السؤال
يا فضيلة الشيخ: أريد أن أنصح إذا رأيت منكرا وقت خروجي للنزهة لكن والداي يغضبان مني ويخافان علي من الضرر، لأن الذين سأنصحهم سيحضرون لي الشرطة أو يضربونني أو يسبونني ويشتمونني، لكن أنا أعرف أن الناس ليسوا سواء، فما الحكم؟ وما هو الحل يا فضيلة الشيخ؟.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا خلاف بين أهل العلم في وجوب تغيير المنكر وهو من فروض الكفاية وقد يتعين في بعض الحالات، قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف، ثم إنه قد يتعين، كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو أو لا يتمكن من إزالته إلا هو. هـ.
وجدير بالذكر هنا أن تغيير المنكر له مراتب أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان.
رواه مسلم.
فأما تغيير المنكر بالقلب فلا عذر لأحد في تركه بحال، لأنه أضعف الإيمان وليس وراءه من الإيمان حبة خردل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويتقيدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل.
رواه مسلم وغيره.
وقد بينا معنى إنكار المنكر بالقلب في الفتوى رقم: 1048.
فينبغي على المسلم أن لا يقصر في هذا الواجب العظيم بحسب طاقته وقدرته، وبضوابطه الشرعية التي بينها العلماء ـ رحمهم الله ـ والتي من أهمها ـ في حال الإنكار باليد أو اللسان ـ أن لا يؤدي إنكار المنكر إلى منكر أشد منه، وأن يكون المنكِر لديه القدرة على التغيير, وأن لا يعرِّض نفسه ـ بسبب الإنكار ـ إلى بلاء عظيم لا يطيقه، وأن يدفع المنكر بأيسر ما يندفع به.
فإذا تخلف شرط من هذه الشروط فقد سقط الوجوب وحل غيره من الأحكام محله تبعا للواقع، فإن كان الإنكار سيؤدي إلى منكر أعظم منه أو فتنة عظيمة فهنا يحرم التغيير، جاء في البهجة في شرح التحفة: لأن تغيير المنكر إن أدى إلى منكر أعظم منه سقط الأمر عنه.
انتهى.
وفي مجموع فتاوى ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى: ولم ينه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه، بل يكون النهي حينئذ من باب الصد عن سبيل الله والسعي في زوال طاعته وطاعة رسوله وزوال فعل الحسنات.
انتهى.
أما إن كان التغيير سيؤدي إلى بلاء يقع على المنكر فهنا يسقط الوجوب ويبقى الندب، ولا شك أن طاعة الوالدين في هذه الحالة أولى، لأن طاعتهما واجبة والواجب مقدم على المندوب، وفي حال كان الإنكار واجبا متعينا على الشخص ونهاه والداه عن ذلك، فلا طاعة لهما في ترك الإنكار، أما إن أمكن تغيير المنكر وغلب على ظن المنكر السلامة، لأن طاعتهما إنما تكون في المعروف وترك تغيير المنكر هنا من المحرمات فلا تجوز طاعة الوالدين في ذلك.
علما بأن تغيير المنكر له طرق عديدة منها: إبلاغ السلطات أو هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن أهل العصيان والمخالفات.
والله أعلم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم