عناصر الخطبة
1/ نماذج تدل على سوء إدارتنا للمشكلات 2/ قواعد تربوية مهمة في إدارة وحل المشكلات 3/ أمثلة تطبيقية لهذه القواعداقتباس
لا تخلو حياتُنا من وجودِ بعضِ المشكلاتِ التي تعكرُ صفو الحياةِ وتجلبُ الحزنَ معها، وهذا من طبعِ الحياة التي جُبلت على كدرٍ، وأنت تريدها صفواً من الأقذاءِ والأكدار. ولكن؛ ليستِ المشكلة في وجودِ المشكلة، ولكن المشكلة في الطريقةِ التي نواجهُ بها المشكلة. ولك أن تتأمل معي هذه الحالات...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى، وإن تجهر بالقولِ فإنه -تعالى- يعلمُ السرَ وأخفى.
والصلاةُ والسلامُ على النبي المصطفى، والرسولِ المجتبى، وعلى آله وصحبه ومن على آثارهم سار واقتفى.
أما بعد: أيها الكرام، لا تخلو حياتُنا من وجودِ بعضِ المشكلاتِ التي تعكرُ صفو الحياةِ وتجلبُ الحزنَ معها، وهذا من طبعِ الحياة التي جُبلت على كدرٍ، وأنت تريدها صفواً من الأقذاءِ والأكدار.
ولكن؛ ليستِ المشكلة في وجودِ المشكلة، ولكن المشكلة في الطريقةِ التي نواجهُ بها المشكلة. ولك أن تتأمل معي هذه الحالات:
ذلك الرجل اكتشف أن ابنه وقع في التدخين، فما كان من الوالدِ إلا أن قام بضربه بكل قوة وألقى عليه عباراتِ السبِ والشتم، ولولا تدخل زوجته لطرده من البيت. فهل هذا هو الحل لمشكلةِ تدخينِ الابن؟ أليس هناك حلولٌ أخرى؟.
مشهدٌ آخر: ذلك الزوج يعاني من تقصير زوجته في البيت وقلةِ عنايتها بنظافته، فما كانَ منه إلا أخذها وذهبَ بها لأهلها وقال: خذوا ابنتكم وحاولوا إصلاحَ شأنها. فهل هذا هو الحل الوحيد لتلك المشكلة؟ أليس هناك حلولٌ أخرى قبل الذهابِ بها لبيتِ أهلها؟.
مشهدٌ ثالث: في تلك الدائرة الحكومية يلاحظُ المدير العام سلوكاً على أحد الموظفين فيقرر ذلك المدير إنذاره بأسلوبٍ سيء بعيدٍ عن الأدبِ والحوارِ الهادئ.
أيها الفضلاء: هذه نماذجُ في واقعنا تدلُ على سوءِ الإدارةِ للمشكلاتِ التي تنزل بنا، وما خفي أعظم.
ولقد أتيتُ لكم بقواعدَ تفيدُ في إدارةِ المشكلات وتُساهم في حلها، والواجبُ علينا هو الثقافةُ في هذا الموضوع؛ لكي نتعرف على أسسٍ المعالجة للقضايا التي تنزلُ بنا قبل أن نتخذَ فيها حلولاً بعيدةً عن الصواب.
القاعدةُ الأولى: التثبت من وقوع الخطأ عند الطرف المتهم. إن مما يؤسف له -أيها الكرام- أننا -أحياناً- قد نتهمُ الآخر بالخطأ وهو بريء منه، وذلك بسبب تقصيرنا في التثبتِ والتأكدِ من وقوعِه فيه، مع أن القرآن يؤدبنا: (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) [الحجرات:6].
كم من زوجٍ رمى زوجته ببعض التهم وهي بريئةٌ منها؛ بسببِ أنه سمع والدته أو أخواته يتكلمنَ في زوجته! كم من مديرٍ أخطأ مع موظفيه بسبب عدم التثبت مما نُقل عنهم! كم من صديقٍ هجرَ صديقهُ بسببِ إشاعةٍ انتشرت عنه وهو بريءٌ منها! فتثبتوا -أيها الكرام- وتأكدوا من الأخبارِ التي تُنقل عن الآخرين، حرامٌ عليكم أن ترموا بالاتهامات بلا بينةٍ ولا برهان؛ فالظلم جريمةٌ كبرى، واللهُ قد حرمَ الظلمَ على نفسهِ وجعلهُ بين العبادِ محرماً.
القاعدةُ الثانية: السماعُ من الشخص وليس السماع عنه. وبينهما فرقٌ كبير: السماعُ من الشخصِ يعني الجلوسَ مع صاحبِ الخطأ، والحوار معه، والاستماع لتفاصيلِ الموضوعِ منه، ومعرفة تفاصيلِ الحدث؛ وأما السماعُ عنه فهو سماعُ الكلامِ الذي يُشاعُ عنهُ من المغرضين والحاسدين.
وإليكم هذا النموذج: ذلك الأب جلس يستمعُ لكلامِ ابنتهِ في زوجها، ثم قرر أن يأتي ليخاصم الزوج، ليتفاجأ بكلامٍ آخر عنده، بل ويرى الأدلة والبراهين على أن ابنتهُ هي المخطئة!.
القاعدةُ الثالثة: إحسانُ الظن بالآخرين. إننا حينما نتثبت من الخطأ ونتأكد من وقوعِ صاحبنا في المشكلة، يجبُ أن نحسن الظن ونغلبَ الجانبَ الطيبَ في ذلك الشخص، قال -تعالى-: (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) [الحجرات:12].
يمكنك -يا أخي- أن تلتمس لأخيك عذراً في تقصيره أو في وقوعه في ذلك الخطأ، ولكن؛ يجبُ أن ندرك أن قاعدةَ حسن الظن ليست على الإطلاق، بل إن هناك حالات يجب أن نكون فيها حذرين من أخطاء الآخرين، وذلك حسب القرائن والبينات.
القاعدةُ الرابعة: استشارةِ الحكماء في حل المشكلة وعدم التفرد بالرأي. إذا كانتِ المشكلةُ مالية فاستشر أهلَ الاقتصادِ والخبراء في المال، وإن كانت المشكلةُ تربوية فاستشر أهل التربية.
إن الاستشارةَ -أيها الكرام- تفتحُ آفاقاً جميلةً في الحلول، وربنا يأمر نبيه ويقول: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) [آل عمران:159].
إن من الخلل أن تتخذ قراراً لحلِ مشكِلتك بدونِ أن تعرِضها على رجلٍ حكيم؛ فالاستشارة هي إضافةُ عقولٍ إلى عقلك، والاستشارةُ تمنحكَ الطمأنينةَ في اتخاذ الحل المناسب؛ لأن الحكماء وافقوك على ذلك.
القاعدةُ الخامسة: ضع للمشكلةِ حجمها المناسب؛ فلا يصح أن تضخم المشكلة وهي صغيرة، ولا يصح أن تصغر المشكلة وهي كبيرة، والنظرة الحكيمة للمشكلات تعطيك تصوراً واضحاً حولها، وبعد ذلك تتخذ الحل المناسب لها.
مثال ذلك: أخطأ أحد جيرانك على ولدك ببعض الكلام السيئ، فليس الحل أن تضخم المشكلة وتذهب للشرطة ثم تقرر الانتقال من الحي، إن الحل هو الحوار مع المخطئ أو مع والدهِ، وأن يعتذر لك، وأن يتحقق الصلح.
مثال آخر: حينما تختلف زوجتك مع والدتك في موضوعٍ ما، فهل هذا الخلاف يستدعي الطلاق أو التهديد به؟!.
أيها الفضلاء، لقد وقفتُ على مشكلاتٍ صغيرة ولكن أصحابَها نظروا لها بشكلٍ أكبرَ من حجمها وخسروا كثيراً.
القاعدةُ السادسة: كن جزءاً من الحل لا جزءاً من المشكلة. والمعنى: ساهم في حل المشكلة التي نزلت بصاحبك، بزوجتك، بولدك، ولاتكن بتصرفاتك جزءاً من المشكلة بسببِ نظرتكَ لها وغفلتك عن قواعدِ حلها.
القاعدةُ السابعة: التزم الهدوء في التعامل مع المشكلة، إن الرفقَ دليلُ التوفيق، "والرفقُ ما كان في شيءٍ إلا زانه، ولا نزع من شيءٍ إلا شانه" حديث صحيح.
إن الغضبَ والتعاملَ مع المشكلةِ بمنظارِ القوةِ والانتقامِ لا يزيدُ المشكلة إلا سوءاً، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تغضب". اهدأ قليلاً، ولا تفكر في الحل وأنت في حال الغضب والتوتر.
القاعدةُ الثامنة: لا تتجه للأنظمة إلا بعدَ تعثرِ الحلولِ الأولية. وتوضيحُ ذلك: بعضنا يتجه للمحاكم لحل قضاياهُ الزوجية، وهذا جيد، ولكن ليس هو أول الحلول، وآخر يتجه للشرطة عند أدنى مشكلة في خصومة مع جيرانه، هناك حلول، وهناك صلحٌ قبل السير للجهات القضائية والرسمية.
أيها الأحبة: نحن حينما نعالج المشكلة بطريقة الصلح والمفاهمة يكون علاجها -غالباً- أيسر من معالجتها بعد وصولها للمحاكم.
اللهم وفقنا للحكمة، واهدنا إلى الصواب في الأقوال والأعمال.
الخطبة الثانية:
الحمد لله.
القاعدةُ التاسعة في إدارة المشكلات: التخلص من أسباب المشكلات. إن من العيب أن تتكررَ المشكلةُ عندك في بيتك بسببك أنت، فوالداك دائماً يعاتبانك وأنت تكرر الخطأ؛ متى -يا ترى- تتخلص من أسباب خطئك؟.
وهذا زوج ينصح زوجته باستمرار بالعناية بالبيت وبأولاده، ثم تلتزم بالحل يومين وثلاثة، ولكنها تعود لمشكلاتها بعد أسبوع!.
كم من موظف يعاتبه مديره في تأخره وغيابه ولكنه لا يبالي! متى تدرك الخطأ في تجاهلك لأسباب المشكلة؟.
القاعدةُ العاشرة: الثقة بالنفس في حل المشكلة. إن من المهم أن نكون أقوياء في حلِ مشاكلنا، هذا أحدُهم مشكلتهُ في عدم توفيرِ أمواله، فنقول له: يا هذا، كفى لعباً وتضييعاً للأموال، وكن حكيماً وذا قدرةٍ على إدارة أموالك. وهذه زوجة تعترفُ وتعجز عن حلِ مشاكلِ أولادها، فنقول لها: أختاه، لا تيأسي، واستمري في البحث عن الحلول، واصبري عليها.
أيها الكرام: كونوا على أهبة الاستعداد لمواجهة المشكلة، ولا تستسلموا لها، وأبشروا! فالله معكم بتوفيقه وتيسيره.
إن الهروبَ من المشكلةِ ليس حلاً، ولو كان الهروبُ حلاً لأصبحتِ الأرض كوكباً مهجوراً.
القاعدةُ الحادية عشرة: هناك حلول وليس حلاً واحداً. إن من الخلل -أيها الفضلاء- أن نفكر في حلٍ واحد للخروج من الأزمة التي نحن فيها، دائماً قل لنفسك وللآخرين: هناكَ حلول، نعم، هناك حلول في إصلاح الخلل عند زوجتك وليس الحل هو الطلاق، هناك حلول لإصلاح أخطاء ولدك وليس حلاً واحداً، مع موظفيك حينما يخطئون تأكد أن هناك حلولا للارتقاء بهم، مع المجتمعِ الذي أنت فيه توجد حلول كثيرة لإصلاحِ ما يوجد بينهم. إذن؛ احفظ جيداً: هناك حلول وليس حلاً واحداً.
اللهم سدد أقوالنا وقراراتنا، اللهم اهدنا ويسر الهدى لنا، اللهم اغفر لنا واعف عنا، اللهم انصر من نصر الدين واخذل كل عدوٍ للمسلمين.
اللهم رحماك بإخواننا المسلمين في كل مكان، كن لهم، تول أمرهم، اكشف كربهم، انتقم من عدوك وعدوهم.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم