عاشوراء

سامي بن عبد العزيز الماجد

2011-03-07 - 1432/04/02
عناصر الخطبة
1/ معجزة نجاة موسى وهلاك فرعون في عاشوراء 2/ السُّنَّة إحياء ذكرى عاشوراء بالصوم 3/ بدعة الروافض في جعل يوم عاشوراء يوم نياحة على الحسين –رضي الله عنه-.

اقتباس

هذا عاشوراء: في ذكراه نبأٌ عظيم، أكثر الناس عنه غافلون أو معرضون، نبأٌ عظيم يحكي معجزةً خرقت سَنن الناموس، أجراها الله على نبيه موسى -عليه الصلاة والسلام-، بعد أن أوذي هو وقومه في سلطان الطاغية فرعونَ، ثم جاءهم النصر بعد سنواتٍ طوالٍ من الصبر والابتلاء، ولاحت لهم بشائر الفرَج واليسر بعد مُدّةٍ من الشدةِ والعُسر ..

 

 

 

 

أيها المسلمون: عاشوراء يوم معظّم من شهر الله المحرّم، اختصه الله بفضيلة، وميَّزه بذكرى، فهو يوم الشكر، ويوم الصوم، ويوم الصبر والنصر، هو يوم المعجزة، والذكرى والموعظة، هو يوم انتصار صبر المؤمن المستضْعَف على علو المتكبر، واستعلاءُ قوةِ الإيمان على جبروت الطغيان.

هو يومٌ نجّى الله فيه المستضعفين المضطهدين، وأرغم فيه أنوفَ الجبارين المتكبرين في الطين، هو يوم انفلقتْ فيه المعجزةُ، فحطمت كبرياء الطاغوت، وحطّمت قيودَ الاستعباد، وحرّرت الرقاب من كل عبودية إلا العبوديةَ لله.

عاشوراء رمزٌ لانتصار الحرية على الاستعباد، كُسرت فيه قيود العبودية وأغلالُها، وحُطمت فيه أوثان الأصنام؛ لتتوجه النفوس بعبوديتها إلى ربها -جل جلاله-.

عاشوراء ذكرى للمؤمنين، وموعظةٌ للطواغيت والمتجبرين، يذكره المؤمنون فيتذكّرون نصرَ الله لأوليائه المستضعفين، ويُذكّر به الجبارون المتكبرون، كيف هلك فيه طاغية من أشياعهم المتجبّرين.

هذا عاشوراء: في ذكراه نبأٌ عظيم، أكثر الناس عنه غافلون أو معرضون، نبأٌ عظيم يحكي معجزةً خرقت سَنن الناموس، أجراها الله على نبيه موسى -عليه الصلاة والسلام-، بعد أن أوذي هو وقومه في سلطان الطاغية فرعونَ، ثم جاءهم النصر بعد سنواتٍ طوالٍ من الصبر والابتلاء، ولاحت لهم بشائر الفرَج واليسر بعد مُدّةٍ من الشدةِ والعُسر، فقال الله سبحانه: (وأوحَيْنا إلى موسى أنْ أسْرِ بِعِبَادي لَيْلاً إنَّكُم مُتَّبَعُونَ) [الشعراء:52]، فعلم بخروجهم فرعون (فأرْسَلَ في المدائنِ حاشِرِين) [الشعراء:53] أي رسلاً يحشرون الناس ليلحقوا ببني إسرائيل الذين يحاولون الخروج من رِبقة عبوديته.

ولا تزال نظرة الاستحقار ولغةُ الاستعلاء هي هي، وكأن الظروف لم تتغير: (إنَّ هؤلاءِ لشِرْذِمَةٌ قليلُون) [الشعراء:54]، ثم قالوا تحريضاً للناس على بني إسرائيل، (وإنَّهُم لَنا لَغَائظُون) [الشعراء:54]، فما حشرناكم أيها الناس إلا لأن أولئك قد أغاظونا بعصيانهم ومخالفتهم عبادتنا، ثم قالوا : (وإنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ) [الشعراء:54]، أي أن من شيمتنا الحذر، فيجب ألا نكون إلا كذلك.

(فأتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ) [الشعراء:60]، أي حين أشرقت الشمس إلى جهة المشرق إلى البحر الأحمر، (فلمَّا تراءَى الجَمْعَانِ قال أصْحَابُ موسَى إنَّا لمدْركون) [الشعراء:61]، قالوا ذلك لما رأوا البحر أمامهم، وفرعون وجنودَه خلفهم, فقال موسى عليه السلام قول الواثق بوعد ربه الموقنِ بنصره: لن يدركَنا هؤلاء (كَلَّا إنَّ مَعِي ربِّي سيَهْدِين * فأوْحَيْنَا إلى مُوسَى أن اضْرِبْ بِعَصَاكَ البحْرَ فانْفَلَقَ فكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ العَظِيم) [الشعراء:62-63]، أي صار في البحر اثنا عشرَ طريقاً يَبَساً على عدد أسباط بني إسرائيل، ووقف الماء بينها كالجبل العظيم، فسلكها موسى ومن معه، (وأزلَفْنَا ثَمَّ الآخَرين) [الشعراء:64]، وقرّبنا هنالك إلى الطريق اليَبَس فرعونَ وقومَه، وجرَّأناهم على سلوكه؛ حتى إذا توسطوا البحر أطبق الله عليهم البحر فأغرقهم. وحقاً (إنَّ في ذلك لآيةً، وما كان أكثرُهم مؤمنين) [الشعراء:67].

قدِم -صلى الله عليه وسلم- المدينة فوجد اليهود يصومون عاشوراء، فسألهم عنه، فقالوا: هو يوم نجَّى الله فيه موسى وقومه من فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه شكراً لله. فقال -صلى الله عليه وسلم-: "نحن أحق بموسى منكم". فصامه، وأمر الناس بصيامه.

إن هذه الأمة المباركة هي أحق بموسى، وأولى به من أتباعه الذين بدَّلوا دينه، وحرفوا كتابَه، فنحن إليه أقرب وبه أحق لأننا أمة التوحيد الذي هو أصل دعوة الرسل جميعاً، وإن اختلفت شرائعهم.

لقد صام نبينا –صلى الله عليه وسلم- عاشوراء، وأمر بصيامه، شكراً لله، وموافقة لأخيه موسى، ثم أمر بأن يصام يومٌ قبله أو يومٌ بعده مخالفة لليهود الذين بدّلوا دين نبيهم موسى -عليه السلام-، وأشركوا بربه، وحرّفوا كتابه، فقال –صلى الله عليه وسلم- قصداً لمخالفتهم-: "لئن بقيت الى قابل لأصومنَّ التاسع".

فنحن نصوم عاشوراء اقتداء بنبينا، وطمَعاً في الأجر الموعود بصيامه، تصديقاً لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (صيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله). ولا تزال الأمة من عهد نبيها تصوم هذا اليوم شكراً لله، واقتداءً بنبيها –صلى الله عليه وسلم-، وتصوم يوما قبله أو بعده مخالفة لليهود الذين بدَّلوا دين الله.

وشذّ الروافض، فجعلوا عاشوراء مأتماً ينوحون فيه على الحسين –رضي الله عنه-، وبدّلوا سنّة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفضّلوا الذي هو أدنى على الذي هو خير، فجعلوا يومَ الشكرِ يومَ حزنٍ ونياحةٍ، وآثروا الصحابيَّ على النبيِّ، إذ جعلوا مقتل صحابيٍّ من آل البيت أولى من نجاةِ نبيِّ اللهِ موسى -عليه الصلاة والسلام-. واتَّخذوا الحزن والنياحة وتعذيب النفس عبادةً يتقرَّبون بها الى الله، وشرعوا في دينه ما لم يأذن به.

قال ابن رجب: وأما اتخاذه مأتما كما تفعل الرافضة لأجل قتل الحسين فهو مِن عمل مَن ضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن صنعاً، ولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتماً، فكيف بمن هو دونهم؟!.

إن أهل السنة حين لم يتخذوا يوم مقتل الحسين مأتماً فليس ذلك لأنهم لا يحبونه، ولا لأنهم لا يرون في مقتله مصيبةً للأمة، ولا لأنهم لا يؤثِّمون قاتله، ولا لأنهم لا يرون أن قاتله معذور بقتله؛ كلاّ! بل هم يحبونه، ويرون أن حبه إيمان، وبغضَه نفاق، وأنه سبط رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وريحانتُه من الدنيا، وأنه أشبه الناس به، وأنه هو وأخاه سيدا شباب أهل الجنة.

ويرون أن الأمة لم تُرزأ بمصيبة بعد وفاة نبيها وخلفائه الراشدين أعظم من مصيبتها بمقتل الحسين. ولو كان سائغاً في الشرع اتخاذُ أيام المصائب مآتمَ لكان أولى بذلك خمسةٌ قبل الحسين: النبي –صلى الله عليه وسلم- وخلفاؤه الراشدون. فإذ لم يَجُزْ اتخاذُ يومَ وفاة النبي مأتماً، فغيره أولى بعدم الجواز.

كما أن أهل السنة يعتقدون أن قاتل الحسين آثمٌ مجرم، غير معذور في قتله، بَيْدَ أن تجريم القاتل لا يكون بالنياحة على المقتول، ولو كان الامر كذلك لاحتجنا إلى النياحة على الخلفاء الثلاثة الراشدين: عمرَ وعثمانَ وعليٍّ؛ لتجريم قاتليهم.

كما يعتقد أهل السنة أن النياحة على الحسين بلطم الخدود وشق الجيوب، وضرب الظهور والصدور، وإدماء الرؤوس، لا تزيد في محبته، ولا تركُها بالذي ينقص من قدره في القلوب، بل ترك ذلك أدلُّ على محبته وأعظمُ في توقيره؛ لأنه ترْكٌ بأمر جدِّه –صلى الله عليه وسلم- الذي قال: "ليس منا من شقَّ الجيوب، ولطَمَ الخدود، ودعا بدعوة الجاهلية".

أيها المسلمون: إن جلد الذات بالنقد الموغل في التجريح والتبكيت عملٌ مذموم، فكيف بجلدها بالسلاسل والعِصي؟! لا شك أنه أولى من ذلك بالذم؛ فالجلد الحسِّي تعذيب للنفس والبدن، وتعريض للنفس للهلكة، والله غني عن أن يعذّب أحدنا نفسه.

أَمَا إن أولى ما ينبغي أن يسبق إلى ألسنتنا ونحن نرى أولئك الضالين في مأتمهم صرعى للنياحة والتعذيب أن نقول: الحمد لله الذي هدانا سواء السبيل، وقد ضل هؤلاء عنه؛ وبصّرنا الحق وقد عمِيت عنه أبصارهم وبصائرهم، (الحمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانا لِهَذا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لولا أَنْ هَدَانَا اللهُ) [الأعراف:43]، فلا نعمة أعظم من نعمة الهداية، ولا شكرَ أولى من شكر الله عليها.
بارك الله ....

 

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

 

أما بعد: فإن الإسلام لم يشرِّع لأهله ميقاتاً نسترجع فيه الأحزان، ونتباكى فيه على ما وقع من المصائب، لا يوماً ولا ساعةً ولا حتى برهة، فليس الحزن وقوداً للعمل، إنما استرجاع الحزن اجترار لذكرى المصائب، ينكأ الجراح ولا يداويها، ويميت القلوب ولا يُحييها.

لقد حثَّنا الشرع على البكاء والتباكي، وجعَل فيه الأجر والمثوبة، ولكنه ليس بكاء الحزن، إنما هو بُكاء الرغبة والرهبة لله، بكاء الندم على الخطيئة وبكاء الخشية لله.

وتأمَّل كيف شرع الإسلام لأهله عيدين للفرح والشكر والتوسعة والرخصة، ولم يجعل لهم ميقاتاً للحزن، ولا حتى برهة، فالنياحة والمآتم ليست مما يُستروح به، ولا مما يستعان به على العمل، وما هو إلا دافعٌ لليأس والاستغراقِ في ذكريات لا حيلة في دفعها ولا في تبديلها.

إن الحزن على المصيبة جِبِلَّةٌ طبيعية، ولكن، إذا لم يُقيد الإنسان حزنه بقيد الصبر والاحتساب والاسترجاع فإنه يوشك أن يَفرُط منه؛ فيقول ما لا يجوز، ويقع في المحذور، من التسخُّطِ على القدَر، وسبِّ الدهر، وتعذيب نفسه بما يزيد حزنَه ولا يُذهبه.

استجداء الحزن بالنياحة وتذكُّر المصيبة وقوعٌ في أسر الماضي، والأولى إذا تذكرنا المصيبة أن نعتبر بها، ونجعلَها مبصِّرة نستعين بدروسها وعبرها في سيْرنا على الطريق؛ أما استجداء الحزن فعزلة شعورية عن الواقع، وارتماء إلى مصائب الماضي يبدد العواطف ولا يستثمرها.

 

 

 

 

 

المرفقات
إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات