عناصر الخطبة
1/عقوبات تنتظر مانعي الزكاة 2/وجوب الحذر من سبيل الأخسرين أعمالا.اقتباس
فماذا ينفع المال إذا لم يؤد صاحبه زكاته، إذا لم يصل به الرحم، إذا لم يطعم به مسكينا، إذا لم ينفع به إخوانه المسلمين، ممن يشهدون ألا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، إذا لم يفرج به كربات المكروبين وييسر به على المعسرين ولم يكن في عون إخوانه...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أما بعد:
معاشر المسلمين: تكلمنا في الجمعة الماضية عن الزكاة، وأنها الركن الثالث من أركان الإسلام بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإقام الصلاة، وذكرنا أن تارك أداء الزكاة من المنافقين؛ فقد اتصف بصفات المنافقين والمشركين، وأن الذين يؤتون الزكاة هم المؤمنون حقا، وهم المؤمنون صدقا، وهم الذين يحبون الله ورسوله، ويحبهم الله ورسوله، -عليه الصلاة والسلام-، وفي هذه الخطبة -بإذن الله عز وجل- نتكلم عما ينتظر تاركي الزكاة الذين لا يؤتون الزكاة سواء زكاة الأموال من ذهب وفضة ونقود، أو زكاة الإبل والبقر والغنم.
ماذا ينتظر هؤلاء المجرمين يوم يقوم الناس لرب العالمين؟ يقول الله -عز وجل- في كتابه متحدثا عن هؤلاء: (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) [التَّوْبَةِ: 35]، (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) [التَّوْبَةِ: 34-35]، يا من كنتم تكنزون الذهب والفضة، يا من كنتم تكنزون الأموال، والنقود، التي تقوم الآن مقام الذهب والفضة من الدينار والدولار وغيرها، يا من تكنزون الذهب والفضة وما يقوم مقامهما ولا تؤدون زكاته؛ فما أُدِّيَ زكاته فليس بكنز، فالمقصود بالذين لا يؤدون الزكاة يؤتى بتلك الكنوز التي كانوا يكنزونها من ذهب أو فضة أو أموال من نقود فتصير صفائح كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فتصير صفائح فتوضع على جبين هؤلاء وعلى جنوب هؤلاء وعلى ظهور هؤلاء، تلك الصفائح تحمى في نار جنهم، ثم يكون الرجل عظيما فتوضع تلك الصفائح صفيحة أمام صفيحة على جنبيه وظهره وجبينه يعذب بها في يوم مقداره خمسون ألف سنة مما تعدون، لا تظل ساعة أو ساعتين أو يوما أو يومين أو أسبوعا أو أسبوعين أو شهرا أو شهرين، أو سنة أو سنتين، بل يعذب في يوم مقداره خمسون ألف سنة مما تعدون، ثم يرى سبيله؛ إما إلى جنة وإما إلى نار، إن كان من أهل النار دخل النار، وإن كان من أهل الجنة دخل الجنة بعد أن يعذب بكنزه الذي كنزه، ولم يؤت الفقراء والمساكين حقوقهم فبخل بذلك المال، فبدل أن يرتقي به إلى الدرجات العلا فيكون في ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله يكون في ظل سماواته بدلا أن يكون كذلك؛ فإذا به يعذب بكنزه.
وإن كان صاحب إبل أو صاحب بقر أو صاحب غنم ولكنه بخل بماله فلم يؤد الزكاة لأصحابها يعذب بإبله، يعذب ببقره، يعذب بغنمه، تأتي تلك العير من جمال أو نوق الواحدة تلو الأخرى تطؤه بأظلافها وتعضه بأفواهها، تعضه الناقة أو الجمل، تعض هذا الإنسان الجالس للمال الذي لم يؤد الزكاة الواحد تلو الواحد، فإذا مر عليه أولاها جاء أخراها، وإذا مرت أخراها؛ أي آخرها، جاءت أولاها وهكذا، ذاهبة وراجعة، لا يظل يوما أو يومين بل يعذب في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون حتى يحكم الله بين عباده، فريق في الجنة وفريق في السعير، فيرى سبيله، إما إلى الجنة وإما إلى النار، وكذلك صاحب البقر الذي أنعم الله عليه بالنعم الكثيرة، فآتاه البقر ولكنه لم يزك منها فتطؤه بأقدامها، وتنطحه بقرونها، وإن كانت في الدنيا ليس لها قرون فتأتي جميعها يوم القيامة بقرون، فتنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها، الواحدة تلو الواحدة، تذهب فترجع، تأتي فترجع إلى أن ينتهي ذلك اليوم الطويل العصيب العظيم، يوم مقداره خمسون ألف سنة مما تعدون.
وكذلك صاحب الغنم، تأتي تلك الغنم كلها من شياه أو ماعز كلها تأتي قرناء، لها قرون وإن كان كثير منها في الدنيا ليس لها قرون، فكذلك تطؤه بأقدامها وتنطحه بقرونها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون.
ويمثَّل له شجاع أقرع؛ أي: حية عظيمة، الشجاع هو الذكر من الحيات والأفاعي، الأقرع الذي ذهب شعره من كثرة السم الذي فيه، فيحيط برقبته ويعذبه في يوم مقدراه خمسون ألف سنة مما تعدون.
فماذا ينفع المال إذا لم يؤد صاحبه زكاته، إذا لم يصل به الرحم، إذا لم يطعم به مسكينا، إذا لم ينفع به إخوانه المسلمين، ممن يشهدون ألا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، إذا لم يفرج به كربات المكروبين وييسر به على المعسرين ولم يكن في عون إخوانه المؤمنين وأخواته المؤمنات، هذا هو ما يفعل به يوم القيامة في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون.
فهل أنت -أيها المسلم- يا من أنعم الله عليك بالمال مستعد لهذا العذاب الأليم، يوم يقوم الناس لرب العالمين؟ ومستعد للعذاب في قبرك، مستعد لأن تقابل ربك بهذه الجريمة الشنعاء المنكرة، بهذه الكبيرة من الكبائر والجريمة من الجرائم من أعظم الجرائم وأكبر الكبائر، تترك ركنا من أركان الإسلام، بل الركن الثالث من أركان الإسلام؛ فالزكاة أعظم من الحج وأعظم من الصيام، ولكن كثيرا من الناس عن هذا غافلون؛ فبدلا أن يكون هذا المال سبيلا موصلا لهم إلى الجنة بل إلى أعلى جنات الخلد إذا به يعذب بماله ويكون من ورثة الجحيم والعياذ بالله رب العالمين.
نسأل الله تبارك وتعالى لنا ولكم العافية والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى محمد بن عبد الله، ورضي الله عن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين ومن سار على هداهم إلى يوم الدين، أما بعد:
احذر -أيها المسلم- أن تكون من الأخسرين، احذر أن تكون من الأخسرين، يوم يقوم الناس لرب العالمين، روى الإمامان الجليلان البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- وأرضاه قال: "انتهيت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو في ظل الكعبة يطوف جاء ماشيا فوجد النبي -صلى الله عليه وسلم- في ظل الكعبة- وسمعه يقول، وأبو ذر لا زال واقفا في مكانه لم يجلس، سمعه يقول: هم الأخسرون ويحلف، هم الأخسرون ورب الكعبة، هم الأخسرون ورب الكعبة، قال: فقلت: -أي قال في نفسه: ما شأنه؟ هل يرى في شيء؟ هل أنزل في شيء؟ ما شأنه؟ ما الذي حدث حتى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: هم الأخسرون؟ يعني: هل أنا من هؤلاء الأخسرين؟ فخاف على نفسه وهو من هو من قربه من النبي -صلى الله عليه وسلم- وجلالته، وصحبته العظيمة للنبي -صلى الله عليه وسلم- فهو من السابقين الأولين في الإسلام، قال: ما شأنه؟ أأنزل في شيء؟ ما شأنه؟ قال: فجلست وهو يقول: لا يزال النبي -صلى الله عليه وسلم- يكرر هذه الجملة، هم الأخسرون ويحلف بالله رب الكعبة، فيقول: ورب الكعبة، هم الأخسرون ورب الكعبة، ويؤكد، فقال أبو ذر: فما استطعت أن أسكت، وتغشاني ما شاء الله –أي: تغشاني من الهم والغم ما شاء الله- خاف أن يكون من هؤلاء الأخسرين، لعله من الأخسرين أعمالا، وهو يحسب أنه يحسن صنعا، قال: فقلت: من هم بأبي أنت وأمي يا رسول الله؛ أي: أفديك بأبي وأمي يا رسول الله تعظيما له ولشأنه، أخبرنا بهؤلاء حتى لا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: من هم بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: "الأكثرون أموالا من هم؟ الأكثرون أموالا، يعني الأكثرون أموالا، وفي رواية: وقليل ما هم، الأكثرون أموالا يعني: هم الأخسرون يوم القيامة، ثم استثنى من هؤلاء الأخسرين، إلا من قال بيده أو من قال هكذا وهكذا وهكذا، يعني إلا الذين يؤدون الزكاة وينفقون في سبيل الله -عز وجل- فهؤلاء ليسوا بالأخسرين أعمالا، بل هؤلاء في ظل صدقاتهم، في ظل عرش الله يوم القيامة، هؤلاء من المقربين من صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن المقربين من النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن المقربين من الأنبياء والمرسلين، أما من كان من الأكثرين أموالا ولم يؤدوا الزكاة ولم ينفقوا في سبيل الله فهؤلاء هم الأخسرون يوم القيامة؛ فالأكثرون أموالا هم الأخسرون أعمالا إلا من قال بيده هكذا وهكذا وهكذا.
نسأل الله -جل وعلا- أن يوفقنا لكل خير، وأن يهدي إخواننا الأغنياء إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم في دينهم ودنياهم، وفي عاقبة أمرهم وفي عاجل دنياهم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم