مؤتمر ‘أنا بوليس‘

ناصر بن محمد الأحمد

2014-11-18 - 1436/01/25
عناصر الخطبة
1/مزيدات ومتاجرة بعض الساسة والزعماء والمنظمات بالقضية الفلسطينية 2/فروق مهمة بين الطرح الإسلامي والطرح العلماني للقضية الفلسطينية من حيث الدوافع والغايات والأهداف والاستراتيجيات والآليات 3/الفرق بين نظرة الإسلاميين ونظرة العلمانيين للمجاهدين في فلطسين 4/الفرق بين نظرة الإسلاميين ونظرة العلمانيين لليهود وأسباب ودوافع قتالهم 5/جهاد المسلم لليهود كغيرهم من الكافرين واكتفاء العلمانيين بالبيانات الدعائية والشجب والتنديد 6/أهمية فهم أبعاد القضية كما فهمها أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- ومن تبعهم بإحسان 7/خوف اليهود من الإسلام وبعض شواهد ذلك 8/دعم المارد الأمريكي لليهود ضد الحركات الإسلامية 9/نجاح الحركات الإسلامية الجهادية في مجابهة اليهود وبعض شواهد ذلك 10/أهداف إسرائيل وأمريكا من مؤتمر \"أنابوليس\" وخطر ذلك على القضية الفلسطينية 11/تحريم المشاركة في مؤتمر \"أنابوليس\" وتكذيب الواقع الفلسطيني لمثل هذه المؤتمرات المشؤومة 12/فلسطين قضية المسلمين جميعا

اقتباس

أيها المسلمون: أرض فلسطين ليست ملكاً للفلسطينيين، ولا لأي زعيم عربي، ولا لحماس، ولا لأي تنظيم فلسطيني أو غيره، بل إن أرض فلسطين لكل المسلمين على وجه الأرض، فلا أحد يملك أن يبيع فلسطين، ولا يحق لأحد أن يفرط في حق العودة، وحضور هذا المؤتمر تعني الموافقة على التنازل عن حق العودة للفلسطينيين إلى ديارهم. ومع كل هذا التخطيط والمكر والتدبير، فإن احتمالات فشل هذا المؤتمر شبه مؤكدة، فـ...

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله ...

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون: لقد كانت القضية الفلسطينية، ومنذ أن بدأت ولا زالت مجالاً خصباً للمزايدات والمتاجرات والألاعيب السياسية، وخداع الشعوب المنكوبة من قبل الساسة، وزعماء المنظمات العلمانية، ليس فقط داخل فلسطين، بل وخارجها في العديد من البلدان المجاورة لفلسطين، وغيرها.

 

وهذه وقفة من التفكر والتأمل في فلسطين بين الطرح الإسلامي، والطرح العلماني.

 

وإنك لتتساءل: من الذي باع القضية وتنازل عن الأرض؟ ومن الذي تراجع عن مبادئه؟ ومن الذي يتتبع المجاهدين ويسلمهم إلى اليهود؟ ومن الذي أصبح عيناً لليهود على المسلمين؟ من الذي يتلون بحسب المصالح السياسية، فمرة سيرمون بإسرائيل في البحر، ومرة لابد من التعايش السلمي والتطبيع، وأخرى لابد من السلام؟!!.

 

إن الناظر ببصيرة المسلم وفراسة المؤمن يتبين له الفرق الهائل في الطرحين في الدوافع والغايات والأهداف والاستراتيجيات والآليات.

 

ففلسطين في أنظار المسلمين المجاهدين في أرض الرسالات: أنها مهبط الأنبياء والنبوات، ومسرى رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم-، وفيها المسجد الأقصى الذي ثبت في السنة أن الصلاة فيه مضاعفة، وفتحها الصحابة ورووها بدمائهم الطاهرة، وأجسادهم الزكية، وصارت ولا زالت ثغراً جهادياً على مر القرون المتتابعة، فلأجل هذا استحقت الجهاد، وبذل المهج والأرواح، والأولاد والأموال، وهي أرض مباركة بنص القرآن: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)[الإسراء: 1].

 

وفي نظر العلمانيين: فلسطين بقعة عربية ضعيفة، اعتدى اليهود على أجزاء منها واحتلوا أراضي ليست لهم حقاً بميثاق الأمم المتحدة، وأن عليهم أن ينسحبوا إلى حدود سبعة وستين ليتعايشوا مع العرب بسلام ضد قوى الإرهاب والتطرف.

 

يرى المسلم المجاهد: أن الدوافع لقتال اليهود امتثال أمر الله -تعالى- بقتال قوم كفروا بالله واليوم الآخر، وأنهم لا يدينون دين الحق؛ كما قال تعالى: (قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)[التوبة:29].

 

ولهذا يستوي في نظر المسلم الجهاد في فلسطين وفي الشيشان وفي أفغانستان وفي العراق، وفي غيرها من النواحي التي يقف العلماني ضدها موقف الخصم مع النصارى، ويصفها بالإرهاب.

 

واليهود في نظر المسلم أعداءٌ لله -تعالى-، اتهموا ذاته العلية بأقبح الأوصاف، من البخل، وغل اليد، واللغوب، والأبوة -تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا-.

 

وهم قتلة الرسل، وأعداء الأنبياء، خاصة محمداً -صلى الله عليه وسلم-.

 

ثم هم مع ذلك غاصبون محتلون، سفاحون للدماء، سماعون للكذب أكّالون للسحت.

 

أما في نظر العلماني، فإن النضال مع اليهود لم يكن دينياً يوماً من الأيام، فهم لا يريدون كما يقولون استخدام الدين وسيلة لتحقيق أهدافهم، كما فعل اليهود، فقاسوا الإسلام على اليهودية، وساووا بين الحق البيّن والباطل الواضح، واستراتيجيتهم تتركز على إقامة دولة علمانية، يعيش فيها اليهود والنصارى والمسلمون معاً.

 

المسلم يجاهد اليهود كغيرهم من الكافرين جهاداً في الله حق الجهاد، يحدوه اليقين، ويشجعه الوعد الإلهي الصادق بكرامات الشهيد وفضل الشهادة، ويرجو جنة عرضها السموات والأرض، ويؤمله بشائر نبوية صادقة بدحر يهود، ونصر الإسلام والمسلمين، مصداقاً لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود"[رواه مسلم].

 

فهل يملك العلماني أمثال هذه البشائر؟ وهل يؤمن هذا الإيمان؟ وهل يغمر صدره مثل هذا اليقين؟ وهو لا يؤمن بالله ورسوله وبما جاء عن الله ورسوله!.

 

أيها المسلمون: إن قصارى ما يملكه العلمانيون تلك البيانات الدعائية، تُخَادِع به الأمة لتبنى بها مجداً مزعوماً، تهدف من ورائه صرف المجتمع عن قضاياه الداخلية، وسحب البساط، وخطف الراية من الإسلاميين الذين برهنوا على صدق دعواهم، وقدموا آلاف الشهداء في فلسطين، وفي سهول القوقاز، وأودية البلقان، وعلى جبال الأفغان.

 

وهيهات يا بنو علمان، فلن تُخدع الأمة بمثل هذه البيانات، فالأمة تعرف الصادق من الكاذب، وتعلم المتاجر من المناصر، فكفى دجلا ونفاقا ومخادعة، ومن كان صادقاً فهذا الميدان ليقف مع الطفل في فلسطين أو على الأقل ليتترس به من وراء ظهره، وليناوله الحجر.

 

ويعلم اليهود قبل غيرهم أن فلسطين لن يخلصها إلا جيش محمد -صلى الله عليه وسلم-، لن يحررها إلا الأيدي المتوضئة، أمة تحرص على الموت حرص يهود على الحياة، رجال يضعون أرواحهم على أكفهم، ويرون مقاعدهم من الجنة وهم مقدمون على القتال، فلا يقف في وجوههم قوة: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)[الأحزاب:23].

 

أيها المسلمون: لا بد من فهم ثاقب لأبعاد القضية، كما فهمها أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، ومن تبعهم بإحسان، ذلك الفهم الذي سار به أبو عبيدة عامر بن الجراح، وعمرو بن العاص، ليجاهدوا الروم هناك، ويخلّصوا بيت المقدس من أركاس الصليبيين الروم.

 

الفهم الذي ذهب به عمر ليتسلم مفاتيح بيت المقدس لتعود إلى التوحيد الخالص طاهرة ظاهرة.

 

الفهم الذي حدا بصلاح الدين أن يجاهد الصليبيين الأوربيين ليعيد بيت المقدس للإسلام مرة أخرى عزيزاً منيعاً.

 

والفهم الذي رفض به السلطان العثماني عبدالحميد عن بيع هذه البقعة ببنوك اليهود، مع علمه بأن هذه الخطوة فيها نهايته.

 

بل الفهم الفطري الذي جعل أطفال الحجارة وشبابها أصحاب الانتفاضة الأولى والثانية والأخيرة يفهمون أبعاد القضية، ويدركون أسرار الشخصية اليهودية فيُذلونها ويُرغمون أنفها بما لم تستطعه الجيوش، أو تقدر عليه العروش.

 

لابد لهذا الفهم أن يأخذ طريقه إلى عقول أجيالنا من الآن فصاعداً، وليُهَلّ التراب إلى الأبد على كل تلك الفهوم البالية، والشعارات الخاوية العلمانية، التي انخذلت وما ارتفعت، وضاعت وضيعت.

 

لا بد للفهم الإسلامي أن يأخذ مكانه، أو بالأحرى أن يعود لمكانه ومكانته في عقل الأمة المسلمة بعد طول غياب.

 

أيها المسلمون: منذ الأيام الأولى للصدام مع اليهود، كان الهاجس اليهودي من خطر الإسلام حاضراً، فعندما بدأ هجوم عصابات اليهود لاغتصاب أرض بيت المقدس عام ثمانية وأربعين، وبدأت الحركات الإسلامية في مواجهة الخطر، سارع سفراء بريطانيا وفرنسا وأمريكا لطلب التدخل من الحكومة المصرية آنذاك وتوجيه ضربة شديدة على حركة المقاومة الإسلامية، فصدرت الأوامر بمحاصرة معسكرات المجاهدين في جبهة القتال، وجردوهم من أسلحتهم، ثم نقلوا إلى المعتقلات والسجون.

 

لقد عمل اليهود وأشايعهم على مدار الأعوام الماضية على وأد أي نبتة إسلامية ناشئة، فهؤلاء يدرسون ويخططون، وأولئك يعملون وينفذون.

 

إن إسرائيل تعلم أنه لن يخرجها ويهزمها إلا الأيدي المتوضئة، والجباه الساجدة، والسواعد الفتية المؤمنة، فقد نشرت صحيفة إسرائيلية مقالاً جاء فيه: "إن على وسائل إعلامنا أن لا تنسى حقيقة هامة هي جزء من استراتيجية إسرائيل في حربها مع العرب، هذه الحقيقة هي أننا قد نجحنا بجهودنا وجهود أصدقائنا في إبعاد الإسلام عن معركتنا مع العرب طوال ثلاثين عاماً، ويجب أن يبقى الإسلام بعيداً عن المعركة إلى الأبد، ولهذا يجب ألا نغفل لحظة واحدة عن تنفيذ خطتنا تلك في استمرار منع استيقاظ الروح الدينية بأي شكل وبأي أسلوب، ولو اقتضى الأمر الاستعانة بأصدقائنا لاستعمال العنف لإخماد أي بادرة ليقظة الروح الإسلامية في المنطقة المحيطة بنا".

 

أيها المسلمون: إن اليهود لا يقفون وحدهم ضد الحركات الإسلامية التي تحاول النهوض من كبوتها، بل يقف المارد الأمريكي النصراني معلناً مؤازرته ومعاونته ضد كل حركة إسلامية مؤثرة، والأمريكيون لا يبخلون ببذل النصح وإسداء المشورة إذا كان الأمر يتعلق بالقضاء على أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم-، ومع هذا العداء المتواصل، والمكر الكبار، إلا أن الله -تعالى- يشاء لهذا الجهاد الإسلامي أن يتنفس على رحاب الأرض المباركة فلسطين.

 

يأخذك الدهشة والعجب من أطفال صغار وشباب عزل، كل ما يملكون لمجابهة الراجمات والطائرات قطع من الحجارة والمقاليع وبقايا من سلاح قديم، وصدق الله العظيم: (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ)[الحشر: 14].

 

لقد نجحت هذه الكتائب الجهادية الصغيرة، وهي تمضي لمجابهة اليهود، نجحت في اقتلاع الخوف من النفوس اقتلاعاً، وأصبحنا نسمع يومياً عن صور جهادية رائعة، وتضحيات وعمليات فدائية واستشهادية غاية في الجرأة والإقدام، حتى أصبح هؤلاء الصبيان والصبايا قطعان من الموت متنقلة يتوقع اليهود تفجرها في كل مكان حتى صار اليهود يرهبون من الأخيلة والأشباح.

 

وضاقت الأرض حتى كان هاربهم *** إذا رأى شيئاً ظنه رجلا

 

وضاق اليهود ذرعاً وصاروا في مواجهة قوم يحرصون على الموت حرص يهود على الحياة، وهم كما قال الله: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ)[البقرة:96].

 

ولأول مرة في التاريخ بدأت لاءات اليهود القديمة والتي كنا نسمعها، لا للصلح، لا للتنازل، لا للانسحاب، بدأت هذه اللاءات بالتلاشي والاختفاء التدريجي، وبدأ اليهود يطرحون مشاريع الانسحاب والتنازل، ولكن لمن هذا التنازل؟

 

إنه لصالح المنظمات العلمانية ليشكلوا معها تحالفاً ضد الجهاد الفلسطيني، تلك المنظمات التي شعرت بالإفلاس، وتراجع رصيد التأييد الشعبي لها، وأصبح زعماؤها والمتنفذون بها، والمنتفعون منها في العراء، لما انكشف الغطاء، وأدرك الناس أن تلك المنظمات العلمانية، إنما تتاجر بالنضال متاجرة، وتنادي بالكفاح دعاية، لجمع الأموال، وتضخيم أرصدتها في البنوك الغربية.

 

أدرك الناس ذلك وهم يرون هذه المجموعات قليلة العدد، ضعيفة التسليح والإعداد إلا من الإيمان، تقوم بهذه الأعمال الجبارة التي تركت اليهود في رعب قاتل.

 

واضطر اليهود تحت مطارق المجاهدين وضرباتهم الموجعة إلى شيء من التنازل الاسمي، وجاءت زمرٌ ما عرفت طيلة عمرها إلا حياة الرفاهية في فنادق تونس ومنتجعات أوربا بما تضمه من علمانيين ونصارى لتعطى شيئاً من المكاسب الوهمية التي ما استفادتها إلا بإعلان الجهاد، ولتشارك اليهود في ضرب الجهاد الفلسطيني وحربه، والقبض على أهله وتسليهم لليهود.

 

نسأل الله -جل وتعالى- بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، أن ينصر الإسلام والمسلمين، وأن يذل الشرك والمشركين، إنه سميع قريب مجيب.

 

بارك الله لي ولكم ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

الحمد لله ...

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون: إن مؤتمرات تعقد، ودراسات تعد، وبحوثاً تجمع لغرض واحد، وهو: كيف يُقتل الوليد الإسلامي، والجهاد الإيماني في مهده قبل أن يستوي عوده، ويصبح فتىً يافعاً ثم رجلاً قوياً، يرد الكيد ويصد العدوان؟!!.

 

لقد بدت الأهداف الصهيونية والأمريكية واضحة للغاية من خلال دعوتها لمؤتمر الخريف -والذي اشتهر باسم مؤتمر "أنابوليس"- في هذا الوقت بالذات من خلال تحقيق مكاسب أمريكية وصهيونية.

 

إن مؤتمر "أنابوليس" يهدف لتحقيق مكاسب لأمريكا، وأيضا مكاسب لدولة الكيان الصهيوني، متمثلة في محاولات التغطية لإخفاقات الإدارة الأمريكية في العراق وأفغانستان، وتلميع صورة واشنطن كراعية للسلام في المنطقة.

 

بالإضافة إلى تحقيق مكاسب انتخابية للحزب الجمهوري، وهو حزب أصولي صهيوني مسيحي، يتبنى وجهة النظر الصهيونية تماماً، بل يشجع الصهيونية على تحقيق أغراضها في فلسطين، وفي الشرق الأوسط.

 

إضافة إلى مكاسب صهيونية، متمثلة في تعميق الانقسام في الصف الفلسطيني، ومحاولة تفكيك النظام العربي، وتحسين صورة الكيان الصهيوني والتطبيع الصهيوني مع الدول العربية والإسلامية، وتشديد الحصار على أهلنا في غزة، وتعميق الانقسام الداخلي في فلسطين.

 

والدول التي ستشارك في المؤتمر قد تعاهدت مع الإدارة الأمريكية بوقف أي دعم لحركة حماس بدعوى أن الأخيرة رافضة للسلام، وتعمل على تعطيل مشاريع السلام العربية.

 

هذا هو هدف المؤتمر باختصار.

 

سينعقد المؤتمر يوم الثلاثاء المقبل وسط اهتمام دولي ضخم، وبحضور الرئيس الأمريكي الذي سيظهر أمام العالم كصانع سلام، وحريص على إقامة دولة فلسطينية، وهو الذي دمر دولتين: إحداهما في العراق، والأخرى في أفغانستان، وقتل أكثر من مليون ونصف المليون من مواطنيهما الأبرياء، وشرد خمسة ملايين آخرين، وما زالت عمليات القتل والتدمير مستمرة.

 

والمرتب أن المفاوضات ستتواصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفق رؤية الإدارة الأمريكية كمرجعية أساسية، أي الاعتراف المسبق بيهودية إسرائيل، والاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الرئيسية حول القدس المحتلة، بحيث تأتي الدولة الجديدة، هذا إذا أتت، مشوهة مهلهلة غير واضحة المعالم، ومنـزوعة السيادة والكرامة، تنحصر مهمتها في قمع شعبها لتأمين الأمن والاستقرار والرخاء لليهود، سكان الدولة المجاورة.

 

وهذا يعني عملياً إسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وطرد مليون من المواطنين العرب داخل ما يسمي بالخط الأخضر، أي عرب إسرائيل، والتسليم أيضا بيهودية القدس مع رفع علم عربي على المسجد الأقصى لذر الرماد في العيون.

 

أيها المسلمون: إن العمل على تحقيق هذه المكاسب الأمريكية والصهيونية جريمة بحق الأمة الإسلامية؛ لأنه يساعدهم على القضاء على الجهاد الإسلامي في فلسطين.

 

لقد أمرنا ربنا ألا نوالي العدو أو نلقي إليه شيئاً من المودة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ)[الممتحنة:1].

 

والمشاركة في هذا المؤتمر فيه مودة للأمريكان واليهود.

 

إن الله -تعالى- ينهانا عن موالاتهم: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[الممتحنة:9].

 

واليهود أخرجونا من أرضنا في فلسطين، والأمريكان يخرجون إخواننا في العراق وأفغانستان.

 

إن التفكير في حضور هذا المؤتمر مخالفة شرعية واضحة على هذه النية، وشرعنا لا يجيز مثل هذه المشاركة على الإطلاق التي تهدف لتحقيق الأهداف الصهيونية الخبيثة.

 

أيها المسلمون: إن هذا المؤتمر يهدف إلى ترسيخ علاقة التطبيع بين الدول العربية والإسلامية، وبين دولة الكيان الصهيوني، من خلال الجلوس معهم في هذا المؤتمر.

 

بالإضافة إلى تطبيق أجندة صهيونية أمريكية تساهم إلى حد بعيد في تمكن اليهود أعداء الأمة من أرض فلسطين.

 

وأرض الواقع على فلسطين تُكذّب كل المؤتمرات التي وقعت، فلم يجن الفلسطينيون سوى مزيداً من الذبح والتشريد والقتل، ولم يبد أصلاً اليهود حسن نية تجاه الفلسطينيين، بل المسلمين في يوم من الأيام، فهم كل ما يريدونه أن نبقى عبيداً لتطبيق أجندتهم المعادية للإسلام والمسلمين، والمطلوب منا حتى يرضوا عنا هو السير في ركابهم وصعود سفينة إبليس معهم.

 

إن الحاضر لمؤتمر "أنابوليس" لا بد أن تتوافق رؤيته مع رؤية العم سام وهواه: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ)[البقرة:120].

 

أيها المسلمون: أرض فلسطين ليست ملكاً للفلسطينيين، ولا لأي زعيم عربي، ولا لحماس، ولا لأي تنظيم فلسطيني أو غيره، بل إن أرض فلسطين لكل المسلمين على وجه الأرض، فلا أحد يملك أن يبيع فلسطين، ولا يحق لأحد أن يفرط في حق العودة، وحضور هذا المؤتمر تعني الموافقة على التنازل عن حق العودة للفلسطينيين إلى ديارهم.

 

ومع كل هذا التخطيط والمكر والتدبير، فإن احتمالات فشل هذا المؤتمر شبه مؤكدة، فالرئيس الأمريكي راعيه الأكبر ضعيف مهزوم في حربه في العراق وحربه على الإرهاب، وعاجز تماماً عن التعاطي مع ملف المفاعل النووي الإيراني، ويحظى بشعبية هي الأكثر تدنيا في تاريخ رؤساء أمريكا في العصر الحديث.

 

أما رئيس الوزراء الإسرائيلي "أولمرت" فيواجه تحقيقات بالفساد، وشعبيته أكثر سوءاً من شعبية الرئيس الأمريكي بعد هزيمته المذلة في لبنان قبل عام.

 

فنسأل الله -جل وتعالى- أن يرد كيدهم في نحورهم ...

 

اللهم ...

 

 

 

 

المرفقات

أنا بوليس

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات