اقتباس
فيروس كورونا أصبح مثل غلام الأخدود المؤمن حين حاربه الكفار بكل وسيلة، وضيقوا عليه في حياته كي لا تنتشر دعوته ومفاهيمه، إلى أن قتلوه بأيديهم، ومع أن الفتى المؤمن مات في مشهد عام إلّا أن الناس...
أسأل الله أن يحمي بلادنا والعالم قاطبة من هذا الوباء الذي انتشر وأرعب، وأن يجعل العاقبة حميدة في العاجل والآجل، ومع صعوبة الإجراءات الاحترازية، والألم الذي يحز في النفوس من بعضها، إلّا أن مقتضى الحكمة يستلزم فعل الأسباب المفضية إلى السلامة وتضييق نطاق المخاطر؛ فاللهم احفظ البلاد والعباد، وارفع الغمة، ولا تأخذنا ببأسك الذي لا يرد، واجعل فيما جرى الخير وعظيم المنح الإلهية.
ثمّ إن فيروس كورونا أو كوفيد-19 أصبح مثل غلام الأخدود المؤمن حين حاربه الكفار بكل وسيلة، وضيقوا عليه في حياته كي لا تنتشر دعوته ومفاهيمه، إلى أن قتلوه بأيديهم، ومع أن الفتى المؤمن مات في مشهد عام إلّا أن الناس كلهم قد آمنوا بدينه إيمانًا ثابتًا حتى لو شاهدوا النيران تملأ الأخاديد عيانًا، ومن أعظم الغيظ أن يصدق الناس بشيء كنت تسعى لتكذيبه وإنما صدقوه بما صنعت يداك!
ولذلك أسقط هذا الفيروس كثيرًا من الدعاوى والشبه؛ فأين أهل الإلحاد الذين لا يؤمنون إلّا بما يرونه؟! وماذا سيقول دعاة العلمانية وفصل الدين عن الحياة والسياسة وهم يسمعون دعوة رئيس أكبر دولة علمانية في العالم وقبلة كثير من دعاة الليبرالية والانحلال وهو يدعو الكنائس والشعب للصلاة في يوم الأحد الخامس عشر من شهر مارس؟! وماذا عن تبجح الحضارة الغربية بحقوق الإنسان وحرياته المطلقة حين أدركها الخوف أو حلّ قريبًا من ديارها؟!
كما بهت الفيروس وتوابعه الذين حاربوا شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو شوهوا مفاهيمها، أو قزموا معانيها، أو منعوا تطبيقها، فجميع التدابير الخاصة بمقاومة الوباء هي فرع عن هذه الشعيرة العظيمة التي تقوم حقيقتها على جلب المصالح وتكثيرها، ودفع المفاسد وتقليلها، ومن باب شبيه أصبح جمع من سدنة الحرية المنفلتة أساتذة في فن الوصاية على الخلائق قاطبة، حتى في خاصة الشؤون صاروا أوصياء!
وفيما مضى كنا نسمع من بعض الناس انتقادًا حادًا لسد الذرائع مع أن بعضهم قد لا يدرك أبعاد هذه المسألة؛ فالتطعيمات وكثير من القوانين هي سد ذرائع لا أقل ولا أكثر، ثمّ جاء كورونا معليًا من شأن سد الذرائع لدرجة الهوس وربما الإزعاج، ولا بأس من الحذر؛ لأنه مطلب شرعي وواقعي، بيد أن توضيح الصورة يمنع الغفلة عن الحقائق، ويكف من غلواء الناس تجاه مفهوم يعيشون معه وبه منذ القدم.
بينما تداول الناس الأخبار والتعليمات دون سؤال عن مصداقيتها أحيانًا، ولم يبحث آخرون عن الآراء الشاذة أو الرخص لتخفيف حدة الإرشادات، ولو كان الأمر عند بعضهم يخص الدين وليس الدنيا لتفننوا في البحث عن قول ولو كان واهيًا، أو قائله مجهول مغموز، فسبحان من أرسل هذا الجندي ليصلح لنا التصور والعمل، ويعيدنا إلى جادة مرضية في قابل العمر.
ولقد كان من بركات فيروس كورونا تبكير الناس إلى الصلاة لإدراكها بسبب قصر المدة بين الآذانين، وإتقان الخطباء مهارة تقصير الخطبة والاكتفاء بلباب مفيد، وارتفاع سقف الحذر والاحتياط والاستعداد، وفتح مسارات للإفادة من التقنية والعلم والعمل عن بعد، وتساوي الكافة واتحاد المجتمع على شأن واحد، وهو فرصة لأن تلتئم الأسر، ويتصالح الناس، وتنكشف حقائق وتتضح مفاهيم، وتنفضح دواخل نفوس سارعت بالمطالبة إلى منع الصلوات دون أي تجمع آخر، وأن نستعيذ بالله من تبجح أقوام بقدرتهم وقوتهم وإصرارهم حتى جاء هذا المخلوق الخفي فأوقفهم مرغمين، وجعلهم إلى التقهقر أحوج منهم إلى التقدم.
ومما لا يفوت أننا نستطيع إبراز معالم حضارتنا الإسلامية للعالم من خلال أحكام النظافة، ودخول الخلاء، وحق الطريق، وأحكام الحجر والعدوى، وسعة الشريعة في عزائمها ورخصها وأحكام الضرورات وفقه المصالح والمفاسد، وفضائل الصدق والنصح والاحتساب، حتى يبني كورونا صرحًا لمفاهيمنا الشرعية تمامًا كما حطّم كثيرًا من الضلالات والشبه، وصيرها ركامًا تدوس عليه الأقدام وترى ضعفه المتهاوي العقول والبصائر.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم