كونوا من أبناء الآخرة

ناصر بن محمد الأحمد

2014-11-18 - 1436/01/25
عناصر الخطبة
1/ تأملات في الحياة وتقلباتها 2/ وصف الدنيا وحقيقتها في القرآن والسنة 3/ وجوب الحذر من الاغترار بالدنيا ومظاهرها 4/ الدنيا مزرعة الآخرة 5/عمر الإنسان الحقيقي 6/ فرقٌ كبير بين حياتين 7/ عمارة الآخرة وترك الركون إلى الدنيا 8/ سيرة رجل من أعظم الناس بركة على قومه 9/ بركة أعمار وأعمال المخلصين من هذه الأمة قديمًا 10/ الأسباب التي تبارك في العمر وتطيله

اقتباس

أيها الأخ المبارك: هل تريد أن تكون من أبناء الآخرة؟ هل تريد أن تكون ممن حسُن عمله وإن قَصُر عمره؟ فكيف إن طال عُمره وحسُن عمله؟ هل تريد أن تكون حياتك زاخرة بالأعمال الصالحة التي تنفعك بإذن الله في الآخرة؟ عليك: بالإكثار من سؤال الله -عز وجل- التوفيق والإعانة في جميع الأعمال والأقوال.. وعليك: بفعل الأسباب التي تبارك في العمر وتطيله، من كثرة الصلاة وقراءة القرآن والذكر والصيام والصدقة والعلم وحسن الخلق وقضاء الحوائج وصلة الرحم وغيرها...

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله ..

 

أما بعد: أيها المسلمون: إن المتأمل لهذه الحياة، وما يجري فيها من تحركات وتقلبات وحوادث وغيرها، وينظر إلى نهايتها ومآلها، لَيستيقن أنها متاع قليل، يتمتع به الإنسان برهة ثم ينقطع ويفنى.

 

فالدنيا ما عِيبت بأكثر من ذكر فنائها، وتقلب أحوالها، فتتبدل صحتها بالسقم، ووجودها بالعدم، وشبابها بالهرم، ونعيمها بالبؤس، وحياتها بالموت، وعمارتها بالخراب، واجتماعها بفرقة الأحباب.

 

ولقد جاء الحديث عنها، وعن حقيقتها، في شرعنا الحنيف في كثير من الآيات والأحاديث، فوصفها القرآن بعدة أوصاف وضرب لها عدة أمثلة، قال –تعالى-: (إِنَّمَا مَثَلُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [يونس: 24-25]، والآيات في هذا كثيرة.

 

وجاء في سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- القولية والعملية ما يوضِّح حقيقة هذه الحياة، وما ينبغي من عدم الاغترار بها؛ لكونها لا تساوي عند الله شيئاً، فقد ثبت في جامع الترمذي وغيره مرفوعاً إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِراً مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ".

 

وصح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يوصي أصحابه -رضي الله عنهم- بعدم الركون إلى الدنيا والاستعداد للآخرة، كما جاء في صحيح البخاري عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنكبي، وقال: "كُنْ في الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيل".

 

فهذه الآيات والأحاديث تدل دلالة واضحة على عدم الاغترار بالدنيا ومظاهرها؛ لأن عاقبتَها ونهايتَها غير محمودة. ولذلك شبّهها -سبحانه وتعالى- في أنها تتزين في عين الناظر، فتروقه بزينتها، وتعجبه فيميل إليها، ويهواها اغتراراً منه بها، حتى إذا ظن أنه مالك لها، قادر عليها، سُلِبَهَا بغتة أحوجَ ما كان إليها، وحيل بينه وبينها، فيخيب ظنه، وتصبح يداه صفراً منها، فهكذا حال الدنيا والواثق بها سواء، وهذا من أبلغ التشبيه والقياس.

 

ولما كانت الدنيا عرضة لهذه الآفات، والجنة سليمة منها قال تعالى: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ) [يونس: 25]، فسماها هنا دار السلام لسلامتها من هذه الآفات التي ذكرها في الدنيا، فعمَّ بالدعوة إليها، وخص بالهداية من يشاء، فذاك عدله، وهذا فضله.

 

أيها المسلمون: علينا أن نعلم ونتيقن بأن الحياة الدنيا زائلة وقصيرة، وأنها لن تبقى لأحد، وكلٌّ مردُّه فيها إلى الزوال، وقد جعلها الله -عز وجل- مزرعة للآخرة، والتجارة التي يظهر ربحها في الآخرة لمن أخلص وأحسن.

 

وإذا قصَّر الإنسان في ذلك قصرت عنه نتيجته، وكل ذلك عائد إلى عمله في الدنيا ولا بد، لأن الحياة الدنيا أمد، والآخرة أبد، وعمر الإنسان الحقيقي هو: ما يُكتب له عند الله –سبحانه- من عمل الصالحات وفعل الخيرات.

 

فإذا أدرك المؤمن أن الدنيا مزرعة الآخرة، فعليه أن يسعى جاهداً لأن يزرع فيها زرعاً نافعاً يحصده في الآخرة. والمقصود بهذا الزرع هو جميع ما يفعله المسلم في الدنيا من أعمال صالحة بكافة أنواعها وأشكالها.

 

قال الله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاَهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [النحل: 76].

 

فرقٌ كبير بين حياتين: حياة طويلة لكنها غير مباركة، ضعيفة الإنتاج والعمل والعلم والإصلاح، وقد تكون سلبية على صاحبها لاقترافه المنكرات والمحرمات، والأخرى: حياة مليئة بالأعمال والأقوال الصالحة، زاخرة بالتقوى والصلاح والإصلاح والدعوة، مباركة منتجة، صاحبها يرجو ما عند الله والدار الآخرة.

 

فالأولى: صاحبها مخدوع في الدنيا معاقب في الآخرة، لم يعرف وزن وقدر هذه الدنيا. والأخرى: صاحبها موفق في الدنيا مثاب في الآخرة، على حسب عمله وجهده وإخلاصه في الدنيا، وكل ذلك عائدٌ على عمر الإنسان وأعماله في الدنيا، التي قد تكون حجة له أو عليه. نعم إن طول العمر حجة، يقول الله -عز وجل-: (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ) [فاطر: 37].

 

إن طول العمر حجة للمرء أو عليه بسبب أعماله وأقواله، فإذا كان طول العمر مع عمل صالح كان حجة للإنسان، وإذا كان طول العمر مع عمل سيِّئ كان حجة على الإنسان "خيركم مَنْ طَالَ عُمْرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ".

 

ولهذا فإن من طال عمره وحسن عمله قد يفوق منـزلة الشهيد في سبيل الله –تعالى- الذي يموت قبله إذا أحسن العمل واجتهد بالطاعة. جاء في سنن أبي داود عن عبيد بن خالد السلمي قال: "آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين رجلين، فقُتل أحدهما ومات الآخر بعده بجمعة ونحوها، فصلينا عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما قلتم له؟ قالوا: دَعَوْنا له وقلنا: اللهم اغفر له وألحقه بصاحبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأين صلاتُه بعد صلاتِه وصومُه بعد صومِه وعملُه بعد عملِه؟ إن بينهما كما بين السماء والأرض".

 

فتأمل كيف كانت حياة الآخر الذي مات بعده بوقت قصير خيراً له، وزيادة في رفع درجاته: (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيم) [الحديد: 21]. قَالَ عَلِي بْنُ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنه-: "ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَة، وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ، وَلا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلا حِسَاب، وَغَداً حِسَابٌ وَلا عَمَل".

 

أيها المسلمون: حين داوى الرسول -صلى الله عليه وسلم- قلوب الصحابة -رضي الله عنهم- بهذا الدواء المؤثر وهو عمارة الآخرة وترك الركون إلى الدنيا كان نتيجة ذلك كثرة أعمالهم وخيراتهم، فصارت أفعالهم أكثر من كلامهم، ففتحوا البلدان ونشروا العلم، وبلَّغوا الدعوة، فكانوا حقاً أبناء الآخرة، فعبروا الدنيا ولم يعمروها، وعرفوا حقيقتها ولم يغرهم زخرفها.

 

فما أحوجنا في مجتمعاتنا إلى من يتدبر هذا الأمر تدبراً واعياً، حيث يكون هو همه وشغله الشاغل، يطبقه عملياً في حياته، كلٌّ حسب ما أعطاه الله -عز وجل- ووهبه من المواهب، مستحضراً نعيم الجنة وزوال الدنيا، كما كان الرعيل الأول.

 

ما أجمل أن تعالج المظاهر السيئة الموجودة في مجتمعاتنا الإسلامية من الفوضى والفساد والظلم والحسد والكذب والاحتيال بهذا العلاج الناجع، بأن نكون أبناء الآخرة، متذكرين مصير الدنيا وزوالها، وما أعده الله لنا في الجنة، بحيث نكون ممن يرجو ثواب الله -عز وجل- ويخشى عقابه، في عمله ومتجره وبيته وبيعه وشرائه ومعاملته وفي كلامه وفي شأنه كله، نريد مجتمعاً صادقاً مقدراً للحياة قدرها ومدركاً عاقبتها ومخلصاً لخالقها -عز وجل-، همُّ الواحد منهم رفع رصيده في الآخرة من الحسنات والدرجات، شعاره تقوى الله والمسارعة في الخيرات وبذل الخير للغير، راجياً قول الله تعالى: (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) [النساء: 124].

 

إن الواجب على المسلم أن يعرف حقيقة هذه الحياة، ويقدرها قدرها ويعمل على استغلالها استغلالاً جيداً ينفعه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، محاولاً أن يبني له عملاً صالحاً يفوز به ويفلح، فيقتدي بهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وهدي الصالحين من بعده الذين عرفوا حقيقة هذه الحياة، وعملوا فيها أعمالاً عظيمة، فصارت حياتهم مباركة رغم قصرها ورغم مصاعبها.

 

لقد غيَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- وجه التاريخ، وأقام ديناً قويماً، وربَّى عليه جيلاً فريداً، وأنشأ أمة عظيمة، وأسس دولة عالمية في زمن يسير وعمر محدود، ثم أتى الخلفاء الراشدون من بعده، الذين فتحوا الآفاق، ونشروا العلم والإسلام، وعلّموا الأمم، ونقلوها من أديانها الجاهلية وعاداتها الموروثة إلى نور الهداية والإسلام حتى وقف المؤرخون حيارى أمام هذا التقدم والتغيير الذي أحدثه الإسلام في العالم: دينياً ونفسياً وفكرياً واجتماعياً وسياسياً في أقل من قرن من الزمان.

 

ولو وقفنا على أخبارهم في ذلك لطال بنا المقام، لكن خذ على سبيل المثال: سعد بن معاذ -رضي الله عنه- فحين نتأمل سيرته نجد فيها ما يلي: كان من أعظم الناس بركة على قومه في الإسلام، فحين أسلم ذهب إليهم، وقال: كلام رجالكم ونسائكم عليَّ حرام حتى تسلموا، فأسلموا. وافق حكمَ الله -عز وجل- من فوق سبع سماوات، كما في قصة حكمه على يهود بني قريظة المشهورة، اهتز لموته عرش الرحمن كما في الصحيحين. وهنا لفتة مهمة: أن رجلاً كسعد بن معاذ -رضي الله عنه- لم يعش في الإسلام إلا خمس سنوات.

 

وهنا دلالة واضحة على أن الله -عز وجل- بارك له في عمره القصير فوفَّقه لأعمال عظيمة من جهاد وبذل وعطاء، حين علم منه الصدق والإخلاص والتقوى والصلاح، فرضي الله عنه وأرضاه.

 

ولو نظرنا إلى من جاء بعد الصحابة من التابعين والسلف الصالح من الفقهاء السبعة والأئمة الأربعة وغيرهم ممن تبعهم بإحسان، لوجدنا حياتهم مباركة علماً ودعوةً وأخلاقاً وتأليفاً وجهاداً وصدقةً وأعمالاً حتى إذا سمعناها أو قرأناها ظننا ذلك ضرباً من الخيال والمبالغة. فلما كان حالهم بهذه المثابة جعل الله -عز وجل- لهم لسان صدق في الآخرين، فانتشرت سِيَرهم وأخبارهم حتى صاروا كأنهم أحياء بيننا من كثرة نتاجهم، فكانوا لا يرضون إلا بالازدياد من أعمال الخير في كل يوم، ويحزنون إذا فَقد ذلك، ويعدونه خسراناً.

 

وقد يظن بعض الناس أن إيراد مثل هذه السِّيَر والأخبار مثالية وبعدٌ عن الواقع والموضوعية، لأسباب كثيرة: من تغير الزمان والمكان والحياة.

 

والجواب عن ذلك: أن الذي يقرأ ويسمع عن سِيَر بعض المتأخرين ممن عاصرنا بعضهم، من علماء ومفكرين ودعاة ومجاهدين مخلصين وغيرهم، ليرى أنهم لم يتأثروا بهذه الدنيا وتغيراتها، فكانوا في الدنيا بأبدانهم وفي الآخرة بقلوبهم وأرواحهم، ولم يُغبّروا أرجلهم في طلب الدنيا قط!! أعطوا وبذلوا وجددوا وعملوا وقضوا ما عليهم، فنسأل الله لهم الرحمة والمغفرة.

 

هؤلاء هم الذين يحسن بنا أن نتأمل سيرهم وندرسها ونعلمها تلاميذنا وأبناءنا، لنقول لهم: هؤلاء عظماؤنا وقدواتنا، اعرفوا فضلهم، واقتدوا بهديهم، لتكون سيرهم معالم في حياتكم، انظروا كيف صنعوا لهم هذا المجد، وهذه الحياة المباركة، اقرؤوا سيرة الشيخ عبد الرحمن السعدي العلمية والعملية، أو حياة المفسر الأصولي محمد الأمين الشنقيطي صاحب أضواء البيان، أو سيرة إمام العصر ابن باز، الذي كان يقضي حوالي سبع عشرة ساعة يومياً في عمل وبذل وعلم وتعليم، أو الإمام المحدث الألباني، أو الفقيه المربي الشيخ العثيمين، أو الداعية الشيخ علي الطنطاوي، وغيرهم، وغيرهم من العلماء والعظماء والزهاد والعُبَّاد، الذين إذا قرأنا في سيرهم وأخبارهم ظننا أنهم من عصر السلف، وهم يعيشون بيننا.

 

ولكن كل ما في الأمر هو: سيرة أناس عاشوا بيننا، وأثّروا فينا، وأصبحوا إيجابيين في مجتمعاتهم وحياتهم، حتى صاروا رموزاً يُقتدى بهديهم وأعلاماً يُقتفى أثرهم.

 

قومٌ سمت بهم العوارفُ والنهى *** أن يرغبوا في كل فانٍ قالي

قومٌ أبت بهم المفاخرُ والعلا *** أن يشتروا غير النفيسِ الغالي

 

بارك الله..

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله.. أما بعد: أيها الأخ المبارك: هل تريد أن تكون من أبناء الآخرة؟ هل تريد أن تكون ممن حسُن عمله وإن قَصُر عمره؟ فكيف إن طال عُمره وحسُن عمله؟ هل تريد أن تكون حياتك زاخرة بالأعمال الصالحة التي تنفعك بإذن الله في الآخرة؟

 

عليك: بالإكثار من سؤال الله -عز وجل- التوفيق والإعانة في جميع الأعمال والأقوال، مع مراعاة وجوب تحقيق الإخلاص لله -عز وجل- والمتابعة لرسوله -صلى الله عليه وسلم- فيهما، وهذا مطلب مهم في كل عمل يراد به وجه الله -عز وجل- في هذه الدنيا، قال الله تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف: 110].

 

ومن المعلوم أن شروط العمل الصالح كما قررها أهل العلم هي: الإخلاص لله –تعالى-، والمتابعة للرسول -صلى الله عليه وسلم-.

 

وعليك: بفعل الأسباب التي تبارك في العمر وتطيله، من كثرة الصلاة وقراءة القرآن والذكر والصيام والصدقة والعلم وحسن الخلق وقضاء الحوائج وصلة الرحم وغيرها.

 

وعليك: بالأعمال التي تبقى للإنسان بعد موته، والتي وصفها بعض العلماء بالعمر الثاني للإنسان. جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: "إذَا مَاتَ الإنسان انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ".

 

وعليك: بالارتقاء والعلو بالهمة، والإنسان الطموح هو الذي ينتج غالباً.

وعليك: بالصبر وعدم استعجال النتائج والثمار في أي عمل تعمله، قال الله –تعالى-: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُون)[السجدة: 24].

 

وعليك: بترتيب الأولويات والمهام في الأعمال التي تريد أن تعملها، فالمشروع تقديم الفاضل على المفضول، والواجب على المستحب.

 

وعليك: باستثمار الأيام والمواسم الفاضلة، كشهر رمضان، وخاصة العشر الأواخر منه، وعشر ذي الحجة، وغيرها من الأعمال التي تُضاعف أجورها.

 

وعليك: أن توجد لنفسك بيئة صالحة تشجعك وتعينك على القيام بأعمال الخير، قال الله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) [الكهف: 28].

 

أسأل الله أن يجعل حياتنا مباركة طيبة، وأن يجعلنا مباركين أينما كنا وحيثُ توجهنا. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

 

 

 

المرفقات

من أبناء الآخرة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات