عناصر الخطبة
1/ وجوب البلاغ عن الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- 2/ أشراط الساعة الكبرى 3/ صفات المهدي 4/ الأدلة على خروج المهدي 5/ التحذير من تنزيل أحاديث أشراط الساعة على وقائع عينية 6/ المهدي عند أهل السنة وعند الفرق الضالة.اقتباس
إن من واجب المسلم التورّع عن الفتيا، وخاصة في الأمور الغيبية التي أخبر عنها رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم- والتي تكون قبل قيام الساعة، أما ما مرَّ واتّضح لنا وضوحًا بينًا سواء في الحاضر الذي نعيشه أو في القديم فلا يحتاج إلى كثير بحث وتدقيق حيث كُفينا مؤونة ذلك. ولقد توقفتُ كثيرًا عن تفسير وتأويل حديث صحيح رواه مسلم ونحن نعاصره الآن وتعيشه العراق ودخلت عليهم السنة الرابعة عشرة وهم على هذه الحال...
الخطبة الأولى:
الحمد لله..
أما بعد: فإن الأحاديث الواردة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن العلامات والآيات والأشراط الدالة على قرب قيام الساعة كثيرة جدًا، فمنها ما قد مضى وانتهى، ومنها ما نعيشه نحن وعاصرناه، ولا تزال تتابع العلامات الوسطى ولم تنته إلى الآن وإلى أن يشاء الله -تبارك وتعالى-، ولكن هناك علامات كبرى إذا تتابعت ووقعت كان قيام الساعة، وهذا في آخر الزمان كما أخبر بذلك رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
ومن الواجب على العلماء والدعاة والمرشدين والخطباء أن يبلغوا ما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في القرآن الكريم أو السنة الصحيحة حسب ما يفهمه عامة الناس وما يقتضيه الزمن والوقت الذي يعيشونه، وخاصة في زمن الفتن والحروب واستغلال أهل الضلال لنشر ضلالهم وباطلهم بين الناس، عليهم أن يبلغوا دين الله عز وجل حتى يكون الناس على بينة من أمرهم، وهذا واجب عليهم لا يسلمون من عواقبه وإثمه إلا بإبلاغه للناس وعدم كتمان العلم الذي علموه من دين الإسلام، وإلا حق عليهم ما ورد من الوعيد الشديد في الكتاب والسنة.
ومنها قول الله عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ* إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة: 159، 160]، وقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من كتم علمًا ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار"؛ رواه ابن حبان والحاكم، ورواه ابن ماجه بزيادة وتعريف أيضًا للعلم المقصود وحصره في أمر الدين: "من كتم علمًا مما ينفع الله به الناس في أمر الدين ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار".
روى الإمام مسلم -رحمه الله- من حديث حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه أنه قال: اطلع النبي -صلى الله عليه وسلم- علينا ونحن نتذاكر فقال: "ما تذاكرون؟" قالوا: نذكر الساعة، قال: "إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات"، فذكر "الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى عليه السلام، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم"، وفي رواية أخرى: "ونار تخرج من قعر عدن ترحل الناس".
وإذا ظهر أول علامات الساعة الكبرى فإن الآيات والعلامات الأخرى تتابع كتتابع الخرز في العِقْدِ أي: في النظام من الخرز والجوهر ونحوهما حيث يتبع بعضها بعضًا. وقد وردت السنة الصحيحة بذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خروج الآيات بعضها على إِثْرِ بعض يتتابعن كتتابع الخرز في النظام" (رواه الطبراني صححه الألباني رحمه الله في الجامع الصغير).
وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الآيات خرزات منظومات في سلك، فإن يقطع السلك يتبع بعضها بعضًا" رواه الإمام أحمد -رحمه الله-.
وقبل ظهور تلك العلامات الكبرى يخرج رجل من أهل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اسمه المهدي، يؤيد الله به الدين، يملك سبع سنين أو تسعًا، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جورًا وظلمًا، تنعم الأمة في عهده نعمة لم تنعمها من قبل حيث تخرج الأرض نباتها، وتمطر السماء قطرها، ويعطي المال بغير عدد.
وهذا الرجل يوافق اسمه اسم الرسول -صلى الله عليه وسلم-، واسم أبيه كاسم أبي النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيكون اسمه محمد أو أحمد بن عبد الله، وأحمد مأخوذ من الحمد؛ كما ذكر الله تعالى عن بشارة عيسى عليه السلام بأنه سوف يأتي رسول من بعده اسمه أحمد، فكلمة أحمد على صيغة أفعل مأخوذة من الحمد، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [الصف: 6].
والمهدي من ذرية فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم من ولد الحسن بن علي رضي الله عنهم أجمعين. وله صفة واردة في الحديث يعرف بها غير الاسم تفيد بأنه أجلى الجبهة أقنى الأنف، أي: أنه خفيف الشعر فيما بين الصدغين، لذلك فهو محسور شعر رأسه عن جبهته، وقَنَا الأنف أي: طول ورقة أرْنبته مع حدب في وسطه.
وقد وردت أحاديث صحيحة تدل على ظهور المهدي في آخر الزمان يجب على المسلم الإيمان بها، وهذه الأحاديث منها ما جاء فيه النص على المهدي الحقيقي، ومنها ما جاء ذكر صفته، ومنها ما وقع الخلط فيه في حادثة الحرم، وذلك حديث صحيح لا شك فيه وفي وقوعه، ولكن لم يتنبه لدقة ألفاظه أكثرُ من خلط وفسّر وتأول عند وقوع تلك الحادثة وبعدها.
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يخرج في آخر أمتي المهدي يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطي المال صحاحًا، وتكثر الماشية، وتعظم الأمة، يعيش سبعًا أو ثمانيًا" يعني حججًا. وهو في سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني.
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أبشركم بالمهدي يبعث على اختلاف من الناس وزلازل، فيملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما ملئت جورًا وظلمًا، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، يقسم المال صحاحا"، فقال له رجل: ما صحاحًا؟ قال:"بالسويّة بين الناس"، قال: "ويملأ الله قلوب أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- غنى، ويسعهم عدله حتى يأمر مناديًا فينادي فيقول: من له في مال حاجة؟ فما يقوم من الناس إلا رجل، فيقول: ائت السّدّان - يعني الخازن - فقل له: إن المهدي يأمرك أن تعطيني مالاً، فيقول له: احْثِ، حتى إذا جعله في حجره وأبرزه ندم، فيقول: كنت أجشع أمة محمد نفسًا، أَوَعجز عني ما وسعهم؟!" قال: "فيرده فلا يقبل منه، فيقال له: إنا لا نأخذ شيئًا أعطيناه، فيكون كذلك سبع سنين أو ثمان سنين أو تسع سنين، ثم لا خير في العيش بعده"، أو قال: "لا خير في الحياة بعده" (رواه الترمذي وأحمد -رحمهما الله تعالى-).
وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المهدي منّا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة" (رواه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني في الجامع الصحيح).
قال ابن كثير -رحمه الله-: "معنى ذلك: يتوب الله عليه ويوفقه ويلهمه ويرشده بعد أن لم يكن كذلك".
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المهدي مني، أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما ملئت ظلمًا وجورًا، يملك سبع سنين". (رواه أبو داود وقال الألباني -رحمه الله- في صحيح الجامع: "إسناده حسن").
وعن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "المهدي من عترتي من ولد فاطمة" (رواه أبو داود وابن ماجة وهو في صحيح الجامع).
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم المهدي: تعال صلِّ بنا، فيقول: لا، إن بعضهم أمير بعض تكرمةَ الله لهذه الأمة". قال ابن القيم -رحمه الله-: "إسناده جيد، وله شاهد بعد عدة أحاديث هنا من رواية الإمام مسلم -رحمه الله-".
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "منا الذي يصلي عيسى ابن مريم خلفه" وهو في صحيح الجامع للألباني -رحمه الله-.
وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تذهب -أو: لا تنقضي- الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي"، وفي رواية: "يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي" (رواه أبو داود -رحمه الله-).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟!" رواه البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى.
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-ما قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة"، قال: "فينزل عيسى ابن مريم عليه السلام، فيقول أميرهم: تعال صلّ لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة" (رواه مسلم).
وأيضًا عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثيًا لا يعده عددًا" أو قال: "عدًّا" رواه مسلم -رحمه الله-.
إن من واجب المسلم التورّع عن الفتيا، وخاصة في الأمور الغيبية التي أخبر عنها رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم- والتي تكون قبل قيام الساعة، أما ما مرَّ واتّضح لنا وضوحًا بينًا سواء في الحاضر الذي نعيشه أو في القديم فلا يحتاج إلى كثير بحث وتدقيق حيث كُفينا مؤونة ذلك.
ولقد توقفتُ كثيرًا عن تفسير وتأويل حديث صحيح رواه الإمام مسلم -رحمه الله- ونحن نعاصره الآن وتعيشه العراق ودخلت عليهم السنة الرابعة عشرة وهم على هذه الحال، ولكن ربما يكون المقصود غير ذلك، وإلا فهذا الحصار الاقتصادي الذي مُنع عنهم فيه أن يُجبى إليهم دينار أو درهم جدير بأن يكون تفسيرًا لهذا الحديث، وأذكره من أجل أن يكتسب المسلم الورع خاصة في الذي لم يقع بعد ولم يكن واضحًا كل الوضوح، مع أنه وقع الحصار الواضح فعلاً بعد هذا التاريخ السابق عندما أُسقطت حكومة صدام.
ولا يزال العراق وشعبه يعاني من ذلك، وكذلك الدول المجاورة والعالم بأسره يعاني من هذه الحروب وشرورها وتلك الحصارات والمحاصرة الاقتصادية هنا وهناك على هذه الدولة أو تلك، هذه الأساليب التي لا يزال يستخدمها الأعداء في القديم والحديث ومسلسلها مستمر وخاصة في هذه الأيام.
عن أبي نضرة قال: كنا عند جابر بن عبد الله فقال: "يوشك أهل العراق أن لا يجيء إليهم قفيز ولا درهم"، قلنا: من أين ذاك؟ قال: "من قِبَل العجم يمنعون ذلك" الحديث. لقد أردت من إيراد هذا الحديث التورّع وعدم الجزم بتطبيق أحاديث أشراط الساعة على حادثة معينة مع أن تطبيق هذا الحديث على الواقع واضح جدًّا، وكذلك الحديث الذي سأذكره بعد قليل وقد وقع قبل ربع قرن من الآن؛ لذلك فإن الواجب على المسلم أن يؤمن بخروج المهدي في آخر الزمان، والله أعلم متى يكون ذلك، ولا يجوز له أن ينكر الأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك ولا في غيره.
أما الحديث التالي ذكره فإنه قد وقع قبل أكثر من خمس وعشرين سنة تقريبًا أي: في بداية القرن الخامس عشر الهجري، ولا علاقة له بالمهدي الذي يكون في آخر الزمان وإن كان قد وُضع في بعض كتب الحديث بين أحاديث المهدي، فإن الأمر فيه واضح كل الوضوح لمن تأمله بكل دقة لعدة اعتبارات:
أولا: لأن الذي خصه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالمبايعة في الحديث نَكِرَة وليس معرفة، فقال: "يبايع لرجل ما بين الركن والمقام".
ثانيًا: ربط الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين المبايعة لذلك الرجل وبين استحلال حرمة البيت الحرام لأنه لا يجوز القتال فيه ولم يُحل للرسول -صلى الله عليه وسلم- إلا ساعة من النهار يوم الفتح.، وأن استحلال حرمته بالقتال سوف يكون من قبل المسلمين وليس من قبل أي مشرك أو كافر أو ملحد، وربط بذلك بالواو وحرف العطف لكون ذلك في وقت واحد ومتقارب، أما نهاية الحديث الذي يفيد بخراب الكعبة فقد جاء فيه حرف العطف (ثم) الذي يفيد الترتيب وأن ذلك سوف يكون في آخر الزمان كما فسر في أحاديث أخرى.
ثالثًا: أن المهدي لا يكون عند مبايعته أيُّ قتال، وذاك قد حصل فيه القتال كما هو معروف.
عن سعيد بن سمعان قال: سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- يخبر أبا قتادة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يبايع لرجل ما بين الركن والمقام، ولن يستحل البيت إلا أهله، فإذا استحلوه فلا تسأل عن هلكة العرب، ثم تأتي الحبشة فيخربونه خرابًا لا يعمر بعده أبدًا، وهم الذين يستخرجون كنزه" رواه أحمد وابن حبان والحاكم وغيرهم وقال الألباني -رحمه الله- في الأحاديث الصحيحة: "إسناده صحيح".
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدًا عبد الله ورسوله، اللهم صلّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد: ففي الأيام التي سبقت الحرب على العراق وأيام الحرب كثر الكلام في السّرّ والعلن عن المهدي المنتظرِ خُروجه، وتمّ الترويج لأمره عبر وسائل الإعلام المختلفة، ووجدت الفرق الضالة مرتعًا خصبًا لنشر كذبهم وافتراءاتهم وعقائدهم الباطلة وتعبير الرؤى والأحلام الصادقة والكاذبة من خلال المنابر الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية، حتى اختلّت الموازين عند كثير من المسلمين نظرًا لما يُشاع ويتردد ذِكْرُهُ في المجتمعات ومن خلال تلك الوسائل التي كَثُرَ شرُّها وشرُّ القائمين عليها وما يُعرض فيها ويُكتب.
وفي المقابل التقصير الحاصل من أهل الحق للاستغلال الأمثل لإزهاق الباطل ودمغه، ولكنّ عزاءنا بأن دين الإسلام الصافي النقي محفوظ بأمر الله -عز وجل-، ولا تزال طائفة من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- قائمة بالحق إلى قيام الساعة ومنصورة بإذن الله -تبارك وتعالى- لا يضرها من خذلها أو خالفها كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خالفهم".
وفي رواية: "من خذلهم أو عاداهم"، وكما ورد في الحديث السابق ذكره في الخطبة الأولى. وهذه الطائفة المنصورة هي المتمسكة بكتاب الله وسنة رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- وسنة الخلفاء الراشدين الأربعة، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله وسنتي".
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ".
إن أهل السنة المتمسكين بالكتاب والسنة حقًا لا يجدون المعاناة التي يعانيها أتباع الفرق الضالة الذين يأخذون معتقداتهم وعباداتهم من مراجعهم كما يزعمون ويدَّعون، يأخذون ذلك دون معرفة بأدلتهم أو مناقشة لهم فيما هم عليه من الباطل، حتى أصبح يَصْدُق عليهم وينطبق قول الله عز وجل عن اليهود والنصارى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [التوبة: 31].
ذلك الغموض والتعتيم والسّرّية التي تتّبعها تلك الطوائف الضالة ليست موجودةً عند أهل السنة، فهذا كتاب الله عز وجل وسنة رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- في متناول أيدي الجميع في المساجد والمدارس والمنازل والمكتبات العامة والخاصة، وليس هناك أيّ سرّية أو نصوص مخفيّة من الكتاب والسنة عن أيّ أحد من الناس.
أما أصحاب الضلالات والأهواء والانحرافات فيدّعون زورًا وبهتانًا خلاف ذلك، وينشرون كذبهم وافتراءاتهم باحتراز وتقية ظاهرة، ولهم قوة عجيبة ودعم مادي ومعنوي من شياطين الإنس والجن مع علمهم بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي قال فيه: "وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة".
أعود للقول بأن أهل السنة يؤمنون بالأحاديث الثابتة حول المهدي على النحو الذي ذَكَرْتُ فيه بعضَ الأحاديث في الخطبة وأنه على الأرجح في آخر الزمان قبل نزول عيسى ابن مريم -عليه الصلاة والسلام-، وفي زمن الدجال، وليس في زمن محدود وشهر وسنة معلومة كما تدّعيه الفرق الضالة المنحرفة عن الصراط المستقيم الذين يستغلّون الفرص حال الفتن والحروب لدعم باطلهم ونشر وإذاعة وإشاعة الأحاديث المكذوبة والموضوعة لاستغلال سذاجة كثير من المسلمين وعدم إدراكهم ومعرفتهم بكثير من أمور دينهم، فضلاً عن قلّة بضاعتهم في الأدلة عن الأمور الغيبية التي يدّعي أهل الضلال تفسيرها تبعًا لأهوائهم وباطلهم واعتقاداتهم السيئة التي لا تَمُتُّ بِصِلَةٍ إلى الإسلام النقي الصافي.
أهل السنة يؤمنون بالمهدي وأوصافه وفق ما جاء في الأحاديث الثابتة وبأن اسمه يوافق اسم الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، واسم أبيه يوافق اسم أبي الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، وبأنه من أهل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- من نسل فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زوجة الخليفة الرابع علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وعن الصحابة أجمعين، وهو أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يصلحه الله في ليلة، يملأ الأرض عدلاً وقسطًا بعد أن مُلِئَتْ ظلمًا وجَوْرًا، ومُلْكُهُ من سبع إلى تسع سنوات في آخر الزمان، يسقيه الله الغيث فتمطر السماء، وتنتفع الأرض بهذا المطر فتخرج نباتها وتكثر خيراتها وتعظم الأمة وتنعم نعمة لم تنعمها من قبل ويعطي المال صحاحًا وحثيًا بغير عدّ.
يؤمن أهل السنة بذلك كلّه وتلك الأوصاف وبخروجه من أي مكان خَرَج، ويؤمنون بأنه بَشَرٌ لا يضرُّ ولا ينفع، وأن ما يُجريه الله على يديه من الخير والأمن وكثرة الأموال وغيرها إنما ذلك بقدرة الله -عز وجل-، وأنه سبحانه هو الذي سخّرها له لتكون آية وعلامة ودلالة عليه، ويؤمنون أيضًا أنه لا يُدخِلُ أَحَدًا الجنة أو النار، وأن الذين يعيشون في زمنه ليس لهم أفضلية عن غيرهم من ناحية الإيمان إلا من ازداد إيمانه وخاصة من يثبت عند فتنة المسيح الدجال.
أهل السنة ليسوا ممّن أنكره أو بالغ في شأنه وأمره حتى ادّعوا وجوده منذ أكثر من أحد عشر قرنًا من الزمان، ومنهم الشيعة الإمامية الاثنا عشرية الجعفرية الذين قالوا عنه بأن أمه حملت به ووضعته في لحظات من آخر الليل من عام 256هـ، وحَمْلُهُ وولادتُه تُشْبِهُ الحملَ والولادة بعيسى ابن مريم -عليه السلام-، وأن اسمه محمد بن حسين العسكري، واختفى عن الأنظار، وأنه من نسل الحسين بن علي -رضي الله عنهما-، وأنه على قيد الحياة ويدير شؤون الناس ولا يَصِلُهُ إلا الخاصة منهم.
فهو حاضر في الأمصار، غائب عن الأبصار، يورث العصا ويختم الفضاء مما يدّعون ويزعمون، وأنه دخل سرداب سامراء وهم ينتظرونه كل يوم يقفون بالخيل عند باب السرداب يصيحون ويطلبون خروجه منذ 1173 سنة تقريبًا، هذه الضلالات والخرافات والأساطير التي يدّعيها أولئك القوم وغيرهم من الفرق الضالة ليست من الإسلام في شيء، علمًا بأنهم صرفوا أموالاً طائلة على مرّ السنين لنشر عقائدهم الباطلة، ولبسوا الملابس السوداء من عباءات وعمائم للتدليس على الناس حتى يملكوا العالم.
وليتهم صرفوها هي وجهودهم في طريق الحق، ولذلك فهم يستغلّون الأوضاع الراهنة في الحرب وبعدها لإعلان باطلهم، مع أن أحاديث صحيحة تسبق ذلك وقد ذكرتُها مراتٍ في خطبٍ حول علامات الساعة الصغرى والوسطى والكبرى، وعِلْمُ ذلك عند الله -عز وجل- حيث لم يُطْلِعْ نبيّه ورسوله محمدًا -صلى الله عليه وسلم-عن وقت الساعة بالتحديد إلا ما كان من عموم الآيات القرآنية أو ما أوحاه إليه وأجراه على لسانه من إخبارٍ بما يقع بين يدي الساعة، قال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الأعراف 187، 188].
وقال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ * يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) [الشورى 17، 18].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم