عناصر الخطبة
1/ أهمية طاعة الله تبارك وتعالى 2/ آثار طاعةِ الله تعالى على عبادِه في أقوالهم وأفعالهم وسُلوكياتهم 3/ الحث على لزوم طاعة الله تعالى.اقتباس
طاعةُ الله تصبَغُ الحياةَ الاجتماعيَّةَ، فتجعلُ المُسلمَ يألَفُ ويُؤلَفُ، مُبتَسِمًا، مِعطاءً، مُحسِنًا، يأنَسُ مع إخوانِه، وَدُودًا، مُنشرِحَ الصَّدر، طاهِرَ النَّفس مِن الحِقد والحسَد، لا يَظلِمُ ولا يُظلَمُ، قال تعالى: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال: 63]..
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله، الحمدُ لله الذي منَّ على عبادِه بترادُفِ مواسِمِ الطاعة، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له القائِلُ: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) [يونس: 26]، وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه قادَ الأمةَ بالإيمانِ إلى الرِّيادة والسِّيادة، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه خيرِ سَادَة.
أما بعدُ: فأُوصِيكم ونفسِي بتقوَى الله، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
مِن توفيقِ الله للمُسلم أن يُمضِيَ حياتَه يتفيَّأُ ظِلالَ الطاعة ونعيمَها، والطاعةُ إدراكٌ مِنك لحقِّ الله -تعالى- عليك، الذي خلقَك ورزَقَك، وكرَّمَك وفضَّلَك، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 21، 22].
طاعةُ الله ترتَقِي بالإنسان لتشملَ حياتَه كلَّها مِن أقوالٍ وأفعالٍ، وسُكونٍ وحركةٍ، قال -تعالى-: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162، 163].
والذي يُسخِّرُ حياتَه في الطاعة يُكرَم، وينالُ شرفَ مُرافقةِ صَفوةِ الخلق، قال -تعالى-: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا) [النساء: 69، 70].
سألَ رجُلٌ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- عن الساعة فقال: متَى الساعة؟ قال: "وماذا أعدَدتَ لها؟"، قال: لا شيءَ إلا أني أُحبُّ اللهَ ورسولَه -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "أنتَ مع مَن أحبَبتَ". قال أنَسٌ: فما فرِحنَا بشيءٍ فرَحَنا بقولِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "أنتَ مع مَن أحبَبتَ".
الطاعةُ نُورٌ للبصيرة، وحِرزٌ مِن الضَّياع والحَيرة، تُحصّنُ مِن الغَفلَة والمعصِية ووساوِس الشيطان، قال -تعالى-: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) [الحجر: 72].
طاعةُ الله تملأُ الحياةَ بالإيمان، فيصلُحُ القلب، وإذا صلَحَ القلبُ صلَحَ سائرُ الجسَد، قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا وإن في الجسَدِ مُضغَة إذا صلَحَت صلَحَ الجسَدُ كلُّه، وإذا فسَدَت فسَدَ الجسَدُ كلُّه، ألا وهي القلبُ".
طاعةُ الله تصبَغُ الحياةَ الاجتماعيَّةَ، فتجعلُ المُسلمَ يألَفُ ويُؤلَفُ، مُبتَسِمًا، مِعطاءً، مُحسِنًا، يأنَسُ مع إخوانِه، وَدُودًا، مُنشرِحَ الصَّدر، طاهِرَ النَّفس مِن الحِقد والحسَد، لا يَظلِمُ ولا يُظلَمُ، قال -تعالى-: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال: 63].
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "الأرواحُ جُنودٌ مُجنَّدة، فما تعارَف مِنها ائتَلَف، وما تناكَرَ مِنها اختَلَف".
وتُورِثُ الطاعةُ العبدَ محبَّةَ الناسِ ومودَّتَهم، ويُوضَعُ له القَبُولُ في الأرض، قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) [مريم: 96].
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أحبَّ الله العبدَ نادَى جبريل: إن الله يُحبُّ فُلانًا فأحبِبهُ، فيُحبُّه جبريلُ، فيُنادِي جبريلُ في أهل السماء: إن الله يُحبُّ فُلانًا فأحِبُّوه، فيُحبُّه أهلُ السماء، ثم يُوضَعُ له القَبُولُ في الأرض".
الطاعةُ -عباد الله- سلاحُ المُؤمن في معركتِه مع الشيطان، ومُقاوَمَة الفواحِش، قال الله -تعالى-: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) [النحل: 99، 100]، وقال -تعالى-: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].
وسِمةُ المُؤمن الفَرَحُ بمواسِمِ القُرُبات، والاستِبشارُ بعملِ الطاعة؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن سرَّتْه حسنَتُه، وساءَتْه سيئتُه فذلك المُؤمن".
وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 57، 58].
ولذا فإن المُسلمَ الفطِن يحرِصُ على هذه المواسِم، فيُبادِرُ ويُسارِعُ ويُسابِقُ ليقطِفَ مِن ثِمارِها اليانِعة، وفضائِلِها المُترادِفة، قال -تعالى- عن نبيِّه مُوسَى - عليه السلام -: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) [طه: 84]، وقال -تعالى- عن نبيِّه زكريَّا: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [الأنبياء: 90].
بارَك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه مِن الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكُم ولسائرِ المُسلمين مِن كل ذنبٍ، فاستغفِروه؛ إنه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله على إحسانِه، والشُّكرُ له على توفيقِه وامتِنانِه، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أن سيِّدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه الداعِي إلى رِضوانِه، صلَّى الله عليه وعلى آلِهِ وصحبِه وإخوانِه.
أما بعد: فأُوصِيكُم ونفسِي بتقوَى الله.
وإذا فُتِح للمُسلم بابٌ إلى الطاعة رفعَ أكُفَّ الضَّراعة سائِلًا مولاه أن يُثبِّتَه على طاعتِه، ويمُدَّ له مِن الخير مدًّا؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن قُلوبَ بنِي آدم كلَّها بين إصبَعَين مِن أصابِعِ الرحمن كقلبٍ واحدٍ يُصرِّفُه حيث شاء"، ثم قال: "اللهم مُصرِّفَ القُلوبِ صرِّف قُلوبَنا على طاعتِك".
ألا وصلُّوا -عباد الله- على رسولِ الهُدى؛ فقد أمرَكم الله بذلك في كتابِه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ على مُحمدٍ وأزواجِه وذُرِّيَّته، كما صلَّيتَ على آل إبراهيم، وبارِك على محمدٍ وأزواجِه وذُرِّيَّته، كما باركتَ على آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد.
وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشِدين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن الآلِ والصحبِ الكرامِ، وعنَّا معهم بعفوِك وكرمِك وإحسانِك يا أرحَم الراحِمين.
اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الكُفرَ والكافرين، ودمِّر اللهم أعداءَك أعداءَ الدين، واجعَل اللهم هذا البلدَ آمِنًا مُطمئنًّا، وسائِرَ بلاد المُسلمين.
اللهم مَن أرادَنا وأرادَ الإسلامَ والمُسلمين بسُوءٍ فأشغِله بنفسِه، واجعَل تدبيرَه تدميرَه يا سميعَ الدُّعاء، اللهم مَن أرادَنا وأرادَ الإسلامَ والمُسلمين بسُوءٍ فأشغِله بنفسِه، واجعَل تدبيرَه تدميرَه يا سميعَ الدُّعاء، اللهم مَن أرادَنا وأرادَ الإسلامَ والمُسلمين بسُوءٍ فأشغِله بنفسِه، واجعَل تدبيرَه تدميرَه يا سميعَ الدُّعاء.
اللهم إنا نسألك الجنةَ وما قرَّبَ إليها مِن قولٍ وعملٍ، ونعوذُ بك من النار وما قرَّبَ إليها مِن قولٍ وعملٍ.
اللهم إنا نسألك من الخير كلِّه، عاجِلِه وآجِلِه، ما علِمنا منه وما لم نعلَم، ونعوذُ بك من الشرِّ كلِّه، عاجِلِه وآجِلِه، ما علِمنا وما لم نعلَم.
اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عِصمةُ أمرِنا، وأصلِح لنا دُنيانا التي فِيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي فِيها معادُنا، واجعَل الحياةَ زيادةً لنا في كل خيرٍ، والموتَ راحةً لنا مِن كل شرٍّ يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألُك فواتِحَ الخيرِ وخواتِمَه وجوامِعَه، وأوَّلَه وآخرَه، وظاهِرَه وباطِنَه، ونسألُك الدرجاتِ العُلَى من الجنةِ يا ربَّ العالمين.
اللهم إنا نسألُك الهُدى والتُّقَى والعفافَ والغِنَى.
اللهم إنا نعُوذُ بك مِن زوالِ نِعمتِك، وتحوُّل عافيتِك، وفُجاءَة نِقمتِك، وجميعِ سَخَطِك.
اللهم أعِنَّا ولا تُعِن علينا، وانصُرنا ولا تنصُر علينا، وامكُر لنا ولا تمكُر علينا، واهدِنا ويسِّر الهُدَى لنا، وانصُرنا على مَن بغَى علينا.
اللهم اجعَلنا لك ذاكِرِين، لك شاكِرِين، لك مُخبِتِين، لك أوَّاهِين مُنِيبِين.
اللهم تقبَّل توبتَنا، واغسِل حَوبَتَنا، وثبِّت حُجَّتَنا، وسدِّد ألسِنتَنا، واسلُل سخِيمَةَ قُلوبِنا.
اللهم أصلِح لنا شأنَنا كلَّه، ولا تكِلنا إلى أنفُسِنا ولا إلى أحدٍ مِن خلقِك طرفةَ عينٍ.
اللهم وفِّق إمامَنا لِما تُحبُّ وترضَى، اللهم وفِّقه لِما تُحبُّ وترضَى، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك يا رب العالمين.
اللهم احفَظ حُجَّاج بيتِك الحرام، وجنِّبهم الشُّرورَ والآثام، اللهم احفَظ حُجَّاج بيتِك الحرام، وجنِّبهم الشُّرورَ والآثام، اللهم رُدَّهم إلى ديارِهم سالِمين غانِمين مقبُولِين فائِزِين يا أرحم الراحمين.
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23]، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر: 10].
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].
فاذكُروا اللهَ يذكُركم، واشكُرُوه على نِعمِه وآلائِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، والله يعلَمُ ما تصنَعُون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم