء، وأجاب داعي الله، وصلى مع المسلمين في بيوت الله، فإذا أصبح دعا بدعاء الصباح، ثم تطوع بالنوافل بعد الفرائض، فحافظ على أربع قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد صلاة العشاء، وركعتين قبل صلاة الفجر، حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلم يصلي لله في كل يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة تطوعا غير الفريضة إلا بنى الله له بيتا في الجنة".
يحافظ على الوتر بعد صلاة العشاء، أو قبل صلاة الفجر، وأقله ركعة مع صلاة الضحى وقراءة شيء من القرآن، يتخلل ذلك أعمال صالحة كعيادة مريض أو اتباع جنازة، أو إرشاد ضال، أو نصيحة مسلم، أو صلة رحم مع بر وصدقة وصيام وقيام، وإصلاح وإعانة على حق، وحسن بشر، وسلامة صدر للمسلمين، تعاون على البر والتقوى، هذا هو شأن أهل الإيمان الذين يرغبون في ثواب الله، ويرجون رحمة الله فيا بشراهم بمحبة الله لهم وتيسيره لأمورهم ومحبة الملائكة والمؤمنين لهم وتثبيت الله لهم عند الموت، وإشراك قلوبهم بنور الإيمان، فهنيئا لهم طيب الحياة في الدنيا والآخرة وذلك الفوز العظيم.
عباد الله: إن الصحة والفراغ والمال هي الأبواب التي تدخل منها الشهوات المستحكمة والهوى المهلك لصاحبه، وقديما قيل "من الفراغ تكون الصبوة".
فيا أيها الإنسان: اجعل من مرور الأيام والليالي عبرة لنفسك، فالليل والنهار يبليان كل جديد، ويقربان كل بعيد، ويطويان الأعمار، ويشيبان الصغار ويفنيان الكبار.
قال الحسن البصري -رحمه الله-: "لم يزل الليل والنهار سريعان في نقص الأعمار وتقريب الآجال، هيهات قد صحبا نوحًا وعادًا وثمود وقرونا بين ذلك كثيرًا، فأصبحوا قد قدموا على ربهم، ورُدوا على أعمالهم، وأصبح الليل والنهار غضين جديدين لم يبلهما ما مر به، مستعدين لمن بقي بمثل ما أصاب به من مضى".
جعلنا الله ممن يعتبر ويستغفر ويتوب ويتذكر، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وتقبل أعمالنا واجعلها خالصة لوجهك يا حي يا قيوم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُه ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:فتذكروا يا عباد الله أن أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه، كما جاء في الحديث "كان إذا عمل عملاً أثبته"، يقال هذا وبعض المسلمين يفوّت على نفسه فرصًا من الطاعات وأبوابًا من الخيرات والوظائف اليومية كالورد والسنن الرواتب والمسابقة إلى الصف الأول والذكر والاستغفار، ناهيك عمن يفوّت الواجب كصلاة الجماعة ونحوها، فقد يكون من أسبابه فعل بعض المعاصي، فإن من آثار ذلك حرمان الطاعة.
وتوسع بعض الناس في المباحات بأنواعها؛ فالإغراق في ذلك ينتهي بصاحبه إلى الوقوع في المنهيات، وترك الواجبات، والمبالغة في استعمال التقنية، والانشغال بمتابعة ما يعرض في الإنترنت والمواقع والقنوات وما يشابه ذلك، فالمبالغة تفويت للواجب وحسرات على صاحبه.
فعلينا عباد الله أن نغتنم أوقاتنا فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ".
اللهم وفقنا إلى ما تحبه وترضاه.. اللهم اجعل عملنا في رضاك يا ذا الجلال والإكرام.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم