عناصر الخطبة
1/أهمية معرفة إحسان التعامل مع الناس 2/مظاهر انشقاق العصا بين أهل هذا الزمان 3/تفاهة الأسباب المؤدية لتلك الفرقة 4/إشارات في فقه معاملة الناس مُعالجةً لفرقتهماقتباس
إن الله -جل في علاه- خلق الإنسان مدنياً بالطبع، يُوْثِر الاجتماع على العزلة، فتراه يمر في أطوار حياته بين أبوين وإخوان، وأقاربَ وجيران، ومعارفَ وخُلان، وزوجٍ وولدان؛ وقد حتَّم عليه الشارع حضور بعض العبادات جماعةً، وكل هذا يلزم أن يتقن فقه التعامل مع الناس، حتى يسلمَ من نزق الطبع، وطيش الحِلم؛ لأنه غالباً لا يسلم من أن يَجْهلَ أو يُجْهَلَ عليه.
الخطبة الأولى:
أما بعد: أيها المسلمون، إن الله -جل في علاه- خلق الإنسان مدنياً بالطبع، يُوْثِر الاجتماع على العزلة، فتراه يمر في أطوار حياته بين أبوين وإخوان، وأقاربَ وجيران، ومعارفَ وخُلان، وزوجٍ وولدان؛ وقد حتَّم عليه الشارع حضور بعض العبادات جماعةً، وكل هذا يلزم أن يتقن فقه التعامل مع الناس، حتى يسلمَ من نزق الطبع، وطيش الحِلم؛ لأنه غالباً لا يسلم من أن يَجْهلَ أو يُجْهَلَ عليه.
وإن مُنْعِم النظر في أحوال بعض الناس في هذا الزمان لَيجد أنهم يعانون من انشقاق العصا بينهم، ويلقوْن في ذلك نصَباً ناصباً، وذلك جرَّاءَ أمور مَهينة، انتهز الشيطان فيها فُرصة، واهتبل فيها غِرة، فصعَّد فيها وصوَّب، فانجلت عن شقاق، وسوء أخلاق.
وإليك أمثلة ليست من نسج الخيال، وإنما هي من واقع الحال: فهذا قد شاكس أباه على منعه حقاً له، لا يساوي معشار كد والده عليه. وهذا قد قطع أخاه، لأجل اختلاف في قسمة ميراث. وهذا قد فارق زوجه، إثر سوء تفاهم بينهما يَرِد مثله في الحياة الزوجية كثيراً. وهذا قد ترك حلقته التي يتعلم فيها القرآن، لأن أستاذه فيها قسا عليه مرة. وهذا قد سخط على فلان من جماعة مسجدهم لأنه -بزعمه- قد ابتلاهم بفتح أجهزة التكييف في المسجد. وهذا قد هجر جاره، لأن ولد جاره خاصم ابنه مرة. وهذا قد قطع صلة قريبه، لأنه تذرَّع به في شفاعة، فلم يشفع ولم يرفع. وهذا شكّاكٌ مرتاب تكاد مرارته تنفطر من الغيظ على فلان وفلان، لا لشيء، وإنما لأنه كلَّف نفسه ما لم تُكلَّف، فاشتغل بتفسير المقاصد، فهو ثائرٌ على فلان، لأنه قال كلمة في مجلس، يظن أنه لا يقصد غيره بها، وهو ساخطٌ على فلان، لأنه -بزعمه- متكبر، وافقه مرة فلم ينظر إليه إلا بطرْف فاتر، وهو منقبض عن فلان، لأنه فيما يظهر له يتلظى صدره عليه من الحسد. وتلك امرأة تزوي ما بين عينيها دوماً على امرأة ابنها، لأنها لم تقم بحقها، زعمت. وأخرى صرمت حبال الوصل مع شقيقتها، وذلك لأجل خصومة أولادهما المتكررة. إلى غير تلك الأحوال التي تنقبض لها الصدور، وتشمئز منها النفوس، وتُحدِث فيها لوعة مؤلمة، ومسّاً موجعاً.
أيها المسلمون: وهذه بعض الإشارات، في نقاط، في فقه التعامل مع الناس، علَّها أن تنظم شملاً قد تمزق، وتجمع شتاتاً قد تفرق.
أولاً: توطين النفس على معاملة الناس بمحاسن الأخلاق، وجميل الخِلال، وهذا من مسلَّمات الدين، ولأجله بُعث سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم-، إذ يقول: "إنما بُعثت لأتمم صالح الأخلاق" رواه الإمام أحمد. والآيات والأحاديث التي تحث على التحلي بمكارم الأخلاق، وتنهى عن سفسافها وافرة معلومة، وهي من أعظم ما يجلب الودَّ ويُحِلُّ الوفاق، وينفي الفُرقة ويزيل الشقاق، وإنك لترى الرجلَ الذي يُذكر بِغلَظ الطباع، وفظاظة الأخلاق، ما إن تتطلقْ في وجهه، وتَهَشَّ له بكلام لين، إلا وتجد أثر ذلك فيه.
ثانياً: معاملة الناس حسب طبائعهم التي أعطاهم الله إياها، فإن الله -سبحانه- كما قسم الأرزاق قسم الأخلاق، فمن الناس من هو حُرُّ الخلال، أَرْيَحِيُّ الطباع، يترقرق في وجهه ماء البِشْر. ومنهم من هو فظ الأخلاق، صعب المراس، كأنما قُدَّ من صخر. ومنهم من هو مبتغٍ بين ذلك سبيلاً. وقد أبان الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذلك فقال: "إن الله -عز وجل- خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب والسهل والحزْن وبين ذلك" أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي.
الناس كالأرض، ومنها هُمُ *** فمِن خشن الطبع، ومن ليِّنِ
فجنْدلٌ تدْمى به أرجلٌ *** وإثْمِدٌ يوضع في الأعينِ
وبهذا يعلم أن معاملة الناس ينبغي ألا تكون على وتيرة واحدة، بل يعامَل كلٌ منهم حسب طبعه. وقد حفظت لنا عائشة -رضي الله عنها- موقفاً من المواقف النبوية التي تدل على حِذْقه -صلى الله عليه وسلم- في التعامل مع الناس، تقول عائشة: إن رجلاً استأذن على النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما رآه قال: "بئس أخو العشيرة! وبئس ابن العشيرة!"، فلما جلس تطلَّق النبي -صلى الله عليه وسلم- في وجهه وانبسط إليه. فلما انطلق الرجل قالت عائشة: يا رسول الله! حين رأيتَ الرجلَ قلتَ له كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه، وانبسطت إليه؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا عائشة! متى عهدتِّني فحَّاشاً؟ إن شرَّ الناس عند الله منـزلةً يوم القيامة من تركه الناس اتقاءَ فحشِه" أخرجه البخاري ومسلم.
وبهذا يُعلم أن سبب كثير من الشقاق وسوء الوفاق بين ابن وأبيه، أو زوج وامرأته، أو إمام وبعض جماعة مسجده، أو نحو ذلك، إنما هو بسبب الجهل بالطبائع ونوع الأنفس.
ثالثاً: معاملة الناس حسب منازلهم التي أنزلهم الله إياها، فالناس فيهم العالم والجاهل، والملك والسُّوقَة، والسائد والمسود، والغني والفقير، والكبير والصغير، والعاقل والمجنون، وغيرهم، فيعامل كلٌ حسب منـزلته لا وكس ولا شطط.
فلا يتكبر على الصغير لصغره، ولا ناقص العقل لنقصه، ولا الفقير لفقره، بل يعامل الجميع باللطف والمقابلة بما تقتضيه الحال، وتنشرح له صدورهم. قال -صلى الله عليه وسلم-: "أراني في المنام أتسوَّك بسواك، فجاءني رجلان أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السواكَ الأصغرَ، فقيل لي: كبِّر، فدفعته إلى الأكبر منهما" أخرجه مسلم. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن من إجلال الله -تعالى- إكرامَ ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط" أخرجه أبو داود. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا" أخرجه أبو داود والترمذي.
بل انظر إلى مَلَكَة الحكمة التي أوتيها الرسول -صلى الله عليه وسلم- حين دخل مكة فاتحاً فجاء أبو سفيان فأسلم، فأراد الرسول -صلى الله عليه وسلم- تثبيت إسلامه، فقال: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن" رواه مسلم. فأبو سفيان من سادات قريش، ومثله يحب الفخر، فأشبع الرسول -صلى الله عليه وسلم- مشاعره بهذه الجملة. وهكذا فعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع أولئك الرجال السادة في أقوامهم الذين كانوا حدثاء عهد بكفر، فكان يعطيهم ما لا يعطي غيرهم.
وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في كتابه الذي أرسله إلى هرقل: "بسم الله الرحمن الرحيم من محمدٍ، عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم" أخرجه البخاري ومسلم. فتأمل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "عظيم الروم".
إلى غير ذلك من الأحاديث الوافرة في هذا الجانب، التي تحتِّم أن يُعطَى كلُّ ذي منـزلةٍ حقَّه اللائق بحاله، فللأمير حق، وللعالم حق، وللوجيه حق، وللوالد حق، وللولد حق، وللزوج حق، وللزوجة حق، وللكبير حق، وللصغير حق، وللتلميذ حق، ولإمام المسجد حق، ولناقص العقل حق، وكلّ له حق بحسبه، فلإنزال الناس منازلهم سبب متين لتقوية آصرة الألفة والمودة، ونبذ الشقاق وسوء الأخلاق.
رابعاً: معاملة الناس حسب ظواهرهم، فلا يُشتغل بتفسير المقاصد، فمن الناس من تجده شكّاكاً في الناس، مرتاباً في تعاملهم معه، تتجاذبه فيهم الظنون، وتتوارد عليه الرِّيب، فلسان حاله: فلان قد رابني أمره، ولست على يقين من فلان، وإني لفي مرية من فلان.
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه *** وصدَّق ما يعتادُه من توهُّم
وعادى محبيه بقول عُداته *** وأصبح في ليل من الشك مظلم
فلا يزال هذا المسكين يعاني في هذا الأمر صعَداً، ويقاسي منه نَصَباً، حتى يخلد إلى الانزواء، فيتفرق شمله، وينتثر نظمه. وإن في هذا الفعل مُجافاةً لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْم) [الحجرات:12]. وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والظن! فإن الظن أكذب الحديث" أخرجه البخاري ومسلم.
وقد ورد في السنة ما يدل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتعامل مع الناس حسب ظواهرهم، دون إيغال في النيات، أو تحسس في المقاصد، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رجل للرسول -صلى الله عليه وسلم-: اتق الله. لماّ قسم الرسول -صلى الله عليه وسلم- تلك الذُّهَيْبة التي بعث بها علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- من اليمن على المؤلفة قلوبهم، فقال خالد: وكم من مصلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إني لم أُومَر أن أنقِّب عن قلوب الناس، ولا أشقَّ بطونهم" أخرجه البخاري ومسلم.
ولم يحكم النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنافقين بحكم الكفار المظهرين للكفر، لا في مناكحتهم ولا موارثتهم ولا نحو ذلك، بل لما مات عبد الله بن أبي سلول وهو من أشهر الناس بالنفاق ورثه ابنه عبد الله، وهو من خيار المؤمنين، وكذلك سائر من كان يموت منهم يرثه ورثته المؤمنون.
أخرج البخاري عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: "إن أناساً كانوا يُؤخذون بالوحي في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيراً أمنَّاه وقرَّبناه، وليس إلينا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءاً لم نأمنْه ولم نصدقْه وإن قال إن سريرته حسنة".
فكل هذه الأدلة تبين بجلاء أنه يتحتم على المسلم أن يعامل أخاه بما يظهر منه ويكل سريرته إلى الله، وبذلك تقوى صِلاته، وتطمئن نفسه، وتنجلي عنه مزعجات التفكير، ودوامات القلق.
بارك الله...
الخطبة الثانية:
أما بعد: أيها المسلمون: خامساً: في فقه التعامل مع الناس: استحضار أن الخطأ من طبيعة الإنسان، وأنه لم يسلم منه إلا مَن عصمه الله من أنبيائه ورسله، وقد قرر النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك بقوله: "كل بني آدم خطّاء، وخير الخطّائين التوابون" أخرجه الترمذي وابن ماجة.
فمن الخطأ أن يتصور امرؤٌ مثاليةً في شخص، سواء كان امرأة سينكحها، أو عالماً سيتتلمذ عليه، أو رجلاً سيخالطه ويعاشره، أو غير ذلك، ثم يحاسبه بناء على ذلك، وربما انتبذ عنه مكاناً قصياً، بل عليه أن يعامله معاملةً واقعيةً، نابعةً عن معرفة بطبيعة البشر التي يعتريها الجهل والخطأ والنسيان.
وتأمل في جواب الإمام أحمد -رحمه الله- لما قال له راويته: كان غُنْدَر يغلظ؟ قال: "أليس هو من الناس؟!". وأمعِن النظر في قول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وهو يقول: "وليس من شرط أولياء الله المتقين ألا يكونوا مخطئين في بعض الأشياء خطأ مغفوراً لهم، بل ولا من شرطهم ترك الصغائر مطلقاً، بل ولا من شرطهم ترك الكبائر أو الكفر الذي تعقبه التوبة".
سادساً: قبول أعذار الناس: فبما أن الإنسان لا يزال في حيِّز البشرية، يَرِدُ عليه الخطأ في تعامله مع الناس، فإن كفارة ذلك الذنب هو اعتذار ممن أخطأ معه. ويتأكد في حق من اعتذر منه أن يقبل عذره، ويكل سريرته إلى الله، تأسياً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، فإنه لما جاءه المخلَّفون عام تبوك، وطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، قَبِلَ علانيتهم ووكل سرائرهم إلى الله، وهو -مع ذلك- لا يصدِّق أحداً منهم، بدليل أنه لما جاءه كعب بن مالك، وأخبره بحقيقة أمره، قال: "أما هذا فقد صدق" كما عند البخاري ومسلم. قال الإمام ابن القيم: "من أساء إليك ثم جاء يعتذر من إساءته، فإن التواضع يوجب عليك قبول معذرته، حقاً كانت أو باطلاً، وتكل سريرته إلى الله".
اقبلْ معاذير من يأتيك معتذراً *** إن برَّ عندك فيما قال أو فجرا
فقد أطاعك من يرضيك ظاهره *** وقد أجلَّك من يعصيك مستترا
ومما يقوِّي المسلمَ في قبول عذر أخيه إذا اعتذر إليه، استشعارُه أنه ربما احتاج لمثل هذا الموقف الذي وقفه أخوه أمامه، فهل يسرُّه حينَها أن يُرَدَّ خاسئاً وهو حسير؟ فكما تدين تدان.
فما أجمل ذلك الأب الذي لما أتاه ابنه يلقي معاذيره، قبل عذره، وبرأه من الملام. وأكرِم بذاك الزوج الذي إذا اعتذرت إليه زوجه من التقصير، نفض عنها غبار اللوم، ووجد لها في ذلك عذراً بيناً. ولله درّ ذاك الصديق الذي لما أتاه صاحبه معتذراً إليه من هفوة فرطت، أو سقطة بدت هوَّن عليه، وقال: "لا درَك عليك في ذلك ولا لَحق".
سابعاً: العفو عن أخطاء الناس، ومقابلتها بالإحسان: امتثالاً لقول الله -تعالى-: (وَلاَ تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم) [فصلت:34]. قال العلاَّمة السعدي: "أي: فإذا أساء إليك مسيء من الخَلْق، خصوصاً من له حق كبير عليك، كالأقارب والأصحاب ونحوهم، إساءة بالقول أو الفعل، فقابله بالإحسان إليه، فإن قطعك فصِلْهُ، وإن ظلمك فاعفُ عنه، وعامله بالقول اللين، وإن هجرك وترك خطابك، فطيِّب له الكلام، وابذل له السلام، فإذا قابلت الإساءة بالإحسان، حصل فائدة عظيمة".
نعم! فإن هذه لخلة شديدة على النفس، لا يسْطيعها إلا رجلٌ موفقٌ، قد تَسَنَّمَ ذِرْوَةَ المجد، وأمَّ معالي الأمور، فكرمت خليقته، ونبُلت نفسه، وجزُلت مروءته، فهمَّته قصيَّة المرمى، رفيعة المناط، قد تخطى هذه الأقذاء، وجاوز هاتيك الحفر، فلم تلن قناته لغامز. عن أنس -رضي الله عنه- قال: "كنت أمشي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليه رداءٌ نجرانيٌ غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذةً شديدةً، نظرت إلى صفحة عنق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد! مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فضحك، ثم أمر له بعطاء" أخرجه البخاري ومسلم. سبحان الله! ما أعظم أخلاق هذا الرسول -صلى الله عليه وسلم- التي تملأ الصدور عظمة وإجلالاً! كيف قابل نزَقَ هذا الأعرابي وطيشَه، بهذه الأريحية، وهذا الندى؟! إنها رفعةٌ لا تُسامى، وعظمةٌ لا تُغالب. وعلى هذا النهج النبوي سار شرفاء الناس وعظماؤهم.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها، لا يصرف عنا سيئها إلا أنت. اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم