فضل يوم عرفة ويوم العيد

الشيخ عبدالله بن علي الطريف

2024-06-28 - 1445/12/22 2024-07-08 - 1446/01/02
التصنيفات: الهدي والأضحية
عناصر الخطبة
1/فضل دعاء يوم عرفة 2/من فضائل يوم عرفة وما يشرع فيه 3/فضل يوم العيد وما يشرع فيه 4/فضل الأضحية وآداب الذكاة

اقتباس

وللذكاة آداب نذكر منها: أن يضجعها على أحد جنبيها إن كانت غنماً أو بقراً برفق ورحمة؛ فإن الراحمين يرحمهم الرحمن، ولا تلووا يدها على عنقها فإن ذلك يؤلمها بلا حاجة، وأطلقوها مع بقية القوائم؛ ليكون أريح لها وأشد في تفريغ الدم منها...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحَمْدُ للهِ حَمْداً كثيراً طَيباً مُباركاً فيه كَمَا يُحِبُ رَبُنَا وَيَرْضَا، نَحمَدُهُ -تَعَالَى- وَنَشْكُرُهُ، ونتوبُ إليه ونَستَغْفِرُهُ، وَأَشْهَدُ أن لَا إِلَهَ إِلَا اللهُ وَحدَهُ لَا شَرَيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، اللّهُمَ صَلِ وَسَلّم وَبَارِكْ عَلَيهِ وَعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَومِ الدِينِ، أَما بَعْدُ:

 

أَيُها الإِخْوَةُ: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -تعالى-؛ فهي وصيته للأولين والآخرين، فقد قال: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)[النساء: 131]، ومن فضل الله -تعالى- علينا في هذا العام أن كان في عشر ذي الحجة جُمعتين؛ لنزداد بهما عملًا صالحًا، فأجر الجمعة كبير.

 

واعلموا -وفقكم الله- أنكم تستقبلون يومين عظيمين هما آَخِرُ العَشْرِ وأَفضَلَهَا وَأَعْظَمَهَا؛ وَهُمَا يَومُ عَرَفَةَ، وَيَومُ عِيدِ الأَضْحَى، فمن فضلِ يَومِ عَرَفَةَ أنَّ اللهَ -تباركَ وتعالى- جعلَ الدعاءَ فيه خيرَ الدعاء، قال النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"(رواه الترمذي وحسنه الألباني عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ)؛ وَمَعنَى خَيْرُ الدُّعَاءِ: أي أَجْزَلُهُ إِثَابَةً وَأَعْجَلُه إِجَابَةً.

 

والمعنَى أَنَّ أَيَّ دُعَاءٍ يَدْعُو بِهِ الـمُسلِمُ يَومَ عَرَفَةَ يُعَجِلُ اللهُ إِجَابَتَهُ وَيُجزِلُهَا، وهذا للحاج وبه قال الجمهور، وقيل: يُشرع للمقيمين الدعاء لوروده عن بعض الصحابة كابن عباس وعمرو بن حريث -رضي الله عنهم-، ويُنهى عن التجمع بالمساجد في عشية يوم عرفة للذكر والدعاء.

 

ويشرع التكبير المقيد للمقيمين من بعد صلاة الفجر، وصفته أن يقول بعد الصلوات المفروضة بعد أن يستغفر ويقول: "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلالي والإكرام"، ثم يكبر ما يتيسر له ثم يعود للأذكار التي بعد الصلاة.

 

والتهليل والتكبيرِ والتحميد من أجل العبادات وأفضلِها في عشر ذي الحجة، فقد قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "أَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ"(رواه أحمد عن ابن عمر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- وإسناده صحيح، وله شاهد عند الطبراني)، وَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا أَهَلَّ مُهِلٌّ قَطُّ إِلَّا بُشِّرَ -أَيْ مَا رَفَعَ مُلَبٍ صَوْتَهُ بِالتَلْبِيَةِ فِي حَجٍ أَوْ عُمْرَةٍ-، وَلَا كَبَّرَ مُكَبِّرٌ قَطُّ إِلَّا بُشِّرَ" قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِالْجَنَّةِ؟ قَالَ: "نَعَمْ"(رواه الطبراني في المعجم الأوسط عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وحسنه الألباني).

 

وَمِنْ فضائلِ يَومِ عَرَفَةَ: أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- شَرَعَ لِمَنْ لَمْ يَحُجْ صِيَامَهُ، وَخَصَّهُ بِأَجْرٍ عَظِيْمٍ فَقَالَ: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ"(رواه مسلم عَنْ أَبِي قَتَادَةَ -رضي الله عنه-).

 

أيها الإخوة: أما اليَوْمُ العَظِيمُ الثَانِي فَهُوَ اليومُ العَاشِرُ يَومُ عِيدِ الأَضْحَى، وَقَدْ ذَكرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- ذَلِكَ فَقَالَ: "إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ"(رواه أبو داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ وصححه الألباني).

 

وَتَعظِيم هذا اليوم يظهر بتخصيصه بأعمال لا تكون إلا فيه للحجاج والمقيمين، فشرع للمقيمينَ في هذا اليومِ صلاةُ العيدِ، وهو بدايةُ ذَبحِ الأضاحِي وَهُما شَعِيرَتان مِنْ أَعْظَمِ شَعَائِرِ الدين، قالَ اللهُ -تعالى- آمراً بهما نبيَهُ -صلى الله عليه وسلم- بذلك: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)[الكوثر: 2]، قَالَ شَيْخُ الإِسلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ اللهِ- فِي تَفْسِيرِهَا: "أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْعِبَادَتَيْنِ الْعَظِيمَتَيْنِ وَهُمَا الصَّلَاةُ وَالنُّسُكُ، الدَّالَّتَانِ عَلَى الْقُرْبِ وَالتَّوَاضُعِ وَالِافْتِقَارِ وَحُسْنِ الظَّنِّ وَقُوَّةِ الْيَقِينِ، وَطُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ إلَى اللَّهِ وَإِلَى عِدَتِهِ وَأَمْرِهِ وَفَضْلِهِ وَخُلْفِهِ"، وَقَالَ: "الْمَقْصُودُ أَنَّ الصَّلَاةَ وَالنُّسُكَ هُمَا أَجَلُّ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ، فَإِنَّهُ أَتَى فِيهِمَا بِالْفَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى السَّبَبِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ وَهُوَ الصَّلَاةُ وَالنَّحْرُ سَبَبٌ لِلْقِيَامِ بِشُكْرِ مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ إيَّاهُ مِنْ الْكَوْثَرِ"، وَقَالَ: "وَأَجَلُّ الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ النَّحْرُ، وَأَجَلُّ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ الصَّلَاةُ، وَمَا يَجْتَمِعُ لِلْعَبْدِ فِي الصَّلَاةِ لَا يَجْتَمِعُ لَهُ فِي غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ، كَمَا عَرَفَهُ أَرْبَابُ الْقُلُوبِ الْحَيَّةِ وَأَصْحَابُ الْهِمَمِ الْعَالِيَةِ، وَمَا يَجْتَمِعُ لَهُ فِي نَحْرِهِ مِنْ إيثَارِ اللَّهِ وَحُسْنِ الظَّنِّ بِهِ وَقُوَّةِ الْيَقِينِ وَالْوُثُوقِ بِمَا فِي يَدِ اللَّهِ أَمْرٌ عَجِيبٌ، إذَا قَارَنَ ذَلِكَ الْإِيمَانُ وَالْإِخْلَاصُ"، وَقَالَ: "وَقَدْ امْتَثَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَمْرَ رَبِّهِ فَكَانَ كَثِيرَ الصَّلَاةِ لِرَبِّهِ... كَثِيرَ النَّحْرِ حَتَّى نَحَرَ بِيَدِهِ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً وَكَانَ يَنْحَرُ فِي الْأَعْيَادِ وَغَيْرِهَا".

 

نسألُ اللهَ -تعَالَى- أنْ يجعلَنا ممنْ يستمعُ القولَ فيتبعُ أحسَنَهُ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ)[غافر: 3]، وَأَشْهَدُ أن لَا إِلَهَ إِلَا اللهُ وَحدَهُ لَا شَرَيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ وًسَلمَ وباركَ عليه، وعلى آله وأصحابِهِ وأتباعِهِ بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، وسلَّمَ تسلِيماً كثيراً.

 

أما بَعَدُ: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر: 18]، واعلموا أنَّ بَذْلَ المال في الأضاحي أفضلُ من الصدقة بثمنها، وأن المَقصُودَ الأعظمَ مِنْ الأُضْحيةِ هُوَ التقربُ للهِ -تعالى- بالذبحِ، وليسَ المقْصُودُ منها الصدَقَةَ بلحمِهَا على الفقراءِ لَكِنَّهُ من بعضِ ما يقصدُ منها؛ ولذلِك قالَ اللهُ -تعالى-: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)[الحج: 37]، في هذه الآية حثٌّ وترغيبٌ على الإخْلَاصِ في النَّحرِ، وأنْ يَكُونَ القَصْدُ بِهِ وَجْهَ اللهِ وحدَه، لا فَخْرًا، ولا رِياءً، ولا سُمعةً، ولا مُجرَّدَ عَادَةٍ.

 

أيها الإخوة: ومن السنة أن يذبح الإنسان أضحيته بنفسه إن أمكن وإلا فليحضر ذبحها، وللذكاة آداب نذكر منها: أن يضجعها على أحد جنبيها إن كانت غنماً أو بقراً برفق ورحمة؛ فإن الراحمين يرحمهم الرحمن، ولا تلووا يدها على عنقها فإن ذلك يؤلمها بلا حاجة، وأطلقوها مع بقية القوائم؛ ليكون أريح لها وأشد في تفريغ الدم منها، ويضع الذابح رجله على عنقها، ويمسك رأسها باليد الأخرى ويرفعه قليلا، واذبحوا برفق، وأمروا السكين عليها بقوة وسرعة ولا تعذبوها، وتفقدوا السكين وحدوها، لكن لا تحدوها وهي تنظر، ولا تذبحوها والأخرى تنظر إليها؛ لأن ذلك يرهبها، ويحرم سلخها أو كسر عنقها قبل أن تموت؛ فإن ذلك يؤلمها دون الحاجة إليه، وكل ما ذكرت حث عليه رسولنا -صلى الله عليه وسلم-. 

 

وأيام الذبح أربعةٌ يومُ العيد بعد الصلاة وثلاثةُ أيام بعده، والذبح في أول يوم أفضل من الذي يليه، وهكذا البقية ويجوز الذبح في الليل لكن النهار أفضل، ويجوز بعد صلاة الفجر في أيام التشريق، وكلوا منها وانووا بذلك امتثال أمر ربكم؛ ليحصل لكم الأجر في أكلكم، فالسنة أن يكون أول ما يطعم المسلم يوم النحر من أضحيته، وأهدوا منها وتصدقوا على الفقراء، واختاروا للصدقة من أطيب الأضحية، فلن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون.

 

اللهم وفقنا للعمل الصالح الذي يرضيك، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وصلوا وسلموا على نبيكم يعظم الله أجركم فإن من صلى عليه.

المرفقات

فضل يوم عرفة ويوم العيد.doc

فضل يوم عرفة ويوم العيد.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات