الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ولي الصالحين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله نبي الأميين ، ورسول الثقلين ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الغر المحجلين ، ومن تبعه فإحسان إلى يوم الدين . . وبعد :
الساكت على الحق شيطان أخرس ، والساكت على الباطل شيطان أخبث ،
قال الله تعالى : { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [ النحل90 ] .
وقال تعالى : { يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } [ لقمان17 ] .
وأخرج الإمام أحمد وغيره من حديث عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، أو ليبعثن عليكم قوماً ، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم " .
كم هي المنكرات التي نراها عبر الشوارع والبيوتات ، وخلال الأزقة والطرقات ، خطف للأطفال والبنات وحتى الشباب والنساء ، انتهاك لحرمات المنازل وحتى المساجد وسرقة محتوياتها والعبث بالمصاحف والكتب الدينية ، انتشار أعظم فاحشتين [ اللواط والزنا ] ، وتفشي أم الخبائث [ الخمر والمخدرات ، والحبوب والمسكرات ] ، وظلم الأبناء والعمال والزوجات ، وأكل حقوق الخدم والأجراء ، والأيتام والفقراء ، تساهل في إنكار المنكر ، وتباطؤ في التواصي بالمعروف ، وتكاسل في النصيحة ، حتى هلك معظم الناس اليوم ، ووقعوا فيما لا تحمد عقباه ، وما لا تُرجى أخراه ، أصبح المنكر معروفاً ، والمعروف منكراً ، فلا للسكوت على المنكر أياً كان نوعه وحجمه ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا به ، فهو نعم المولى ونعم المعين .
------------
لقد حذرنا المولى جل وعلا من ذلك تحذيراً بليغاً خشية أن يصيبنا ما أصاب من قبلنا من الأمم ، والمتأمل لواقع الأمة اليوم ربما يدرك خطورة الأمر فقد قال تعالى : { الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [ التوبة67 ] .
فسبحان الله العظيم الجليل الحليم ، ما أحلمه على أذى خلقه ، وما أرأفه بعباده ، وما أرحمه بعبيده ، خيره إليهم نازل ، وشرهم إليه صاعد ، فوالله لو خسف بنا لكان عدلاً ، ولو زلزل الأرض تحت أقدامنا لكان قسطاً ، ولكنه أرحم بنا من الأم بولدها ، يصبر على الأذى ، وليس أحد أصبر على الأذى من الله .
قال الله تعالى : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ } [ آل عمران110 ] .
كثرت الجريمة ، وتعددت ألوانها ، واختلفت طرقها ، والسبب عدم إنكارها ، وعدم إنزال العقوبة الرادعة بمرتكبيها ، وكما قيل : من أمن العقوبة ، أساء الأدب ، فنخشى والله من عقوبة الله تعالى ، أن يفعل بنا كما فعل ببني إسرائيل من قبلنا ، عن عبدِ الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه قالَ : قالَ رسولُ الله : " إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَـلَ النقصُ علـى بَنِـي اسرائيلَ، كانَ الرجلُ يَلْقَـى الرجلَ فـيقولُ : يا هَذَا اتَّقِ الله وَدَعْ مَا تَصْنَعُ، فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لكَ، ثم يَلْقَاهُ مِنَ الغدِ فَلاَ يَـمْنَعُهُ ذلكَ أَنْ يكونَ أَكِيلَهُ وشَرِيبَهُ وقَعِيدَهُ، فلـمَّا فَعَلُوا ذلكَ ضَرَبَ الله قلوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ "، ثم قالَ : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِـي إِسْرَآئِيلَ عَلَـى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابنِ مَرْيَـمَ ذَلِكَ بِـمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } ثم قالَ : " كَلاَّ والله، لَتَأْمُرُنَّ بالـمعروفِ ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ الـمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَـى يَدِ الظالـمِ ولَتَأْطِرُنَّهُ علـى الـحَقِّ أَطْراً وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَـى الـحَقِّ قَصْراً " [ أخرجه أبو داود والبيهقي وغيرهما ] ، فإذا أردنا النجاة فعلينا أن ننكر المنكر كل حسب قدرته وطاقته ، ولا للسكوت على المنكر .
------------
كثير من الآباء لم تعد لديهم قدرة للتأثير على أبنائهم وبناتهم ، ففقدوا زمام الأمور ، وتركوا الحبل على الغارب ، تنصلوا من أوامر الكتاب والسنة ، فحدثت الجرائم ، وارتكبت العظائم ، فلا للسكوت على ذلك المنكر ، وذاك الشر ، بل الواجب مناصحة الأولياء والآباء حتى نخرج من هذه المآزق ، وتلكم الموبقات المهلكات ، وإلا عمنا الله بعقابه ، عن عائشةَ رضي الله عنها قالت : قلتُ : يا رسولَ اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ إِذَا أنزلَ سطوتَهُ بأهلِ الأرضِ ، وفيهمُ الصالحونَ ، فَيَهْلِكُونَ بهلاكِهمْ ؟ فقالَ : " يا عائشةُ ، إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَنْزَلَ سَطْوَتَهُ بأهلِ نقمتِهِ وفيهمُ الصالحونَ ، فُيصابون معهمْ ثُمَّ يُبعثون على نياتِهِمْ وأعمالِهِمْ " [ أخرجه ابن حبان وقال الألباني صحيح لغيره ] ، وعن النُّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : " مَثَلُ الْقَائمِ عَلَى حُدُودِ الله ، وَالمُدْهِنِ ـ الواقع ـ فِيهَا ، كَمثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ في الْبَحْرِ ، فَأَصَابَ بَعْضِهُمْ أَعْلاَهَا ، وَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا ، فَكَانَ الَّذِينَ في أَسْفَلهَا يَصْعَدُونَ فَيَسْتَقُونَ الْمَاءَ فَيَصُبُّونَ عَلَى الَّذِينَ في أَعْلاَهَا، فَقَالَ الَّذِينَ في أَعْلاَهَا : لاَ نَدَعُكُمْ تَصْعَدُونَ فَتُؤْذُونَنَا ، فَقَالَ الَّذِينَ في أَسْفَلِهَا : فَإِنَّا نَنْقُبُهَا في أَسْفَلِهَا فَنَسْتَقِي ، فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ فَمَنَعُوهُمْ نَجَوْا جَمِيعاً ، وإنْ تَرَكُوهُمْ غَرِقُوا جَمِيعاً " [ أخرج البخاري والترمذي واللفظ له ] .
------------
من أسباب انتشار الفوضى عبر الطرقات ، وكثرة السرقات ، وتفشي الجريمة ، ووجود شرذمة من الشباب الطائش بين تفحيط وتجديع ، ولعب بالسيارات ، أقول من أسباب ذلك : انفلات الأمن الذي أصبح ظاهرة لا ينكرها أحد ، بل هي حديث المجالس اليوم بين الرجال والنساء ، فمتى نرى الأمن قد طُبق على الصغير والكبير، على الشريف والوضيع ؟ أم نريد أن نعيد أيام الجاهلية الجهلاء ، والأثرة العمياء ، فلا يُطبق القضاء إلا بالضعفاء والوضعاء ، ويُستثنى منه الكبار والشرفاء ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها ، أَنَّ قُرَيْشاً أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ ، فَقَالُوا : مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللّهِ ؟ فَقَالُوا : وَمَنْ يَجْتَرِىءُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ، حِبُّ رَسُولِ اللّهِ ؟ فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللّهِ ، فَكَلَّمَهُ فِيهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ. فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللّه صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : " أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللّهِ ؟ " فَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ : اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللّهِ ، فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ قَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَاخْتَطَبَ ، فَأَثْنَىٰ عَلَى اللّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ، ثُمَّ قَالَ : " أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِم الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ ، وَإِنِّي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا " ثُمَّ أَمَر بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ يدُهَا.
قَالَ يُونُسُ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدُ، وَتَزَوَّجَتْ، وَكَانَتْ تَأْتِينِي بَعْدَ ذٰلِكَ، فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إلَىٰ رَسُولِ اللّهِ " [ أخرجه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم ] .
فإذا أردنا الطمأنينة والاستقرار ، والأمن في ربوع البلاد ، وراحة العباد ، فلابد من إقامة الحدود ، دون مراعاة لأحد ، بل دون النظر إلى ما تمليه علينا منظمة حقوق الإنسان المزعومة ، التي ترعى حقوق الكفار ، وتتغاضى عمداً عن حقوق المسلمين المنتهكة ، وتتجاهل قضاياهم العادلة ، ومنها قضيتي فلسطين والعراق ، والخروقات التي تقوم بها دول الكفر وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل من استهتار بأمر الإنسان المسلم الذي يُعد لديها من سفاسف الأمور وتوافهها ، بل لا يُعد أمراً ذا بال ، والله تعالى يقول : { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً } [ النساء93 ] ، وعَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْروٍ رضي الله عنهما ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لَزَوَالُ الدُّنْيَا أهْوَنُ عَلَى الله مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ " [ أخرجه الترمذي والنسائي والبيهقي وابن ماجة ] ، ويتشدق الغرب الكافر الفاجر برعايته لحقوق الإنسان ، وهي حقوق منتهكة منقوصة على مستوى الكرة الأرضية ، لا سيما حقوق المسلم المغتصبة في كل بلاد الإسلام ، وحقوق الأقليات المسلمة في شتى البقاع ، وإن المسلم الغيور ، والمؤمن الحق ليتساءل أين منظمة حقوق الإنسان عما يحصل في العراق وفلسطين وأفغانستان وكشمير والفلبين واندونيسيا والصومال بل وحتى في البلاد العربية المسلمة ؟ أين حقوق الإنسان عن سجن أبو غريب وجوانتناموا وغيرها من سجون الكفار ؟ وحتى سجون المسلمين في بلاد الإسلام ؟ أين حقوق الإنسان عما حصل في البوسنة والهرسك وكوسوفا وغيرها من بلاد الإسلام عندما قُتل الرجال ، ويُتم الأطفال ، ورمل النساء ، وانتهكت الأعراض ، وسلبت الأموال والديار ، وهدمت المنازل ، وشرد الآلاف من المسلمين ؟ أسئلة كثيرة وكثيرة تدور في المخيلة ، وتختلج في الصدور ، ولا جواب ، فلعنة الله على الكافرين .
ونسي العالم أن أول من دعا إلى حقوق الإنسان وحفظها وصان كرامتها ، رسول الهدى صلى الله عليه وسلم الذي وضع أسس ذلك عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تحاسدوا ، ولا تباغضوا ، ولا تناجشوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخواناً ، المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يحقره ، التقوى ههنا ـ يشير إلى صدره ثلاث مرات ـ بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم ، على المسلم حرام ، دمه ، وماله ، وعرضه " [ أخرجه مسلم ] ، نعم للأمر بالمعروف ، وتصحيح الخطأ ، ولا للسكوت على المنكر والباطل .
------------
لو طبق شرع الله تعالى دون محاباة ، ودون قبول لواسطة أو شفاعة تحول دون إقامة الحد ، لارتدع كثير من السفهاء والجهلاء عما يقومون به من انتهاك للحرمات ، نسمع كل يوم عن مآسٍ غريبة لا تمت للإسلام بصلة ، جرائم كثيرة كل يوم يرتكبها فئة الشباب والشابات ، فهلا من جزاء رادع ، وتنفيذ لأمر الله تعالى فيهم وفي أمثالهم ، سرقات بالإكراه ، خطف ونهب ، حرق للسيارات ، سطو على المنازل ، معاكسات للنساء ، مغازلة للفتيات ، تبرج كثير من المسلمات ، فواحش وعظائم ، منكرات وآثام ، والله لم تعهد هذه الدولة مثل هذه الأحداث الدامية ، وإني لغيور على دين الله ، متألم لما يحصل من كوارث وغيري آلاف وآلاف ، فلا للسكوت على المنكر ، بل الواجب الإنكار بكل الممكن والمستطاع ، حتى لا نستحق لعنة الله تعالى ، فنعيش أذلة صاغرين ، هلكى غريقين ، ويا للأسف هذا هو الواقع ، فقد تداعى الأكلة إلى قصعتها ، كل ينظر إلى هذه الدولة بعين حاسدة حاقدة ، كل ينتظر متى تغير هذه الدولة من ثوابتها ومعتقداتها ، حتى يحيق بها أمر الله ، فيتخلى الله عنها وعن أهلها ، ثم تصبح فريسة سهلة ، وصيداً سانحاً للأعداء ، ونسأل الله ألا تصل الأمور إلى ما يريده منها أعداؤها .
لكن متى ما تمسكت الدولة حفظها الله بعقيدتها الصحيحة ، وتشبثت بثوابتها التي لا تقبل التغيير ولا المساومة ، ولم ترغ سمعاً للأعداء ، ولم تلق بالاً للعلمانيين المنافقين ، ولم تعط فرصة لأي فرقة من فرق الدين الباطلة لإظهار شعائرها فوق أرض التوحيد لاسيما الشيعة بشتى طوائفها ، ومختلف معتقداتها الباطلة ، عند ذلك سيصبح لنا قوة مستمدة من قوة الله تعالى ، لأننا نصرنا دين الله ، وأظهرنا شرع الله ، والله قد وعدنا بالنصر إذا نصرناه ، ونصرنا له سبحانه ، بنصر دينه ، ولنكن صابرين في البأساء والضراء وحين البأس ، فقد ابتليت الأمة في أزمنة مضت فصبرت وجاهدت الأعداء ولو كانت هناك قلة في العدد والعتاد ، وما غزوة بدر وغيرها من الغزوات إلا أعظم دليل على ذلك ، المهم أن تكون العقيدة راسخة في شغاف القلوب ، متمكنة من سويداء النفوس ، قال تعالى : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ } [ البقرة214 ] .
وقال تعالى : { إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ } [ آل عمران160 ] .
ولا يتم ذلك إلا إذا أمرنا بعضنا بالمعروف ، ونهينا الظالم عن المنكر ، ولا للسكوت على الباطل ، لا للظلم والظالم ، قال تعالى : { وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } ] آل عمران104 ] .
------------
هذه الأمة أمة مرحومة ، رحمها ربها لأنها تأتمر بأمره سبحانه ، وتصغي لأمر نبيه صلى الله عليه وسلم ، وتتمسك بسنته ، فيها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، رجال هذه الأمة المحمدية يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، لذلك رحم الله هذه الأمة وأكسبها الفلاح والنصر ، وأذاق عدوها مرارة الهزيمة ، وعلقم الخسارة ، قال تعالى : { الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ } [ الزمر18 ] ، كان صدرها الأول مضرب المثل في القوة والشجاعة ، والجرأة على قول الحق ، واسمع قول الصحابي الجليل عبادة بن الصامت رضي الله عنه عندما قال : " بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ ، وَالأَثَرَةِ عَلَيْنَا ، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ ، وَأَنْ نَقُولَ الْحَقَّ حَيْثُمَا كُنَّا ، لاَ نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لاَئِم " [ أخرجه ابن ماجة ] .
واليوم عندما ضاع الحق ودرس ، ترى الأمور ليست على نصابها ، بل تولى زمامها من لا يخاف الله تعالى ، علمانيون فجار ، منافقون كفار ، لا هم لهم إلا زعزعة الأمن ، وخلخلة الأنظمة ، وتضييع أفراد الأمة وراء ترهات وخرافات وزخرف من القول ، أرهقوا الأمة بكلام فارغ لا يسمن ولا يغني من جوع ، دعوة لتبرج النساء ، دعوة لتحرير المرأة ، وأخرى لقيادتها للسيارة ، وثالثة بمخالطتها للرجال ، وكأن قضايا الأمة لم يعد يشغلها غير المرأة وحقوقها ، أيها المنصفون ! أيها العقلاء ! أين قضية وحدة الأمة ، ولم شملها ، واجتماع كلمتها ، واتحادها ضد عدوها ، ورعاية حقوق أهلها ورعاياها ؟ أين قضية احتلال لبلد مسلم وانتهاك حرماته ، والاستيلاء على ممتلكاته ، وهتك عرضه ، أين قضية فلسطين العادلة ، تلك البلد المسلمة ، مسرى الأنبياء ، ومصلى الرسل ، بلد ترزح تحت الاحتلال الغاشم منذ ما يقارب خمسة وخمسين عاماً ولا حل ولا ربط ؟ أين أولئك الداعون إلى الرذيلة ، ذئاب الشرف ، وقتلت العفة ، أين هم عن تلكم القضايا ؟ أين هم عما يحصل اليوم من انتهاك صارخ لحقوق الإنسان ؟ متى يفيق أولئك الأذناب ، ومتى يصحو أولئك الأبواق ؟ والأمة ترضخ لكل ناعق وناهق من الكفار ، وتستسلم لما يُملى عليها دونما تنقيب أو تفتيش ، وهل يرضي الرحمن أم يغضبه ؟
غُيرت المناهج ، ودمجت الوزارات ، وأُزيلت آيات بينات من المقررات ، بل حذفت بعض الدول سور من القرآن لأنها تأمر المرأة بالعفاف والحياء والقرار في البيوت ، والحجاب ولبس الجلباب ، ومعاداة الكفار ، وما خفي من الأمور أعظم .
وهناك ثلة تطالب بحقوق المرأة ، وهل هناك أعظم من الإسلام كفل للمرأة حقوقها ، وأعلى شأنها ، وحفظ مكانتها ، وجعلها مساوية للرجل في كل شيء إلا ما جاء بد الشرع من التفريق ، كالقوامة للرجل ، والميراث ، والشهادة ، ومع ذلك لم يطلب من المرأة مهراً تقدمه للرجل ، بل هو الذي يقدمه لها ، حفظاً لحقها ، واستحلالاً لعفتها ، ولم يطلب من المرأة النفقة على زوجها وولدها ، بل الزوج هو المطالب بذلك ، لأنه المسؤول عن طلب العيش والكد والتعب للإنفاق على أهل بيته ، فأي حقوق يطالبون بها ؟ إن المتأمل لواقع الدول التي فشا فيها الاختلاط ، وسرى فيها التبرج ، ليدرك خطورة الواقع هناك ، من انتشار للزنا وما يتبعه من أمراض فتاكة مهلكة لا علاج لها ، ولا مخرج منها .
------------
إن المستقرئ لأوضاع الشعوب التي نبذت شرع الله تعالى ، واستبدلته بقوانين وضعيه ، ليدرك هموم المرأة في تلك الشعوب ، بل كلهم الآن يطالبون بفصل الذكور عن الإناث ، وإيجاد مدارس خاصة لكل جنس عن الآخر ، ينادون ببقاء المرأة في بيتها ورعاية أسرتها .
ثم تأتي شرذمة من المتردين على دينهم ليبدءوا من حيث انتهى الغرب والشرق ، يأخذون منهم أسوأ ما لديهم ، ويتركون الصناعات والطب والأمور التقدمية التي تفيد الأمة ضد عدوها وفي خاصة نفسها ، فلا للسكوت على الطغاة والبغاة الخاضعون للكفار ، الراضعون لأفكارهم الهدامة ، وسلبياتهم المقيتة .
لقد صدق فيهم حديث أبي هريرة رضي الله عنه حيث قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنها ستأتي على الناس سنون خداعة ، يصدق فيها الكاذب ، ويكذب فيها الصادق ، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين ، وينطق فيها الرويبضة ، قيل : وما الرويبضة ؟ قال : السفيه يتكلم في أمر العامة " [ أخرجه أحمد وغيره ] ، فكم هم السفهاء اليوم الذين لا يعرفون من الدين إلا اسمه ، ولا من الإسلام إلا رسمه ، ثم يتشدقون ويتفيهقون في أمور الدين ، ويخوضون في الفتاوى وليسوا بأهل لها لا من قريب ولا من بعيد ، فهؤلاء يجب مناصحتهم فإن لم يستجيبوا وجب قتالهم ، لأن في بقائهم هلاك للأمة ، ودمار للمسلمين ، ولقد أخبرنا عنهم النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم من حديث عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ قَالَ : " مَا مِنْ نَبِيَ بَعَثَهُ الله فِي أُمَّةٍ قَبْلِي، إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمِ خُلُوفٌ ، يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ ، وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذٰلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ " .
فلا للسكوت على أولئك ، بل يجب إنكار المنكر ورد الظالم عن ظلمه ، والحجر على مرضى القلوب ، وهلكى التقدمية الزائفة ، الداعون إلى الرذيلة ، من العلمانيين المنافقين وأذناب الفجرة الكفرة ، وهم معروفون لا يخفون علينا ، فلم يبق إلا أن تستأصل شأفتهم ، وتجتث جرثومتهم ، وتزال رؤوسهم ، وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، لا كثرهم الله ، لا للسكوت على ذلك المنكر وأهله ، بل يجب نبذه ، وأخذ الحيطة منه ، كل حسب مكانته ومركزه ، الخطيب على منبره ، والداعية في مسجده ، والإمام في حيه ، والأب في بيته ، والرئيس في دائرته وهكذا حتى يرى الناس أن المنكر منكراً فينكرونه ، وينكرون على أهله والدعاة إليه ، ولقد امتدح الله هذه الأمة بأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر ووعدها بالفلاح ، لاتباعها أمر نبيها صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فهو القدوة والأسوة ، قال تعالى : { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [ الأعراف157 ] .
إن الأمر بالحجاب ولباس الجلباب ، وقرار النساء في البيوت ، أمر بها الشرع المطهر حماية للأعراض ، وصيانة للعفة والحشمة والحياء ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [ الأحزاب59 ] ، وقال تعالى : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً } [ الأحزاب33 ] .
وتحريم الخلطة بالرجال الأجانب ، والتبرج والسفور ، كلها أمور نهى عنها الدين القويم درءاً للمفاسد ، وبعداً عن اختلاط الأنساب ، وما قد يكون ذريعة للفساد والإفساد ، قال تعالى : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً } [ الأحزاب53 ] ، وعن عقبةَ بن عامر رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إيّاكم والدخولَ على النساء " فقال رجلٌ من الأنصار : يا رسولَ الله ، أفرأيتَ الحَمو ؟ قال : " الحَمو الموت " [ متفق عليه ] .
------------
قال الله تعالى : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [ التوبة71 ] .
نعم أيها الأخوة في الله ، لا تنال رحمة الله عز وجل إلا باتباع أمره ، واجتناب نهيه ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، فما نشاهده اليوم من جلوس كثير من الشباب أو الصبيان على عتبات الأبواب والناس في صلواتهم ، لهو أمر خطير ، ونذير شؤم على المجتمع خاصة ، والأمة عامة ، لأنه منكر لم يُنكره أحد ، والعجيب أن الناس كل يقول ( نفسي نفسي ) وما علموا أن المنكر إذا فشا بين الناس واشتهر ولم ينكره أحد عم الله الصالح والطالح بالعذاب والنكال ، عن أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه قال : " يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَأُونَ هَذِهِ الآيَةَ : { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ }، وإِنِّي سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ : " إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ الله بِعِقَابٍ مِنْهُ " [ أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجة وغيرهم وصححه الألباني رحمه الله ] ، نعم أيها الناس لا بد من إنكار المنكر ، ولا تأخذكم في الله لومة لائم ، فالله معكم ومن كان الله معه لم يضيعه ، أخي المسلم كيف تخشى غير الله ، وتخاف سوى الله ، كيف وأنت تأتمر بأمر الله ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم القائل : " الدِّينُ النَّصِيحَةُ " قُلْنَا : لِمَنْ ؟ قَالَ : " لله وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ " [ أخرجه مسلم من حديث تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه ] .
فأسدوا النصيحة لكل مسلم غافل ، لكل عبد لاهٍ ساهٍ ، فلن تستقيم الأمة ، ولن تمخر في بحر الأزمات ، وتصل بر الأمان ، لن تنجو الأمة إلا إذا أنكرت المنكر وأزالته ، ورفضت الشر ومنعته ، وإلا عم العقاب ، وساد العذاب ، عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ : " مَا مِنْ قومٍ يُعْمَلُ فِـيْهِمْ بِالـمَعَاصِي ، يَقْدِرُونَ علـى أَنْ يُغَيِّرُوا فَلاَ يُغَيِّرُوا ، إلاَّ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ الله منهُ بعقابٍ " [ أخرجه أبو داود وابن ماجة وصححه الألباني رحمه الله ] .
سفهاء الشوارع من الشباب الضائع ، أليس لهم رادع ؟ والنساء الخراجات الولاجات ، أليس لهن ولي قامع ؟ إن من يرى الأسواق وحول المنازل والزقاق ، ليخشى على هذه الأمة من العقوبة وتسلط الأعداء ، ونهب الخيرات ، وظهور عدو من داخلها يفرق شملها ، ويشتت أهلها ، ويضعف أمنها ، ونحن الآن نجني البوادر ، احتباس الأمطار ، وبطالة بين الرجال ، وحقوق ضائعة ، والله يستر من القادم ، فما خفي كان أعظم ، فاللهم سترك سترك ، ورحماك رحماك .
فنحن نطالب كل مسؤول أن يقوم بما أنيط به من مسؤولية على أكمل وجه وأحسنه ، لا سيما أمراء المناطق ، والرؤساء الأمنيون ، والقضاة الشرعيون ، فلو قاموا بواجبهم تجاه كل جريمة وكل حادثة ، وطبقوا شرع الله في مرتكبيها لتغير الحال ، ولتحسنت الأوضاع ، لكن التفريط موجود وبكثرة متنامية ، وبصورة متزايدة ، لم يعد يردع الناس قرآن ولا سنة ، ولا تخويف ولا تهديد ، بل المخيف لهم هو إقامة شرع الله ، وتطبيقه على الواقع ، فالناس لا تخاف الله تعالى بقدر خوفهم من الدولة ، وصدق فيهم قول عثمان رضي الله عنه : " إن الله ليزع بالسلطان ، ما لا يزع بالقرآن " .
قال ابن كثير رحمه الله : " أي ليمنع بالسلطان عن ارتكاب الفواحش والآثام مالا يمتنع كثير من الناس بالقرآن وما فيه من الوعيد الأكيد والتهديد الشديد ، وهذا هو الواقع " .
قال الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان : " واعلم أن الدعوة إلى الله بطريقين : طريق لين ، وطريق قسوة ، أما طريق اللين فهي الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، وإيضاح الأدلة في أحسن أسلوب وألطفه ، فإن نجحت هذه الطريق فبها ونعمت ، وهو المطلوب ، وإن لم تنجح ، تعينت طريق القسوة بالسيف ، حتى يُعبد الله وحده ، وتُقام حدوده ، وتُمتثل أوامره ، وتُجتنب نواهيه ، وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَـٰتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِۖ وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } .
------------
عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : " أخْرَجَ مَرْوانُ المِنْبَر في يَوْمِ عِيدٍ، وَبَدَأَ بالخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلاةِ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا مَرْوَان، خَالَفْتَ السُّنَّةَ، أخْرَجْتَ المِنْبَرَ في يَوْمِ عِيدٍ، وَلَم يَكُنْ يُخْرَجُ، وَبَدَأْتَ بالخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلاةِ، وَلَمْ يَكُنْ يُبْدأ بِهَا، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: مَنْ هٰذَا؟ قَالُوا: فُلانُ بْنُ فُلان. قالَ أبو سَعيدٍ: أمَّا هٰذا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ ثم قال : سَمِعْتُ رسول اللَّهِ يقول : " مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً، فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُغَيْرَهُ بِيَدِهِ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعُ فَبِقَلْبِهِ، وَذٰلِكَ أَضْعَفُ الإِيمانِ " [ أخرجه مسلم وأحمد وابن حبان واللفظ له وغيرهم ] .
وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قالَ : قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : " أفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ ، أوْ أمِيرٍ جَائِرٍ " [ أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما وقال الألباني : صحيح لغيره ] .
وعن جابر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سَيّدُ الشّهُداءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمطّلِبِ ، وَرَجُلٌ قامَ إِلى إِمامِ جائِزٍ ، فَأَمَرَهُ وَنَهاهُ فَقَتَلَهُ " [ أخرجه الحاكم وقال : صحيح الإسناد ] .
هكذا فليكن الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ونبذ الباطل ، وإظهار الحق .
------------
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [ النور21 ] .
وقال تعالى : { اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } [ العنكبوت45 ] .
نسأل العفو والعافية ، والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة ، ونسأله سبحانه توبة صادقة ، وعودة لدين الله صحيحة حقيقة ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم