عناصر الخطبة
1/ حادثة قتل الفرنسيين على طريق المدينة 2/ من المستفيد من هذه الحادثة؟ 3/ أربع عقوبات على قتل المسلم 4/ حرمة دم المسلم 5/ تحريم قتل غير المسلمين من المعاهدين والذمييناقتباس
قبل أيام فجع المسلمون في هذه البلاد المباركة، بالحادثة الشنيعة التي قتلت فيها يد الغدر والخيانة ثلاثة مقيمين من الجنسية الفرنسية، تعرضوا لإطلاق نار من سيارة مجهولة في منطقة صحراوية على الطريق بين المدينة المنورة وتبوك. مما أسفر عن مقتل ثلاثة منهم وإصابة الرابع.. والذي توفي في المستشفى من أثر الجراح التي أصيب بها ..
أما بعد: قبل أيام فجع المسلمون في هذه البلاد المباركة، بالحادثة الشنيعة التي قتلت فيها يد الغدر والخيانة ثلاثة مقيمين من الجنسية الفرنسية، تعرضوا لإطلاق نار من سيارة مجهولة في منطقة صحراوية على الطريق بين المدينة المنورة وتبوك. مما أسفر عن مقتل ثلاثة منهم وإصابة الرابع.. والذي توفي في المستشفى من أثر الجراح التي أصيب بها.
اثنان من هؤلاء القتلى كانا من المسلمين وقد تم الصلاة عليهما في المسجد النبوي الشريف بناء على طلب عائلتهما.. خلافاً للأكاذيب التي تزعم بأن القتلى كانوا جميعهم كفارا وليس من بينهم مسلمين.
وعلى كل حال.. لا شك أن قتل هؤلاء الأبرياء جريمة بشعة وفعلة دنيئة، ترفضها كافة الأديان والأعراف، سواء كانوا من المسلمين أو من غير المسلمين.
كيف يُعتدى على أناس عُزّل لا يستطيعون دفاعاً عن أنفسهم، ولا رداً للأذى والعدوان على أرواحهم؟ كيف يُقتل معصومون، عصمت دماءهم أحكام الشرع أولاً، ثم تقاليد العروبة ومقتضيات الضيافة والرجولة ثانياً.
ولئن جاز أن يحدث هذا العدوان والفساد في الأرض في أي بلد، فكيف يسوغ أن يحدث في بلد الله الحرام، الذي جعله الله مثابة للناس وأمنا.
ولا تزال دوافع هذه الجريمة غامضة، ولم تعلن أيّ جهة مسؤوليتها عنها، كما أن طابعها الانتقاميّ الغريب يجعل الإنسان يفكر ويتأمل ويبحث عن الـدافـع لقتل أناس خارج المدينة وترك عوائلهم، وفيهم المسلم وغير المسلم؟ ومن المستفيد من الإخلال بأمن هذه البلاد، بلاد الحرمين، بل أمن الحرمين، حيث وقعت هذه الجريمة قرب الحرم النبوي.
واأسفاه على الصورة السوداء.. التي أوصلتها هذه الجريمة البشعة إلى العالم، وعلى مقربة من الحرم النبوي الشريف؟! كيف ستكون ردة فعل من يسمع عن مسلمين أو غير مسلمين أتوا إلى بلاد الحرمين الآمنة المطمئنة.. ليعودوا إلى بلادهم جثثا في توابيت؟!
إن قتل الأبرياء المسلمين، أو الكفار المعاهدين، صورة مزرية، ومحاولة بشعة ومقيتة لتشويه سمعة الإسلام، وبلد الإسلام الذي يرفض مثل هذه التصرفات.
ومن المعلوم أن شريعة الإسلام قد جاءت بحفظ الضروريات الخمس، ومنها حفظ النفس.
والمقصودُ من النفسِ التي عنيت الشريعةُ بحفظها هي التي عُصمت بالإسلامِ أو الذمة أو الأمان.
ولا يختلف المسلمون في تحريم الاعتداء على الأنفس المعصومة.. أما النفوس المسلمة فلا يجوز بحال الاعتداء عليها وقتلها بغير حق، ومن فعل ذلك فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب العظام، يقول الله تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) [النساء:93]
أربع عقوبات عظيمة كل واحدة منها تخوف القلب، وتفزع النفس، وتزلزل الكيان، وترعب الجنان.
الأولى: جهنم خالداً فيها، فويل للقاتل من نار حرها شديد، وقعرها بعيد، أهلها أهل البؤس والشقاء، والندامة والبكاء، كيف لو أبصرهم القاتل، والأغلال تجمع بين أيديهم وأعناقهم، والنار تضطرم من تحتهم ومن فوقهم، شرابهم من حميم، يُصهر به ما في بطونهم والجلود، وأكلهم الزقوم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم.
العقوبة العظيمة الثانية: غضب الله... وكفى بغضب الملك الجبار عقوبة.
العقوبة الثالثة -ويا لها من عقوبة-: اللعن، وهو الطرد والإبعاد عن رحمة الله.
هل يكفيه هذا.. لا، فهناك عقوبة رابعة وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً، نعوذ بالله من عذاب الله.
ولهذا، اتفقت كل الأديانُ السماويةُ على تحريم قتل النفس المعصومة كما أخبر تعالى في قصةِ ابني آدم وما حصل بينهما، ثم قال تعالى (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) [المائدة:32]
قال مجاهد رحمه الله: في الإثم. وهذا يدل على عظم قتل النفس بغير حق.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا "رواه الترمذي والنسائي بسند صحيح.
وثبت عند الترمذي عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار ".
وفي البخاري أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:" إن من وَرَطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها، سفك الدم الحرام بغير حله ".
ونظر ابن عمر رضي الله عنهما يوماً إلى الكعبة فقـال:" ما أعظمَك وأعظمَ حُرمَتَك والمؤمنُ أعظم حُرمةًعند الله منك".
وتأمل معي هذه القصة العظيمة:
في الصحيحين عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثاً من المسلمين إلى قوم من المشركين، وأنهم التقوا فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله، وإن رجلاً من المسلمين قصد غفلته. قال: وكنا نُحَدَّث أنه أسامة بن زيد، فلما رفع عليه السيف قال: لا إله إلا الله فقتله فجاء البشير إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فأخبره حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع، فدعاه فسأله.فقال: لِمَ قتلته؟ قال: يا رسول الله أوجع في المسلمين وقتل فلاناً وفلاناً وسمى له نفراً، وإني حملت عليه فلما رأى السيف قال: لا إله إلا الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقتلته قال: نعم. قال: فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ قال: يا رسول الله استغفر لي. قال: وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة. قال: فجعل لا يزيده على أن يقول: كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة"، وفي رواية أن أسامة قال: "يا رسول الله إنما كان متعوذاً، قال: أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله، قال: فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم ".
الله أكبر.. إن هذا الرجل مشرك محارب، وقد أثخن في المسلمين بالقتل، وأسامة رضي الله عنه مجاهد في سبيل الله، وهو حِبُّ النبي صلى الله عليه وسلم وابن حِبِّه، وهو إنما قَتَل هذا الرجل متأولاً أنه ما نطق بالشهادة صدقاً من قلبه، بل قالها تعوذاً ليكفوا عن قتله، ومع هذا لم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم عذره وتأويله، وهذا من أعظم ما يدل على حرمة دماء المسلمين، وعظيم جرم من يتعرض لها تحت أي تأويل.
وفي قصة أخرى في البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:"بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى بني جَذِيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا. فجعل خالد يقتل منهم ويأسر، ودفع إلى كل رجل منا أسيره، حتى إذا كان يومٌ، أَمَر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره. فقلت: والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره، حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكرناه، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يده فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد، مرتين".
هكذا أعلن النبي صلى الله عليه وسلم براءته من صنيع خالد سيف الله المسلول، وهو إنما قتلهم مجتهداً، بناءً على ظاهر اللفظ، ومع هذا شدد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر ورفع يديه وثنّى كلامه، استنكاراً لهذا العمل، واحتياطاً لحرمة الدماء.
ألا فليتق الله -العبد المسلم-، وليحذر الخوض في الدماء، وليبرأ إلى الله من هذه الأعمال الشنيعة التي تنتهك حرمة حرم الله، وتصد الناس عن دين الله.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه...
أما بعد: وإذا كانت النصوص الشرعية قد جاءت بحفظ الأنفس المؤمنة والترهيب من التعرض لها، فإنها كذلك جاءت في حفظ الأنفس المعصومة وإن كانت كافرة، من أهل الذمة أو المعاهدين.
ولهذا نقول: إذا كان بعض القتلى في هذه الحادثة من غير المسلمين، فإن دماءهم كذلك معصومة بنص كلامِ النبي صلى الله عليه وسلم.
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال: "من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا" رواه البخاري واللفظ له، والنسائي إلا أنه قال: "من قتل قتيلاً من أهل الذمة".
وقال رسول الله: "من أمّن رجلاً على دمه فقتله، فإنه يحمل لواء غدر يوم القيامة" رواه ابن ماجه وصححه البوصيري.
فليحذر كل مسلم من الإقدام على قتل غيره أو الإسهام في ذلك ولو بشطر كلمة، فضلاً عن المساعدة الفعلية والاشتراك في الجريمة أو تسهيل المهام أو الفتوى ونشرها وترويجها وتوزيعها بأي أسلوب كان، فإذا كان ابن آدم الأول يتحمل جزءًا من كل نفس تقتل ظلمًا لأنه أول من سنّ القتل.
وإننا والله مع حزنا وإنكارنا الشديد لهذه الجريمة نقول: سيظل هذا البلد الأمين بأمر الله واحة للأمن، وملاذا للاستقرار ومثابة للناس، شاء من شاء وأبى من أبى، وسيظل أولئك الذين يحاولون تشويه هذه الصورة الكريمة، بالعدوان والجريمة والأذى، منبوذين يطاردهم غضب الرب وعقابات الشرع وسخط الناس أجمعين.
نسأل الله أن يفضح سر مرتكبيها، وأن يمكن ولاة أمرنا من رقابهم، ليكونوا عبرة لغيرهم، إنه عزيز حكيم.
اللهم صل على محمد...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم