عناصر الخطبة
1/ وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم 2/ حقيقة طاعة النبي صلى الله عليه وسلم 3/ عقوبة من خاف أمره صلى الله عليه وسلم 4/ لا حياة لمن لم يستجب لأمر الله والرسول صلى الله عليه وسلم 5/ غربة الإسلام في هذا الزمن ووصف الغرباء 6/ واقع المسلمين اليوم وسببه 7/ عقوبة المعرض عن الحقاقتباس
وما عرف هؤلاء المخدوعون: أن الجمود هو عدم قبول الحق؛ فإن الذي لا يقبل الحق قد تحجر قلبه وطبع وختم عليه، فصار غلفاً لا يصل إليه نور، وأن الرجعية معناها الرجوع إلى الباطل، وأن التأخر هو التأخر عن الخير إلى الشر، كل هذه الأوصاف موجودة فيهم. وأما المتمسك بالسنة فهو -بحمد الله- طيب القلب سليم التفكير سباق إلى الخير، متقدم في كل مجال طيب. لا جامداً ولا رجعياً ولا متأخراً ..
الحمد لله الذي رضي لنا الإسلام ديناً. وأنزل علينا في كتابه نوراً مبيناً. أحمده على جزيل نعمه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيَّته وأسمائه وصفاته. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أرسله بالهدى ودين الحق. فهدى به من الضلالة. وبصّر به من العمى، وأتم به النعمة. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله حق تقاته.
أيها المسلمون: إن الله قد بعث محمداً بالدين القويم، والمنهج المستقيم، أرسله رحمة للعالمين، وإماماً للمتقين، وحجّة على الخلائق أجمعين، أرسله على حين فترة من الرسل؛ فهدى به إلى أقوم الطرق وأوضح السبل، وافترض على العباد طاعته وتعزيزه وتوقيره ومحبته والقيام بحقوقه، وسد دون جنّته الطرق فلم تفتح لأحد إلا من طريقه؛ فشرح له صدره، ورفع له ذكره، ووضع عنه وزره، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره. روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- " بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلّة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم " وكما أن الذلة مضروبة على من خالف أمره فالعزة لأهل طاعته. قال تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون:8] قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الأنفال:64] أي: الله وحده كافيك وكافي أتباعك فلا تحتاجون معه إلى أحد.
أيها المسلمون: إن طاعة الرسول طاعة لله كما قال تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) [النساء:80] فأي مسلم بلغته سنة الرسول وجب عليه اتباعها وافقت هواه أو خالفته؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ".
وإن إنساناً يزعم أنه متبع لهذا الرسول ولكنه عندما تبلغه سنته لا يأخذ منها إلا ما وافق هواه - فإنه كاذب في زعمه وإنما هو متبع لهواه. كما قال تعالى: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [القصص :50]
وقد عاب الله على بني إسرائيل هذا الصنيع مع أنبيائهم؛ كما قال تعالى: (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) [البقرة: 87]
فبحسب متابعة الرسول تكون العزة والكفاية من الله والنصرة، كما أن بحسب متابعته تكون الهداية والصلاح والنجاح. فالله تعالى علق سعادة الدارين بمتابعته، وجعل شقاوة الدارين في مخالفته فلأتباعه الهدى والأمن والفلاح وطيب العيش في الدنيا والآخرة. ولمخالفيه الذلة والصغار والخوف والضلال والخذلان والشقاء في الدنيا والآخرة.
وقد أقسم سبحانه بأنه لا يؤمن من لا يحكم هذا الرسول في كل ما تنازع فيه هو وغيره، ثم يرضى بحكمه ولا يجد في نسفه حرجاً مما حكم به، ثم يسلِّم له تسليماً وينقاد له انقياداً. وقال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب:36] فقطع -سبحانه وتعالى- التخيير بعد أمره وأمر رسوله؛ فليس لمؤمن أن يختار شيئاً غير أمره -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه إذا أمر فأمره حتم.
ولقد رأى -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يأكل بشماله، فقال له -صلى الله عليه وسلم-: " كل بيمينك " فقال: لا أستطيع فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- "لا استطعت" ما منعه إلا الكبر. قال: فما رفعها إلى فيه. فهذا رجل أبى أن يمتثل أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- تكبراً عنه، فدعا عليه فتعطلت يده، ويبست فلم ينتفع بها.
وإننا -يا عباد الله- تبلغنا أوامر ونواه كثيرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فنترك العمل بها أو نتساهل به متابعة لأهوائنا أو مجاراة للناس، فنُعرِّض أنفسنا لعقوبة الله مع ما يفوتنا مما في متابعته -صلى الله عليه وسلم- من الخير عاجلاً وآجلاً..
إن شهادة أنه رسول الله تقتضي منا طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا نعبد الله إلا بما شرعه لنا؛ فمن أخل بشيء من هذه الأمور فقد أخل بهذه الشهادة بمقدار ما أخل به من هذه الأمور.
إن الله سبحانه وتعالى توعد الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم. كما حتم علينا طاعته فيما ونهى حث يقول سبحانه: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الحشر:7] قال الإمام ابن القيم -عند قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)[الأنفال :24] فتضمنت هذه الآية أموراً:
أحدها: أن الحياة النافعة إنما تحصل بالاستجابة لله ولرسوله فمن لم تحصل له هذه الاستجابة فلا حياة له. وإن كانت له حياة بهيمية مشتركة بينه وبين أرذل الحيوانات؛ فالحياة الحقيقية الطيبة هي حياة من استجاب لله والرسول ظاهراً وباطناً؛ فكما أنه لا حياة له حتى يَنفُخَ فيه المَلَك الذي هو رسول الله من روحه - فكذلك لا حياة لروحه وقلبه حتى ينفخ فيه الرسول البشري -صلى الله عليه وسلم- من الروح الذي ألقي إليه؛ قال تعالى: (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ) [النحل:2] فمن أصابه نفخ الرسول الملكي ونفخ الرسول البشري حصلت له الحياتان، ومن حصل له نفخ الملك دون نفخ الرسول البشري حصلت له إحدى الحياتين وفاتته الأخرى.
عباد الله: روى الإمام مسلم رحمه الله: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء " وجاء في روايات أخر وصف هؤلاء الغرباء بأنهم الذين يصلحون إذا فسد الناس وفي بعضها: أنهم الذين يصلحون ما أفسد الناس. وفي بعضها: أنهم ناس صالحون قليل في ناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم. وفي بعضها: أنهم الذين يمسكون بكتاب الله حين يترك، ويعملون بالسنة حين تطفأ. ففي هذه الروايات عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- إخبار عن قلة المتمسكين بالسنة في آخر الزمان، وكثرة المخالفين لها، وفيها الحث على التمسك بها عند ذلك والصبر عليها.
ولقد اشتدت غربة الإسلام في بلدان الإسلام، وأخذت السنة تطمس معالمها، وتطارد في كل مكان، ويحل محلها الضلال والبدع والكفر والفسوق.
إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يحثنا على أن نتمسك بسنته ولو تركها الناس، ونغليها ولو أرخصوها، وندافع عنها ونصبر على الأذى في ذلك؛ فإن ذلك سبيل النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
عباد الله: لقد قالوا: إن التمسك بالسنة جمود ورجعية وتأخر، فلا تهولَنَّكم هذه الألقاب فقد قيل فيمن هو أجل منكم أعظمُ من ذلك، فصبروا على دينهم وما ضعفوا وما استكانوا.(وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ).
وما عرف هؤلاء المخدوعون: أن الجمود هو عدم قبول الحق؛ فإن الذي لا يقبل الحق قد تحجر قلبه وطبع وختم عليه، فصار غلفاً لا يصل إليه نور، وأن الرجعية معناها الرجوع إلى الباطل، وأن التأخر هو التأخر عن الخير إلى الشر، كل هذه الأوصاف موجودة فيهم. وأما المتمسك بالسنة فهو -بحمد الله- طيب القلب سليم التفكير سباق إلى الخير، متقدم في كل مجال طيب. لا جامداً ولا رجعياً ولا متأخراً.
عباد الله: إن ما حل بالمسلمين اليوم من ضعف وتفكك ومصائب إنما سببه تفريطهم بالتمسك بدينهم والتماس الهدى من غيره، فلما أعرضوا عن تحكيم الكتاب والسنة، والمحاكمة إليهما، واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما - عرض لهم من ذلك فساد من فطرهم، وظلمة من قلوبهم، وكدر في أفهامهم، ومحق في عقولهم، وعمَّتهم هذه الأمور، وغلبت عليهم حتى شب عليها الصغير، وهرم عليها الكبير فلم يروها منكراً، ولن تذهب عنهم هذه الآفات حتى يرجعوا إلى دينهم فالله تعالى (لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [يوسف:11]
إن المعرض عن الحق بعد معرفته يعاقب بفساد قلبه وزيغه؛ فلا يقبل الحق بعد ذلك، ولا يرجع إلى الهدى؛ كحال المنافقين الذين قال الله فيهم: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) [البقرة:18] وقال تعالى: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [الصف:5] وقال تعالى: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) [الأنعام:110] هذه عقوبته في الدنيا.
وأما عقوبته في الآخرة فاسمعوا قوله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً * وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى) [طه 24: 27]
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ) [التوبة: 128] الآيات.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم