عناصر الخطبة
1/إدراك موسم الخيرات يحتاج لشكر 2/ التحذير من قنوات الفساد 3/إلى متى الغفلة 4/يوم الجمعة فضائل وبركات 5/إن لم تتب في رمضان فمتى تتوب؟ 6/ادركوا ما بقي من رمضان.اقتباس
مَنّ علينا ببلوغ رمضان، وإدراك موسم الخيرات، فما أعظمها من نِعمة وأكملها من مِنةٍ، وهذه النِعمة تحتاج شكر لتقُرَ، وليس عصيانا وجحوداُ فتزولَ وتحولَ، وليس قنواتٍ وفساداً في رمضان ومتابعةً للمعاصي في قنوات الذنوب، قنوات تُحاربُ رمضانَ وتخطُفه وتسرقه من أيدينا، وبعضنا أقبل على قنواتهم، وسارع لمتابعة سيئاتهم فضاع رمضان, وأضاع الحسنات وما أدرك الفلاح...
الخطبة الأولى:
الحمد لله أتم علينا النِعمةِ، وتابع علينا مِننه، أحمده -سبحانه- وأشكره على نِعمهِ العِظام وآلاءه الجِسام، وأشهد أن لا إله إلا اله وحده لاشريك له في أُلوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، تقدس وتنزه عن الأشباه والأمثال والنظائر والأنداد, (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى: 11]، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خير البرية, وأزكى البشريةِ, صلى الهت عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: فأُوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -عز وجل- فهي أمنكم وأمانكم بعد الله من الذنوب والعصيان ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
أيها المؤمنون: إن -سبحانه وتعالى- مَنّ علينا ببلوغ رمضان، وإدراك موسم الخيرات، فما أعظمها من نِعمة وأكملها من مِنةٍ، وهذه النِعمة تحتاج شكر لتقُرَ، وليس عصيانا وجحوداُ فتزولَ وتحولَ، وليس قنواتٍ وفساداً في رمضان ومتابعةً للمعاصي في قنوات الذنوب، قنوات تُحاربُ رمضانَ وتخطُفه وتسرقه من أيدينا، وبعضنا أقبل على قنواتهم، وسارع لمتابعة سيئاتهم فضاع رمضان, وأضاع الحسنات وما أدرك الفلاح, والله حذرّنا من القنوات والمفسدين فقال -عز وجل-: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) [النساء: 27].
قال ابن عباس: "ثمان آيات في سورة النساء، هن خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) [النساء: 26], (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) [النساء: 27], (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) [النساء: 28], (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ) [النساء: 31], ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ) [النساء: 40], (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا) [النساء: 110], (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) [النساء: 48], (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [النساء: 152]".
والله بيّنا لنا حال القنوات وفسادها ورغبة المفسدين في إفساد الناس, قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ) [النور: 19] أي تفشو، يقال: شاع الشيء شيوعا وشيعا وشيعانا وشيوعه، أي ظهر وتفرق الزنا بين الناس. (فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) أي في المحصنين والمحصنات والفاحشة: الفعل القبيح المفرط القبح. وقيل: الفاحشة في هذه الآية القولُ السيئ. عن عطاء قال: "من أشاع الفاحشة فعليه النكال وإن كان صادقا", وأخرج البخاري في الأدب والبيهقي في الشعب عن علي بن أبي طالب قال: "العامل الفاحشة والذي يشيع بها في الإثم سواء".
يا مضيعا اليوم تضيعه أمس، تيقظ ويحك فقد قتلت النفس، وتنبه للسعود فإلى كم تحس، واحفظ بقية العمر فقد بعت الماضي بالبخس، وقد فرطت وقصرت، وعلى الباطل اعتكفت ونُمت، وبِعت رمضان بالبخسِ، وعلى القنوات سبقت وما سُبقت، وعلى الفاني عجلت وما عُجلت، وعن الباقي رغبْتَ وقد رُغّبت.
إخواني: حبالُ الأمل رَثاثٌ، وساحر الهوى نَفاثٌ، رحل الأقرانُ إلى ظلام الأجداثِ، لله ما صنعت الأجداثُ في الأحداثِ، فبادروا إخواني شهركم بأفعال الخيرِ، وأفردوها عن الخطايا لتكون وحدها لا غير، واعلموا أن شهركم هذا شهرُ إنعامٍ وميرٍ، تعرف حُرمته الملائكةُ والجنُ والطيرُ، واها لأوقاته من زواهر ما أشرفها، ولساعاته التي كالجواهر ما أظرفها، أشرقت لياليها بصلاة التراويح، وأنارت أيامها بالصلاة والتسبيح، حليتها الإخلاص والصدق، وثمرتها الخلاص والعتق.
تيقظ يا غافل وانهض ببدارك، فمالك لِأهلِك وأنت ضيفٌ بدارك، واستدرك قَدِيمَك وأصلح بالتقى حديثَك، وامنع لسانك اللغو واجعل الذكر حديثك، وصحح بمجانبة الهوى إيمانك ويقينك، وتدرع كلماتي هذه في حرب الغرور يقينك، إلى متى في حب البطالة منكمش، وبلذات الكسل جذلان دهش، وإذا فات الهوى بت من الحزن ترتعش؟.
أما رأيت ذا مال وأمل لم يعش؟، أما شغلك الموت عن زخرف قد نقش؟، أما تعلم أنك للموت في القبر تفترش؟، أما تحذر يوما لا تجد الماء من العطش، عجبا لموقن بالقيامة لم يجع ولم يعطش.
كان أصحاب أبو هريرة يعتكفون في رمضان ويقولون: "نطهر صيامنا".
أيها المجتهد: هذا ربيع جدك -أيها الطالب-, هذه أوقات رَفْدِك، تيقظ -أيها الغافل- من سَنِة البطالة، تحفظ -أيها الجاهل- من شُبهِ الضلالة، اغتنم سلامتك في شهرك قبل أن ترتهن في قبرك، قبل انقراض مدتك وعدم عِدتك وإِزماع موتِك وانقطاعِ صوتِك، وعثورِ قدمِك وظهورِ ندمِك، فإن العمر ساعاتٌ تذهب، وأوقاتٌ تُنهب, وكلُها معدودٌ عليك، والموت يدنو كل لحظة إليك.
كان ابن سيرين يحيي الليل في رمضان, قال أبو الأشهب قال: "كان أبو رجاء يختم بنا في قيام رمضان في كل عشرة أيام", وعن كعب الأحبار قال: "إن الله -تبارك وتعالى- اختار ساعات الليل والنهار فجعل منهن الصلوات المكتوبة، واختار الأيام فجعل منها الجمعة، واختار منها الشهور فجعل منها رمضان، واختار الليالي فجعل منها ليلة القدر واختار البقاع فجعل منها المساجد", وكان الشبلي إذا دخل شهر رمضان جد فوق جد من عاصره ويقول: "هذا شهر عظمه ربي فأنا أول من يعظمه".
عجبا لك تؤمن وتأمن الغيرَ، أما ينفعك ما ترى من العبرِ، أصمُ السمعِ أم غشيُ البصرِ، تالله إنك لعلى خطرٍ، آن الرحيلُ ودنا السفرُ، وعند الممات يأتيك الخبرُ.
كلما خرجت من ذنوب دخلت في أخر، يا قليل الصفا إلى كم هذا الكدر؟، أنت في رمضان كما كنت في صفر، إذا خسرت في هذا الشهر فمتى تربح؟، وإذا لم تسافر فيه نحو الفوائد فمتى تبرح؟، يا من إذا تاب نقض، يا من إذا عاهد غدر، يا من إذا قال كذب، كم سترناك على معصية؟، كم غطيناك على مخزية؟.
أيها الناس: إن شهركم هذا قد قارب أن ينتصف، فهل فيكم من قهر نفسه وانتصف؟، وهل فيكم من قام فيه بما عرف؟، وهل تشوقت هممكم إلى نيل الشرف؟.
أيها المحسن: فيما مضى منه دُم، وأيها المسيء: وبخ نفسك على التفريط ولُم، إذا خسرت في هذا الشهر متى تربح؟، وإذا لم تسافر فيه نحو الفوائد فمتى تبرح؟. كان قتادة يقول: "كان يقال من لم يغفر له في رمضان فلن يغفر له"!.
يا مضيع الزمان فيما ينقص الإيمان: ما أراك في رمضان إلا كجمادى وشعبان، أما يشوقك إلى الخير ما يشوق، أما يعوقك عن الضير ما يعوق، متى تصير سابقا يا مسبوق.
إخواني: استدركوا باقي الشهر فإنه أشرف أوقات الدهر، واحصروا النفوس عن هواها بالقهر، وقد سمعتم بالحور العين فاهتموا بالمهر.
يا واقفا في مقام التحير: هل أنت على عزم التغير؟ إلى متى ترضى بالنزول في منزل الهوان؟. هل مضى من يومك يوم صالح سلمت فيه من جرائم القبائح؟، تالله لقد سبق المتقي الرابح وأنت راض بالخسران.
عينك مطلقة في الحرام، ولسانك منبسط في الآثام، ولأقدامك على الذنوب إقدام، والكل مثبت في الديوان. قلبك غائب في صلواتك وفكرك ينقضي في شهواتك، فإن ركن إليك معامل في معاملاتك دخلت به خان من خان أكثر كلامك لغو وهذر، والوقت بالتفريط شذر مذر.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم