عناصر الخطبة
1/أيسر العبادات ذكر الله تعالى 2/من فضائل حمد الله تعالى 3/مما يدل على أهمية حمد الله تعالى 4/من ثمرات حمد الله تعالىاقتباس
ومما يدل على مكانة حمد الله -تعالى-: أن كل ربع من القرآن مُفْتَتَح بالحمد، فالربع الأول منه افتُتح بسورة الحمد الفاتحة، والربع الثاني افتُتح بسورة الأنعام وأولها حمد: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ)[الأنعام: 1]، والربع الثالث...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
أما بعد: فاتقوا الله وأطيعوه، واحمَدوه إذ هداكم، واشكروه على ما أعطاكم؛ (وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ)[البقرة: 198].
عباد الله: لا ريب أن يوم القيامة هو يوم الأهوال، وهو اليوم الذي يسعى فيه المرء إلى الفرار؛ لِما سيجده في هذا اليوم، قال الله -تعالى-: (يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لَا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ)[القيامة: 10 - 12].
هذا الهَولُ -عباد الله- يستوجب الاستعداد له بخير العتاد، وهو الأعمال الصالحة، وأيسر الأعمال عبادة جليلة لا تُصرَف إلا لله -جل شأنه-، ولا يستحقها سواه، بل هي كلمة لا تُكلِّف العبدُ جهدًا ولا عناءً، ولا يناله منها مشقة، كلمة عظيمة يحبها الله -جل جلاله-، كلمة سهلة خفيفة على اللسان، ثقيلة في الميزان، هي أول آية في أول سورة في القرآن، إنها كلمة الحمد -يا عباد الله-: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الفاتحة: 2].
أخرج الإمام أحمد في مسنده، من حديث عمران بن الحصين -رضي الله تعالى- عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أفضلَ عبادِ الله يومَ القيامة الحمَّادون"(صححه الألباني في صحيح الجامع)، قوله: "الحمادون" الذين يُكثِرون الحمد له -تعالى- في كل حال، فإن فيه مع فضيلة الحمد الرضا عنه -جل وعلا- في كل حال.
روى الترمذي، وحسَّنه الألباني، من حديث جابر -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله"(حسنه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: "فسمَّى الحمد لله دعاءً، وهو ثناء محض؛ لأن الحمد متضمن الحب والثناء، والحب أعلى أنواع الطلب، فالحامد طالب للمحبوب، فهو أحقُّ أن يسمى داعيًا من السائل الطالب".
عباد الله: اعلموا -يا رعاكم الله- أن حَمْدَ الله -جل وعلا- من توحيده؛ فإنه -سبحانه- يُحمَد على ربوبيته، كما في قول الله -تعالى-: (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الجاثية: 36]، ويُحمَد على ألوهيته، كما في قوله -تعالى-: (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[غافر: 65]، ويُحمَد على أسمائه وصفاته، كما في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم لك الحمد، أنت قيِّم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، لك ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت نور السماوات والأرض، ولك الحمد أنت الحق"(رواه الشيخان).
ومما يدل على أهمية حمد الله -تعالى-: أنه كُرِّر في القرآن في نحوٍ من أربعين موضعًا، أمرًا به، ودعوةً إليه، وذكرًا لصيغته، وفي القرآن تسمية الله -تعالى- بالحميد في سبعة عشر موضعًا، مقرونًا مع جملة من أسماء الله -تعالى- الحسنى، والحميد هو المحمود، والحمد إخبارٌ عن محاسن المحمود، مع حبِّه وإجلاله وتعظيمه.
فالحمد يتضمن مدح المحمود بصفات كماله، ونُعُوت جلاله، مع محبته والرضا عنه، والخضوع له.
ومما يدل على مكانة حمد الله -تعالى-: أن كل ربع من القرآن مُفْتَتَح بالحمد، فالربع الأول منه افتُتح بسورة الحمد الفاتحة، والربع الثاني افتُتح بسورة الأنعام وأولها حمد: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ)[الأنعام: 1]، والربع الثالث افتُتح بسورة الكهف، وأولها حمد: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا)[الكهف: 1]، وربع القرآن الرابع افتُتح بسورة فاطر، وأولها حمد: (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[فاطر: 1].
والحمد أوسع الصفات، وأعمُّ المدائح، والطُّرُق إلى العِلْمِ به في غاية الكثرة؛ لأن جميع أسمائه -تبارك وتعالى- حَمْدٌ، وصفاته حمد، وأفعاله حمد، وأحكامه حمد، وعدله حمد، وانتقامه من أعدائه حمد، وفضله في إحسانه إلى أوليائه حمد، والخلق والأمر إنما قام بحمده، ووُجِدَ بحمده، وظهر بحمده، فحمده رُوحُ كلِّ شيء، وقيام كل شيء بحمده، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "ولهذا كان الرب محمودًا حمدًا مطلقًا على كل ما فعله، وحمدًا خاصًّا على إحسانه إلى الحامد، فهذا حمد الشكر، والأول حمده على كل ما فعله".
أيها المسلمون: من عظيم شأن حَمْدِ الله -تعالى- أنه معدود في أفضل الدعاء؛ وذلك أن الدعاء يكون ثناءً، ويكون سؤالًا، والحامد ربَّه -سبحانه- يصح أن يُثني عليه بالحمد، ويصح أن يسأله بالحمد لاستجلاب المزيد من النعم؛ وذلك لأن الله -تعالى- يقول: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)[إبراهيم: 7]، والشكر من الحمد.
ومن عظيم شأن الحمد أنه أحبُّ الكلام إلى الله -تعالى-، كما في حديث أبي ذرٍّ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألَا أُخبرك بأحب الكلام إلى الله؟"، قلت: يا رسول الله، أخبرني بأحب الكلام إلى الله، فقال: "إن أحب الكلام إلى الله: سبحان الله وبحمده"(رواه مسلم).
ومما يدل على فضل الحمد وأنه من تمام نعيم أهل الجنة، قول الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[يونس: 9 - 10].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ إنه غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، أما بعد:
عباد الله: فتعبَّدوا الله -جل جلاله- بعبادة الحمد، فاحمَدوا الله على نِعَمِهِ، احمدوه على فضله، احمدوه على وحدانيته وعظمته وجلاله، فهو المحمود على كل ما خلق، وعلى كل ما أمر به ونهى عنه.
اتقوا الله -عبادَ الله-، قيِّدوا النِّعَمَ بالحمد، أوصوا بالحمد على نعمة الشباب والصحة والعافية، على نعمة اللباس والمأكل، والمشرب والمسكن، وحذِّروا من كفران النعم؛ (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم: 7].
عِشْ ما شئت فإنك ميِّتٌ، وأحْبِبْ من شئت فإنك مفارِقُهُ، واعمل ما شئت فإنك مجزيٌّ به، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم