عناصر الخطبة
1/فضل يوم النحر 2/مشروعية الأضحية وشروطها وآدابها 3/الفرح والسرور بأيام العيد ومظاهر ذلك 4/العيد والتكبير والتضحية من شعائر الله التي يجب تعظيمهااقتباس
اعلموا أن يومكم هذا يوم عظيم من أيام الله، هو يوم الحج الأكبر، ختمت به أيام معلومات، وتتلوه أيام معدودات، كلها أيام شريفة مباركات، شرعت فيها أعمال هي من أجل العبادات، وأعظم الطاعات، يوم النحر هو أعظم أيام الدنيا، جعله الله للمسلمين عيدا، يتقرب...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أما بعد: اتقوا الله -تعالى- أيها المسلمون، وعظموا شعائره، وأكثروا من ذكره، واعلموا أن يومكم هذا يوم عظيم من أيام الله، هو يوم الحج الأكبر، ختمت به أيام معلومات، وتتلوه أيام معدودات، كلها أيام شريفة مباركات، شرعت فيها أعمال هي من أجل العبادات، وأعظم الطاعات.
يوم النحر هو أعظم أيام الدنيا، جعله الله للمسلمين عيدا، يتقرب المسلمون فيه إلى ربهم بثج الدماء عبادة له وقربة، يبتغون بذلك وجهه لا يشركون به شيئا، ما بين ذبح ونحر، وما بين هدي وأضحية، قد اجتمع الحاج وغير الحاج في هذه اليوم على شعار عظيم: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)[الأنعام: 162-163]، شعار التوحيد وإفراد الله -تعالى- بالعبادة، ونبذ الشرك والأوثان والبراءة منها.
شعار التوحيد هو شعار الحاج: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك لا شريك لك".
وشعار التوحيد هو شعار غير الحاج، قَالَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "خيرُ الدُّعاءِ يومَ عَرفةَ، وخيرُ ما قلتُه أنا والنَّبيُّونَ من قبلي: لا إلَه إلَّا اللَّهُ وحدَه لا شَريكَ لَهُ، لَهُ الملكُ ولَهُ الحمدُ وَهوَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ".
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون: شرع الله للمسلمين في هذا اليوم بعد صلاة العيد ذبح الأضحية، وهي من الشعائر العظيمة الظاهرة، عَنِ البَرَاءِ -رضي الله عنه-، قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ النَّحْرِ، قَالَ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ، فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ"(رواه البخاري)، وقد ذبح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده، وذبح المسلمون بعده، ولا زال ذبح الأضحية علامة إيمان وتقوى، يقول تعالى: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ)[الحـج: 37]، ووقت الذبح: أربعة أيام، يوم النحر، وثلاثة أيام التشريق؛ لما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "وكلُّ أيامِ التشريقِ ذبح".
ويستحب للمضحي أن يأكل من أضحيته ويطعم أهل بيته منها، وأن يتصدق منها للفقراء وأصحاب الحاجة؛ كما أرشد إلى ذلك ربنا -جل وعلا- بقوله: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ)[الحـج: 36].
وأما الحاج المتمتع أو القارن فإنه يذبح هديه يوم العيد، سواء أكان ذلك قبل الصلاة أم بعدها، لأن الهدي من أعمال الحج المؤقتة بدخول يوم العيد وليس صلاة العيد.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد
أيها المسلمون: الإكثار من ذكر الله وخاصة التكبير في أيام التشريق من أحب الأعمال إلى الله -تعالى-، ويكون ذلك مقيدا في أدبار الصلوات، ومطلقا في سائر الأوقات، ويكون ذلك بقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، وقد بشر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المكبرين المهللين في هذه الأيام بالجنة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَال: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: "مَا أَهَلَّ مُهِلٌّ قَطُّ إِلَّا بُشِّرَ، وَلَا كَبَّرَ مُكَبِّرٌ قَطُّ إِلَّا بُشِّرَ"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِالْجَنَّةِ؟ قَالَ: "نَعَمْ"(رواه الطبراني)، وإن من مقاصد تسخير الله لهذه الأنعام لنا، وتشريعه للأضحية: الإكثار من ذكره وشكره، وخاصة تكبيره عز وجل، قال تعالى: (كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ)[الحـج: 37].
وأما الحاج فإنه ما شرع الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار إلا لإقامة ذكر الله؛ كما قالت ذلك عائشة -رضي الله عنها-.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون: أيام العيد هذه أيام سعة وتوسعة، وفرح ولهو مباح، وتوسعة في الطعام والشراب، فعن نَبيشةَ الهُذلي -رَضِيَ اللهُ عَنه- أنّ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَال: "وإنَّ هذه الأيامَ أيامُ أكلٍ وشربٍ، وذكرٍ للهِ -عز وجل-"(رواه النسائي)، ولذلك فقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صيام أيام التشريق إلا للحاج المتمتع إذا لم يجد الهدي، ففي البخاري من حديث عَبدِاللهِ بنِ عُمرَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا- وعَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنها- "لَمْ يُرَخَّصْ في أيَّامِ التَّشْرِيقِ أنْ يُصَمْنَ إلَّا لِمَن لَمْ يَجِدِ الهَدْيَ".
وكان صلى الله عليه وسلم يظهر الفرح والسرور بالعيد، وندب المسلمين ليفرحوا، وكان يلبس الجديد والحسن من الثياب، وقد روى البيهقي بإسناد صحيح عن نافعٍ أنَّ ابنَ عُمرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم-: "كان يَلبَسُ في العيدينِ أحسنَ ثِيابِه".
ومن مظاهر الفرح بالعيد: الأمر بخروج الرجال والنساء والصغار إلى صلاة العيد من طريق مكبرين مهللين وحامدين، وهي شعيرة من شعائر الإسلام الظاهرة، ومن السنة أن يخرجوا مشياً على الأقدام، وأن يعودوا من طريق آخر، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قال: "كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ"(رواه البخاري)، وقد قيل: إن ذلك لإظهار شعائر العيد، وليعم الفرح بسائر الطرقات، وبين جميع البيوت، ويكثر التقاء المسلمين بعضهم للسلام والتودد ودعاء بعضهم لبعض، وقد روي عن جماعة من الصحابة والتابعين، أنهم كانوا يتلاقون يوم العيد، ويدعو بعضهم لبعض بالقبول، وللتفاؤل بتغير الحال إلى الرضى والمغفرة؛ فإنه يرجى لمن شهد العيد أن يرجع مغفوراً له.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولك من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا وحده لا شريك تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون: العيد والتكبير والتضحية من شعائر ديننا وهي طاعة لربنا واقتداء بنبينا -صلى الله عليه وسلم-، فهنيئا لمن عظم شعائر الله: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)[الحـج: 32]، فهنئينا لمن عظم شعائر الله بإعلانها والاعتزاز بها، وهنيئا لمن عظم شعائر الله بإخلاص النية له وحده.
شعائر الله تعظيمها من تقوى القلوب، ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه، فعظموا هذه الشعائر، وازرعوا تعظيمها في نفوس أولادكم، وإياكم ورسائل السخرية والاستهزاء والضحك السخيف، شعائر الله تعظم وتحترم، ولا يستهزئ بها ويسخر في أمرها ولو مزحا.
فالأضحية ليس المقصود منها ذبحها فقط، وإنما الاحتساب والإخلاص والنية الصالحة: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)[الحـج: 37].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون: ضحوا تقبل الله أضاحيكم، وكلوا منها وتصدقوا وأهدوا، وافرحوا بالعيد فيما أحل الله لكم، وبروا والديكم، وصلوا أرحامكم، وأحسنوا إلى جيرانكم، وأدخلوا البهجة بالعيد في بيوتكم، فإنه فسحة الله -تعالى- لعباده المؤمنين، وكبروا الله -تعالى- إذ هداكم، واشكروه على ما أعطاكم.
حجاج بيت الله الحرام: هنيئا لكم ما أنعم الله عليكم من تيسير حجكم، أتموا حجكم وعمرتكم لله، حافظوا على زادكم، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، كفوا ألسنتكم، وغضوا أبصاركم، وأكثروا من ذكر الله، أتم الله عليكم حجكم بالقبول والمغفرة.
تقبل الله منكم صالح العمل، وتمم عليكم حجكم، وسددكم لاتباع هدي نبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم-، وحفظكم وأمنكم، وردكم إلى أهلكم سالمين غانمين.
اللهم صل وسلم وزد وبارك، على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين، ومن سار على نهجهم وسلك طريقتهم إلى يوم الدين.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات: 180-182].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم