الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل
الحمد لله مُعزِّ مَن أطاعه واتَّقاه، ومذلِّ مَن خالَف أمره وعصاه، وناصرِ مَن نصَرَه، وحاميه من أعدائه، أحمده - سبحانه - وأشكُرُه، والشكر له من نِعَمِه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، الذي جاهَد في الله، صلَّى لله عليه وعلى آله وصحابته، السائرين على نهجه والمتمسِّكين بسنته، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ:
فيا عباد الله، اتَّقوا الله - تعالى - واحذَرُوا من شُؤم المعاصي وعُقوبات الذنوب؛ فإنَّ لها ثمرات مرَّة المذاق، ولن تسلَمُوا من عقوباتها إلا بالرُّجوع إلى الله، والتمسُّك بدِينه، وتحكيم كِتابه وسنَّة نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - في القليل والكثير والصغير والكبير، واعلَمُوا أنَّكم مغزيُّون ومستهدَفون ومحسودون على ما أنتم فيه من نعمة الإسلام، التي بها أمنتم في أوطانكم، وتحصَّنتم بها من أعدائكم، فحافِظُوا على ما أنتم فيه من نعمةٍ بإصلاح ما وهَى من أموركم، وعِلاج ما دبَّ إليكم من داء الأُمَمِ، قبل أنْ يستَفحِل الداء، ويصعُب الدواء.
عباد الله، إنَّ كثيرًا منَّا في غفلةٍ عمَّا أُرِيد به، وعدَم التفاتٍ لما يُحِيط به، وكأنَّ المقصود غيره.
عباد الله:
تيقَّظوا من غَفلاتكم، وهُبُّوا من رَقداتكم، فقد أحاطَتْ بكم الشُّرور، فاتَّعظوا بغيركم، تفكَّروا فيمَن مضى، وانظُروا يمينًا وشمالاً إلى حال مَن بَقِي ممَّن عصى وبغى وطغى، وأضاعَ أوامر الله، وارتَكَب محارمَه، ونبَذ كتابَ الله وسنَّةَ نبيِّه خلفَ ظهره، وحكَّم العُقول والأهواء، ماذا حلَّ بهم من وَيْلات، وما أصابَهم من عُقوبات، تناحرٌ وتطاحنٌ، هتْك أعراض وسفك دماء، وخَراب دِيار وإهلاك حرث ونسل، وتسلُّط أعداء وذلٌّ وهَوان.
عباد الله:
لقد كان المسلمون في الماضي أعزَّاء مهابين، يغزون أكبر الأمم الكافرة، ويتحدَّونها حينما كانوا صادِقين في دعوتهم، متمسِّكين بكتاب ربهم، عامِلين بسنَّة نبيهم، صحيحة عقائدهم، كريمة أخلاقهم، كانوا أصحابَ السلطة، يغزون القلوب قبل الأجسام؛ يقول - سبحانه وتعالى -: ﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ ﴾ [آل عمران: 151].
ويقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((نُصِرتُ بالرُّعب مَسِيرة شهر))[1]، تلك حالُ الصادقين مع الله.
وبعد أنْ غيَّر المسلمون، وتهاوَنُوا بحُرمات الله، وتجرَّؤوا على مَعاصِيه، وضيَّعوا أمرَه، ووهَنُوا وضعُفُوا سلَّط عليهم ذلاًّ لا ينزعه حتى يَرجِعوا إلى ربهم، وتداعَتْ عليهم الأمم من كلِّ حدب وصوب، وطمع فيهم أعداؤهم، وإنْ قلُّوا وأصبحوا خائفين بعد أنْ كانوا مخوِّفين، ومغزيين بعد أنْ كانوا غازين، وهائبين بعد أنْ كانوا مُهابين.
روى الإمام أحمد عن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يُوشِك أن تداعى عليكم الأمم من كلِّ أفق كما تَداعَى الأكلة إلى قَصعَتِها)) قلنا: يا رسول الله، أمِن قلَّة بنا يومئذٍ؟ قال: ((إنَّكم كثير، ولكنَّكم غُثاء كغُثاء السيل، تُنزَع المهابة من قُلوب عدوِّكم، ويجعل في قلوبكم الوهن))، قالوا: وما الوهن؟ قال: ((حبُّ الدنيا وكراهية الموت))[2].
نعم؛ غثاء كغثاء السيل، ما أكثر مُدَّعِي الإسلام! مئات الملايين كما يقولون، ولكنْ أين حقيقة الإسلام؟ مئات الملايين أمامَ حفنةٍ من اليهود الذين ضُرِبتْ عليهم الذلة، حفنة من اليهود تتحدَّى مئات الملايين!
فأين المسلمون الصادقون؟!
اليهود يقصفون بطائراتهم، ويَدُوسون بدبَّاباتهم، والمسلمون يحتجُّون، ويطلبون النصرَ من أعدائهم على أعدائهم، إنَّ الكفر ملَّة واحدة، وعدو المسلمين واحد، وإنْ تعدَّدت أشكاله، ومذاهبه، وأوطانه.
إنَّ سبب تسلُّط الأعداء على المسلمين هو بُعدهم عن تعاليم دِينهم، واتِّكالهم على أعدائهم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [يونس: 44].
فلا بُدَّ من الرُّجوع إلى الله والصدق معه في الأقوال والأعمال، إنَّ الادِّعاء والتسمِّي بالإسلام لا يكفي، والقتال من أجل العروبة والوطن لا يُغنِي شيئًا، فلا بُدَّ من الجهاد في سبيل الله، لإعلاء كلمة الله، حتى يحصل النصر من الله، إنْ تنصروا الله ينصركم، ولينصرنَّ الله مَن ينصره.
عباد الله:
إنَّكم في حاجةٍ إلى الله، والله الغني عنكم، ولن تُفلِحوا وتُنصَروا إلا بالرُّجوع إلى ربكم، فارجِعوا إلى الله بصدقٍ وإخلاص، وأصلحوا ما فسَد من أوضاعكم، فإنَّكم على خطرٍ إنْ لم تستَدرِكوا أمرَكم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
قال الله العظيم: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 53].
اللهمَّ أصلح أحوالَ المسلمين، واجمَع قلوبهم وكلمتهم على الحق، وانصُرهم على عدوِّك وعدوِّهم، إنَّك سميع مجيب.
بارَك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وتابَ عليَّ وعليكم، إنَّه هو التوَّاب الرحيم.
أقول هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفِروه، إنَّه هو الغفور الرحيم.
- •••
واعلَمُوا يا عباد الله أنَّ ما حصل ويحصل في هذه الأيَّام من اعتداءٍ من اليهود على الفلسطينيين واللبنانيين، لا شكَّ أنَّ ذلك من ثمرات المعاصي والذنوب وقلَّة الإيمان، وأنَّ اليهود أعداءٌ للإسلام والمسلمين، وأنَّ المسلمين إنَّما أتوا من قِبَل أنفسهم، وإذا لم يجتمعوا على عقيدة الإسلام الصادقة الخالصة وينبذوا خلافاتهم وأحقادهم، فإنَّ عدوَّهم سيطمع فيهم ويتسلَّط عليهم، وهو المستفيد من تفرُّقهم وخِلافاتهم، ولن يجتمع المسلمون إلا على كلمة الإخلاص، ولن يُنصَروا إلا بالعمل بتعاليم الإسلام، ولن يُفلِحوا إلا بالرُّجوع إلى الله.
[1] مسند الإمام أحمد: 2 /268، 396، 5 /162، 248.
[2] مسند الإمام أحمد: 5 /278، وأبو داود (4297) بنحوه.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم