عناصر الخطبة
1/ القرآن خير موعظة 2/الحكمة من قصص القرآن 3/قصة يوسف: الأحداث والعبر 4/العاقبة للمتقيناهداف الخطبة
1/الترغيب في قراءة قصص القرآن 2/ بيان بعضاً من الحكم التي لأجلها قص الله علينا القصص 3/بيان أن العاقبة لأهل الصلاح والتقوى 4/ بيان شيءٍ مما تعرض له أنبياء الله من الابتلاءاقتباس
وبعد هذه المحن الكبرى المتعددة محنة التآمر عليه بالقتل، محنة إلقائه في البئر، محنة تعرضه للاسترقاق، محنة ابتلائه في عفافه، محنة لبثه في السجن بضع سنين يظهر اللهُ علناً شأنه وأمره. (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [يوسف:56-57]....
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين, نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونثني عليه الخير كله, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الأخوة المؤمنون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله.
عباد الله: إن خير ما يوعظ ويذكر به كتاب الله الكريم الذي وعظ وذكَّر به عباده (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [يونس:57].
وإن أشد مواعظ هذا القرآن وقعاً, وأعظمها أثراً في نفوس من اجتباهم الله واختارهم لحمل دعوته من شيب أو شباب ذكور أو إناث قصص أنبياء الله ورسله وأتباعهم بإحسان -عليهم جميعاً وعلى نبينا الصلاة والسلام-، قصص تخاطب شباب الدعوة إلى الله شباب الصحوة الإسلامية في كل زمان ومكان, وتسليهم وترجيهم وتفتح أمامهم مجالات الآمال الواسعة المتفائلة, تفاؤل المؤمن بالله حقاً (وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ) [هود:120] (نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [القصص:3].
ومن تلكم القصص قصة نبي الله يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم -عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام-, التي قال تعالى فيها خصوصاً وغيرها عموماً (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) [يوسف:3] قصة ذلكم الشاب الواعي لدينه الذي نوفس وحُسد منذ نعومة أظافره وريعان شبابه ممن يفترض فيهم ولايته ونصرته.
وظلم ذوي القربى أشد مرارة *** على المرء من وقع الحسام المهند
نوفس وحسد وتؤومر عليه من إخوته (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ) [يوسف:8-10] ويلقونه في البئر ويعافيه الله من الموت بها ويطمئنه مولاه بظهوره عليهم (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) [يوسف:15] ويعرض بعد ذلك لاسترقاق رقبته يباع ويشتري نبي ابن نبي، بل ولما قد يكون أشد فتنة من ذلك وهو العيش داخل القصور الموبوءة قصور الملوك المترفين (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ) [يوسف:21].
ويبتلى بعد ليوقع في عفافه وسلوكه فيعافيه الله من ذلك (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [يوسف:23] وقال عنه ربه (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) [يوسف:24] ويهدد بعد بالسجن إن لم يفعل ما طلبته منه امرأة العزيز ذات المنصب والجمال فيأبى عليه عفافه وطهره (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) [يوسف:33] ورغم ظهور نزاهته وصدقه يأبى الفجور والطغيان كما هي عادته في كل زمان ومكان إلا أن يتمادى في غيِّه (ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) [يوسف:35] وذلكم تغطية للكذب وما أُدُّعي به عليه، ولذا لما طلب للخروج من السجن بعد أن فسر لهم رؤيا الملك رفض حتى تعلن براءته (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ * قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) [يوسف:50-51].
ولقد كان صلوات الله وسلامه عليه أثناء محنته مهتماً كل الاهتمام بالدعوة إلى الله, بترسيخ التوحيد الخالص في النفوس الذي هو وظيفته ووظيفة آبائه من قبل (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) [يوسف:38] (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ. مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [يوسف:39-40].
وبعد هذه المحن الكبرى المتعددة محنة التآمر عليه بالقتل، محنة إلقائه في البئر، محنة تعرضه للاسترقاق، محنة ابتلائه في عفافه، محنة لبثه في السجن بضع سنين يظهر اللهُ علناً شأنه وأمره. (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [يوسف:56-57].
وفي ظل هذا العز والتمكين يأتي إليه أولئكم الذين تآمروا عليه من قبل, وهم في حالة ضعف مادي ومعنوي يواجهونه بما قصه الله تعالى علينا بقوله سبحانه: (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ * قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ * قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ. قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [يوسف:88-92].
وفي هذا الموقف الرهيب موقف عز يوسف وذل إخوته لم ينس نعم الله عليه واستشعار بداية نهاية المطاف، مطاف الدنيا المحدودة (وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) [يوسف: 100، 101].
فيا أخوة الإسلام, ودعاة الإسلام, وشباب الإسلام, يا من اجتبيتم واصطفيتم لحمل رسالة الإسلام, يا من تُضايقون في التزامكم أو دعوتكم من والد أو ولد أو وال أو غير ذلكم: إن لكم في ثنايا التاريخ أسلافاً من رسل الله وأتباعهم بإحسان أعطوا قلوبهم لخالقها، فكانت العقبى لهم, خلصوها لله فخلصت أعمالهم له, زانوها بربطها بخالقها فزانت في الواقع والذكر والمثوبة والجزاء، فاقتدوا بالقوم تلحقوا بهم. يقول سبحانه في آخر قصة نوح عليه السلام في سورة هود: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) [هود:49] ويقول في ختام قصة يوسف: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [يوسف:111]
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم