لا تشكك في وجود الله

محمد بن عبدالرحمن محمد قاسم

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: التوحيد
عناصر الخطبة
1/ دليل الفطرة 2/ دليل العقل بالنظر لأفعال الله 3/ دليل الآثار 4/ حاجة الإنسان والخَلْق إلى راعٍ مدبِّر 5/ الهداية وتيسير المعرفة

اقتباس

فالجُحود -يا عباد الله- مع ظهور الأدلة، شأن النفوس الجاهلة الظالمة؛ تجد الرجل منغمسا في النعم، قد أحاطت به من كل جانب، وهو يشكو حاله، ويتسخط مما هو فيه، وربما أنكر النعمة؛ فضلال النفوس وغيُّها لا حدَّ تنتهي إليه.

 

 

 

 

الحمد لله الذي يسَّر للإنسان علم ما هو محتاج إليه في معاشه ومعاده أتمَّ تيسير، وأهَّلَ من شاء لمعرفته، ومعرفةِ أسمائه وصفاته، وأسرار دينه وشرعه؛ والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا يستحق العبادة إلا هو؛ لإحسانه إلى عباده، ولجلاله وجماله وكماله.

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بعَثه وإخوانه المرسلين، مذكِّرين بهذا الحق، ومنذرين. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد: فيا عباد الله: تأملوا حِكمَ اللَّطيف الخبير في أن يسَّر للإنسان طرق ما هو محتاج إليه من العلم، وكلما كانت حاجته إليه من العلم أعظم، كلما كان تيسيره إياه له أتمّ، فأعطاه معرفة خالقه وباريه ومبدعه -سبحانه- والإقرار به؛ ولهذا قالت الرسل لأممهم: (أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ؟ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) [إبراهيم:10]، فخاطَبوهم مخاطبة من لا ينبغي أن يخطر له شكٌّ مَّا في وجود الله سبحانه؛ وإنما يكون الشك فيما تخفَى أدلته، وتشكل براهينه؛ أمَّا مَن له في كل شيء محسوس أو معقول آية، بل آيات مؤدية عنه، شاهدة بأنه الله الذي لا إله إلا هو، رب العالمين، فكيف يكون فيه شك؟!.

إن الرسل -عليهم الصلاة والسلام- إنما دعَوا أممهم إلى عبادة الله وحده، لا إلى الإقرار به؛ فوجوده -سبحانه- وربوبيته وقدرته أظهر من كل شيء، فهو أظهر للبصائر من الشمس للأبصار، وأبْيَن للعقول من كل ما تعقله، وتقر بوجوده، فما ينكره إلا مكابر بلسانه، مِن كلِّ جَحود كَفور؛ وقلبه وعقله وفطرته كلها تكذبه.

فقد نصب -سبحانه- من الأدلة على وجوده ووحدانيته وصفات كماله من الأدلة، على اختلاف أنواعها، ما لا يطيق حصرَها إلا الله، ثم ركز ذلك في الفطرة، ووضعه في العقل جملة، فإذا قال الداعي: يا الله! قام بقلبه ربا، قيوماً بنفسه، مستوياً على عرشه، مكلِّماً، متكلماً، سامعاً، رائياً، قديراً، مُريداً، فعَّالاً لما يشاء، يسمع دعاء الداعين، ويقضي حوائج السائلين، ويفرِّج عن المكروبين، تُرضيه الطاعات، وتغضبه المعاصي، تعرج الملائكة بالأمر إليه، وتنزل بالأمر من عنده، قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا، فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ، ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) [الروم:30-31]؛ هذه هي الفطرة.

واسمعوا -عباد الله- إلى دلالة العقل، قال تعالى، منكراً على المشركين معه غيره في العبادة: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ؟ بَل لَا يُوقِنُونَ) [الطُّور:35-36]؛ يقول تعالى: هؤلاء مخلوقون بعد أن لم يكونوا، فهل خُلقوا من غير خالق؟ فهذا من المحال الممتنع عند كل من له فهم وعقل، محالٌ أن يكون هناك مصنوع من غير صانع، ومخلوق من غير خالق.

ولو مر رجل بأرض قفر لا بناء فيها، ثم مر بها فرأى فيها بنياناً وقصوراً، وعمارات محكمة، لم يخالجه شك ولا ريب في أن صانعاً صنعها، وبانيا بناها. ثم قال: (أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) [الطُّور:35]، وهذا أيضاً من المستحيل، مستحيل أن يكون العبد موجِداً خالقاً لنفسه، فإن من لا يقدر على أن يزيد في حياته بعد وجوده وتعاطيه أسباب الحياة ساعة واحدة، ولا أصبعاً واحداً، ولا ظفراً، ولا شعرةً، فكيف يكون خالقاً لنفسه في حال عدمه؟ وإذا بطل القسمان تعيَّن أن لهم خالقاً خلَقهم، وفاطراً فطرهم.

ثم قال: (أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ؟) [الطُّور:36]؛ فبيَّن بهذا القسم الثالث أنهم بعد أن وُجدوا وخلقوا فهم عاجزون غير خالقين، وأن الواحد القهار، الذي لا إله غيره، ولا رب سواه، هو الذي خلقهم، وخلق السموات والأرض، فهو المتفرد بخلق المسكن والساكن، بخلق العالم العلوي والسفلي وما فيه، فهو الإله الحق الذي يستحق العبادة والشكر، فكيف يشركون به إلهاً غيره، وهو وحده الخالق لهم؟! (بَل لَا يُوقِنُونَ) [الطُّور:36] فعدم إيقانهم هو الذي يحملهم على الشرك به في العبادة.

وهذا إبراهيم -عليه السلام- استدل بأفعال الرب حين حاجَّه "النمرود"، الكافر الجحود، إذ قال لإبراهيم: أرأيتَ إلهك هذا الذي تعبد وتدعو إلى عبادته، وتذكُر من قدرته التي تعظمه بها على غيره، ما هو؟ قال إبراهيم: (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) [البقرة:258] قال "النمرود": (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) [البقرة:258]، فقال له إبراهيم: كيف تحيي وتميت؟ قال: آخذ الرجلين قد استوجبا القتل في حُكمي، فأقتل أحدهما فأكون قد أمَتُّه، وأعفو عن الآخر فأتركه فأكون قد أحييته، فأوهم الحاضرين أنه يفعل مثل ما يفعله الله فيكون رباً؛ فقال له إبراهيم: (فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ، فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ) [البقرة:258]، فإن كنت صادقاً فافعل مثل فعله في طلوع الشمس، فإذا أطلعها من جهة فأطلِعْها أنت من جهة أخرى.

لقد استدل إبراهيم -عليه السلام- بأفعال الرب المشهودة المحسوسة التي تستلزم وجوده، وكمال قدرته، ومشيئته، وعلمه، ووحدانيته، من الإحياء والإماتة المشهودَيْن، اللذَيْن لا يقدر عليهما إلا الله وحده، وإتيانه -تعالى- بالشمس من المشرق، فتنصاع لقدرته ومشيئته، لا يقدر أحد سواه على ذلك.

فلما علم عدو الله صحة ذلك، وأن مَن هذا شأنه فهو على كل شيء قدير، بُهِت وأمسك، وظهر بطلان دعواه وكذبه، وأنه لا يصلح للربوبية؛ ولقد أهلكه الله وجنوده، قال زيد بن أسلم:جمع النمرود جيشه وجنوده وقت طلوع الشمس، وأرسل الله عليهم بابا من البعوض، فأكلت لحومهم ودماءهم، وتركتهم عظامًا بادية، ودخلت واحدة منها في منخري الملك، فمكثت فيه أربعمائة سنة، عذَّبه الله بها، حتى أهلكه بها.

واقتدى به فرعون حين دعاه موسى إلى ربه وفاطره وخالقه، الذي أوجده ورباه بنِعَمه: جنينا، وصغيرا، وكبيرا، وآتاه الله الملك، فقابل هذا بغاية الكفر والعناد، وادَّعى أنه رب العالمين! هذا، وهو يعلم أنه ليس بالذي خلق فسوَّى، ولا قدَّر فهدى، فكذب الخبر، وعصى الأمر، ثم أدبر يسعى بالخديعة والمكر، فحشر جنوده فأجابوه، ثم نادى فيهم بأنه ربهم الأعلى، واستخفَّهم فأطاعوه، فبطش به جبَّار السموات والأرض بطْشَ عزيزٍ مقتدر، وأخذه نكالَ الآخرة والأولى؛ ليعتبر بذلك من يعتبر.

فالجُحود -يا عباد الله- مع ظهور الأدلة، شأن النفوس الجاهلة الظالمة؛ تجد الرجل منغمسا في النعم، قد أحاطت به من كل جانب، وهو يشكو حاله، ويتسخط مما هو فيه، وربما أنكر النعمة؛ فضلال النفوس وغيُّها لا حدَّ تنتهي إليه.

ودل الدليل العقلي والشرعي على انتهاء المخلوقات والمصنوعات إلى خالق واحد، موصوف بصفات يؤثر بها في المخلوقات، في مقاديرها، وأشكالها، وهيئاتها؛ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر" فقال الأعرابي: يا رسول الله، فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الضباء، فيجيء البعير الأجرب فيدخل فيها فيجربها كلها؟ قال: "فمن أجرب الأول؟!" وفي لفظ: "أفرأيت الأول؛ مَن أعداه؟".

فكل مخلوق له أول، والخالق سبحانه لا أول له؛ فهو وحده الخالق، وكل ما سواه مخلوق كائن بعدَ أن لم يكن.

ومن الأدلة العقلية ما أبقاه الله تعالى من آثار عقوبات أهل الشرك، من آثار ديارهم، وما حل بهم، وما أبقاه من نصر أهل التوحيد وإعزازهم، وجعْل العاقبة لهم، قال تعالى: (وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ) [العنكبوت:39]، وقال في ثمود: (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [النمل:52-53]، وقال عن قوم لوط: (إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آَيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [العنكبوت:34-35].

قال بعض الأعراب؛ وقد سئل: ما الدليل على وجود الله تعالى؟ قال: يا سبحان الله! إن البعر لَيَدل على البعير، وإن أثر الأقدام ليدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج؛ ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير؟! فاستدل الأعرابي بالأثر على المؤثر، كقوله تعالى لمن قالوا: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً؟ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) [فُصّلَت:15].

وحُكي عن أبي حنيفة -رحمه الله- أن بعض الزنادقة سألوه عن وجود الباري تعالى، فقال لهم: دعوني؛ فإني مفكر في أمر قد أُخبرت عنه. ذكروا لي أن سفينة في البحر موقرة، فيها أنواع من المتاجر، وليس بها أحد يحرسها ولا يسوقها، وهي مع ذلك تذهب وتجيء وتسير بنفسها، وتخترق الأمواج العظام حتى تتخلص منها، وتسير حيث شاءت بنفسها، من غير أن يسوقها أحد. فقالوا: هذا شيء لا يقوله عاقل. فقال: ويحكم! هذه الموجودات، بما فيها مِن العالم العلوي والسفلي، وما اشتملت عليه من الأشياء المحكمة، ليس لها صانع؟ فبهت القوم، ورجعوا إلى الحق، وأسلموا على يديه.

فالمخلوقات جميعها، وما تضمنته من التخصيصات، والحِكم والغايات، مستلزمة للخالق عينا، فانتقال الذهن منها إلى العلم بالخالق كانتقال الذهن من رؤية الدخـان إلى أن تحتـه نـار، ومـن رؤية الجسم المتحرك قسراً إلى أن له محرِّكاً، ومن رؤية شعاع الشمس إلى العلم بطلوعها، ونظائر ذلك.

فعلم العقل بوجود الخالق، كجَزم الحس بما يشاهده من آياته المشهودة، وآياته -سبحانه- هي دلائله وبراهينه التي بها يعرفه العباد، وبها يعرفون أسماءه وصفاته، وأفعاله وتوحيده، وأمره ونهيه.

فآياته -سبحانه- وأدلة توحيده، وما أخبر به من المعاد، وما نصبه من الأدلة لصدق رسله، لا تحتاج إلى ما يزعمه كثير من المنظِّرين بأنه دليل، كقولهم: كل ممكن مفتقِر إلى واجب، وكل محدث مفتقر إلى محدث. فإن هذه القضية الكلية بعد تعبهم في تقريرها ودفع ما يعارضها لا تدل على مطلوب معين، وخالق معين، وإنما تدل على واجب مَّا، ومُحدِث مَّا.

فاتقوا الله -عباد الله- واحمدوه على أنْ علمكم ما لم تكونوا تعلمون، واذكروه يذكركم، واشكروه يزدكم.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [البقرة:164].

 

 

 

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يسَّر كلَّاً لما خُلق له، وربك أعلم وأحكم.

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، سيد الخلق أجمع، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم على الأثر.

أما بعد: فيا عباد الله، حاجة العباد إلى معرفة ربهم وفاطرهم ومعبودهم -جل جلاله- فوق مراتب الحاجات كلها؛ فإنه لا سعادة لهم، ولا فلاح، ولا صلاح، ولا نعيم، إلا بأن يعرفوه ويعبدوه، ويكون هو وحده غاية مطلوبهم، ونهاية مرادهم؛ وذكره والتقرب إليه قرة عيونهم، وحياة قلوبهم. فمتى فقدوا ذلك كانوا أسوأ حالاً من الأنعام بكثير، وكانت الأنعام أطيب عيشاً منهم في العاجل، وأسلم عاقبة في الآجل.

ثم إن الله -جل جلاله- كما يسَّر على الإنسان طرق المعرفة بربه تبارك وتعالى، فقد يسَّر عليه معرفة ما يجب عليه من أفعاله التكليفية، فبيَّن بكلامه وكلام رسوله جميع ما أمر الله به، وجميع ما نهى عنه، وجميع ما أحله، وجميع ما حرمه، وجميع ما عفا عنه؛ وبهذا يكون دينه كاملاً، كما قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) [المائدة:3].

وكذلك أعطاهم -سبحانه- من العلوم المتعلقة بصلاح معاشهم ودنياهم بقدر حاجتهم: كعلم الطب، والحساب، وعلم الزراعة، وضروب الصنائع، واستنباط المياه، وعقدة الأبنية، وصنعة السفن، واستخراج المعادن، وتهيئتها لما يراد منها، وتركيب الأدوية، وصنعة الأطعمة، ومعرفة ضروب الحِيل في صيد الوحش والطير ودواب الماء، والتصرف في وجوه التجارات، ومعرفة وجوه المكاسب، وغير ذلك مما فيه قيام معايشهم.

ثم منعهم -سبحانه- علم ما سوى ذلك مما ليس من شأنهم، ولا فيه مصلحة لهم، ولا نشأتهم قابلة له؛ فجهْلهم به لا يضر، وعلمهم به لا ينتفعون به انتفاعا طائلا: كعلم الغيب، وعلم ما كان، وكل ما يكون، والعلم بعدد القَطر، وأمواج البحر، وذرات الرمال، ومساقط الأوراق، وعدد الكواكب ومقاديرها، وعلم ما فوق السموات وما تحت الثرى، وما في لجج البحار، وأقطار العالم، وما يكنه الناس في صدورهم، وما تحمل كل أنثى، وما تغيض الأرحام وما تزداد، إلى سائر ما غرب عنهم علمه.

ومنعهم من العلم علمَ الساعة، ومعرفة آجالهم، فإن كان قصير العمر لم يتهنأ بالعيش، وخربت الدنيا لأن عمارتها بالآمال، وإن تحقق طول عمره لم يبال بالانهماك في الشهوات وأنواع الفساد، وقام بتأخير التوبة، وقد قال تعالى: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ، وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ، أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) [النساء:18].

 

  

 

المرفقات

تشكك في وجود الله

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات