عناصر الخطبة
1/ضمانات الله للمتقين 2/ من دلائل عظم أثر التقوى 3/ صفات المتقيناقتباس
إن المرء إذا تحلى بالتقوى اتصف بالإخلاص لله في كل عمل، وصدق الاتباع للنبي المرسل، فصار جميل الخلق، طيب القول، منافساً في الخير، سباقاً إلى كل فضيلة، يعبد ربه عبادة من يوقن بالوقوف بين يديه والعرض عليه، ويخشى ربه خشية من يعلم أن الله مطلع عليه، ويراه في كل مكان وفي سائر الأزمان، ..
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ومصطفاه وخليله، وأمينه على وحيه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
أما بعد:
أيها الناس: أطيعوا الله تعالى فيما تأتون وما تذرون، واخشوه فإنه يعلم ما تسرون وما تعلنون، واتقوه لعلكم تفلحون (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) [النور:52].
أيها المسلمون: لا شك أننا اليوم في زمان فتن -نعوذ بالله مما ظهر منها وما بطن-، والفتن يلتبس فيها الحق بالباطل على كثير من الناس، ومن شأنها أنها ينتج عنها -في الغالب- ضيق الحال ونقص في الأرزاق، وتعسر الأمور، وكثرة الفواحش والمنكرات، وعظم المصائب والخوف والجوع، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وينشط فيها شياطين الإنس والجن في التحريش بين الناس، وإيقاع العداوة والبغضاء التي تجر إلى الحروب التي تزهق الأرواح، وتستنزف الثروات، وتذهب بالدين، وتكون من أسباب تسلط الكفرة من أهل الكتاب والمشركين على المسلمين، إلى غير ذلك من الشرور ومحدثات الأمور التي لا تخطر للكثيرين على باب، ولا تدور لهم في خيال، ولا عصمة منها إلا برحمة من ذي الكرم والجلال.
أيها المسلمون: ولقد وعد الله تعالى المتقين بالوقاية من الفتن، واللطف عند حلول المحن، فقال سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق:2-3]. وقال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق:4]. وقال عز وجل: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) [الطلاق:5]. وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال:29].
وقال تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [يونس:62-64]. وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) [الأعراف:201]. وقال سبحانه: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ) [البقرة:282].
وضمن -سبحانه- للمتقين النجاة من النار والفوز بالجنة، فحين ذكر سبحانه النار، قال: (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) [الليل:17]. وقال: (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا) [مريم:72]، وحين ذكر الجنة أخبر سبحانه أنها (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران: 133]، وقال: (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا) [مريم:63].
فضمن -سبحانه- لأهل التقوى المخرج من الضيق، والرزق بأهون سبب، وتيسير العسير، وتكفير السيئات، ومغفرة الزلات، والأمن من الخوف، وعدم الحزن على فائت، وتوالي البشارات بأنواع المسرات في الحياة وبعد الممات، كما شهد لهم بالعصمة من الشيطان، ووعدهم بالعلم المثمر للإيمان، والهداية لما اختلف فيه من الحق بإذنه، والفوز بالجنة والنجاة من النار. فما أجلها من عواقب، وما أطيبها من ثمرات للتقوى، فهنيئاً للمتقين "اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى".
أيها المسلمون: فالتقوى هي شعار المؤمنين، وحلية المحسنين، وسلاح المجاهدين، وزبدة رسالات المرسلين، وسبب لطيب الحياة والفوز والفلاح والسعادة وعلو الدرجات في الدارين، وهي زينة المؤمن في الدنيا، وخير زاد في السفر إلى الأخرى.
ولعظيم أثر التقوى على المتصف بها وجميل عاقبتها عليه في الدنيا والأخرى وشرف الاتصاف بها من أولي النهى -كانت الوصية من الله تعالى بها للسابقين واللاحقين من المكلفين، كما قال تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]. فكانت مدار كل الشرائع، ومهمة جميع الرسل، ومضمون جميع الكتب، ورسالة الله تعالى إلى كل أمة، وجعلها الله أول موعظة كل نبي أرسله إلى أمة من الأمم، فأول ما يقرع به أسماع أمته من كلامه قوله تبليغاً عن ربه (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ) [الأعراف:65]. كما جاء ذلك على لسان نوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وموسى وعيسى ومحمد، صلى الله عليهم أجمعين وسلم تسليماً كثيراً؛ وكم في القرآن من النعي على من خلا منها.
ولقد جاء الأمر بالتقوى في القرآن وحده بأكثر من ثمانين موضعاً فضلاً عن المواضع التي جاء فيها بيان فضل التقوى والثناء على أهلها.
أيها المسلمون: إن المرء إذا تحلى بالتقوى اتصف بالإخلاص لله في كل عمل، وصدق الاتباع للنبي المرسل، فصار جميل الخلق، طيب القول، منافساً في الخير، سباقاً إلى كل فضيلة، يعبد ربه عبادة من يوقن بالوقوف بين يديه والعرض عليه، ويخشى ربه خشية من يعلم أن الله مطلع عليه، ويراه في كل مكان وفي سائر الأزمان، وأنه يجزي الذين أساؤوا بما عملوا، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى.
أيها المسلمون: إن التقي يتميز من بين سائر الناس بهجر فاحش القول من السباب والشتائم، والكذب والإفك، والغيبة والنميمة، والخصومة والمراء والجدل، ويتجنب كذلك الغش والخيانة، والزور والبهت، والغدر ونقض العهود، وظلم الناس وأكل أموالهم بالباطل، وهتك أعراضهم وانتهاك حرماتهم؛ لأنه يخاف عذاب الآخرة (ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) [هود:103-105]. لسان حال التقي يقول: (إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) [الإنسان:10-12].
أيها المؤمنون: اتصفوا بالتقوى يحببكم الله ويرضى، ويجنبكم ناراً تلظى، لا يصلاها إلا الأشقى، ويجعلكم من أهل الدرجات العلى، جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، وذلك جزاء من تزكى. فالمتقون يوحدون الله، ويحافظون على الصلاة، ولا يبخلون بالزكاة، ويصومون ويحجون؛ رغبة في تكفير الذنوب وستر العيوب وطمعاً في عفو ورحمة علام الغيوب.
والمتقون لا يأكلون الربا، ولا يستحلون الرشا، ولا يستمعون الغناء، ولا يتنكبون عن طريق الهدى، وهم أيضاً يفشون السلام، ويطعمون الطعام، ويصلون الأرحام، ويصلون بالليل والناس نيام، طمعاً في دخول الجنة دار السلام بسلام.
والمتقون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويخلصون النصيحة، ويتواصون بالحق والمرحمة، ويحبون لإخوانهم في الله من الخير ما يحبون لأنفسهم (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) [الحشر:9]. ويؤثرون طاعة الله ورسوله على طاعة أي أحد من الخلق، وهم أيضاً كما وصفهم الله بقول: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [المائدة:54].
ومن صفات أهل التقوى أنهم لا يستهينون بصغيرة من المعاصي، ولا يجترؤون على كبيرة، ولا يصرون على خطيئة وهم يعلمون، قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران:135].
فاتقوا الله أيها المؤمنون، وابتغوا إليه الوسيلة لعلكم تفلحون، واشكروا نعمة الله عليكم إن كنتم إياه تعبدون (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) [هود:113-114].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعاً بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم