عناصر الخطبة
1/ الارتقاء بمعاملة الناس لما نحبه من معاملة الله تعالى لنا 2/ نصوص شرعية تبين معاملة الله لنا حسب معاملتنا للناساقتباس
إن الله -عز وجل- أمرنا أن نحسن سلوكنا مع الناس، وبحسب تعاملنا معهم سيعاملنا ربنا، والجزاء من جنس العمل؛ لذلك، عامل الناس بما تحب أن يعاملك الله -عز وجل-.
الخطبة الأولى:
عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، عبارة دارجة، وحكمة يكررها الناس، وهي ليست حديثا عن النبي –صلى الله عليه وسلم-، وإنما قاعدة من القواعد المهمة في السلوك المحمود.
ولكن؛ دعوني أعطيكم قاعدة أخرى لا تقل في الرقي والسمو من هذه القاعدة، بل هي أفضل منها، قاعدة أريدكم أن ترددوها وتحفظوها وتعملوا بها، وأتمنى أن نخرج من الخطبة وقد وعيناها وحفظناها، أتدرون ما هذه القاعدة؟ "عامل الناس بما تحب أن يعاملك الله".
أنا لا أريدك أن تعامل الناس بما تحب أن يعاملوك فحسب، وإنما أريدك أن ترتقي قليلا فتعامل الناس بما تحب أن يعاملك الله -جل جلاله-، فالذي تريده من الله -عز وجل- افعله للناس كي يمنحك الله إياه.
وأعطيكم بعض الأمثلة: أتريدُ يا عبد الله الرزق وأن يعطيك الله؟ بكل بساطة: أنفق في وجوه الخير ينفق الله عليك، فقد روى أبو هريرة –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "قَالَ اللَّهُ: أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ" متفق عليه، فهذا وعد من الله -عز وجل- بِالْخُلْفِ لمن أنفق في وجوه الخير، لقوله -عز وجل-: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفهُ) [سبأ:39].
أتريد أن يرحمكَ الله -عز وجل-؟ اِرحم الناس ولا تشقّ عليهم، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ" رواه الترمذي. "مَنْ ضَارَّ أَضَرَّ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ" رواه ابن ماجه والترمذي، فالذي ستعامل به الناس سيعاملك الله به، ولا يظلم ربك أحدا. وأما إذا قصدت إدخال الضرر عليهم بلا حق وشققت عليهم فسيشق الله عليك، والجزاء من جنس العمل.
إذا مرت عليك أزمة ومشكلة وتريد أن تنكشف عنك، فيسِّرْ على مُعسر، فقد قال –صلى الله عليه وسلم-: "وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ" رواه مسلم.
وإذا أردت أن يسترك الله ولا يفضح عيبك، فاستر على الناس ولا تتبع عوراتهم، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ"، وأما من تتبع عورات الناس، كما يحدث من بعض الناس في تصوير أخطاء الغير بالفيديو دون علمهم ثم نشرها عبر الإنترنت ليشاهدها العامة، فهو نوع من تتبع العورات، وعاقبة ذلك وخيمة، فقد روى عبد اللهِ بْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ" رواه الترمذي.
أتريد من رب العالمين أن يعفو عنك ويصفح ويتجاوز عن ذنوبك؟ فاعف أنت عن الناس إذا أخطؤوا عليك، قال -تعالى-: (وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النور:22]، وقصة ذلك أن أبا بكر الصديق –رضي الله عنه- كَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ، فلما تكلم مسطح مع من تكلم في حادثة الإفك قال أبو بكر: "وَاللَّهِ لا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: "بَلَى وَاللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي"، فَأرجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَقَالَ: "وَاللَّهِ لا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا".
وإذا أردت -يا عبد الله- العون من الله -عز وجل- فأعن مسلما على حوائجه، فقد قال –صلى الله عليه وسلم-: "وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيه"، هكذا يتعامل الله معنا بحسب تعاملنا مع الناس.
أتريد أن يرد الله عن وجهك النار يوم القيامة؟ فرد عن أخيك الغيبة حين يغتابه الناس وأنت بينهم، فقد قال –صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" رواه الترمذي.
أتريد أن ينصرك الله في الدنيا والآخرة؟ فانصر أخاك بظهر الغيب ودافع عنه، فقد قال –صلى الله عليه وسلم-: "من نصر أخاه بظهر الغيب نصره الله في الدنيا والآخرة" رواه البيهقي.
وروى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبَو طَلْحَةَ بْنُ سَهْلٍ الأَنْصَارِيّ أن رَسُولَ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- قال: "مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلاَّ خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلاَّ نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ" رواه أحمد وأبو داود.
أتريد أن يثبت الله قدمك على الصراط حين تزل الأقدام؟ فامش في حاجة أخيك حتى تثبتها له، فقد قال –صلى الله عليه وسلم-: "ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام" رواه ابن أبي الدنيا.
أتريد أن يحبك الله -عز وجل-؟ فأحب عباد الله الصالحين ورافقهم وزرهم وأحسن صحبتهم، فقد قال –صلى الله عليه وسلم-: "قَالَ اللَّهُ -عز وجل-: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ" رواه أحمد.
أتريد أن يفسح الله لك ويوسع لك في الجنة؟ فافسح لغيرك المجلس حين يريد الجلوس، قال الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [المجادلة:11].
فالذي ستعامل به الناس سيعاملك الله به، فعامل الناس بما تحب أن يعاملك الله به، تكن من المفلحين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، أمَر بما فيه الخير والصّلاح للبلاد والعِباد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له شهادةً أدّخرها ليوم المعاد، وأشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمّدًا عبده ورسوله، أفضل العِباد، صلى الله عليه، وعلى آل البيت والأصحاب وسلم تسليما كثيرا إلى يوم التّناد.
أما بعد: إن الله -عز وجل- أمرنا أن نحسن سلوكنا مع الناس، وبحسب تعاملنا معهم سيعاملنا ربنا، والجزاء من جنس العمل؛ لذلك عامل الناس بما تحب أن يعاملك الله -عز وجل-.
ولا شك أنك تريد من الله الرحمة والعون والنصرة والستر والعطاء والنجاة من النار، فإذا أردت كل ذلك فحسِّن أخلاقك ومعاملتك مع الناس؛ تدرك حاجتك بإذن الله. فاحفظ هذه القاعدة المهمة واعمل بها: "عامل الناس بما تحب أن يعاملك الله به".
اللهم ألهمنا رشدنا، وبصِّرْنا بعيوبنا، وحَبِّبْ إلينا الإيمان وزيِّنْه في قلوبنا. اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت. ارزقنا الثبات حتى الممات، أصلح لنا ديننا، احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم