عناصر الخطبة
1/ من فضل الله أن حفظ لنا الدين 2/ غزوة أحد وكيف بدأت 3/ بلاء المسلمين الحسن في أحد 4/ شجاعة الصحابة في الدفاع عن نبيهم 5/ موقعة حمراء الأسد 6/ فوائد وعبر من غزوة أحداقتباس
ولعلنا نستعرض شيئًا من سيرة المصطفى العطرة في غزواته وسيره ونستخلص منها الدروس والعبر، فإنها من خير ما ربيت عليه النفوس، خصوصًا نفوس الشباب الذين هم عماد الأمة وبهم تقوم بإذن الله. في هذه الخطبة نمر على غزوة أحد التي حصل فيها تربيةٌ للمؤمنين وتصفية لنفوسهم وبيان...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله...
يقول الله -جل وعلا-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)، وإن من فضل الله أن حفظ لنا الدين بحفظ كتابه المبين وسنة نبيه الأمين: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، ومن حفظ القرآن حفظ السنة، ولقد كانت حياة المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- كلها نور مبين يهدي به الله من أراد الله والدار الآخرة إلى طرق الخير والنجاح، فما على المسلم إلا الاتباع كما قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "أيها الناس: اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم"، وأخرج الحاكم في مستدركه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض".
ومما حفظه لنا أئمة الدين سنن المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- في الغزو التي سُطرت فيها السنن بالدماء، فويح أمةٍ ليس لها مجد تحذو حذوه، وويح أمة نست مجدها ودست رأسها في التراب.
معاشر المسلمين: إن ذكر سير الصالحين ومجدهم يبعث الهمة والشجاعة في النفوس الأبية المؤمنة بوعد الله ونصره.
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم *** إن التشبه بالكرام فلاح
ولعلنا نستعرض شيئًا من سيرة المصطفى العطرة في غزواته وسيره ونستخلص منها الدروس والعبر، فإنها من خير ما ربيت عليه النفوس، خصوصًا نفوس الشباب الذين هم عماد الأمة وبهم تقوم بإذن الله.
في هذه الخطبة نمر على غزوة أحد التي حصل فيها تربيةٌ للمؤمنين وتصفية لنفوسهم وبيان لقواعد عظيمة تسير عليها الأمة.
كانت هذه الغزوة في سنة ثلاث من الهجرة في شهر شوال، لما أصيب يوم بدر من كفار قريش أصحاب القليب، ورجع بعضهم إلى مكة ورجع أبو سفيان بن حرب بعيره، مشى عبد الله بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل في رجال من قريش ممن أصيب آباؤهم وإخوانهم يوم بدر، فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك العير من قريش معقل، فقالوا: يا معشر قريش: إن محمدًا قد وتركم وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه، فعلَّنا ندرك منه ثأرنا بمن أصاب منا ففعلوا، قال ابن إسحاق: ففيهم أنزل الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)، فخرجت قريش بحدها وجدها وحديدها وأحابيشها ومن تابعها من بني كنانة وأهل تهامة، وأخرجوا معهم الظعن التماس الحفيظة ألا يفروا، حتى نزلوا ببطن الوادي الذي قبلي أحد، وكان رجال من المسلمين لم يشهدوا بدرًا قد ندموا على ما فاتهم من السابقة، وتمنوا لقاء العدو ليبلوا ما أبلى إخوانهم يوم بدر، فلما نزل أبو سفيان والمشركون بأصل أحد فرح المسلمون الذين لم يشهدوا بدرًا بقدوم العدو عليهم، وقالوا: قد ساق الله علينا أمنيتنا، قال ابن هشام: وحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: رأيت بقرًا لي تذبح، قال: فأما البقر فهي ناس يقتلون، وأما الثلم الذي رأيت في ذباب سيفي فهو رجل من أهل بيتي يقتل، واختلف الناس في الخروج لكفار قريش أو التحصن بالمدينة وقتالهم فيها، وكان رأي النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وكبار الصحابة البقاء فيها، وكان رأي شبابهم ومن فاتته غزوة بدر الخروج، فلما رأى رسول الله إصرارهم خرج بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي إلى الجبل، فجعل ظهره وعسكره إلى أحد وقال: لا يقاتلن أحد منكم حتى نأمره بالقتال، واستعرض رسول الله جيشه فأجاز من هم في سن الخامسة عشرة، فأجاز يومئذ سمرة بن جندب الفزاري ورافع بن خديج أخا بني حارثة وهما ابنا خمس عشرة سنة، وكان قد ردهما فقيل له: يا رسول الله: إن رافعًا رامٍ، فأجازه، فلما أجاز رافعًا قيل له: يا رسول الله: فإن سمرة يصرع رافعًا، فأجازه، وتعبأ رسول الله للقتال سبعمائة رجل، وأمر على الرماة عبد الله بن جبير، والرماة خمسون رجلاً، فقال: "انضح الخيل عنا بالنبل لا يأتونا من خلفنا، إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك، لا نؤتين من قبلك"، وظاهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين درعين، ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير.
وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف رجل ومعهم مائتا فرس، فلما اصطف الناس أخذ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في تهيئة النفوس ورفع الهمم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من يأخذ هذا السيف بحقه؟!"، فقام إليه رجال فأمسكه عنهم حتى قام إليه أبو دجانة سماك بن خرشة أخو بني ساعدة، فقال: وما حقه يا رسول الله؟! قال: "أن تشرب به العدو حتى ينحني"، قال: أنا آخذه يا رسول الله بحقه، فأعطاه إياه، وكان أبو دجانة رجلاً شجاعًا، ثم نشبت الحرب، قال ابن هشام: حدثني غير واحد من أهل العلم أن الزبير بن العوام قال: وجدت في نفسي حين سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- السيف فمنعنيه وأعطاه أبا دجانة، وقلت: والله لأنظرن ما يصنع، فاتبعته، فأخرج عصابة له حمراء فعصب بها رأسه، فقالت الأنصار: أخرج أبو دجانة عصابة الموت، وهكذا كانت تقول له إذا تعصب بها، فخرج وهو يقول:
أنـا الذي عاهدني خليلي *** ونحن بالسفح لدى النخيل
ألا أقوم الدهر في الكيول *** أضرب بسيف الله والرسول
فجعل لا يلقى أحدًا إلا قتله -رضي الله عنه-، قال الزبير: فقلت: الله ورسوله أعلم.
وممن أبلى في هذه المعركة حمزة بن عبد المطلب أسد الله ورسوله، قال وحشي غلام جبير بن مطعم: والله إني لأنظر إلى حمزة يهد الناس بسيفه، ما يليق به شيء مثل الجمل الأورق؛ إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى، فقال له حمزة: هلم إليّ يا ابن مقطعة البظور، فضربه ضربة فكأن ما أخطأ رأسه، وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت في ثنته حتى خرجت من بين رجليه، فأقبل نحوي فغلب فوقع، وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى قتل، وكان الذي قتله ابن قمئة الليثي، وهو يظن أنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فرجع إلى قريش فقال: قتلت محمدًا، فلما قتل مصعب بن عمير أعطى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اللواء علي بن أبي طالب، وقاتل علي بن أبي طالب ورجال من المسلمين.
والتقى حنظلة ابن أبي عامر الغسيل وأبو سفيان، فلما استعلاه حنظلة بن أبي عامر رآه شداد بن الأسود وهو ابن شعوب وقد علا أبا سفيان فضربه شداد فقتله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن صاحبكم -يعني حنظلة- لتغسله الملائكة"، فسألوا أهله: ما شأنه؟! فسئلت صاحبته فقالت: خرج وهو جنب، سمع الهاتفة، ثم أنزل الله نصره على المسلمين وصدقهم وعده فحسوهم بالسيوف حتى كشفوهم عن العسكر، وكانت الهزيمة لا شك فيها.
قال الزبير بن العوام: رأيتني أنظر إلى خدم هند بنت عتبة وصواحبها مشمرات هوارب ما دون أخذهن قليل ولا كثير، إذ مالت الرماة إلى العسكر حين كشفنا القوم عنه، وخلوا ظهورنا للخيل، فأتينا من خلفنا، وصرخ صارخ: ألا إن محمدًا قد قتل، فانكفأنا وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب اللواء حتى ما يدنو منه أحد من القوم.
وانكشف المسلمون فأصاب فيهم العدو، وكان يوم بلاء وتمحيص أكرم الله فيه من أكرم من المسلمين بالشهادة حتى خلص العدو إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدث بالحجارة حتى وقع لشقه، فأصيبت رباعيته، وشج في وجهه، ووقع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حفرة، فأخذ علي بن أبي طالب بيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائمًا، ومص مالك بن سنان أبو أبي سعيد الخدري الدم عن وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم ازدرده، ثم إن أبا عبيدة بن الجراح نزع إحدى الحلقتين من وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسقطت ثنيته، ثم نزع الأخرى فسقطت ثنيته الأخرى، فكان ساقط الثنيتين.
ومن شجاعة أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- في تلك الغزوة أنه لما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين غشيه القوم: "مَنْ رجل يشري لنا نفسه"، فقام زياد بن السكن في نفر خمسة من الأنصار، فقاتلوا دون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً ثم رجلاً يقتلون دونه حتى آخرهم، ومن ذلك صنيع أم عمارة نسيبة بنت كعب، اسمع لها تروي عن نفسها تقول: خرجت أول النهار وأنا أنظر ما يصنع الناس، ومعي سقاء فيه ماء، فانتهيت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في أصحابه والدولة والريح للمسلمين، فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف وأرمي عن القوس حتى خلصت الجراح إليّ.
ومن ذلك شجاعة أبي دجانة وسعد بن أبي وقاص، قال ابن إسحاق: وترس دون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبو دجانة بنفسه يقع النبل في ظهره وهو منحنٍ عليه حتى كثر فيه النبل، قال الراوي: حتى أصبح كالقنفذ من كثرة النبل، ورمي سعد بن أبي وقاص دون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال سعد: فلقد رأيته يناولني النبل وهو يقول: "ارم فداك أبي وأمي".
ما فعله أنس بن النضر قال ابن إسحاق: وحدثني القاسم بن عبد الرحمن بن رافع أخو بني عدي بن النجار قال: انتهى أنس بن النضر عم أنس بن مالك إلى طلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار وقد ألقوا ما بأيديهم، فقال: ما يجلسكم؟! قالوا: قتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: فماذا تصنعون بالحياة بعده؟! قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل، فعن أنس بن مالك قال: لقد وجدنا بأنس بن النضر يومئذ سبعين ضربة، فما عرفه إلا أخته عرفته ببنانه، فحُمل النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- من أرض المعركة، وحماه الناس حتى انتهى إلى الشعب، فبينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالشعب معه أولئك النفر من أصحابه إذ علت عالية من قريش الجبل، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم إنه لا ينبغي لهم أن يعلونا"، فقام عمر بن الخطاب ورهط معه من المهاجرين حتى أهبطوهم من الجبل، ونهض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى صخرة من الجبل ليعلوها، فلم يستطع، فجلس تحته طلحة بن عبيد الله، فنهض به حتى استوى عليها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أوجب طلحة" يعني دخول الجنة.
ومنهم عمرو بن الجموح؛ كان رجلاً أعرج شديد العرج، فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: إن بنيَّ يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك فيه، فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه الجنة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك"، وقال لبنيه: "ما عليكم أن لا تمنعوه، لعل الله أن يرزقه الشهادة"، فخرج معه فقتل يوم أحد.
ثم إن أبا سفيان بن حرب حين أراد الانصراف أشرف على الجبل ثم صرخ بأعلى صوته فقال: أنعَمْتِ فعال، وإن الحرب سجال، يوم بيوم بدر، اعل هبل، أي أظهر دينك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعمر: "قم فأجبه، فقل: الله أعلى وأجل، لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار".
فلما ذهب كفار قريش من أرض المعركة ويمموا قبل مكة، مر بأبي سفيان ركب بني عبد القيس، فقال: أين تريدون؟! قالوا: نريد المدينة، قال: ولم؟! قالوا: نريد الميرة، قال: فهل أنتم مبلغون عني محمدًا رسالة أرسلكم بها إليه وأحمّل لكم هذه غدًا زبيبًا بعكاظ إذا وافيتموها؟! قالوا: نعم، قال: فإذا وافيتموه فأخبروه أنا قد أجمعنا السير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم، فمر الركب برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو بحمراء الأسد، فأخبروه بالذي قال أبو سفيان، فقال: "حسبنا الله الوكيل".
ولما رجع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- إلى المدينة خرج ليرهب العدو حتى انتهى إلى حمراء الأسد، وهي من المدينة على ثمانية أميال، فأقام بها الاثنين والثلاثاء والأربعاء، ثم رجع إلى المدينة.
اللهم فقهنا في دينك، وارزقنا أتباع سنة نبيك، أقول قولي...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين الرحمن...
معاشر المسلمين: إن غزوة أحد مليئة بالفوائد والحكم التي لا يأتي عليها العد ولا الحصر، فمن ذلك: تقرير مبدأ الشورى كما فعل المصطفى في الخروج للقاء العدو أو المكث في المدينة.
منها: أن الكفار ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، فالواجب على المسلمين أن ينفقوا أموالهم في سبيل الله طيبة بها نفوسهم.
ومنها: عدم الانسياق وراء الرؤى ولو كانت حقًّا، فإن الرؤيا التي رآها النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كانت محزنة، ومع ذلك قدم أمر الله في قوله: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)، فالرؤيا تسر المؤمن ولا تغره، وتحزنه ولا ترده.
ومنها: إعداد العدة وعدم المخاطرة بأبناء المسلمين الذين لا يصلحون للقتال، وذلك باستعراضهم قبل الغزو.
ومنها: تصفية الجيش من المخذلين الذين يرجفون ولا ينفعون كما فعل ابن أبيّ، كما قال تعالى: (فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَداً...).
ومنها: رفع همم الجيش وتحميسهم، ووعدهم النصر والأجر.
ومنها: طاعة الأمير وعدم مخالفته مهما كان الأمر ما لم يكن معصية، فإن سبب الهزيمة في آخر المعركة هو مخالفة الرماة أمر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ونزولهم من أماكنهم لما ظنوا أن المعركة انتهت، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)، وفيه أثر الذنوب وأنها تخذل العبد وقت الشدة.
ومنها: معرفة كيف كان الصحابة يفدون النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بأرواحهم عند الوغى، كما فعلوا لما سقط في الحفرة فأحاطوا به كالحائط المنيع فلم يخلص له الكفار.
ومنها: خطر الشائعات في الحروب وما شابهها كوقت الفتن، وذلك أنه لما أشيع أن النبي قتل فتَّ ذلك في عضد الصحابة، فمثل ذلك لا يصدق ولا ينشر.
ومنها: الاعتماد على الله والتوكل عليه، وعدم خشية الناس مهما بلغت قوتهم، كما قال -صلى الله عليه وآله وسلم- لما قيل له: إن الناس قد جمعوا لكم قال: (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).
ومنها: عدم إظهار الضعف للعدو ولو كان بك الضعف الشديد، ومحاولة إظهار القوة بقدر الاستطاعة، فإن أبا سفيان لما هدد النبي وأصحابه لم يرجفهم ذلك، بل خرجوا للقائه حتى بلغوا حمراء الأسد.
ومنها: أن فعل السبب لا ينافي التوكل، فقد ظاهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين درعين، فلم يكن في ذلك عيب ولا جبن.
ومنها: أن الله يبتلي أولياءه لحكمة أرادها سبحانه، وهي التربية والتمحيص وتطهير القلوب وأخذ الدروس من الهزيمة، وعدم الاتكال على نصر الله دون أخذ للسبب، وليتبين المؤمن من المنافق، وليتخذ الله منهم شهداء.
ومنها أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لا يعلم الغيب، ولو كان يعلم الغيب لدفع عن نفسه الإصابة في المعركة.
ومنها: أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وهو النبي ليس له من الأمر شيء، إنما الأمر لله وحده، ولهذا لما دعا على صناديد قريش باللعن قال الله له: (لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ)، وقد تاب الله عليهم فأسلموا.
ومنها: أن الأيام دول، فقد ينصر الله أولياءه وقد ينصر أعداء الدين لحكمة أرادها سبحانه، ولكن العاقبة للمتقين.
ومنها: عدم تمني الموت ولقاء العدو، ولهذا قال الله: (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْن الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ)، وهذه الآية فيها تعيير لمن تمنى ذلك ثم فر من أرض المعركة، أما تمني الشهادة فمستحب.
ومنها عدم تعليق النصر بالأشخاص، فإنه لما مات النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- خذل الناس فقال الله: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ).
ومنها: أن السبب الرئيس في الهزيمة ضد أعداء الله هو من نفس المؤمنين، وذلك لبعض التقصير الواقع منهم كل بحسبه: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ)، فليرجع المؤمن باللوم على نفسه فليمحصها من دنسها.
أيها المؤمنون: ما أعظمها من فوائد تنفع المؤمن في دنياه وآخرته، فلنقرأ سيرة المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم-، متأملين لذلك، مربين لأبنائنا عليها حتى نفوز بقوله سبحانه: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ).
اللهم وفقنا لهداك...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم