عناصر الخطبة
1/ إزالة الفتوحات الإسلامية للظلم الواقع على الشعوب 2/ دخول الشعوب باختيارهم أفواجًا في الإسلام لسماحته 3/ التباين التام بين أخلاق المقاتلين المسلمين وغيرهم 4/ دخول الإسلام أراكان في القرن الهجري الأول 5/ احتلال البوذيين لدولة أراكان المسلمة قبل قرنين 6/ مآسي مسلمي أراكان وإبادتهم أمام أعين العالم 7/ واجباتنا تجاه إخواننا بعد اطلاعنا على مآسيهماقتباس
والجهاد في سبيل الله ليس لإكراه الناس على العقيدة؛ بل لضمان حرية الاعتقاد التي انتهكها أعداء هذا الدين، وفرضوا على الناس من العقائد والمذاهب ما لا يقبله عقل، وفتنوهم بشتى الوسائل عن سماع الحق. ومن هنا ينطلق الإسلام بالسيف ليحطم هذه الأنظمة التي قهرت العباد، وأضلتهم، وأفسدت حياتهم، ويدمرَ هذه القوى التي تحميها. ثم ماذا؟! ثم يدع ..
الحمد لله الملكِ العليِّ الكبير، الغنيِّ اللطيفِ الخبير، المنفردِ بالعز والبقاء والتدبير، الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، أحمده حمد عبدٍ معترفٍ بالعجز والتقصير، وأشكره على ما أعان عليه من فضلٍ ويسر من عسير.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ظهير، ولا نِدَّ له ولا وزير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله البشيرُ النذير، والسراجُ المنير، المبعوثُ إلى كافة الخلق من غني وفقير، ومأمورٍ وأمير، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه، صلاةً يفوز قائلها من الله بمغفرةٍ وأجر كبير، وينجو بها في الآخرة من عذاب السعير.
أما بعد: فاتقوا الله -أيها المسلمون-، واعلموا أن الفتح الإسلاميَّ المُبارك، قد امتد إلى أقطار الأرض الواسعة، وانتشرت جيوشُ المسلمين الفاتحة، ففتحت قلوب العباد قبل البلاد، فأزالت عنهم ظلم فارس والروم، حيث حكم الفرس والروم البلدان بالظلم والطغيان، فجاءت جيوش المسلمين المخلصين، فأزالت هذا الحكم الظالم، فذاق العباد طعم الحريَّة والأمن، وأخذ المسلمون على عاتقهم حماية هذه الشعوب، وجعلوا لهم الخيار في دينهم، فلم يُكرهوهم على اعتناق الإسلام، ولا أجبروهم على ترك دين الكفر والطغيان: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) [البقرة:256].
والجهاد في سبيل الله ليس لإكراه الناس على العقيدة؛ بل لضمان حرية الاعتقاد التي انتهكها أعداء هذا الدين، وفرضوا على الناس من العقائد والمذاهب ما لا يقبله عقل، وفتنوهم بشتى الوسائل عن سماع الحق.
ومن هنا ينطلق الإسلام بالسيف ليحطم هذه الأنظمة التي قهرت العباد، وأضلتهم، وأفسدت حياتهم، ويدمرَ هذه القوى التي تحميها. ثم ماذا؟!
ثم يدعُ الناسَ بعد ذلك أحرارًا، يتركهم ليختاروا العقيدة التي يريدون، إن شاؤوا دخلوا في الإسلام، ولهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم، وإن شاؤوا بقوا على عقائدهم، وأدوا الجزية مقابل حمايتهم، وكفالةِ عاجزهم ومريضِهم في حضن الإسلام، ولا إكراه في الدين أبدًا.
لم يهدم المسلمون لهم كنيسة، ولا قتلوا طفلاً ولا رضيعًا، كيف وقد أوصاهمُ النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "اغزوا باسم الله، في سبيل الله، اغزوا ولا تغلُّوا ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدًا". فدخل الناس في دين الله أفواجًا، طواعيةً لا كرهًا، محبَّةً لا خوفًا.
فدخل أهلُ الشام ومصرَ والعراقِ في الإسلام، وخُراسان والأندلسِ، وغيرُهم، ولم يُطرَدْ أهلها أبدًا، فهم كانوا قبل الفتح الإسلامي على ملَّة الشرك والكفر، فأسلموا هم بأنفسهم، والأرض أرضهم، والبلد بلدهم، فأين حق اليهود في فلسطين؟! كيف راجت هذه الأكذوبةُ على بعض المسلمين؟! هل أهل فسطين طُردوا منها، وسكنها غيرهم من المسلمين؟! كلا؛ بل أهلها في الماضي هم أهلها اليوم، أسلموا طواعيةً وقناعة.
ولو كان أهلها قد أُجبروا على دخول الإسلام، لماذا وُجدت كنائس النصارى إلى هذا اليوم في مصر والشام وتركيا وغيرِها؟!
هكذا فعل المسلمون مع هذه الشعوبِ المظلومة، والتي سُلبت خيراتها، واعْتُدي على حرماتها.
ولكن؛ ماذا فعل الكفار بنا حينما تسلطوا علينا؟! عندما تخلَّينا عن تعاليم ديننا، وسادت بيننا الفُرقةُ والعداوة؟! لقد استباحوا دماء المسلمين في الأندلس، فلم يبق مسلمٌ واحدٌ فيها، وكذا في الفلبين وتيمورَ الشرقية، وبعدها في فلسطين والجزائر، والبوسنةِ والهرسك وكوسوفا، والشيشان، وغيرِها من بلاد الإسلام.
أنَّى اتَّجَهْتَ إلى الإسلامِ في بَلَدٍ *** تَجِدْهُ كالطَّيْرِ مَقْصُوصًا جَنَاحَاهُ
كم صـرّفتْنَا يـدٌ كُنَّا نُصَرِّفُها *** وبـات يَـمْلِكُنَا شَعْبٌ مَلَكْنَاه
يا مَـنْ رأَى عُمَرًا تكسُوهُ بُرْدَتُه *** والزيتُ أدْمٌ لـه والكُوخُ مأواه
يهْـتَزُّ كِسْرَى على كُرْسِيِّهِ فَرَقًا *** من بأسه وملـوكُ الرُّومِ تَخْشَاه
أيْنَ الرشيدُ وقدْ طافَ الغمامُ به *** فحـين جَـاوَزَ بغـدادًا تحدَّاه
اسْترشدَ الغربُ بالماضي فأرْشَدَهُ *** ونحـن كـان لنا ماضٍ نَسِينَاه
وآخرُ شاهدٍ على عدواةِ الكفار وحقدِهم ما يتعرض له المسلمون في إقليم أراكان في بورما، حيث لاقوا صنوفَ الاضطهاد والقتل والتشريد التي كابدها أبناء ذلك الإقليم المسلم منذ ستين عامًا على يد الكفرة البوذيين، حيث أذاقوا المسلمين الويلات، وأبادوا أبناءهم، وهجّروهم قسرًا من أرضهم وديارهم، وسط صمت دوليٍّ عجيب.
ومنذ أيام عديدة، وهم يعيشون أوضاعًا مأساوية بعدما تحولت المواجهات التي يشهدها الإقليم إلى حرب شاملة ضد المسلمين في بورما.
كما تعتبر الأقلية المسلمة في بورما -بحسب الأمم المتحدة- أكثر الأقليات في العالم اضطهادًا ومعاناة، وتعرضًا للظلم الممنهج من الأنظمة المتعاقبة في بورما.
وقد وصل الإسلام إلى بورما عن طريق أراكان، في القرن الأول الهجري بواسطة التجار المسلمين، من التابعين وأتباعهم؛ حيث كان كثيرٌ من المسلمين يمارسون مهنة التجارة، ولأجلها يسافرون إلى أقاصي البلاد ودانيها، وحيث إنهم وعوا قوله -صلى الله عليه وسلم-: "بلِّغُوا عني ولو آية"، بدؤوا بممارسة الأعمال الدعوية بين السكان المحليين بالحكمة والموعظة الحسنة، فبدأ الناس يدخلون في دين الله أفواجًا.
وأصبحت أراكان دولة مسلمة مستقلة، حتى قام باحتلالها البوذيُّون قبل قرنين، بضم هذا الإقليم إلى بورما، خوفًا من انتشار الإسلام في المنطقة، وعاثوا في الأرض فسادًا، فدمروا كثيرًا من الآثار الإسلامية من مساجد ومدارس، وقتلوا العلماء والدعاة.
ومنذ ذلك الوقت، والمسلمون يتعرضون لكافة أنواع التضييق والإبادة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولم يكن لهم مأوى يأوون إليه إلا أن يهاجروا إلى مَن حولهم من الدول، فما كان من تلك الدول إلا أن أعادتهم إلى بلدهم، مدَّعيةً عدم قدرتها على توفير المكان والطعام والمستلزمات الإنسانية لهم.
وقد أدى ذلك إلى أن يرمي بعض النساء أنفسهن في البحر أثناء رحلة العودة إلى بورما، بعد إرجاع هذه الدول لقوارب الفارّين من الموت؛ خوفًا على أعراضهن.
والعجيب -أيها المسلمون- أن المحكمةَ الجنائيةَ الدولية نطقت بعد صمتٍ طويلٍ لتقول: إن تدميرَ الأضرحةِ الشركيةِ في إحدى الدول جريمةُ حرب. ولم تُدنَّس القبور ولا أهلها، بل أُزيل ما عليها من الأبنية والزخارف.
أما وقت إبادة المسلمين في بورما، وذبح الشعب السوري، فهي صمَّاء لا تسمع، بكماء لا تنطق، عمياء لا تُبصر.
هدمُ حجرٍ لا ينفع ولا يضر جريمة حرب؛ وإبادةُ وترويعُ وتهجيرُ مئات الآلاف لا يُلتفتُ ولا يُؤبَهُ له!
اللهم فرج عن المسلمين المستضعفين في بورما، اللهم تول أمرهم، واحقن دماءهم يارب العالمين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، أوجب على المسلمين أن يكونوا مُتراحمين مُتناصرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المسلمون: وقد يتساءل كثيرٌ من الناس فيقول: ما ذا نستفيد من عرض هذه المآسي، والحَلُّ ليس بأيدينا، بل بأيدي المسؤولين والحكام؛ فإذا شاهدنا وسمعنا ما يحل بإخواننا من القتل والاضطهاد، مُلئت قلوبُنا حسرةً وأسى وهمومًا وألمًا؟!
فالجواب أن يُقال: يا سبحان الله! حتى الهمّ والحزن لإخوانك في الإسلام، تبخل وتمُنّ به عليهم! أليس من حق المؤمن عليك أن ترحمه وتعطِف عليه! وأين قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مثَل المؤمنين فى توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"؟!
ورحمتك وعطُفك لهم، هو في حدّ ذاته عبادةٌ تُؤجَر وتُثاب عليها؛ وهذا التراحم والتعاطف هو من أعظم أسباب اللحمةِ بين المسلمين، وترابطِهم، وتوحُّدهم.
ويترتب على سماعك ومُشاهدتك لأحوالهم أيضًا، أن يلهج لسانك بالدعاء الصادق لهم، بأن يُفرج الله كربهم، وينصرَهم على عدوهم.
فكم من دعوةٍ صادقةٍ رُفعت إلى السماء، ففُتح لها باب القبول، ففرج الله بها كربًا، وأزال بها ظلمًا، ونصر بها مظلومًا.
ويترتب على سماعك ومُشاهدتك لأحوالهم أيضًا أن يترسَّخَ في قلبك الولاءُ للمؤمنين، والبراء من الكافرين؛ فتتولَّى المؤمنين أينما كانوا، وتعطِف عليهم، وتدعو لهم؛ وتتبرأ من الكافرين مهما حسَّنوا صورتهم، وجمَّلوا أفعالهم؛ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ) [الممتحنة:1].
ولا يعني هذا أن تَسْتولي علينا همومُ المسلمين المُستضعفين، وأن لا نلتفت إلى غيرها من واجبات وأعمال، وأن لا نفرح بنعمة، ونستمتع بنزهة؛ كلا! فخيرُ الأمور أوسطها.
نسأل الله تعالى أن يُرسِّخ في قلوبنا الولاء للمؤمنين، والبراء من الكافرين، وأن ينفع بنا الإسلام والمسلمين؛ إنه سميع مجيب.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم