عناصر الخطبة
1/الاستقرار الأسري سبب في أمان المجتمع وحرص الشيطان على إخلال ذلك 2/التحذير من التهاون في أمر الطلاق والعبث في حكمه 3/أسباب حدوث الطلاقاقتباس
ومن الأسباب كذلك، عدم احترام الزوجين بعضهما لبعض، وتكبر البعض على بعض؛ فالمرأة تضع رأسها برأس الزوج، وتتدخل في شؤونه، والعكس صحيح، مع أن الواجب على الزوجين، أن يحترم بعضهما البعض، وأن يعلما أنهما بمثابة القبطانين للسفينة، يساعد...
الخطبة الأولى:
أما بعد فيا أيها الناس: إن نعمة الزواج وتكوين الأسرة المسلمة المطمئنة، من نعم الله على العبد بل على المجتمع بأسره، وكم تحت هذه الأسرة من خيرات للجميع، وهبات ورحمات من الله؛ فهي المحضن الآمن للمجتمع بأسره، لا يوازيه محضن، متى كانت الأسرة على النهج القويم.
عباد الله: ولا شك أن تفكك الأسرة معول هدم للمجتمع، وبلاء على الأمة، لما يجر الطلاق من ويلات على أفراد الأسرة ومن حولهم، إن الطلاق حل شرعي لمن تعسرت حياتهم، وتعذر استمرار الوفاق بينهم، ونفدت كل وسائل الإصلاح، وأصبح بيت الزوجية جحيما لا يطاق، حينها جاء الشرع بالطلاق، ليبدأ المسلم حياة جديدة وتجربة أخرى، ولكن المشكلة هي الاستعجال بالطلاق، وعدم اتباع وسائل الإصلاح، وعدم الصبر؛ فما فرح الشيطان بشيء فرحه بطلاق المسلم لزوجته، أخرج مسلم في صحيحه من حديث جابر قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ إبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ علَى الماءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَراياهُ، فأدْناهُمْ منه مَنْزِلَةً أعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: فَعَلْتُ كَذا وكَذا، فيَقولُ: ما صَنَعْتَ شيئًا، قالَ ثُمَّ يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: ما تَرَكْتُهُ حتَّى فَرَّقْتُ بيْنَهُ وبيْنَ امْرَأَتِهِ، قالَ: فيُدْنِيهِ منه ويقولُ: نِعْمَ أنْتَ".
والمعنى: ما تركتُ الزَّوجَ حتَّى جعلته يطلق زوجته أو تطلب الخلع منه، وهدَمتُ الأُلْفَةَ والمودَّةَ الَّتي كانت بينهم بإلقاء العداوة والبغضاء بينهما، فيُقرِّبه إبليسُ الكبير منه ويُنزِله مَنْزلةً أعلى من أقرانِه، ويَمْدحُ فِعْلَه في التَّفريقِ بيْن الزَّوجين لإعجابه بصنعه، وبلوغه الغاية الَّتي أرادها بقوله: "نعم أنت"، وهذا المدح إنما كان لِما في التَّفريقِ بين الزَّوجينِ مِن مَفاسِد انْقِطاعِ النَّسلِ، وانْعِدام تَربيةِ الأطفالِ، وما يُحْتَملُ مِن وقوعِ الزِّنا، الَّذي هو أَفْحشُ الكبائرِ وأَكْثرُها مَعرَّةً وفسادًا، وما في ذلك مِن التَّباغُضِ والتَّشاحُنِ وإثارةِ العَدَواتِ بين النَّاسِ.
عباد الله: الحذر الحذر من التسرع في أمر الطلاق، أو التساهل بإطلاق ألفاظه بلا احترام لألفاظ الشرع وحدود الله؛ فالبعض هداهم الله يطلقون في اليوم مرات ومرات، وقد جعل امرأته سلعة يغامر بها في مناسبات ومفاخرات وترهات، والبعض ربما وقع في الطلاق وهو لا يشعر، ولا يكترث لذلك؛ فقد أخرج أبو داود والترمذي في سننه من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ "
وقال الترمذي عقب الحديث: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَغَيْرِهِمْ. ا.هـ.
فالحذر الحذر من التساهل في أمر الطلاق، واعرف قيمة زوجتك في البيت؛ فكثير من الأزواج لا يعرف قيمة الزوجة إلا إذا فقدها، وإن الناظر إلى معدلات الطلاق في المجتمع يرى أنها مخيفة جدا، تنبئ عن فشل ذريع في معرفة الزوجين بالأمور الزوجية، والتي ينبغي أن يأخذا فيها دورات تعليمية، لتسير العلاقة الزوجية وكأنها بستان وارف الظلال، يسعد فيه الزوجان؛ فعلى ولي الأمر عندما يتقدم له الشاب الكفء، أن يطلب منه أن يلتحق بالدورات التعليمية في الحياة الزوجية وهي متوفرة ولله الحمد بالمجان، وكذلك يلحق بنته المخطوبة في تلك الدورات.
اللهم أصلح مجتمعاتنا، وأصلح حالنا يارب العالمين، أقول قولي هذا......
الخطبة الثانية:
أما بعد فيا أيها الناس: هناك أسباب دعت لانتشار الطلاق في مجتمعنا، نمر على بعضها سريعا؛ فمن ذلك عدم الصبر والتحمل من الزوجين بعضهما لبعض؛ فالحياة الزوجية لا تنفك عن مشاكل ونكبات تمر بإذن الله بسلام إذا تحلى الزوجان بالصبر والتحمل.
ومن الأسباب كذلك، عدم احترام الزوجين بعضهما لبعض، وتكبر البعض على بعض؛ فالمرأة تضع رأسها برأس الزوج، وتتدخل في شؤونه، والعكس صحيح، مع أن الواجب على الزوجين، أن يحترم بعضهما البعض، وأن يعلما أنهما بمثابة القبطانين للسفينة، يساعد أحدهما الآخر، وينوب عنه، ويتحمل أذاه؛ فما سخط منه من خلق يرضيه خلقه الآخر الحسن، وليتواضعا لبعض، ولا يهن بعضهم بعضا خصوصا أمام الأولاد، أخرج مسلم في صحيحه من حديث حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-؛ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَفرَكْ مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلقًا رضي منها آخر"، ولا يفرك يعني لا يبغض، البغض الكامل.
وإن من أسباب الطلاق والخلاف الزوجي، إطلاق البصر في الحرام، بحيث يزهد كل منهما في الآخر؛ فهو يرى غيرها وأجمل منها؛ فيزهد فيها، وهي كذلك؛ فما هدمت البيوت بمثل المعاصي؛ فهي تدع الديار بلاقع.
ومن الأسباب، التخبيب؛ فترى المرأة تخببها صاحبتها المطلقة، مزيفة لها الواقع، بأنها منذ أن طلقت، وهي حرة سعيدة، وتخفي عنها التعاسة التي تعيشها بعد الطلاق، حتى تطلب المرأة الطلاق من زوجها بغير عذر إلا رغبة في الحرية المزعومة، أو يخببها زميلها في العمل، حتى تطلب الطلاق ثم يتزوجها هو، أخرج أبو داود في سننه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا، أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ"؛ يعني أفسد زوجة على زوجها بأن يذكر عندها مساوئ زوجها، أو محاسن أجنبي عندها؛ فهو يعمل على تحسين الطلاق إليها حتى يطلقها فيتزوجها أو يزوجها لغيره أو من باب الغيرة والحسد واتباع الهوى والشيطان.
وأخرج الترمذي في جامعه قال صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ خِبٌّ وَلاَ مَنَّانٌ وَلاَ بَخِيلٌ".
وأخرج أحمد في مسنده قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ غِرٌّ كَرِيمٌ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ خَبٌّ لَئِيمٌ "، ومعنى (الغر): الذي لم يجرب الأمور، و(الخِبُّ): الخدَّاع المفسد؛ فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أراد أن يقول: المؤمن الحقيقي ليس بخداع ولا خبيث؛ فهو لا يشغل نفسه بأمور فيها مفسدة ومضرة للآخرين، بعكس الفاجر الذي يشغل نفسه بأمور فيها مضرة للآخرين ويسعى إلى فسادهم.
عباد الله: إن من أسباب الطلاق أسبابا مشتركة من الزوجين، كتدخل الأهل في مشاكلهما، وتنافر طباعهما، والخيانة منهما لبعض، ومنها أسباب من جهة الزوج، كطمعه في مال الزوجة، أو بخله عليها، أو إهماله لها، ومنها أسباب تتحملها المرأة، كتأثرها بالمخببات والخبيثات، واستماعها لنصائح المفسدات والمفسدين، وكثرة المقارنة بالزميلات والمشاهير.
هذه أبرز أسباب الطلاق، التي متى ما تلافاها الزوجان استقامت الحياة الزوجية بإذن الله -تعالى-.
اللهم اهد شباب المسلمين، وردهم إليك ردا جميلا....
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم