الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل
الحمدُ لله نحمَدُه، ونستعِينُه ونستَهدِيه، ونستَغفِره ونتوبُ إليه، ونعُوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحابته، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ: فيا عباد الله:
اتَّقوا الله -تعالى- وتُوبوا إليه من الذنوب والمعاصي، واحذَروا سوءها، وما تجنيه على أهلها، واعلَموا أنَّ من أسباب البُعد عنها أنْ يعلم العبد بقُبحها ورَذالتها، ودَناءتها وخسَّتها، وهذا ينبغي:
أولًا: أنْ يحمل العبد العاقل على ترْكها، ولو لم يُعلَّق عليها وعيدٌ بالعذاب.
ثانيًا: أنْ يستحي من الله - سبحانه وتعالى - فإن العبد متى علم أنَّ الله ينظُر إليه، ويسمعه في سرِّه وعلانيته، وكان لديه حَياء، استَحى من ربه - جل وعلا - أنْ يتعرَّض لسخطه وعِقابه.
ثالثًا: على العبد أنْ يُراعِي نِعَمَ الله عليه، وإحسانه إليه، ويحفظ هذه النعمة بالعمل الصالح، والبُعد عن المعاصي، فإنَّ المعاصي تُزِيل النعم، وهي نارٌ تأكلها كما تأكُل النار الحطب، نعوذُ بالله من زَوال نعمته وتحوُّل عافيته.
ومن أسباب البُعد عن المعاصي:
- خوف الله وخشيته؛ قال بعض السلف: كفى بخشية الله علمًا، وبالاغترار بالله جهلًا.
- ومن أسباب البُعد عن المعاصي: محبَّة الله، وهي من أقوى الأسباب في الصبر عن مخالفته ومعاصيه، فإنَّ المحبَّ لمن يحب مطيع، وكلَّما قويت المحبَّة قويت الطاعة وضعفت المخالفة، ولا بُدَّ من تعظيم الله وإجلاله حتى تعظم عند العبد الطاعة لله، والحياء منه، والبُعد عن المعاصي.
- ومن أسباب البُعد عن المعاصي: شرف النفس، وزكاؤها، وفضلها والبعد عن الأسباب التي تحطُّها وتضع قدرها، وتُسوِّي بينها وبين السفلة.
- ومن أسباب البُعد عن المعاصي: العلم والتيقُّن بسُوء عاقبة المعصية، وقُبح أثرها، والضرر الناشئ منها من ظُلمة الوجه وضِيق القلب، وغمِّه وحزنه، وتحسره واضطرابه، وقلق حياة صاحبه، ونكد عيشه، وعدم مقاومته لأعدائه: من نفس، وهوى، وشيطان، وزَوال أمنه وتبدُّله بمخاوف، فأخوف الناس أشدُّهم إساءَة، ونقصان رزقه، فإنَّ العبد يُحرَم الرزقَ بالذنب يُصِيبه، والطبع والرين على القلب، فإنَّ العبد إذا أذنب نُكِتت في قلبه نكتة سوداء، فإنْ تاب منها صُقِلَ، وإنْ أذنب ذنبًا آخر نُكِتتْ فيه نكتةٌ أخرى، ولا تَزال حتى تعلو قلبه، فذلك الران؛ قال الله - تعالى -: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14].
فإنَّ الذنوب يستَدعِي بعضها بعضًا، ويُقوِّي بعضها بعضًا، حتى تهلك العبد؛ قال بعض السلف: إنَّ من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، ومن عقوبة السيِّئة السيِّئة بعدها.
- ومن أسباب البُعد عن المعاصي: قصر الأمل؛ فإنَّ العبد إذا تذكَّر أنَّه في دار زَوال لا دار إقامة، وأنَّه كمسافرٍ مرَّ بقرية لا يُرِيد الإقامة بها، وكراكبٍ قال في ظلِّ شجرة سيرتحل عنها، فإنَّه بذلك يحرص على ألاَّ يحمل على ظهره ما يُثقِله من الذنوب والمعاصي، بل يحرص على الزاد النافع لسفره، والذي يجدُه أمامَه أحوج ما يكون إليه، وهو العمل الصالح، الخفيف المَحمَل، النافع في المستقبَل.
- ومن أسباب البُعد عن المعاصي: ترْك الفُضول والانغِماس في الملذَّات الضارَّة وضَياع الأوقات فيما يضرُّ، فإنَّ الانشِغال بهذه الأشياء يضرُّ ويوقع في المعاصي، فإنَّ النفوس إنْ لم تُشغَل بما ينفع شُغِلت بما يضرُّ.
فيا عباد الله:
اتَّقوا الله في أنفُسكم، واحذَروا عواقب الذنوب والمعاصي وأسباب الوقوع فيها، فقد كثُرت أسبابُها، فاحذَروها واحذَروا ما يُوقِع فيها، واحفَظوا نِعَمَ الله عليكم قبل أنْ تُسلَبوها؛ يقول الله - سبحانه وتعالى -: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾ [الرعد: 11].
بارَك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وتابَ عليَّ وعليكم إنَّه هو التوَّاب الرحيم.
أقول هذا وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
واعلَموا أنَّ من أسباب البُعد عن المعاصي ثباتَ شَجرة الإيمان في القلب، فصبر القلب عن المعاصي إنَّما هو بسبب قوَّة إيمانه؛ فكلما قوي إيمان العبد كان أقوى صبرًا، وإذا ضعُف الإيمان ضعُف الصبر، فإذا قوي سراج الإيمان في القلب، وأضاء جهاته كلها، وأشرق نورُه في أرجائه - سرى ذلك النور إلى الأعضاء، وانبَعثَ إليها، فأسرعت الإجابة لداعِي الإيمان وانقادَتْ له.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم