عناصر الخطبة
1/فضائل الحج 2/ اقتراب موعد الحج 3/المبادرة بأداء فريضة الحج 4/الإنابة في الحج 5/الواجب على من أراد الحج.اقتباس
كَيْفَ تَطِيبُ نَفْسُ مُسْلِمٍ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِ بِالْعَافِيَةِ وَالْمَالِ أَنْ يَتَكَاسَلَ عَنْ نِدَاءِ رَبِّهِ، فَيَنْتَكِسَ عَن الْفَرْضِ وَيَتَخَلَّفَ عَن الرَّكْبِ؟! أَلَا فَلْيَتَّقِ اللهَ مَنْ يَسَّرَ اللهُ لَهُ الْحَجَّ، وَأَنْ يُبَادِرَ بِأَدَاءِ مَا افْتُرِضَ عَلَيْهِ، فَقَدْ يَصْعُبُ الْيَسِيرُ، وَيَضِيقُ الْوَاسِعُ، وَيَقِلُّ الْكَثِيرُ.
الخُطْبَة الأُولَى:
الحمدُ للهِ فَاطِرِ الأَرْضِ والسَّمَاوَاتِ، المتَفَضِّلِ بِالْعَطَايَا وَالْهِبَاتِ، المُتَفَرِّدِ بِالْكَمَالِ فِي الْأَفْعَالِ وَالصِّفَاتِ، فَرَضَ عَلَى عِبَادِهِ الْحَجَّ فِي أَشْهُرٍ مَعْلُومَاتٍ، وَجَمَعَهُمْ عَلَى صَعِيدٍ وَاحِدٍ فِي عَرَفَاتٍ، يَخْتَلِفُونَ فِي الْأَعْرَاقِ وَالْأَشْكَالِ وَاللُّغَاتِ، أَقْبَلُوا عَلى خَالِقِهِمْ بِالتَّوْحِيدِ مُذْعِنِينَ، وَبِالْحَجِّ مُهَلِّلِينَ، وَلِنِدَاءِ رَبِّهِم مُلَبِّيِينَ (إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ)[البقرة: 143].
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ النبيُّ المصطفى الأمين، صَلَّى اللهُ عليْهِ وعَلَى آلِهِ وأَصْحَابِهِ أجمعين.
أمّا بعدُ: فَاتقوا الله أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، فَفِي تَقْوَاهُ النَّجَاةُ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[الزمر: 61].
عِبَادَ اللهِ: فَرَضَ اللهُ عَلَى عِبَادِهِ حَجَّ بَيْتِهِ الْحَرَام، وَجَعَلَ الْحَجَّ أَحَدَ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَأَصْلاً من أُصُولِهِ الْعِظَامِ، وهَوُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ مُسْتَطِيعٍ؛ لِيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ وقَدْ رَغَّبَ اللهُ عِبَادَهُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا)[البقرة: 96-97]، ثُمَّ فَرَضَهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)[البقرة: 97].
أَيُّهَا المؤمِنُونَ: وَقَدْ أَكَّدَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- هَذَا الْأَصْلَ، فَخَطَبَ النَّاسَ بِقَوْلِهِ: «أيُّها النَّاسُ، قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُم الْحَجَّ، فَحُجُّوا»(رواه مسلم: 1337)، وَحَجَّ نَبِيُّنَا -صلى الله عليه وسلم- بالمسلمينَ حَجَّةَ الْوَدَاع، وَعَلَّمَ أُمَّتَهُ مَنَاسِكَ الْحَجِّ وَشُرُوطَهِ وَوَاجِبَاتِهِ وَمَحْظُورَاتِهِ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ، ثُمَّ قَالَ: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ؛ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ»(أخرجه مسلم: ١٢٩٧).
عِبَادَ اللهِ: والحَجُّ مِنْ أَجَلِّ الْأَعْمَالِ قَاطِبَةً، سُئِلَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قالَ: إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللهِ، قيل: ثمَّ ماذا؟ قال: حَجٌّ مبرورٌ"(رواه البخاري 26، ومسلم 83).
وَالْحَجُّ لِلْعَبْدِ مِيلادٌ جَدِيدٌ، يُنَقِّيهِ مِنَ الذُّنُوبِ كَمَا تُنَقِّي النَّارُ خَبَثَ الْحَدِيدِ، قالَ -صلى الله عليه وسلم- لِعَمْرو بنِ الْعَاصِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "أَمَا عَلِمْتَ أنَّ الإسْلامَ يَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَهُ؟ وأنَّ الهِجْرَةَ تَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَها؟ وأنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟"(أخرجه مسلم: 121)، وَلِمَكَانَةِ الْحَجِّ وَفَضْلِهِ عَلَّمَنَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ الْحَجَّ الْمَبْرُور لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةَ، فَنِعْمَت الْعِبَادَة، وَنِعْمَ الْجَزَاء.
عِبَادَ اللهِ: هَا قَد اكْتَمَلَ ثُلُثَا ذِي الْقَعْدَة، وَرَبَتْ نَسَائِمُ الْحَجِّ مِنْ بَعِيدٍ، وَتَطَلَّعَتْ عُيُونُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، تَتَرَقَّبُ بِلَهْفَةٍ، وَتَنْتَظِرُ بِشَوْقٍ، وَهَا هِيَ جُمُوعُ الْحَجِيجِ شَطَّتْ عَنْهُم الدِّيَارُ، وتَنَاءَتْ بِهِم الْأَقْطَارُ، فَجَاؤُوا يَقْطَعُونَ الْفَيَافِيَ وَالْقِفَار، آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا، قالَ -تَعَالَى-: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)[الحج: 27].
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَالْمُبَادَرَةُ بِأَدَاءِ فَرِيضَةِ الْحَجِّ، وَالتَّعْجِيل بِهَا، شرطُ الْإِسْلَامِ، وَدَلِيلُ الْإِيمَانِ، قَالَ -تَعَالَى-: (فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ)[البقرة: 148]، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "تَعَجَّلُوا إلى الحَجِّ فَإِنَّ أحَدَكُمْ لا يَدرِي ما يَعرِضُ لَهُ"(أخرجه أحمد ٢٨٦٩، وصححه الألباني في صحيح الجامع 2957)، وَقَالَ أَيْضًا: "مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ؛ فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ وَتَضِلُّ الرَّاحِلَةُ وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ"(أخرجه أبو داود ١٧٣٢، وابن ماجه ٢٨٨٣ وأحمد ٢٩٧٣).
كَمَا أَنَّ التَّقَاعُدَ عَنْهَا وَتَسْوِيفَهَا مِنْ تَسَلُّطِ الشَّيْطَانِ، فَكَيْفَ تَطِيبُ نَفْسُ مُسْلِمٍ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِ بِالْعَافِيَةِ وَالْمَالِ أَنْ يَتَكَاسَلَ عَنْ نِدَاءِ رَبِّهِ، فَيَنْتَكِسَ عَن الْفَرْضِ وَيَتَخَلَّفَ عَن الرَّكْبِ؟! أَلَا فَلْيَتَّقِ اللهَ مَنْ يَسَّرَ اللهُ لَهُ الْحَجَّ، وَأَنْ يُبَادِرَ بِأَدَاءِ مَا افْتُرِضَ عَلَيْهِ، فَقَدْ يَصْعُبُ الْيَسِيرُ، وَيَضِيقُ الْوَاسِعُ، وَيَقِلُّ الْكَثِيرُ.
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرِّجِيمِ: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ)[البقرة: 196].
بَارَكَ اللهُ لنا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِمَا مِنَ الْآَيَاتِ وَالْحِكْمَةِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّ رَبِّي كَانَ غَفَّارًا.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَة:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتنانِهِ، وأشهدُ ألّا إلَهَ إلّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، الدَّاعِي إلَى رضوانِه، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وأتباعِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدِّينِ.
أمَّا بَعْدُ: فاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ: واعْلَمُوا أنَّه يَجُوزُ لِمَنْ عَجَزَ عَن الْحَج لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَنْ يُنِيبَ مَنْ يَحُج عَنْهُ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَقَدْ جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ: إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ، أَدْرَكَتُ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثبُتَ عَلى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: "نَعَمْ"(رواه البخاري 1513، ومسلم 1334).
أَيُّهَا المؤمِنُونَ: والواجبُ عَلَى مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ أَنْ يَتَحَرَّى الحَلالَ، قالَ -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا)(رواه مسلم 1015)، وَأَنْ يُبَادِرَ بِالتَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَأَنْ يُبْقِيَ نَفَقَةً لِأَهْلِهِ وَمَنْ يَعُول، تَكْفِيهِم عَن السُّؤَالِ، وأَنْ يَتَعَلَّمَ مَا يُشرَعُ لَهُ فِي حَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ وَيَتَفَقَّهَ فِي ذَلِكَ، وَيَسْأَلَ عَمَّا أَشْكَلَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَتَخَيَّرَ الصُّحْبَةَ الصَّالِحَةَ.
أَسْأَلُ اللهَ -عزَّ وجلَّ- أَنْ يُيَسِّرَ لَنَا الطَّاعَات، وَأَنْ يُعِينَنَا عَلَيْهَا، وَأَنْ يَجْعَلَ حَجَّ هَذَا الْعَامِ مُبَارَكًا مَيْمُونًا، وَأَنْ يَحْفَظَ الْحَجِيجَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَمَكْرُوه، وَأَنْ يُتِمَّ عَلَى بِلَادِنَا نِعْمَةَ الْأَمْنِ وَالْأَمَانِ، وَأَنْ يَجْزِيَ وُلَاةَ أَمْرِنَا خَيْرَ الْجَزَاءِ عَلَى مَا يُقَدِّمُونَهُ لِخِدْمَةِ الحجيج.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ للْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ أَعِنْهُ وَسَدِّدْهُ، وَاجْعَل لَهُ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ عَهْدِهِ وِإِخْوَانَهُ وَأَعْوَانَهُ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ، وَسَلِّمْهُمْ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَشَرٍّ.
اللهم احفظ رجال الأمن، والمرابطين على الثغور أينما رحلوا وحلوا، وأتم عليهم الأمن والإيمان والسلامة والإسلام.
اللَّهُمَّ ارْحَمْ هذَا الْجَمْعَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِهِمْ، وآَمِنْ رَوْعَاتِهِمْ وارْفَعْ دَرَجَاتِهِمْ، واغْفِرْ لَهُمْ ولآبَائِهِمْ وأمهاتهم، واجْمَعْنَا وإيَّاهُمْ ووالدِينَا وإِخْوَانَنَا وذُرِّيَّاتِنَا وجيرانَنَا، ومَنْ لهُ حقٌّ علينَا في جَنَّاتِ النَّعِيمِ.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّم عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم