عناصر الخطبة
1/ عداء النصارى للمسلمين. 2/ عقيدة الإسلام سهلة ميسرة لكل أحد. 3/ شرح موجز لبعض عقائد النصارى. 4/ المستقبل للإسلام وأهله. 5/ قصيدة ابن القيم في عقيدة النصارىاقتباس
أيها المسلمون: هذه هي عقيدة القوم، وهذا حقيقة عيدهم هو ما سمعت، لكن الأعجب من هذا أن هؤلاء هم الذين تقلدوا زمام الأمور في العالم، وصاروا يديرون الدفة، متمثلة في دولة عادٍ الكبرى ومن تدور في فلكها، وعلى نفس عقيدتها وسياستها. ماذا سيقدم...
الحمد لله:
أما بعد: عباد الله، لقد كشر النصارى عن أنيابهم علانية في هذا الموقف، وإن كان عداء النصارى للإسلام وأهله عداء قديما، لكن بروزه وظهوره العلني صار يتّضح لكل من كان غافلاً أو مستغفلاً في الماضي. ومن أسباب هذا الظهور أيضًا هو سقوط دولة الاتحاد السوفيتي، فصار لا منافس لهم بالساحة، فأصبحوا يعيثون في الأرض فسادًا دون رقيب ولا حسيب، وأصبحت تجد لهم في كل مكان إما تدخلا مباشرا أو غير مباشر أو اعتداء علنيا على إنزال أو أية صورة من صور الاعتداء.
ولعل من أبرز الصور الواضحة في وقتنا هذا هذا الإجرام الوحشي في البوسنة والهرسك على يد الصرب النصارى، وحشية في الإجرام لا مثيل لها، تُضرب العاصمة ويقتل البشر نساءً وأطفالاً، كبارًا وصغارًا، على مرأى ومسمع من العالم كله، دون تحريك أي ساكن. فهل هناك دليل على تكشير النصارى عن أنيابهم وإظهار حقدهم وعداوتهم للإسلام وأهله أكثر من هذا؟! وهناك صور أخرى كثيرة تدل على هذا.
أيها المسلمون: هذه هي عقيدة القوم، وهذا حقيقة عيدهم هو ما سمعت، لكن الأعجب من هذا أن هؤلاء هم الذين تقلدوا زمام الأمور في العالم، وصاروا يديرون الدفة، متمثلة في دولة عادٍ الكبرى ومن تدور في فلكها، وعلى نفس عقيدتها وسياستها. ماذا سيقدم هؤلاء النصارى للبشرية من خير ومن نفع؟! إن قيمة الإنسان بعقيدته لا بشكله ولا مظهره ولا بماله، إنما بعقيدته. وهؤلاء النصارى الذين يتحكمون في العالم اليوم عقيدتهم خاوية سخيفة، يمجها صاحب العقل الصحيح وصاحب الفطرة السليمة. فكيف بهؤلاء وهم يتحكمون في عقول الشعوب وفي أفكار الناس؟! ماذا عساهم أن يقدموا؟!
إن دين الإسلام - أيها الإخوة - دين سهل ميسر لكل أحد، إن عقيدة الإسلام عقيدة سهلة ميسرة لكل أحد، كل فرد من المسلمين يستطيع أن يفهم عقيدة الإسلام بكل سهولة، صغيرًا كان أو كبيرًا، ذكرًا أو أنثى، عالمًا أو أميًا. فإن من خصائص هذا الدين ومن مميزات عقيدة الإسلام أنه لا يشترط التعمق في فهمها وتعلمها، سواء كان الفرد من المسلمين يكتب أو لا يكتب، يقرأ أو لا يقرأ، بإمكانه أن يفهم عقيدته ويعبد ربه حق العبادة. فإن العقيدة في الإسلام ليست قاصرة على العلماء، وليس فهمها من خصائص أحد من الناس، بل الكل يفهمها ويطبقها في يسر وسهولة.
أيها المسلمون: لا يمكن لنا أن ندرك هذه الحقيقة تمام الإدراك إلا بأن نتعرض ونشرح لكم بإيجاز عقائد بعض الملل والديانات الأخرى غير الإسلام، لتعرفوا تعقيداتها وقبحها وسخافة عقول من يعتقدون بها، مع اختلاف وتباين المتمسكين بهذه العقائد في فهمها وتطبيقها، وكذلك الاختلاف في سلوكهم.
لنأخذ مثلاً - أيها الإخوة - أمة النصارى، ولنشرح بإيجاز بعض معتقداتهم، ثم لتحكموا أنتم عليهم، وتقارنوا بين ما يعتقدون وما تعتقدون.
أيها المسلمون: بعث الله سبحانه وتعالى عبده ورسوله وكلمته المسيح ابن مريم، فحدد لهم الدين بعدما حُرف، وبين لهم معالمه، ودعاهم إلى عبادة الله وحده والتبري من تلك المحدثات والآراء الباطلة، فعادوه وكذبوه ورموه وأمه بالعظائم، وراموا قتله فطهره الله تعالى منهم ورفعه إليه، فلم يصلوا إليه بسوء. وأقام الله تعالى للمسيح أنصارًا دعوا إلى دينه وشريعته حتى ظهر دينه على من خالفه ودخل فيه الملوك، وانتشرت دعوته واستقام الأمر على السداد بعده نحو ثلاثمائة سنة. ثم أخذ دين المسيح في التبديل والتغيير، حتى تناسخ واضمحل، ولم يبق بأيدي النصارى منه شيء، بل ركبوا دينًا بين دين المسيح وبين الفلاسفة عباد الأصنام، وراموا بذلك أن يتلطفوا للأمم حتى يدخلوهم في النصرانية.
إن النصارى الآن يعتقدون في الله أنه نزل من العرش من كرسي عظمته ودخل في فرج امرأة، وأقام هناك تسعة أشهر يتخبط بين البول والدم والأذى، وقد علته أطباق المشيمة والرحم والبطن، ثم خرج من حيث دخل رضيعًا صغيرًا يمص الثدي، ولُف في القمط وأودع السرير يبكي ويجوع ويعطش ويبول ويتغوط، ويحمل على الأيدي والعواتق، ثم صار إلى أن لطمت اليهود خديه وربطوا يديه وبصقوا في وجهه، وصقعوا قفاه وصلبوه جهرًا بين لصين، وألبسوه إكليلاً من الشوك وسمروا يديه ورجليه وجرعوه أعظم الآلام، هذا هو الإله لدى بقية النصارى، سبحانه وتعالى عن قولهم علوًا كبيرًا.
وهل تدرون ما هو اعتقاد النصارى في الأنبياء عليهم السلام؟ يعتقد النصارى أن أرواح الأنبياء كانت في الجحيم في سجن إبليس من عهد آدم إلى زمن المسيح، فكان إبراهيم وموسى ونوح وصالح وهود معذبين مسجونين في النار بسبب خطيئة آدم عليه السلام وأكله من الشجرة، وكان كلما مات واحد من بني آدم أخذه إبليس وسجنه في النار بذنب أبيه.
عباد الله: ما رأيكم وماذا تقولون في أناس هذه معتقداتهم وهذه تصوراتهم عن الله عز وجل وعن الأنبياء؟ قارنوا ـ رحمكم الله ـ في اعتقاد المسلمين في الله عز وجل وفي الأنبياء، معرفتنا بالله عز وجل يفهمها كل صغير وكبير، كل عالم أو غير متعلم؛ أن الله هو الخالق الرازق المدبر المحيي المميت، وأن الله له عظمة في قلوبنا ننزهه سبحانه عن الولد والوالد وعن أن يدخل في فرج امرأة ونحو ذلك من الكلام الفاسد الباطل الذي لا تقبله عقول العقلاء.
المشلكة في أن النصارى أنفسهم متفرقون في اعتقاداتهم، وليس كلهم بإمكانه أن يتصور هذه العقيدة عندهم، فلو سألت أهل البيت الواحد منهم عن دينهم ومعتقدهم في ربهم ونبيهم لأجابك الرجل بجواب، وامرأته بجواب، وابنه بجواب، والخادم بجواب، فما ظنك بمن في عصرنا هذا وهم نخالة الماضين وزبالة الغابرين ونفاية المتحيرين؟!
أيها المسلمون: إنه لمن العجب أنك تجد بعض النصارى قد بلغ في العلوم الدنيوية منتهاه، فقد يكون من كبار الأطباء أو من كبار المهندسين أو مستشارًا أو خبيرًا، وقد جمع من العلوم والشهادات كل مجمع، وعقله من أرجح العقول في مجاله، لكن لو جئت تسأله عن ربه واعتقاده فيه وعن دينه الذي يعتقده لوجدته أخس من الحمار، فأتعجب من هذا العقل كيف لا يفكر في دينه ومعتقده، وكيف يمكن لعقله أن يتصور أن ربه دخل في فرج امرأة بعدما كان في السماء ثم ولد من جديد ثم صار رضيعًا وذاق الجوع والعطش، سبحان الله! أي عقول هذه؟!
المصيبة - أيها الإخوة - أن هذه العقول هي التي تمسك بسياسات العالم اليوم، المصيبة أن من يحمل هذه الاعتقادات السخيفة التي هي زبالة الأفكار والاعتقادات هم الذين يوجهون سياسات العالم، وهم الذين يديرون دفة دول العالم، وقراراتهم هي التي تنفذ، وخططهم هي التي لا بد أن تسير، فأسألكم: هل هذه العقول بهذه التصورات الحقيرة والاعتقادات الخاطئة الجاهلة مؤهلة لأن تقود العالم؟! هل مثل هذه العقول مؤهلة لأن توجه البشرية؟! نعم إذا غاب الإسلام عن الساحة فلا بد أن يحل محله نفايات الأذهان وخرافات العقول، إذا تخلى المسلمون عن دورهم فلا عجب أن يلعب غيرهم ممن هذه عقولهم وتصوراتهم.
نسأل الله جل وتعالى أن يقيض لهذه الأمة من يعيد لها مكانتها وقيادتها للبشرية، وهذا حاصل بإذن الله عز وجل، فإن المستقبل لهذا الدين، والمستقبل للإسلام كما أخبرنا بذلك الصادق المصدوق في غير ما حديث، يقول عليه الصلاة والسلام: «وليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزًا يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر»، وفي صحيح مسلم يقول عليه الصلاة والسلام: «إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زُوي لي منها»، قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة:33].
تبشرنا هذه الآية الكريمة بأن المستقبل للإسلام بسيطرته وظهوره وحكمه على الأديان كلها، وقد يظن بعض الناس أن ذلك قد تحقق في عهده وعهد الخلفاء الراشدين والملوك الصالحين، وليس كذلك، فالذي تحقق إنما هو جزء من هذا الوعد الصادق كما أشار إلى ذلك النبي بقوله فيما رواه مسلم في صحيحه: «لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى»، فقالت عائشة: يا رسول الله، إن كنت لأظن حين أنزل الله: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) أن ذلك تام، قال: «إنه سيكون من ذلك ما شاء الله».
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية
أما بعد: أيها الإخوة المسلمون، فقد أعجبتني قصيدة جميلة للعلامة شمس الدين ابن القيم رحمه الله تعالى، وهو يحاور النصارى ويناقشهم في اعتقادهم بالله عز وجل، ويوجه لهم بعض الأسئلة التي لا يمكن لهم الإجابة عنها إلا بالتخلي والتنازل عن اعتقادهم. فيقول رحمه الله تعالى:
أعُـبَّـادَ الْمسيـح لنـا سـؤال *** نريـد جـوابـه مِمّن وعـاه
إذا مـات الإلـه بصنـع قـوم *** أمـاتـوه فمـا هـذا الإلـهُ
وهـل أرضـاه مـا نـالوه منه؟ *** فبشـراهم إذا نَـالوا رِضـاه
وإن سخِـط الـذي فَعلوه فيـه *** فقـوّتهـم إذًا أوهَـت قـواه
وهـل بقـي الوجـود بلا إلـهٍ *** سَميـع يستجيب لِمن دَعـاه
وهـل خَلـتِ الطِّباق السبعُ لَما *** ثوى تَحت التـراب وقد علاه
وهـل خلـتِ العوالم مـن إلـهٍ *** يدبّرهـا وقـد سُمِّرت يـداه
وكيـف تَخلّت الأمـلاك عنـه *** بنصـرهم وقد سمِعـوا بكـاه
وكيف أطاقتِ الخشباتُ حمل الـ *** إلـهِ الحـق شُـدَّ علـى قفاه
وكيـف دنـا الحديـد إليه حتى *** يُخـالـطـه ويـلحقـه أذاه
وكيـف تَمكنـت أيدي عِـداه *** وطالت حيث قد صفعوا قفـاه
وهل عـاد الْمسيـح إلى حَيـاة *** أم الْمحيـي لـه ربّ سـواه
ويـا عجبًـا لقبـرٍ ضـمّ ربًـا *** وأعجَب منـه بطن قد حـواه
أقـام هنـاك تسعًـا مِـن شهور *** لدى الظّلمات من حيضٍ غذاه
وشقّ الفـرج مولـودًا صغيـرًا *** ضَعيفًـا فاتِحًـا للثدي فـاه
ويـأكـل ثُم يشـرب ثم يأتـي *** بـلازم ذاك هـل هذا إلـه
تعالى الله عـن إفـك النصـارى *** سُيسأل كلهـم عمـا افتراه
أَعُبّـادَ الصليـب لأيِّ معـنـى *** يُعظَّم أو يقبَّـح مـن رمـاه
وهـل تقضـي العقول بغيْر كسرٍ *** وإحـراقٍ لـه ولمـن بغـاه
إذا ركـب الإلـه عليـه كرهًـا *** وقد شُـدّت لتسميـرٍ يداه
فـذاك المركـب الملعـون حقًـا *** فدُسـه لا تبسـه إذ تـراه
يُهـان عليـه رب الخلـق طـرًا *** وتعبده فإنـك مِـن عـداه
فإن عظمتَـه من أجـل أن قـد *** حوى ربَّ العباد وقـد علاه
وقد فُقِـد الصليـب فإن رأينـا *** لـه شكلاً تذكّـرنا سَنـاه
فهـلاَّ للقبـور سجـدتَ طـرًا *** لضَمِّ القبر ربَّـك فِي حشاه
فيـا عبـدَ المسيـح أفِق فَهـذا *** بـدايتُـه وهـذا منتهـاه
أيها المسلمون، حكي أن جماعة من النصارى تحدثوا فيما بينهم، فقال قائل منهم: ما أقلَّ عقول المسلمين! يزعمون أن نبيَّهم كان راعيَ غنم، فكيف يصلح راعي الغنم للنبوة؟! فقال له آخر من بينهم: أمّا هم فوالله أعقلُ منا، فإن الله بحكمتِه يسترعي النبيَّ الحيوان البهيم، فإذا أحسن رعايته والقيام عليه نقله منه إلى رعاية الحيوان الناطق حكمة من الله وتدريجًا لعبده، ولكن نحن جئنا إلى مولود خرج من امرأة يأكل ويشرب ويبول ويبكي، فقلنا: هذا إلهنا الذي خلق السماوات والأرض، فأمسك القوم عنه.
أيها الإخوة في الله: كم نحمد الله عز وجل على سلامة اعتقادنا في ربنا، كم نحمد الله عز وجل ونشكره أن سهل لنا ويسر لنا فهم ديننا، فإنا ـ ولله الحمد ـ لا ينقصنا الفهم، نفهم ونعي ما فيه الكفاية، لكن بقي التطبيق والعمل والإخلاص والاجتهاد لله عز وجل، وبقي علينا كذلك أن نشكر الله عز وجل على سهولة هذا الدين ويسره باتباعه وتنفيذه.
أسأل الله عز وجل أن يعيننا على شكره وطاعته وحسن عبادته، اللهم إنا نسألك رحمة تهدي بها قلوبنا وتجمع شملنا وتلم شعثنا، اللهم وأبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم