قصة لوط -عليه السلام-

ناصر بن محمد الأحمد

2015-01-22 - 1436/04/02
عناصر الخطبة
1/تفشي فاحشة اللواط في قوم لوط -عليه السلام- 2/علاج لوط -عليه السلام- لفاحشة اللواط 3/الملائكة في ضيافة لوط –عليه السلام- 4/هلاك قوم لوط ونجاة لوط –عليه السلام- ومن معه من المؤمنين 5/قبح فاحشة اللواط 6/تفشي فاحشة اللواط في المجتمعات الغربية 7/حث الآباء على مراقبة الأبناء 8/صيام عاشوراء والسنة في ذلك

اقتباس

لما انتشرت هذه العادة الخبيثة بينهم دعاهم لوط -عليه السلام- إلى عبادة الله -تعالى- وحده لا شريك له، ونهاهم عن تعاطي هذه المحرمات، والفواحش والمنكرات، والأفاعيل المستقبحات؛ لكنهم لم يرتدعوا، ولم ينفع فيهم دعوة نبيهم لوط -عليه السلام-، فتمادوا في طغيانهم، وبقوا على ضلالهم، واستمروا في فجورهم وكفرانهم، فلما...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله ...

 

أما بعد:

 

نواصل معكم -أيها الإخوة- حديثنا عن قصص القرآن، فقد كان حديثنا في الجمعة الماضية عن قصة أيوب -عليه السلام-، واخترنا لكم في هذه الجمعة، قصة نبي آخر من أنبياء الله -عز وجل-، لنعيش معها، ونأخذ منها العبرة والعظة؛ كما قال سبحانه: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)[يوسف: 111].

 

وقال تعالى: (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)[الأعراف: 176].

 

وقال تعالى: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ)[يوسف: 3].

 

عباد الله: قصتنا لهذه الجمعة هو قصة نبي الله لوط -عليه السلام- مع قومه، الذين ابتدعوا فاحشة لم يسبقهم إليها أحد من بني آدم، ألا وهي: اللواط، إتيان الذكران من العالمين، -أجارنا الله وإياكم منها- فكم في ممارسة اللواط من وقاحة، وانتكاس فطرة.

 

فلما انتشرت هذه العادة الخبيثة بينهم دعاهم لوط -عليه السلام- إلى عبادة الله -تعالى- وحده لا شريك له، ونهاهم عن تعاطي هذه المحرمات، والفواحش والمنكرات، والأفاعيل المستقبحات؛ لكنهم لم يرتدعوا، ولم ينفع فيهم دعوة نبيهم لوط -عليه السلام-، فتمادوا في طغيانهم، وبقوا على ضلالهم، واستمروا في فجورهم وكفرانهم، فلما رأى الله -عز وجل- منهم ذلك، وأنه لا فائدة معهم، أحل بهم من البأس، الذي لم يكن في خلدهم وحسبانهم، وجعلهم مثالة في العالمين، وعبرة يتعظ بها الألباب من العالمين، قال سبحانه: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِين * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ * وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ * فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ)[الأعراف: 80-84].

 

عباد الله: لقد كانت أهم قضية في دعوة لوط -عليه السلام-، هي هذه القضية؛ لأن قومه لو استجابوا له في دعوته إلى الإيمان بالله، وعدم الإشراك به، لما كان لاستجابتهم أي معنى، إذا لم يقلعوا عن عاداتهم الخبيثة التي اجتمعوا عليها، ولم يتستروا من فعلها، بل أصبحت جزءاً من نظام حياتهم، ولهذا كانت دعوة لوط -عليه السلام- منصبه على هذه الظاهرة، وهنا أمر لا بد من التنويه إليه، وهو أن كل نبي بعثه الله لهداية قومه، ما بعث إلا لإصلاح ما فسد من أخلاقهم وعاداتهم، وهذا يقتضي أن يتصدى النبي -صلى الله عليه وسلم- لعلاج ومواجهة أخطر المشكلات، مهما كلفه ذلك من تضحيات، فهل يفقه الدعاة إلى الله -عز وجل- هذه اللفتة، ويأخذها عبرة ودرساً من نبي الله لوط -عليه السلام-.

 

إن سلوك بعض المصلحين في عصرنا، سلوك عجيب جداً، تجدهم يعالجون قضايا عفا عليها الزمن، ويسكتون عن قضايا هي لب فساد مجتمعهم، ونسمع كذلك كثيراً من المتحدثين والوعاظ، إما في الإذاعات، أو على الشاشات المرئية، يتحدثون عن أمور تافهة، ويدندنون حول مواضيع لا تمت إلى واقعهم بحال.

 

ولا شك أن هذا قصوراً في الفهم، المسلمون يفرون من كل جانب، أراضيهم تسلب من كل ناحية، دخل الاستعمار في عقر دارهم، نهبت خيرات بلادهم، ووعاظنا يحدثون الناس عن مسألة الحيض والنفاس، فهل لهؤلاء الوعاظ والدعاة والمصلحين، عبرة بلوط -عليه السلام-، حيث أنه تعرض لإصلاح أهم قضية كان يعاني منها مجتمعه في زمانه.

 

أيها المسلمون: نعود إلى قصة لوط -عليه السلام-، ولما جاء وعد الله -عز وجل-، وحان الوقت لإهلاك هذه الفئة التي ما نفع معها الدعوة، أرسل الله -عز وجل- ملائكته إلى قوم لوط، فأتوا في صور شبان حسان، اختباراً من الله لقوم لوط، قال تعالى: (وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ * وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ * قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ * قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ * قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ * فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ * مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ)[هود: 77-83].

 

وصل الملائكة إلى لوط -عليه السلام-، وهو يعمل في أرض له، فقالوا: إنا ضيوفك الليلة، وهو لا يعلم أنهم ملائكة؛ لأنهم جاؤوا على صور بشر؛ لكنه تضايق أشد الضيق -عليه الصلاة والسلام-، وذلك لأنهم كانوا حسان الوجوه، وخاف عليهم من اعتداء قومه عليهم، وواجب الضيافة يحتم عليه أن يحميهم من كل أذى، فانطلق بهم -عليه الصلاة والسلام-، فلما بصرت بهم زوجة لوط -عليه السلام-، وكانت امرأة سيئة على أخلاق قومها، ذهبت وأخبرت القوم، فانتشر الخبر، على أنه قد نزل رجال حسان ضيوفاً على لوط، فأسرعوا إلى بيته، وتجمهروا حوله، يبتغون الفاحشة من ضيوفه، فراح لوط -عليه السلام-، يمانع قومه، ويدافعهم والباب مغلق، وهم يريدون فتحه وولوجه فلما آيس منهم، قال -عليه السلام-: (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ)[هود: 80].

 

أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يرحم الله لوطاً، لقد كان يأوي إلى ركن شديد".

 

أي أن الملائكة كانوا معه، وهو لا يعلم، عندها قال الملائكة: (قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ)[هود: 81].

 

عندها علم لوط أنه في حضرة الملائكة، وأن ركنه شديد، فاطمأنت نفسه، وذهب عنه القلق، وقام جبريل -عليه السلام-، فضرب وجوههم خفقة، بطرف جناحه، فطُمست أعينهم، قال تعالى: (وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ)[القمر: 37-38].

 

ويبدو أن لوطاً سأل الملائكة استعجال العذاب، فأجابوه بقوله تعالى: (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ)[هود: 81].

 

بلى إنه قريب، ووعد الله حق لا ريب فيه، وكل شيء عنده بمقدار، ولن يتأخر موعد هلاكهم أو يتقدم لحظة واحدة، وقد حدده من قبل أن يكون عند شروق الشمس، قال تعالى: (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ)[الحجر: 73].

 

وقال تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ)[الحجر: 66].

 

خرج لوط -عليه السلام- من القرية الظالم أهلها، ومعه أبناؤه، أما زوجته، فكانت من الهالكين، قال تعالى: (فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ)[الذاريات: 35-36].

 

خرج لوط في جنح الليل، وترك وراءه المال والمتاع، ولم يلتفتوا، أو يندموا على ما حل بقومهم، قال تعالى: (وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ)[هود: 81].

 

وجاء وعد الله: (فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ * مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ)[هود: 82-83].

 

وخلال ثوان معدودات، جاءت الصيحة، وسقطت البلدة، وجعل الله عاليها سافلها، وأرسل -جل وعلا- مطراً من حجارة صلبة، فأهلك القوم كلهم جزاءً وفاقاً، وجعل الله مكان تلك البلاد بحيرة منتنة، لا ينتفع بمائها، ولا بما حولها من الأراضي، وهي التي تعرف اليوم بالبحر الميت، ويرى بعض العلماء أن البحر الميت لم يكن موجوداً قبل هذا الحادث، وإنما حدث من الزلزال الذي جعل عالي البلاد سافلها، وصارت أخفض من سطح البحر بنحو أربعمائة متر.

 

وفي ذلك -يا عباد الله- آية على قدرة الله وعظمته، وعزته وانتقامه، ممن خالف أمره، وكذب رسله، واتبع هواه، قال تعالى: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ)[الأعراف: 84].

 

وقال سبحانه: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ)[الشعراء: 173-174].

 

وقال عز من قائل: (مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ)[هود: 83].

 

إن ديار قوم لوط -يا عباد الله- ليست ببعيدة: (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)[الصافات: 137-138].

 

وستبقى بحيرة قوم لوط عبرة للظالمين، أينما وجدوا، وحيثما كانوا.

 

وإن من أبشع أنواع الحماقة -أيها الإخوة- أن يغفل الناس عن قدرة الله -عز وجل-، وشدة بطشه، ويركنوا إلى حولهم وقوتهم.

 

وعلينا -يا عباد الله- أن نتذكر أن الله جلت قدرته الذي أهلك قوم لوط بثوان معدودات، قادر على إهلاك وتمزيق كل مجتمع، لا يهتدي بهديه مهما قويت شوكتهم، وكثر عددهم، وتزايد بطشهم، قال تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا)[محمد: 10].

 

أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله ...

 

أما بعد:

 

عباد الله: في قصة لوط -عليه السلام-، التي عرضناها عليكم، باختصار في الخطبة الأولى، فيها استهجان واضح لجريمة اللواط، ووعيد من الله بالعذاب الشديد لمرتكبها في الدنيا والآخرة.

 

واللواط -يا عباد الله- من أقبح وأشنع الفواحش، فهو يدل على فساد ومرض في المزاج الإنساني، خطره جسيم على المجتمع الذي ينتشر فيه، إنه انحدار بالإنسان إلى ما دون الحيوانية البهيمية.

 

وقد ذم الله -عز وجل- هذه الفعلة، بعدة صفات ذميمة في كتابه، وصف صاحبها بالعدوان في مثل قوله تعالى: (أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ)[الشعراء: 165-166].

 

أي متعدون على حدود الشريعة الإلهية، ووصفهم كذلك بالجهل، في مثل قوله تعالى: (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)[النمل: 55].

 

ووصفهم كذلك بالإسراف، في قوله تعالى: (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ)[الأعراف: 81].

 

أي مسرفون في الشهوات، ومتجاوزون الحدود التي رسمها الله لعباده.

 

أيها المسلمون: عندما نجد استنكار القرآن الكريم لهذه الفاحشة، بهذه الصورة، ثم نسمع ونرى أن الإنسان المتمدن في الثلث الأخير من القرن العشرين، بدأ يزاول هذه الفاحشة علناً، في معظم الدول الأوربية، معللاً ذلك بالتقدم والتحضر، وبالحرية الشخصية.

 

فلا ندري -أيها الإخوة- ماذا نقول: عن هذا التحضر والتقدم؟

 

وقد قرأت وشاهدت بنفسي في أحد المجلات موافقة البرلمان البريطاني في لندن، وإصدار قرار ملكي رسمي من الدولة في إباحة زواج الرجل من الرجل علانية، وقد نشر موافقة ملكة بريطانيا على هذا القرار، وقامت الكنيسة البريطانية في لندن بعقد أول زواج من هذا النوع في الكنيسة، وبحضور البابا، ونشرت صور الزوجان في المجلة، والله لا ندري كيف نعلق على مثل هذا الخبر؟

 

وإن اللسان ليعجز أن يعبر عن ما في نفسه في بعض الأحيان، عندما يرى أو يسمع مثل هذه الأخبار، فلا نقول: إلا رحماك، رحماك يا رب على انتكاس الفطرة.

 

أي تقدم هذا؟! وأي مدنية هذه؟!

 

إنها دعوة صريحة واضحة إلى اللواط.

 

وإنه من العجيب أنك ترى كثيراً من المسلمين من يُعجب ويقتدي بحياة الغرب، وتخدعه وتبهره ما يشاهده من ظاهر واقعهم؛ لأنه لا يعلم أنها مناظر جذابة، مغلف بمعتقد وتصور فاسد.

 

وإن بوادر هذه الظاهرة -يا عباد الله- بل الظاهرة نفسها، قد تسربت إلى بلادنا، وأخذ اللواط ينتشر بين أبناء المسلمين بشكل يهدد المجتمع.

 

فالله الله -أيها الآباء- في أولادكم، تفقدوهم، وراقبوهم، ولا بد أن تعلم -أيها الأب- مع من يسير ولدك؟ ومن يصاحب؟ وعسى أن يسلم بعد كل هذا، من آثار هذه الفاحشة؛ لأن عاقبتها وخيمة، إنها الخزي والعار في الدنيا والآخرة، وليس بيننا وبين الله نسب ولا قرابة، وإن لم نتدارك أنفسنا ونمنع الفاحشة من مجتمعنا، سيحل بنا ما حل بقوم لوط من الدمار والهلاك.

 

ورحم الله من قال:

 

فيا ناكحي الذكران تهنكم البشرى *** فيوم معاد الناس إن لكم أجرا

كلوا واشربوا ولوطوا وأكثروا *** فإن لكم زفاً إلى ناره الكبرى

فإخوانكم قد مهدوا الدار قبلكم *** وقالوا: إلينا عجلوا لكم البشرى

وها نحن أسلافٌ لكم في انتظاركم *** سيجمعنا الجبار في ناره الكبرى

ولا تحسبوا أن الذين نكحتموا *** يغيبون عنكم بل ترونهمُ جهرا

ويلعن كلٌ منهمْ خليله *** ويشقى به المحزون في الكرة الأخرى

يُعَذَّبُ كل منهمُ بشريكه *** كما اشتركا في لذةٍ توجب الوزرا

 

عباد الله: نذكركم بأن يوم الاثنين القادم هو العاشر من محرم، ولا يخفى عليكم سنية صيامه، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صام يوم عاشوراء، وأمر بصيامه"[متفق عليه].

 

روى مسلم في صحيحه حديث أبي قتادة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن صيام يوم عاشوراء، فقال: "يكفر السنة الماضية".

 

فلا تحرموا أنفسكم -يا عباد الله- هذا الأجر العظيم، وخالفوا اليهود، فصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده، والسنة يوماً قبله، وهو التاسع، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع"[رواه مسلم].

 

فنسأل الله -عز وجل- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، كما نسأله سبحانه أن يحفظ علينا أولادنا، وأن يقيهم من منكرات الأخلاق، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.

 

واغفر اللهم للمسلمين والمسلمات ...

 

ربنا آتنا في الدنيا ...

 

 

المرفقات

لوط -عليه السلام-

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات