عناصر الخطبة
1/ أصناف الناس تجاه نداء الله بالحج 2/ ذمّ من لم يجب داعي الله مع قدرته 3/ التعجيل بالحج 4/ العبرة بحجّ القلب 5/ منافع الحجاقتباس
فمن ترك الحج فإنه محروم من هذه الخيرات العظيمة، وهذا هو الحرمان. قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يقول: إن عبدًا أصححت له جسمه، ووسّعت عليه في المعيشة، تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إليّ لمحروم". ومن ترك الحج فلم يحج ولو مرة واحدة في حياته، أفلا يكون أولى بالحرمان؟! بلى إنه لمحروم غاية الحرمان.
لقد دعا ربنا عباده إلى بيته الحرام؛ ليعطيهم ويكرمهم أعظم العطاء والكرم، وحق على المزور أن يكرم زواره وضيوفه، فأجاب هذا النداء المهتدون السعداء، وأبى المعتدون الأشقياء، وآثروا القعود والبقاء، لكن لا جناح على أهل الأعذار، بل هم بمنزلة من حج وزار، وإن كانوا حبيسي الديار.
قال الله تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) [الحج: 27، 28].
أمر الله تعالى إبراهيم -عليه السلام- أن ينادي في الناس بالحج ويدعوهم إليه، فاستجاب المؤمنون الموحدون المخلصون الراغبون فيما عند الله، وأقبلوا إلى بيت الله الحرام، معبرين عن استجابتهم وإخلاصهم ولزومهم لطاعة الله بقولهم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.
انطلقوا إلى بيت الله مشاةً وراكبين من كل طريق بعيد، من كل الجهات والأقطار، فارقوا الأوطان والديار، وتركوا الشهوات والأوطار، وأنفقوا الدرهم والدينار، رجاء المغفرة والعتق من النار.
واعلموا -عباد الله- أن من لم يجب هذا النداء مع استطاعته -تهاونًا وتكاسلاً- فقد أتى ذنبًا عظيمًا وأصاب جرمًا كبيرًا، فضلاً عمن تركه جحودًا وإنكارًا.
قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ) [آل عمران: 97].
وقال عمر –رضي الله عنه-: "من أطاق الحج فلم يحج، فسواء عليه مات يهوديًا أو نصرانيًا".
ولا يجوز لمن استطاع الحج أن يؤجّل، بل عليه أن يتعجل، فقد يجيئه بغتة الأجل.
قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "من أراد الحج فليتعجل، فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة، وتحرض الحاجة".
وقال كذلك: "تعجّلوا إلى الحج، فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له".
وقال أيضًا: "التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة".
فيا من يسر الله عليه وأمده بالصحة والأموال: عجّل إلى الحج وبادر، واسع في الخير وثابر، قبل زيارة المقابر، فكأني بك قد سبق المجدّون وفازوا وأنت متأخر خاسر.
ولكن لا يتعجل إلى الحج إلا المؤمن الذي يريد مغفرة الله ورضاه، الذي استجاب لله تعالى وللرسول –صلى الله عليه وسلم- في المنشط والمكره، وفي الشدة والرخاء، ولم يكن عبدًا للشهوات والأهواء.
فمن ترك صلاة الجماعة مثلاً وهو يعلم وجوبها فإنه قطعًا لا يرغب في الحج.
إنه لم يجب النداء بالصلاة المكتوبة: حي على الصلاة، حي على الفلاح، مع اليسر والسهولة، فكيف يجيب النداء بالحج مع ما فيه من جهدٍ ومشاق، وبذلٍ وإنفاق، وبُعد وفراق.
وإذا حج مع ذلك فاعلم أنه لم يرد بحجه وجه الله، وإنما أراد حظوظ النفس من تجارة وجاه، فليس له حينئذ من حجه إلا ما نال من حظوظه، وهذا في كل العبادات؛ فإن الله تعالى لا يقبل من الطاعات إلا ما كان خالصًا له سبحانه.
فكم من واصلٍ إلى بيت الله وقلبه منقطع من رب البيت، فالعبرة بسفر القلب إلى الرب، وأما أن يسافر بالبدن والقلب حبيس الشهوات فهذا بُعدٌ وضلال وخسران.
واعلم -أخي المسلم- أنك إن أجبت هذا النداء والدعاء بالحج فإن الله تعالى يجيب دعاءك ونداءك، ويقضي حاجتك ويكشف كربتك.
قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "الحجّاج والعمّار وفد الله؛ دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم"، فاستجب لله إن أردت أن يستجيب لك، وإن أعرضت عنه -سبحانه وتعالى- أعرض عنك، وتخلّى عنك، وتركك فريسة الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، وحبيس الشهوات والوساوس، ومصب المصائب والمحن.
قال الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186].
الخطبة الثانية:
الحمد لله ذي الجلال والإكرام، الذي هدانا للإسلام، وفرض علينا حج بيته الحرام، والصلاة والسلام على محمد خير الأنام، وعلى آله وصحابته الكرام، ومن تبعهم بإحسان ما دامت الليالي والأيام.
عباد الله: ما أعظم المنافع والخيرات التي تنالها وتصيبها في الحج كما قال تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) -أي منافع الدنيا والآخرة-، وأجلّها وأعظمها مغفرة الله تعالى ورضاه، فسارعوا إلى هذه الخيرات، ولا تدعنّ شيئًا يحول بينكم وبينها.
إن موسى -عليه السلام- ذهب مسرعًا مستعجلاً إلى جبل الطور لسماع كلام الله؛ طلبًا لرضاه، قال الله تعالى حاكيًا عنه، أي عن موسى: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) [طه: 84]، أي أعجلت إلى الموضع الذي أمرتني بالمصير إليه لترضى عني.
فمن ترك الحج فإنه محروم من هذه الخيرات العظيمة، وهذا هو الحرمان.
قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يقول: إن عبدًا أصححت له جسمه، ووسّعت عليه في المعيشة، تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إليّ لمحروم".
ومن ترك الحج فلم يحج ولو مرة واحدة في حياته، أفلا يكون أولى بالحرمان؟! بلى إنه لمحروم غاية الحرمان.
واعلم -أخي الحاج- أنك منذ خرجت من بيتك وأنت في خيرات عظام، حتى ترجع إلى أهلك طاهرًا من الذنوب والآثام.
واسمع إلى هذا الحديث العظيم الذي ما سمعه مؤمن إلا لزمه الشوق إلى البيت الحرام، وانطلق متحمّلاً المشاق والآلام، حتى ينال رضا ذي الجلال والإكرام.
قال النبي –صلى الله عليه وسلم- لبعض أصحابه: "أمّا خروجك من بيتك تؤمّ البيت الحرام فإن لك بكل وطأة تطؤها راحلتك يكتب الله لك بها حسنة، ويمحو عنك بها سيئة، أما وقوفك بعرفة، فإن الله -عز وجل- ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة فيقول: هؤلاء عبادي جاؤوني شعثا غبرًا من كل فج عميق، يرجون رحمتي ويخافون عذابي ولم يروني، فكيف لو رأوني، فلو كان عليك مثل رمل عالج أو مثل أيام الدنيا أو مثل قطر السماء ذنوبًا غسلها الله عنك، وأما حلقك رأسك، فإن الله بكل شعرة تسقط حسنة، فإذا طفت بالبيت خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمّك".
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم