عناصر الخطبة
1/تفاوت الناس في محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- 2/تقديم محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- على محبة ما سواه 3/طاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- 4/توقير النبي -صلى الله عليه وسلم- وتعظيمه 5/ تعظيم سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- 6/الدفاع عن النبي–صلى الله عليه وسلم- والذب عنه 7/الإكثار من الصلاة على النبي–صلى الله عليه وسلم- 8/محبة آل النبي -صلى الله عليه وسلم-9/محبة أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- ومعرفة فضلهم وقدرِهم 10/محبة ما يحب النبي -صلى الله عليه وسلم- 11/الشوق إلى رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- 12/تطبيق وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- وعدم مخالفتهااقتباس
أيها المؤمنون: إن لحبّ النبي -صلى الله عليه وسلم- رصيدًا في قلب كل مؤمن، فما من مؤمن إلا وله من حبه نصيب، فمستقلٌ ومستكثر، وعلى قدر أمارات المحبة تكون حقيقتها، فسل نفسك وفتش في قلبك وعملك. فإن كنت تحبه صلى الله عليه وسلم فقدم حبه على حب ما سواه؛ أخرج البخاري ومسلم عن أنس-رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما" الحديث. وسُئل...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
أيها المؤمنون: فلا يزال الحديث موصولاً في ظلال محبته صلى الله عليه وسلم، إذ مضى شطرُه في بواعِث المحبة، وركائزها في النفوس، وبقي في ذمّة المحبين نصبُ ميزان الحب، وإقامة برهانه، والوفاء بثمنه، فالحب ليس ادعاءً، فيتحلى به غيرُ أهله، ولا كلامًا سهلاً يتصنعُه من لم يذق حلاوته في قلبه.
أيها المؤمنون: إن لحبّ النبي -صلى الله عليه وسلم- رصيدًا في قلب كل مؤمن، فما من مؤمن إلا وله من حبه نصيب، فمستقلٌ ومستكثر، وعلى قدر أمارات المحبة تكون حقيقتها، فسل نفسك وفتش في قلبك وعملك.
فإن كنت تحبه صلى الله عليه وسلم فقدم حبه على حب ما سواه؛ أخرج البخاري ومسلم عن أنس-رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما" الحديث.
وسُئل علي بن أبي طالب –رضي الله عنه-: "كيف كان حبكم لرسول الله-صلى الله عليه وسلم-؟ قال: كان ـ والله ـ أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ".
روى ابن هشام في السيرة عن سعد بن أبي وقاص-رضي الله عنه- قال: مرَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بامرأة من بني دينار، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأُحد، فلما نُعوا لها قالت: "ما فعل رسول الله؟" قالوا: خيرًا يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبّين، قالت: "أرونيه حتى أنظر إليه" قال: فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت: "كل مصيبة بعدك جلل" أي: هينة.
إن كنت تحبه صلى الله عليه وسلم فأطعه، فالطاعة علامة صدق المحبة وشرطها وثمرتها؛ قال القاضي عياض: "اعلم أن من أحب شيئا آثره وآثر موافقته، وإلا لم يكن صادقا في حبه وكان مدعيا، فالصادق في حب النبي -صلى الله عليه وسلم-من تظهر علامة ذلك عليه، وأولها الاقتداء به واستعمال سنته واتباع أقواله وأفعاله وامتثال أوامره واجتناب نواهيه".
لما كان يومُ بدر خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابُه يريدون عيرَ قريش، حتى أتاه الخبر بمسير قريش ليمنعوا عيرَهم، فاستشار رسول الله -صلى الله عليه وسلم-الناس وأخبرهم الخبر، وقال: "أشيروا عليّ أيها الناس" فقام أبو بكر-رضي الله عنه-فقال فأحسن، ثم قام عمر-رضي الله عنه-فقال فأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو-رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله، امضِ لما أمرك الله به فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) [المائدة: 24]. ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فو الذي بعثك بالحق لو سرتَ بنا إلى برك الغِماد -يعني الحبشة- لجالدنا معك مَن دونُه حتى تبلغه.
فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيرا ودعا له بخير، ثم قال: "أشيروا عليّ أيها الناس" وهو إنما يريد الأنصار، فقام سعد بن معاذ -رضي الله عنه- فقال: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله، قال: "أجل".
فقال سعد: آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض ـ يا رسول الله ـ لما أمرك الله، فو الذي بعثك بالحقّ لو استعرضت بنا هذا البحر فخضتَه لخضناه معك ما يتخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدوَّنا غدا، إنا لَصُبْرٌ عند الحرب، صُدْقٌ عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسِر بنا على بركة الله.
هل رأيت أعظم من هذا الحب أو أصدق من هذا الوفاء؟!
إنها ليست طاعةً في ركعتين يركعها، ولا امتثالاً لنهي عن لذة يشتهيها، إنها أنفسٌ تُباع، وأشلاء تُمزق، وأرواح تُزهقُ طاعةً لله ورسوله.
عن الشعبي قال: لما دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس إلى البيعةِ يوم الحديبية كان أولَ من انتهى إليه أبو سنان الأسدي، فقال: ابسط يدك أبايعك، فقال النبي: "علام تبايعني؟" فقال أبو سنان: على ما في نفسك، على ما في نفسك، يقولها وهو يعلم ما يقول، يعلم أن ثمن مقالته أن يأخذ الله من دمه حتى يرضى.
أيها المحب: إن كنت تحبه صلى الله عليه وسلم فوقره وعظِّمه، ألسنا نقرأ قوله جل في علاه: (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)[الأعراف: 157].
وقوله: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً)[الفتح: 8- 9]؟!
قال أبو بكر بن العربي: "حرمةُ النبي -صلى الله عليه وسلم- ميتا كحرمته حيا، وكلامه المأثورُ بعد موته في الرفعة مثلُ كلامه المسموع من لفظه، فإذا قرئ كلامه وجب على كلّ حاضر أن لا يرفع صوته عليه، ولا يُعرض عنه، كما كان يلزمه ذلك في مجلسه عند تلفظه به".
روى البخاري في صحيحه عن عروةَ بن مسعود أنه قال لقريش وقد بعثته في شأن الصلح: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله ما رأيت ملكًا قطّ يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمدٍ-رضي الله عنه-محمدًا، والله إن انتخم نخامةً إلا وقعت في كفّ رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيمًا له.
وعن بريدة بن الحصيب-رضي الله عنه-قال: "كنا إذا قعدنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-لم نرفع رؤوسنا إليه إعظامًا له"[رواه البيهقي].
وعن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- قال: "ما كان أحد أحب إلي من رسول الله، ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه"[رواه مسلم].
وروى مسلمٌ عن أنس-رضي الله عنه- قال: "لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والحلاق يحلق رأسه، وأطاف به أصحابه، فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل منهم".
وكيف لا يكون الأمر كذلك؟! ألم يكن صلى الله عليه وسلم كلَّ شيءٍ في حياتهم؛ معلمَهم، مربيهم، قائدهم، قدوتهم، إمامهم في الدنيا والشهيد عليهم في الآخرة؟!
روى الإمام أحمد عن ابن مسعود-رضي الله عنه-قال: بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى النجاشي ونحن نحوٌ من ثمانين رجلاً، فلما سألَنا عن مقالتنا في عيسى ابن مريم وأمِّه أجابه جعفر بقول الله فيهما، فرفع النجاشي عُودا من الأرض ثم قال: يا معشر الحبشة والقسيسين والرهبان، والله ما يزيدون على الذي نقول فيهما سوى هذا، مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده، أشهد أنه رسول الله، وأنه الذي نجدُ في الإنجيل، وأنه الرسول الذي بَشّر به عيسى ابنُ مريم، انزلوا حيث شئتم، والله لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أكون أنا الذي أحملُ نعليه.
وإن كنت تحبه صلى الله عليه وسلم فعظم سنته، فلقد كان سلفنا الصالح إذا ذُكر عندهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أو حديثٌ من أحاديثه ظهر عليهم من الهيبة والإجلال والتأدب كما لو كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أمامهم، عن عمرو بن ميمون -رحمه الله- قال: كنتُ لا تفوتني عشيةُ خميس إلا آتي فيها عبد الله بن مسعود، فما سمعتُه يقول لشيء قط: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى كانت ذات عشية، فقال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: فنظرتُ إليه وهو قائم محلولة أزرار قميصه قد اغرورقت عيناه وانتفخت أوداجه، فقال: أو دون ذلك أو فوق ذلك أو قريبا من ذاك أو شبيها بذاك.
وفي رواية: "فنظرتُ إليه وهو معتمدٌ على عصا فنظرت إلى العصا تزعزع".
وفي أخرى: "فأرعد وارتعد، قال: هكذا أو قريبا من هذا أو فوق ذا أو دون ذا، فقالوا له: ما لك يا أبا عبد الرحمن؟! قال: إني حدثت بحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فتخوفت أن أزيد فيه شيئا أو أنقص منه شيئا"[رواه الدارمي وابن ماجة بإسناد صحيح].
قال مصعب بن عبد الله: كان مالك -رحمه الله- إذا ذُكر النبي -صلى الله عليه وسلم- يتغير لونه، وينتحب حتى يصعب ذلك على جلسائه، فقيل له يومًا في ذلك فقال: لو رأيتم ما رأيت ما أنكرتم علي ما ترون، لقد كنت أرى محمدَ بنَ المنكدر وكان سيدَ القراء لا نكادُ نسألُه عن حديثٍ أبدًا إلا بكى حتى نرحمه، وكنت آتي صفوانَ بنَ سُليم فإذا ذُكر النبي -صلى الله عليه وسلم-بكى، فلا يزال يبكي حتى يقوم الناس عنه ويتركوه.
قال ضرار بن مرة الشيباني: كانوا يكرهون أن يحدثوا بحديث على غير وضوء.
وكان الأعمش -رحمه الله-: "إذا أراد أن يحدث وهو على غير وضوء تيمم".
قال عبد الرحمن بن مهدي: "مشيت مع مالك يومًا إلى العقيق، فسألته عن حديث، فانتهرني، وقال لي، كنت في عيني أجلَّ من أن تسأل عن حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن نمشي".
أين أنتم -أيها المحبون-: ـ من تعظيم سنته والعمل بها والذب عنها وإحيائها في الناس؟!
وإن كنت تحبه صلى الله عليه وسلم فذُبَّ عنه وافده بنفسك ومالِك.
أجمع أهلُ العلم على وجوبِ قتل من سبَّ الرسول-صلى الله عليه وسلم - أو عابه، أو ألحق به نقصًا في نسبه، أو دينه، أو خصلةٍ من خصاله، أو عرّض به، أو شبَّهه بشيءٍ على طريق السبِّ له، والإزراءِ عليه، أو التحقير لشأنه، قالوا: ويُقتل بلا استتابة، وإن كان ذِمِّيا قُتل ودمه هدرٌ، وعهده منقوض، كلُّ ذلك رعايةً لعظيم حقه صلى الله عليه وسلم على أمته.
لقد قدّم الصحابة -رضوان الله عليهم- صوَرا رائعة في ذبِّ المحب عن حبيبه، حدّثت أم سعدٍ بنتُ سعد بن الربيع قالت: دخلت على أم عمارة فقلت لها: يا خالة، أخبريني خبرك، فقالت: خرجت أولَ النهار أنظر ما يصنع الناس، ومعي سقاء فيه ماء، فانتهيت إلى رسول الله وهو في أصحابه، والدولة والريح للمسلمين، فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله، فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف، وأرمي عن القوس، حتى خلصت الجراحُ إليّ، قالت: فرأيت على عاتقها جرحا أجوف له غور، فقلت لها: من أصابك بهذا؟ قالت: ابن قمئة أقمأه الله، لما ولى الناس عن رسول الله أقبلَ يقول: دُلوني على محمد لا نجوتُ إن نجا، فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير وأُناسٌ ممن ثبت مع رسول الله، فضربني هذه الضربة، ولقد ضربته على ذلك ضربات، ولكن عدو الله كانت عليه درعان، يقول: "ما التفتُ يمينًا ولا شمالاً يومَ أحد إلا ورأيتها تقاتل دوني".
وفي غزوة الرجيع لما غدر بنو لحيان بأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-كان فيمن أسروه زيدُ بن الدِّثِنَة، فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه، فاجتمع رهطٌ من قريش فيهم أبو سفيان، فقال له حين قُدِّم ليُقتل: "أَنشدك بالله يا زيد، أتحبّ أن محمدًا الآن عندنا مكانك نَضرب عُنقَه وأنك في أهلك؟ قال: والله ما أحبّ أن محمدًا الآن في مكانِه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأني جالس في أهلي" قال أبو سفيان: "ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدًا".
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله يخلق ما يشاء ويختار، أجرى بحكمته الأقدار، يكور النهار على الليل ويكور الليل على النهار، اللهم صل وسلم على إمام الأبرار وسيد الأطهار، وعلى السابقين من المهاجرين والأنصار.
أما بعد:
أيها المحب: إن كنت تحبه صلى الله عليه وسلم فأكثر من ذكره والصلاة عليه.
أخرج مسلم عن أبي هريرة-رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صلى عليَّ واحدة، صلى الله عليه عشرًا".
وعند الترمذي عن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل عَلَيّ".
وفي المسند عن أُبيٍّ-رضي الله عنه-قال: قلتُ: "يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: "ما شئت" حتى قال: أجعلُ لكَ صلاتي كلها، قال: "إذا تُكفى همَّك، ويُغفر لك ذنبُك".
قال القاضي عياض: "فذِكره شُرع لإظهار محبته واحترامه وتوقيره وتعظيمه صلى الله عليه وسلم وهذا من علامات محبته".
إن كنت تحبه صلى الله عليه وسلم فأحب آله وصحبه، قال ابن تيمية: "من أصول أهل السنة والجماعة إنهم يحبون أهل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، يقول جل شأنه: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)[الشورى: 23].
ومن علامات حبه صلى الله عليه وسلم: حبُّ أصحابه ومعرفةُ فضلهم وقدرِهم، يقول الحق -تبارك اسمه-: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رضي الله عنهم وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[التوبة: 100].
قال شيخ الإسلام: "وَمِنْ أُصُول أهل السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ سَلامَةُ قُلوبِهِمْ وَأَلسِنَتِهِمْ لأَصْحَابِ رَسُول اللهِ –صلى الله عليه وسلم- كَمَا وَصَفَهُمْ اللهُ بِهِ فِي قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الحشر: 10].
وَطَاعَةُ النبي -صلى الله عليه وسلم- فِي قَوْلهِ: "لا تَسُبُّوا أَصْحَأبي، فَوَ اَلذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْل أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ"[متفق عليه]".
روى الشيخان عن أنس-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "آية الإيمان حبُّ الأنصار، وآية النفاق بغضهم".
ولمسلم من حديث فاطمة بنت قيس -رضي الله عنها- قال صلى الله عليه وسلم: "من أحبني فليحب أسامة".
إن كنت تحبه صلى الله عليه وسلم فأحبَّ ما يحبه، قال ابن رجب: "فمن أحب الله ورسوله محبةً صادقةً من قلبه أوجب له ذلك أن يحب بقلبه ما يحبه الله ورسوله، ويكره ما يكرهه الله ورسوله، ويرضى ما يرضي الله ورسوله، ويسخط ما يسخط الله ورسوله، وأن يعمل بجوارحه بمقتضى هذا الحبّ والبغض، فإن عمل بجوارحه شيئًا يخالف ذلك بأن ارتكب بعض ما يكرهه الله ورسوله أو ترك بعض ما يحبه الله ورسوله مع وجوبه والقدرة عليه دلّ ذلك على نقص محبته الواجبة، فعليه أن يتوب من ذلك ويرجع إلى تكميل المحبة الواجبة".
لقد تجاوز الصحابة الكرام مسألة إيثار محابِّ النبي -صلى الله عليه وسلم- المأمور بها وراحوا يحبون ما أحبه بطبعه من لباس أو زينة أو طعام، في الصحيحين عن أنس بن مالك-رضي الله عنه- قال: إن خياطًا دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لطعام صنعه، قال أنس بن مالك: فذهبت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك الطعام، فقرب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خبزا من شعير ومرقًا فيه دُباء وقديد، قال أنس: "فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتتبع الدباء من حوالي الصحفة، قال: فلم أزل أحب الدباء منذ يومئذ".
وفي روايةٍ لمسلم قال أنس :"فما صُنع لي طعامٌ بعد أقدر أن يُصنع فيه دباء إلاّ صُنع".
إن كنت تحبه صلى الله عليه وسلم فهل تشتاق إلى رؤيته؟
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة-رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أشدّ أمتي لي حبًا ناس يكونون بعدي يودّ أحدهم لو رآني بأهله وماله".
وله عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده، ليأتين على أحدكم يوم ولا يراني، ثم لأن يراني أحب إليه من أهله وماله معهم".
وعن الشعبي قال: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "لأنت أحب إلي من نفسي وولدي وأهلي ومالي، ولولا أني آتيك فأراك لظننت أني سأموت، وبكى الأنصاري" فقال له رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "ما أبكاك؟" قال: ذكرتُ أنك ستموت ونموت، فتُرفع مع النبيين ونحن إن دخلنا الجنة كنا دونك، فلم يخبره النبي -صلى الله عليه وسلم- بشيء، فأنزل الله -عز وجل- على رسوله-صلى الله عليه وسلم-: (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنْ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا)[النساء: 69- 70] فقال له النبي-صلى الله عليه وسلم-: "أبشر"[أخرجه البيهقي في الشعب وللحديث طرق يقوي بعضها بعضا].
إن كنت تحبه صلى الله عليه وسلم فلا تخالف وصيته، فلقد كان صلى الله عليه وسلم يخاف علينا أن يجد الشيطان إلينا منفذا من طريق حبه، فنرفعه فوق ما أنزله الله، فنهلك كما هلك من كان قبلنا، أخرج الشيخان عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما نزل برسول الله -صلى الله عليه وسلم- الموتُ طفق يطرح خميصةً له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها، فقال وهو كذلك: "لعنة الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يُحذِّر ما صنعوا، ولولا ذلك أُبرز قبره، غيرَ أنه خشي أن يتخذ مسجدا.
وفي المسند بإسناد صحيح على شرط مسلم عن أنس-رضي الله عنه- أن رجلاً قال: يا محمد يا سيدنا وابن سيدنا وخيرنا وابن خيرنا، فقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بقولكم، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله، والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله -عز وجل-".
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله".
وفيه عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أنّ رجلاً قال للنبي-صلى الله عليه وسلم-:"ما شاء الله وشئت" فقال له النبي-صلى الله عليه وسلم-: "أجعلتني والله عدلا، بل ما شاء الله وحده".
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم