عناصر الخطبة
1/ تفرد نقل السيرة النبوية بالنقل المتواتر 2/ توالي حملات التشويه 3/ وقفة سريعة مع سورة الكوثر 4/ استخدام الاستهزاء في مواجهة المد الإسلامي 5/ بشارات في أحلك الظروف 6/ ضرورة الذب عن رسول الله ونصرته 7/ الإرهاب الفكري الغربي 8/ من وسائل النصرةاقتباس
إنّهم يعلمون وإننا نَعلم أنّ الذين يدخلون في دين الإسلام في ازدياد وتنامٍ على الرّغم من كلّ الظروف والمتغيّرات والأحداث والمقاومات، بل والتهديد والتشويه للإسلام وأهله ونبيه وقرآنه، فما أن تكون موجة من موجات السخرية إلا وينبري للذود عنه صلى الله عليه وسلم وتجلية سيرته العطرة طائفة من المؤمنين، فيؤمن به من أراد الله به خيرًا ..
أما بعد: ففي العصور الماضيةِ والأحقاب السّالفة عاش كثيرٌ من العظماء ورجالات التاريخ والديانات، نقلت الأنباء أخبارَهم، ودوّنت الكتبُ أوصافهم، وسجّلت المدوّناتُ أحوالَهم، غيرَ أنه لا يوجد أحدٌ من هؤلاء العظماء والرجال من نُقلت أخباره ودُوّنت صفاته وحُفظت سيرته وكُتِب سجلّ حياتِه كما كان لنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، لقد وصَلَ إلينا ذلك بالنّقل المتواتر.
وإن سيرةَ رسول الله محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- أصحُ سيرةٍ لتاريخ نبي مرسَل، سيرةٌ واضحة مدقّقة في جميع أطوارها ومراحلها، حتى قال كاتب من غير المسلمين: محمّد هو النبي الوحيد الذي وُلِد تحت ضوء الشمس، إشارةً من هذا الكاتب إلى دقّة سيرته -عليه الصلاة والسلام- وصحّتها وتوازنها.
أيها الأحبة: ولا تزالُ حملاتُ المتعصِّبين الحاقدين متوالِيةً على الإسلامِ وأهله، فإذا ما رأوا توجهًا بالأمة لخير، أو طرأ حدث في مسرح حياتهم توحدت أطياف الأمة حوله، وكسبوا تعاطف العالم غير المسلم تجاهه، وأصبح الحدث الأول في حياتهم وتصدر وسائل إعلامهم، وموضع اجتماعهم، مهما كان مقدار الاجتماع ومستواه، أوهم أعداء الأمة بإنزال مخطط يخدم مصالحهم، وقدرت وسائل استخباراتهم أن أمة الإسلام ستستنكره وستتوحد ضده، أو أرادوا تمرير جريمة من جرائمهم ضد الأمة أو قضية من قضاياها، هبّوا لإشغالهم في رمزٍ من رموزهم ليصرفوهم عن قضاياهم المهمة بالانشغال بهذا الحدث المهم الآخر، وسهلوا وسائل نشره، في الإعلام، وبحثوا له عن قوانين حامية له ولمن تولى كبره وإن استنكروه، وهكذا حالنا وحالهم، يوقدون حربًا فيطفئها الله، ثم يوقدون أخرى، وهكذا هم لا يفترون، والأمة الإسلامية مستنزفة المشاعر قليلة القدرة على صنع قرارها، تحطمها موجات الفتن، وتخسر في كل حدث من هذه الأحدث ثلة من أبنائها، ولقد وَجّهوا مرة أخرى سهامَهم في الآونةِ الأخيرةِ إلى سيّد البشر ومعلّمِهم ومنقذِهم من الهلاك محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم-، فقاموا بإنتاج فيلم مسيء له صوروا فيه رسول الله بأبشع صورة ومثلوه أقبح تمثيل، وهذا ناتج عن تعصّب مقيت، وهو ممارسة للإرهاب الفكري الذي يقود إلى تأجيج الأحقاد واستفزازِ الشعوب، وحلولِ الكوارث التي يكتوي بنارِها ويعمّ لهيبها الجميع.
وفي خضم هذه الأحداث -أيها الإخوة- جميل أن نقف وقفة سريعة على بعض معنى أقصر سورة في كتاب الله تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبكَ وَانْحَرْ * إِنّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) [الكوثر:1-3] قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: سُورَةُ الْكَوْثَرِ مَا أَجَلّهَا مِنْ سُورَةٍ! وَأَغْزَرَ فَوَائِدِهَا عَلَى اخْتِصَارِهَا، وَحَقِيقَةُ مَعْنَاهَا تُعْلَمُ مِنْ آخِرِهَا؛ فَإِنّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَتَرَ شَانِئَ رَسُولِهِ مِنْ كُلِ خَيْرٍ، فَيَبْتُرُ ذِكْرَهُ وَأَهْلَهُ وَمَالَهُ، فَيَخْسَرُ ذَلِكَ فِي الآخِرَةِ، وَيَبْتُرُ حَيَاتَهُ فَلا يَنْتَفِعُ بِهَا وَلا يَتَزَوَّدُ فِيهَا صَالِحًا لِمَعَادِهِ، وَيَبْتُرُ قَلْبَهُ فَلا يَعِي الْخَيْرَ وَلَا يُؤَهلُهُ لِمَعْرِفَتِهِ وَمَحَبتِهِ وَالإِيمَانِ بِرُسُلِهِ، وَيَبْتُرُ أَعْمَالَهُ فَلا يَسْتَعْمِلُهُ فِي طَاعَةٍ، وَيَبْتُرُهُ مِنْ الأَنْصَارِ فَلا يَجِدُ لَهُ نَاصِرًا وَلا عَوْنًا، وَيَبْتُرُهُ مِنْ جَمِيعِ الْقُرَبِ وَالأَعْمَالِ الصالِحَةِ فَلا يَذُوقُ لَهَا طَعْمًا وَلا يَجِدُ لَهَا حَلاوَةً، وَإِنْ بَاشَرَهَا بِظَاهِرِهِ فَقَلْبُهُ شَارِدٌ عَنْهَا، وَهَذَا جَزَاءُ مَنْ شَنَأَ بَعْضَ مَا جَاءَ بِهِ الرّسُولُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَدهُ لأَجْلِ هَوَاهُ أَوْ مَتْبُوعِهِ أَوْ شَيْخِهِ أَوْ أَمِيرِهِ أَوْ كَبِيرِهِ، ثم قال: وَلَكِن أَعْظَمَ مَنْ شَنَأَهُ وَرَدهُ: مَنْ كَفَرَ بِهِ وَجَحَدَهُ وَجَعَلَهُ أَسَاطِيرَ الأَولِينَ وَسِحْرًا يُؤْثَرُ، فَهَذَا أَعْظَمُ وأطم انْبِتَارًا، وَكُل مَنْ شَنَأَهُ لَهُ نَصِيبٌ مِنْ الانْبِتَارِ عَلَى قَدْرِ شَنَاءَتِهِ لَهُ، وَقَوْلُهُ: (إنّ شَانِئَكَ) أَيْ مُبْغِضُك، وَالأَبْتَرُ الْمَقْطُوعُ النّسْلِ الّذِي لا يُولَدُ لَهُ خَيْرٌ وَلا عَمَلٌ صَالِحٌ فَلا يَتَوَلّدُ عَنْهُ خَيْرٌ وَلا عَمَلٌ صَالِحٌ، نعوذ بالله من ذلك.
محبي محمد -صلى الله عليه وسلم-: لم تزل أساليب الحاقدين على رسول الله وما جاء به من الدين تستخدم الاستهزاء سلاحًا في حربهم لهذا الدين، فقد استخدمت ثلة الاستهزاء الأولى طرقًا كثيرة وأساليب متنوعة للسخرية من النبي -صلى الله عليه وسلم- والاستهزاء به، فتارة ينعتونه -صلى الله عليه وسلم- بالساحر وبالمجنون وبالكذاب، وقالوا عنه وما جاء به ما ذكره الله تعالى عنهم بقوله: (بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَولُونَ) [الأنبياء:5]، ثم بين الله تعالى في الآيات التالية أن رسول الله وما جاء به هو الحق.
أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم-: واستمر -صلى الله عليه وسلم- يبلّغ هذا الدين ويدعو إلى الله، ولم يثنه عن ذلك ما يقوم به أعداء الله من ممارسات سيئة، سواء ما كان منها من المشركين أو اليهود أو المنافقين، أو ما بينهم من تحالف، واجتهدوا في حربهم فلم يتركوا نوعًا من أنواع الأذى الحسي والمعنوي إلا فعلوه؛ فرموه بالحجارة، ووضعوا سلا الجزور على رأسه، وهموا بحبسه، وقاطعوه ومن آمن به في شعب بني عامر سنين، وأخرجوه من بلاده مكة المكرمة، ولما أعيتهم الحيل عزموا على قتله وأبرموا مكيدتهم ووضعوا خطتهم واختاروا لها أشداء رجالهم ولكن الله خذلهم، وخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بينهم، ووضع التراب على رؤوسهم إمعانًا ببيان خيبتهم، وأوقعوا على أصحابه أشد العذاب والنكال.
ولما فاتهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنجاه الله منهم وضعوا الجوائز الضخمة لمن يأتيهم به حيًّا أو ميتًا، ولكن الله متم نوره ولو كره المشركون، ولما هاجر حاربوه، وشجت رأسه وكسرت رباعيته في أحد، وتحزب الأحزاب عليه وعلى أنصاره، ودسوا له السم باللحم ليقتلوه، ولكن الله أنطق الشاة فأخبرته بما وضعه له اليهود من السم آية أخرى، واتهموه في عرضه الشريف فطعنوا في أحب نسائه إليه عائشة أم المؤمنين، فصبر واحتسب وجاهد، وبذل من نفسه لهذا الدين حتى أعز الله دينه وأعلى كلمته.
أيها الأحبة: ومع تلك الأحداث كان يحدث أصحابه في أحلك ظروفهم لما شكوا ما هم فيه من الضيق والأذى والضعف ويقول: "والله لَيُتِمّن اللهُ هذا الأمرَ حتى يَسيرَ الراكبُ من صنعاءَ إِلى حَضْرَمَوْتَ، لا يخاف إِلا اللهَ والذئبَ على غنمه، ولكنّكم تستعجلون". وهذه البشرى أطلقها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكة، ولما هاجر واختفى هو وأبو بكر في الغار وأحاط به المشركون خاف أبو بكر -رضي الله عنه- على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودعوته، قال أبو بكر مصورًا للحدث: "نظرتُ إِلى أقدام المشركين ونحن في الغار على رؤوسنا، فقلت: يا رسول الله: لو أن أحدهم نظر إِلى قَدَمْيه أبْصَرَنَا تحت قدميه! فقال: يا أبا بكر: ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟!". أخرجه البخاري ومسلم.
ولما لحقه سراقة بن مالك بالطلب طمعًا فيما وضعته قريش لمن يأتي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيًّا أو ميتًا، وما وقع لسراقة من موقف قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو شريد طريد وسراقة في موضع المطارِد: "كيف بك -يا سراقة- إِذا لَبستَ سِوارَيْ كسرى؟!". ورجع سراقة لما رأى الآية الكبرى التي حالت بينه وبين رسول الله، وتدور الأيام فلمّا أُتِيَ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في خلافته بسوارَيْ كسرى ومِنْطَقَتِهِ وتاجِه، بعد فتح بلاد فارس وإدالة دولتهم دعا سُرَاقةَ بن مالك، فألبسه إِياهما. وكان سُراقة رجلاً كثيرَ شعرِ السّاعِدَيْن، فقال له عمر: ارفعْ يَدَيْكَ، فقال: الله أكبر، الحمد لله الذي سَلَبَهُما كسرى بن هرمز الذي كان يقول: أَنا رَب الناس، وألبسهما سراقةَ بن مالك بن جُعْشُم، أعرابي من بني مُدْلِج، ورفعَ بهما عمرُ صوتَه.
أحبتي: لقد أتم الله هذا الدين وانتشر وضرب أطنابه في القارات القديمة كلها، ولم تزده تلك العوائق إلا انتشارًا، وكانت على الشانئين عذابًا ووبالاً وللمؤمنين تثبيتًا ويقينًا.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم.
الخطبة الثانية:
أيها الأحبة: إن ما تعرض له النبي -صلى الله عليه وسلم- من سخرية واستهزاء في ذلك الفيلم المسيء ليستدعي النصرة والحمية والذب عن جناب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وإن هذه الحملة المسعورة الموجّهة نحو المسلمين ودينهم ونبيّهم محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حملةٌ ظالمة آثمة.
وإن هذا الإرهاب الفكري الذي قاد إلى تأجيج الأحقاد واستفزازِ الشعوب وحلولِ الكوارث التي اكتوي بنارِها وعمّ لهيبها الجميع، حملت كثيرًا من الشعوب الإسلامية على الاستنكار والتظاهر الذي أدى إلى صدمات أزهقت فيها أرواح مسلمة، وأسيلت فيها دماء طاهرة زكية ما كانت لتزهق أو تراق لولا هذا الإرهاب الفكري من الغرب، أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم-.
إن ما افتراه المفترون عليه -صلى الله عليه وسلم-، وما صوروه به من صور باهتة فجة أساءت لجميع المسلمين وأغضبتهم، فَغَلَتْ بسببها دماء بعض المسلمين وأفقدتهم الحكمة والروية فربما قَتَلُوا أو قُتِلُوا، ونحن نستنكر فعل المستهزئين وندينه، ونطالب بإزالة كل ما يسيء للنبي -صلى الله عليه وسلم-، كما نطالب بمحاكمتهم ودفع شرهم، كما نؤكد على ضرورة أن تكون الأساليب التي يمارسها المسلمون، ووسائل النصرة له -صلى الله عليه وسلم- ولسنته وفق الضوابط الشرعية، ونحذر من الوسائل غير الشرعية مثل القتل والتفجير والتخريب والتدمير.
أيها الإخوة: إن المقرر شرعًا والواجب على كل مسلم يؤمن بالله ربًا وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًا نصرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما قال تعالى: (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ)، أي تعظموه وتجلوه، وتقوموا بحقوقه، كما كانت له المنة العظيمة برقابكم، بأن كان سببًا في إيمانكم، فهداكم الله به بعد ضلال، وبصّركم به بعد عمى، وهداكم الله به إلى صراط الله المستقيم هداية دلالة وإرشاد، فصلوات ربي وسلامه عليه.
ومن وسائل نصرته -صلى الله عليه وسلم-: العمل بسنته ونشرها بين الناس، بالوسائل المتاحة وباللغات المختلفة، وكل يجتهد بما معه من العلم والتخصص، قال -صلى الله عليه وسلم-: "نَضرَ اللّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتّى يُبَلّغَهُ غَيْرَهُ فَرُب حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُب حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ". رواه الترمذي، وهو صحيح.
أيها الأحبة: ومما يجمل نشره تمثل حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- للرحمة في خُلقه وتعامله مع الناس أجمعين، ولم تكن هذه الرحمة فقط مع أصحابه -رضوان الله عليهم-، بل رحمته -صلى الله عليه وسلم- تعدت لغير المسلمين: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ: ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: "إِني لَمْ أُبْعَثْ لَعانًا وَإِنّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً". رواه مسلم.
ومما يجمل نشره كذلك أنه كان -صلى الله عليه وسلم- إِذَا أَمّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصتِهِ بِتَقْوَى اللّهِ، وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُم قَالَ:" اغْزُوا بِاسْمِ اللّهِ فِي سَبِيلِ اللّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللّهِ، اغْزُوا وَلا تَغُلّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا". رواه مسلم.
وأنه كان يحذر من قتل النساء والصبيان وينكره في مغازيه، فعن عَبْدَ اللّهِ بن عمر رَضِيَ اللّهُ عَنْهُما: أَن امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي النّبِي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- مَقْتُولَةً، فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللّهِ -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قَتْلَ النّسَاءِ وَالصبْيَانِ. رواه البخاري.
وأنه -صلى الله عليه وسلم- حفظ حقوق المعاهدين في أنفسهم وأموالهم، فقال -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ-: "مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنةِ، وَإِنّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا". رواه البخاري.
أيها الإخوة: لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- حريصًا على هداية الناس: من ذلك لما قَدِمَ طُفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدوْسِي وَأَصْحَابُهُ عَلَيه -صَلى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ: إِن دَوْسًا عَصَتْ وَأَبَتْ فَادْعُ اللّهَ عَلَيْهَا. فَقِيلَ: هَلَكَتْ دَوْسٌ! قَالَ: "اللّهُم اهْدِ دَوْسًا وَائتِ بِهِمْ". رواه البخاري.
ولما قيل له: أَخْرَقَتْنَا نِبَالُ ثَقِيفٍ فَادْعُ اللهَ عَلَيْهِمْ. قَالَ: "اللّهُم اهْدِ ثَقِيفًا". رواه الترمذي وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وبعد:
أيها الإخوة: إنّهم يعلمون وإننا نَعلم أنّ الذين يدخلون في دين الإسلام في ازدياد وتنامٍ على الرّغم من كلّ الظروف والمتغيّرات والأحداث والمقاومات، بل والتهديد والتشويه للإسلام وأهله ونبيه وقرآنه، فما أن تكون موجة من موجات السخرية إلا وينبري للذود عنه -صلى الله عليه وسلم- وتجلية سيرته العطرة طائفة من المؤمنين، فيؤمن به من أراد الله به خيرًا، وفي كتاب ربنا: (هُوَ الذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِلْهُدَى وَدِينِ الْحَق لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَكَفَى بِللّهِ شَهِيداً) [الفتح:28].
وإن علينا تنظيم الجهود، والتصدّي بشكل منظّم لإحباط هذه التوجّهات التي ترمي إلى نشر الكراهية للإسلام وأهلِه، وحجب الحقائق عن الناس، دعوةً إلى الله، ونصرةً لدين الله، ودفاعًا وحبًّا لرسول الله، وأن لا يستجيبوا لاستفزازاتِ المتعصّبين، كما يجب التآزر والتعاون في التصدي لهذه الحملات المغرضة الجائرة.
وإننا على يقين بأن الله سبحانه ناصر نبيه، ومعز دينه، وخاذل لأعدائه، كما قال الله: (إِنّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ). اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك -صلى الله عليه وسلم-.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم