صور التبذير في العصر الأخير

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-12 - 1444/03/16

اقتباس

صور التبذير في العصر الأخير

 

 محمد بن جهاد بن أبو شقرة

 

قال الله عز وجل: ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 26، 27].

 

 

 

والآية أمرٌ بالنفقة على الأقارب والمساكين، وابن السبيل، وهو: المسافر، أو الحاج، أو المنقطع ولا يستطيع العودة إلى دياره.

 

ونهى عن التبذير، وهو النفقة الكثيرة، التي يصبح صاحبها فقيرًا لا يملِك ما يكفيه ليومه.

 

"وقد عرَّف العلماء التبذير: بأنه صرفُ الشيء فيما ينبغي زائدًا على ما ينبغي، بمعنى أن يكون وجهُ الصرف جائزًا في الأصل، ولكن الصرف فيه خرج عن حد الاعتدال، كما عرَّفوا السَّفه بأنه: صرفُ الشيء فيما لا ينبغي".

 

 

 

1- قال صاحب قاموس المعاني: مصدر بذر.

 

الاجتهاد في الكفاف: خيرٌ من الإسراف، والتبذير: صرفُ المال فيما لا فائدة منه.

 

 

 

2- تبذير: (اسم).

 

تبذير: مصدر بذَّر.

 

 

 

3- بذر: (فعل).

 

بذَّر يبذِّر، تبذيرًا، فهو مبذِّر، والمفعول مبذَّر.

 

بذر المال: فرقه إسرافًا.

 

بذر العامل: جربه، لو بذرت ابنك لوجدته رجلًا.

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله كرِه لكم ثلاثًا؛ قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال)[1].

 

والإسراف إضاعةٌ للمال، وتخوُّض فيه بغير حق.

 

قال صلى الله عليه وسلم: ((إن رجالًا يتخوَّضون في مال الله بغير حق، فلهم النارُ يوم القيامة))[2].

 

وقالوا في الأمثال العربية الحكيمة: لا خير في السَّرَف، ولا سَرَفَ في الخير.

 

 

 

وهو مِن أجمع الأقوال؛ فإن السرَف لا خير فيه؛ فهو مذموم، بخلاف الصدقة والنفقة، والعطية والهِبة، ولا سرَف في الخير؛ أي: إذا أنفقت في سبيل الله، وابتغاء مرضاته، وفي صلة الأرحام والأصدقاء والمحتاجين، وفي إنشاء المدارس والمستشفيات والمساجد - فهذا لا سَرَفَ فيه، وإن كثُرت النفقة.

 

 

 

وصُوَر التبذير في عصرنا الحالي كثيرة، نذكر بعضها، وهي تدورُ في مواضيعَ رئيسة، هي:

 

1- التبذير في الطعام والشراب.

 

2- التبذير في الملابس.

 

3- التبذير في السيارات.

 

4- التبذير في السفر.

 

5- التبذير فيما لا يحتاج إليه، وهذه تنقسمُ لأقسام؛ كالزوائد: (الإكسسوارات Accessories)، والتماثيل (مع حرمتها المؤكدة في القرآن والسنَّة)، والصور، والهواتف النقالة، والساعات، والأبنية، والقصور، والسجاجيد.

 

 

 

فأما الإسرافُ في الطعام والشراب فهو مما يُدْمي القلب مع كثرة الجائعين في بلاد المسلمين، ورغم أن العلماءَ قد وصلوا إلى القمر - كما يزعمون - وإلى الكواكب، فإنهم لم يصلوا إلى حلٍّ يشبِع الناس من الخبز، ويحل أزمة الجائعين؛ فإن الإحصائياتِ عن عدد الجائعين في العالم تبلغ واحدًا مِن كل سبعة أشخاص.

 

 

 

"قالت جوزيت شيران، المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، لموقع CNN الإخباري: إنه مع ارتفاع أعداد الجوعى في العالم لتبلغ مليار شخص لأول مرة في التاريخ، يجب بذلُ مزيد من الجهود والتنسيق لإطعام العالم في العام المقبل".

 

 

 

في المقابل يُنفِق أصحابُ الولائم في بعض البلاد آلافَ الدنانير على ما يرمى أكثرُه، خاصة أننا اليوم أصبحنا ندَّعي الأدب والذوق، فلا نكمل صحن الطعام كاملًا، بزعم أن ذلك ينافي آداب الأكل! سبحان الله! وقد كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والناس إلى عهد قريب يأكلون الطبق كاملًا، فما الذي تغير حتى أصبحنا نفخر بأننا لا ننهي طعامنا على المائدة سوى التقليد الأعمى للغرب؟

 

 

 

على أن الأجانبَ يأكلون طعامهم كاملًا، ولكننا مِن جهلنا المفرط نتابع الأفلام التي تعرض الأكاذيب، ومواقع الإعلام التي تحلِّي الكذب، فتجعله أحلى من الحقيقة، ونعتبر هذا علمًا نافعًا، فنسأل الله أن يرد المسلمين إلى دِينهم!

 

 

 

وقد كانت العرب تعاني من قلة الطعام، فكانوا لا يأكلون إلا جماعة، وبهذا نزلت الآيات في سورة النور: ﴿ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [النور: 61].

 

 

 

قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -:

 

وقيل: المراد - ها هنا - أنهم كانوا يتحرجون مِن الأكل مع الأعمى؛ لأنه لا يرى الطعام وما فيه من الطيبات، فربما سبقه غيره إلى ذلك، ولا مع الأعرج؛ لأنه لا يتمكن من الجلوس، فيفتات عليه جليسه، والمريض لا يستوفي من الطعام كغيره، فكرهوا أن يؤاكلوهم؛ لئلا يظلموهم؛ فأنزل الله هذه الآية رخصة في ذلك، وهذا قول سعيد بن جبير، ومِقسم.

 

 

 

وقال الضَّحاك: كانوا قبل المبعث يتحرجون من الأكل مع هؤلاء تقذُّرًا وتقزُّزًا، ولئلا يتفضَّلوا عليهم؛ فأنزل الله هذه الآية.

 

عن مجاهدٍ في قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ ﴾ [النور: 61] الآية، قال: كان الرجلُ يذهب بالأعمى أو الأعرج أو المريض إلى بيت أبيه أو بيت أخيه، أو بيت أخته، أو بيت عمته، أو بيت خالته، فكان الزَّمْنى يتحرجون من ذلك، يقولون: إنما يذهبون بنا إلى بيوتِ غيرهم؛ فنزلَتْ هذه الآية رخصةً لهم.

 

 

 

وقال السُّدي: كان الرجلُ يدخل بيت أبيه، أو أخيه، أو ابنه، فتتحفه المرأة بالشيء من الطعام، فلا يأكل مِن أجل أن ربَّ البيت ليس ثم؛ فقال الله تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ ﴾ [النور: 61] إلى قوله: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا ﴾ [النور: 61].

 

 

 

وقوله: ﴿ أَوْ صَدِيقِكُمْ ﴾ [النور: 61]؛ أي: بيوت أصدقائكم وأصحابكم، فلا جناح عليكم في الأكل منها، إذا علمتم أن ذلك لا يشقُّ عليهم، ولا يكرَهون ذلك.

 

 

 

وقال قتادة: إذا دخلت بيت صديقك، فلا بأس أن تأكلَ بغير إذنه.

 

وقوله: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا ﴾ [النور: 61]، قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في هذه الآية: وذلك لما أنزل الله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾ [النساء: 29]، قال المسلمون: إن الله قد نهانا أن نأكلَ أموالنا بيننا بالباطل، والطعام هو أفضل من الأموال، فلا يحلُّ لأحد منا أن يأكل عند أحد، فكف الناس عن ذلك؛ فأنزل الله: ﴿ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى ﴾ [النور: 61] إلى قوله: ﴿ أَوْ صَدِيقِكُمْ ﴾ [النور: 61]، وكانوا أيضًا يأنَفون ويتحرَّجون أن يأكل الرجل الطعام وحده، حتى يكون معه غيره، فرخَّص الله لهم في ذلك، فقال: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا ﴾ [النور: 61].

 

 

 

وقال قتادةُ: وكان هذا الحيُّ من بني كنانة يرى أحدهم أن مخزاةً عليه أن يأكلَ وحده في الجاهلية، حتى إن كان الرجل ليسوق الذود الحفَّل وهو جائع، حتى يجدَ مِن يؤاكله ويشاربه؛ فأنزل الله: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا ﴾ [النور: 61].

 

 

 

فهذه رخصةٌ مِن الله تعالى في أن يأكل الرجل وحده، ومع الجماعة، وإن كان الأكل مع الجماعة أفضلَ وأبرَكَ؛ كما رواه الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن عبدربه، حدثنا الوليد بن مسلم، عن وحشيِّ بن حرب، عن أبيه، عن جده: أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا نأكلُ ولا نشبَع، قال: ((فلعلكم تأكلون متفرِّقين؛ اجتمِعوا على طعامكم، واذكروا اسمَ الله يُبارَكْ لكم فيه)).

 

 

 

ورواه أبو داود وابن ماجه، من حديث الوليد بن مسلم، به؛ انتهى بتصرف.

 

وقال الشيخ المجدد، حافظ الوقت، علَّامة الحديث، ومحدِّث الأمة: ناصر الدين الألباني - رحمه الله - في كتابه النافع: السلسلة الصحيحة، "المجلد الثالث، الحديث رقم 1404": ((إذا طعِم أحدكم فسقطت لقمته من يده، فليُمِطْ ما رابه منها، وليطعَمْها، ولا يدعها للشيطان، ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعَقَ يده؛ فإن الرجلَ لا يدري في أي طعامه يبارك الله؛ فإن الشيطان يرصد الناس ـ أو الإنسان ـ على كل شيء، حتى عند مطعَمه أو طعامه، ولا يرفع الصحفة حتى يلعَقَها، أو يُلعِقَها؛ فإن في آخرِ الطعام البركةَ)).

 

 

 

أخرجه ابن حبان (1343)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (2 / 187 / 2) من طريقين عن ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير عن جابر - وقال البيهقي: أنه سمع جابرَ بن عبدالله يحدث - أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.

 

 

 

وتابَعه ابن لَهيعة، حدثنا أبو الزبير، عن جابر به؛ أخرجه أحمد (3 / 394).

 

والحديث في "صحيح مسلم" (6 / 114) من طريق سفيان بن عيينة، عن أبي الزبير، عن جابر به، دون قوله: "فإن الشيطانَ يرصد.."؛ ولهذا تعمَّدت إخراجَه من طريق ابن حبان والبيهقي، ولِما في رواية الثاني منهما من تصريح أبي الزبير بالتحديث؛ فاتصل السند، وزالت شبهةُ العنعنة الواردة في رواية مسلم.

 

 

 

قلت -الألباني-: ومِن المؤسف حقًّا أن ترى كثيرًا من المسلمين اليوم - وبخاصة أولئك الذين تأثروا بالعادات الغربية والتقاليد الأوربية - قد تمكَّن الشيطان من سلبِه قسمًا من أموالهم، ليس عدوانًا، بل بمحض اختيارهم، وما ذاك إلا لجهلهم بالسنَّة، أو إهمالًا منهم إياها، ألست تراهم يتفرقون في طعامهم على موائدهم؟!

 

 

 

‎وكل واحد منهم يأكل وحده - دون ضرورة - في صحن خاص، لا يشاركه فيه - على الأقل - جاره بالجنب، خلافًا للحديث السابق، (664): ((اجتمِعوا على طعامكم، واذكروا اسمَ الله تعالى عليه، يُبارَكْ لكم فيه)).

 

 

 

وكذلك إذا سقطت اللقمة من أحدهم، فإنه يترفَّع عن أن يتناولها ويميط الأذى عنها ويأكلها، وقد يوجد فيهم من المتعالمين والمتفلسفين مَن لا يجيز ذلك، بزعم أنها تلوثت بالجراثيم والميكروبات! ضربًا منه في صدر الحديث؛ إذ يقول صلى الله عليه وسلم: ((فليُمِطْ ما رابه منها وليطعَمْها، ولا يدعها للشيطانِ)).

 

 

 

ثم إنهم لا يلعَقون أصابعهم، بل إن الكثيرين منهم يعتبرون ذلك قلة ذوق، وإخلالًا بآداب الطعام؛ ولذلك اتخذوا في موائدهم مناديلَ من الورق الخفيف النشاف، المعروف بـ: (كلينكس)، فلا يكاد أحدهم يجد شيئًا من الزهومة في أصابعه، بل وعلى شفتيه إلا بادَر إلى مسح ذلك بالمنديل، خلافًا لنص الحديث، وأما لعقُ الصَّحْفة - أي لعق ما عليها من الطعام بالأصابع - فإنهم يستهجنونه غاية الاستهجان، وينسبون فاعله إلى البخل، أو الشراهة في الطعام.

 

 

 

ولا عجَبَ في ذلك مِن الذين لم يسمعوا بهذا الحديث؛ فهم به جاهلون، وإنما العجب مِن الذين يسايرونهم ويداهنونهم، وهم به عالمون، ثم تجدهم جميعًا قد أجمعوا على الشكوى مِن ارتفاع البركة مِن رواتبهم وأرزاقهم، مهما كان موسَّعًا فيها عليهم.

 

 

 

ولا يَدْرون أن السببَ في ذلك إنما هو إعراضُهم عن اتباعِ سنَّة نبيِّهم، وتقليدهم لأعداء دينهم، في أساليب حياتهم ومعاشهم؛ فالسنَّةَ السنة أيها المسلمون؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 24]؛ انتهى كلامه رحمه الله.

 

 

 

وقال حاتم الطائي - المشهور بالكرم - شِعرًا:

أيا ابنةَ عبدِالله، وابنةَ مالكٍ

ويا ابنةَ ذي البُرْدَيْنِ والفرَس الوردِ

إذا ما صنعتِ الزادَ، فالتمِسي له

أكِيلًا؛ فإني لستُ آكِلَه وحدي

أخا طارقًا، أو جارَ بيتٍ، فإنني

أخافُ مذمَّاتِ الأحاديثِ مِن بعدي

وإني لعبدُ الضيفِ ما دام ثاويًا

وما فيَّ إلا تلك مِن شيمةِ العبد

 

انظروا - رعاكم الله - إلى هذا، وكيف يُلقى أكثرُه في القمامة أعزكم الله، ثم لا يجد الفقيرُ - إذا مد يده طالبًا - ما يسُدُّ به رمقه سوى ما ذكره المبتلى في بني إسرائيل: ((الحقوق كثيرة))[3].

 

 

 

هذا، وبالنسبة للملابس فإنها خدعة قديمة نشرها اليهود في فرنسا قبل الثورة الفرنسية (1798 م) بهدف جَعْل الفقراء المساكين يشترون لباس الأغنياء، فيبذلون الغالي والنفيس في سبيله، مع أن الثياب ثياب، وكلها منسوجات من مخلوقات الله؛ قال عز وجل في سورة النحل: ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ﴾ [النحل: 80، 81].

 

 

 

ثم تجد المصانعَ تتفق على لون واحد في وقت واحد يسمُّونه: "موضة Moda "، وهي في كلِّ مجالٍ؛ في السيارات، والأطعمة، والألبسة، والساعات، وهي مِن سخافات العقول؛ فإن منتجًا واحدًا مصدره واحد لا يجوز أن يختلف ثمنُه بين البائعين إلى حدٍّ يفوق المائة مرة، فيكفي أن يكون ارتفاع طفيف بين الأسعار كي يربح تاجر ويخسر آخر، لكن ما يفعله أهل الموضة هو أن يأتوا لمَا يسمونه: "علامة تجارية أو عالمية" Trade Mark فيرفعوا سعره أضعافًا مضاعفة، يعرِف هذا مَن شاهد المنتجات، وبالمثال يتضح المقال:

 

1- كيلو طماطم 10 دولارات، وحبة الطماطم في مطعم ماكدونالدز دولار واحد، مَن يُحسِن الرياضيات فليحسبها!

 

 

 

2- ووجبة الهمبرجر Hamburger تكلف ستة دولارات، ولو اشتريت كيلو برجر مِن الجمعية أو السوق، فهو بستة دولارات أيضًا.

 

3- ساعة كارتير "Cartier" نرويجية الصنع، ثمنها 36,539 $ ستة وثلاثون ألفًا، وخمسمائة وتسعة وثلاثون دولارًا، بينما في الأسواق الشعبية ساعة اليد قيمتها بين ثلاثة دولارات وخمسين دولارًا، وكلاهما يعطي الساعة، وكلاهما لا يدري عنه الناس ما قيمته؛ فاعتبروا يا أولي الأبصار!

 

.

 

4- سيارة تويوتا كورولا 2015 بقيمة خمسة عشر ألف دولار، وسيارة بنتلي 2015 بمائتين وثلاثين ألفًا، يعني ما يزيد على خمسة عشر ضعفًا، وكلاهما سيارة توصل للمراد، ولا يوجد أكثر حسرة مما يعجب الناظرين ولا يشعُرُ به صاحبه مثل السيارة؛ كالاسم الجميل يستعمله الناسُ لا أنت.

 

وفيما ذكرناه كفاية.

 

والتبذير في السفر؛ فهناك قصص حدِّث ولا حرج، وسأذكر بعض ما شاهدته وعرفته، مع ستر الأسماء سترًا على العباد.

 

 

 

1- أخبرني صديقي أن أخته وزوجها سافرا إلى تركيا، فسألتُه: أتجارة؟

 

فقال: لا.

 

فقلت له: علاجٌ أو ماذا؟

 

قال: بل سياحة!

 

فسكتُّ، وتذكرتُ قوله تعالى: ﴿ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ ﴾ [التوبة: 2]؛ الآية، وإنني لأذكر أن زوج أخته هذا كان مكسورًا عليه الإيجار منذ أشهرٍ (غير قادر على دفع الإيجار؛ لقلة ماله)؛ فمِن أين جمع المال للسفر؟

 

 

 

هذا، وإن هذا الشخص تحديدًا عندما تزوَّج لأول مرة ذهب إلى تركيا، ثم أصبحَتْ فرضًا كالحج لمن استطاع إليه سبيلًا، وانبهر الناس بالسفر، فلا يستطيعون تركَه، وفيه مفاسد، منها:

 

1- تضييع الوقت بدون فائدة.

 

2- خسارة مال كان ينبغي حفظه لدراسة أو لعلاجٍ (لا قدر الله)، أو لتصليح سيارة أو ترميم منزلٍ، أو لعوارض الدهر.

 

3- لو احتاج أحدُ أسرته الكريمة، لكان أولى بهذا المال.

 

4- تضييع أموال المسلمين في بلاد لا تُقِيم للدين وزنًا.

 

 

 

2- أخبَرني صديقي الثاني أن أصدقاءه سافروا إلى أوروبا بتأشيرة سياحة شاملة، يسمونها تأشيرة شنغن (Schengen)، وصرف في هذه السفرة اللطيفة خلال أسبوعين ما يساوي ألفَيْ دولارٍ.

 

 

 

3- أناسٌ أفاضلُ نعرفهم، خرَجوا لتركيا أيضًا بعد موسم الحج بقليلٍ، وهذه المرة الرابعة خلال عامين، فيا ترى ما الذي يحمل المسلمين على السفر لهذه الدولة؟

 

 

 

إنه يرجع لأمور، منها:

 

1- الخواء الروحي.

 

2- كثرة المال.

 

3- عدم الإحساس بأهمية ما يملِكون من أموال حُرِم منها الكثيرون.

 

4- ظنهم أن الترويح عن النفس لا يكون سوى بالسفر.

 

5- الغَيرة من الجيران والأقارب الذين يسافرون كل عامٍ.

 

6- وباقي الأسباب عند القراء الكرام.

 

 

 

وقبل هذه، كان تايلاند وماليزيا، ولولا غلاء أميركا وكندا وبريطانيا لذهب الناسُ إليهن، ولكن كلٌّ يمد تذكرته على قدر ماله!

 

والغريب أن بعض هؤلاء قد لا يحُجُّ أبدًا مع فرضية الحج، ولا يعتمر مع سهولة العمرة وتيسُّرها، وقد يكون عَزَبًا بحاجة للزواج، أو دراسة جامعية، فلا يسخو بها.

 

 

 

قال أبو الأسود الدُّؤَلي رحمه الله:

 

العيشُ لا عَيْشَ إلا ما اقتصدتَ فإنْ ♦♦♦ تُسرِفْ وتُبْذِرْ لقِيتَ الضر والعطَبا

 

 

 

وأكثرُ التبذير المذموم هو في حفلات الزفاف، مما جعل الشباب يخافون الإقبال على الزواج؛ فإن الآباء اليوم يرفعون مهور البنات كأنها تجارة، فيطلبون مقدَّمًا ومؤخَّرًا (المهر - الصداق)، مما يُعجِز الشبابَ أصحاب الرواتب الضعيفة؛ فالفقير لا يستطيع، والغني يتكلَّف الكثير.

 

 

 

عن أبي سعيدٍ الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كانت امرأةٌ من بني إسرائيل قصيرة تمشي مع امرأتين طويلتين، فاتخذت رِجْلينِ من خشب، وخاتمًا من ذهب مغلق مطبق، ثم حشته مسكًا - وهو أطيب الطيب - فمرَّتْ بين المرأتين فلم يعرِفوها، فقالت بيدها هكذا)) ونفض شعبةُ يده؛ رواه مسلم: 2252.

 

 

 

وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أولَ ما هلك بنو إسرائيل أن امرأة الفقير كانت تكلِّفه من الثياب أو الصيغ ما تكلف امرأة الغني، فذكر امرأة من بني اسرائيل كانت قصيرة، واتخذت رِجْلينِ من خشب، وخاتمًا له غلق وطبق، وحشته مسكًا، وخرجت بين امرأتين طويلتين أو جَسيمتين، فبعثوا إنسانًا يتبعهم، فعرَف الطويلتين، ولم يعرف صاحبة الرِّجلين من خشب))؛ رواه ابن خزيمة في صحيحه[4].

 

 

 

معاني المفردات.

 

رِجلين من خشب؛ أي: نعلين من الخشب؛ كما جاء في الرواية الأخرى.

 

فقالت بيدها هكذا: يعني حرَّكت يديها لتفوحَ رائحةُ العطر.

 

خاتَمًا له غلق وطبق؛ أي: خاتمًا محكَم الإغلاق وعليه غطاء.

 

جسيمتين: الجسيم: عظيم الجثة.

 

 

 

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اتقوا الدنيا، واتقوا النساءَ؛ فإن أولَ فتنة بني إسرائيل كانت في النساءِ))؛ رواه مسلم: 2742.

 

قال الدكتور حامد أنور: "إن ما يترددُ عن حجاب المرأة إنما يردده ببغاواتٌ لا يفهمون، سفهاءُ لا يعرفون، فلا تحسَب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون، بل هم كالأنعام، بل هم أضل؛ فمعظمُ النساء في إفريقيا غيرُ محجَّبات، ولم نسمَعْ أن قطارَ التنمية قد زارهم!

 

 

 

والنساءُ في الأرجنتين والبرازيل وشيلي وبيرو غيرُ محجَّبات، فهل انضمَّتْ تلك الدول لمصافِّ الدول المتقدمة؟! ولكنه الجهل حين يتحول إلى هواء يتنفَّسُه أولئك الحمقى، والحماقةُ أعيَتْ مَن يداويها.

 

 

 

إن المرأة في منظومة القيم العلمانية تحوَّلت إلى سلعة تباع، إلى وسيلة إعلانية تسوِّق البضائع، يريدونها "فاترينة" في سوبر ماركت، يشاهدها الجميع مشاعًا متاعًا لا تمتنع عن أحد.

 

 

 

إن العلمانية تنتهك جسد المرأة بشكل ليس له مثيلٌ في تاريخ البشر، لقد وعَد شيطانُ العلمانية المرأة بحياةٍ برَّاقة، بدنيا زاهية تتلألأ، تلمع أمام عينها، ترسم لها حياةً خاليةً، تتراقص أمامها، تغريها بأسلوب معيشة، يناديها من بعيد، ولكنه نداءُ الهلاك، ولمعان السراب، تُهروِل نحوه، وتسرع إليه، حتى إذا جاءته لم تجده شيئًا، ولكن تجد الاكتئاب والحزن والوحدة".

 

 

 

قلت: لهذا ترى التبرُّج بلغ بالنساء مبلغًا عظيمًا، حتى إنك ترى الأم محجبة مستورة لا يرى منها شيء، ومعها ابنتها - أطول منها - شبه عارية، شعرها بارز، وخصرها وساقاها، ومتعطرة لنفسها لا للرجال! فإن الشيطانَ يسوِّل لهؤلاء الحمقى الجواب عن أفعالهن، وهن يحسبن بذلك أنهنَّ يُحْسِنَّ صنعًا.

 

 

 

وهؤلاء النساء العاريات، يتزوجن بأمثالهن من الرجال المرد، بل قل: الملط؛ لكونهم يحلقون شواربهم ولحاهم نظافةً - زعموا - وما دروا أنهم بذلك ارتكبوا أربعَ مخالفات شرعية:

 

الأولى: حلق اللحى، وقد أمَر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطالتها؛ فقد قال: ((أوفروا اللحى))، وفي رواية: ((أرخوا))، وفي رواية: ((أعفوا))، وكلها بمعنى التكثير.

 

والثانية: التشبه بالنساء؛ فإن المرأةَ لا شعر في وجهها سوى الحواجب.

 

والثالثة: التشبُّه بالمشركين.

 

والرابعة: تغيير خَلْق الله.

 

 

 

والتعليل الذي وردَتْ به النصوص في الأمر بإعفاء اللحى هو مخالفةُ المشركين، وكونه مِن سنن الأنبياء؛ فعن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خالفوا المشركين؛ وفِّروا اللِّحى، وأحفوا الشوارب))؛ متفق عليه.

 

وعن أبي هريرة، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((جزُّوا الشوارب، وأرخوا اللحى؛ خالِفوا المجوس))؛ أخرجه مسلم.

 

وقال الألباني في السلسلة الصحيحة (2834) عن ابن عمر قال: ذُكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم المجوسُ، فقال: ((إنهم يُوفِّرون سِبالهم، ويحلقون لحاهم؛ فخالفوهم))، فكان ابن عمر يجُزُّ سباله كما تجز الشاة أو البعير.

 

 

 

صحيح ابن حبان (5476) القاسم قال: سمعت أبا أمامة يقول: خرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على مشيخةٍ من الأنصار، بيضٍ لحاهم، فقال: ((يا معشرَ الأنصار، حمِّروا وصفِّروا، وخالِفوا أهل الكتاب))، قال: فقلنا: يا رسول الله، إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تسروَلوا، وائتَزِروا، وخالفوا أهل الكتاب))، قال: فقلنا: يا رسول الله، إن أهل الكتاب يتخفَّفون ولا ينتعلون، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فتخفَّفوا وانتعلوا، وخالفوا أهل الكتاب))، قال فقلنا: يا رسول الله، إن أهل الكتاب يقصُّون عثانينهم، ويوفِّرون سبالهم، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قصوا سبالكم، ووفِّروا عثانينكم، وخالفوا أهل الكتاب)).

 

مسند أحمد (21780).

 

حسنه الألباني في جلباب المرأة (185).

 

 

 

فلكل ساقطة لاقطة؛ فلا تظننَّ المحجباتُ الفاضلات أن الزواج يتأخر لهذا السبب؛ فإن الرجل الصالح الذي يخشى الله ويرجو اليوم الآخر عندما يريد الزواج فلن يأخذ إلا مستورة لا يعرفها سوى أهلها، وليس مَن تعرفت على مدرسة الشباب، وزملاء الجامعة، وشباب الحارة، والله الموفق.

 

كانت هذه خلاصةً صغيرة مقتطفة عن التبذير، وتطرقنا في آخرها للتبرج؛ فهو حديث كل يومٍ.

 

وصلَّى اللهُ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم.

 

 

 

[1] رواه البخاري (1407)، ومسلم (593).

 

[2] 3746 ، وعن خَوْلة الأنصارية رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن رجالًا يتخوَّضون في مال الله بغير حق، فلهم النارُ يوم القيامة))؛ رواه البخاري.

 

[3] طرَف مِن حديث صحيح أخرجه الشيخان، ولفظ مسلمٍ لعلها: أتمُّ، وفيه: (عن أبي هريرة حدثه: أنه سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: إن ثلاثةً في بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى، فأراد الله أن يبتليهم، فبعَث إليهم ملَكًا، فأتى الأبرصَ فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لونٌ حسَن، وجِلد حسن، ويذهب عني الذي قد قذِرني الناس، قال: فمسحه، فذهب عنه قذره، وأعطيَ لونًا حسنًا وجِلدًا حسنًا، قال: فأي المال أحبُّ إليك؟ قال: الإبل، أو قال: البقر - شك إسحقُ - إلا أن الأبرص أو الأقرع قال أحدهما: الإبل، وقال الآخر: البقر، قال فأعطيَ ناقةً عُشَراء، فقال: بارك الله لك فيها، قال: فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك، قال: شَعر حسَن، ويذهب عني هذا الذي قد قذِرني الناس، قال: فمسحه، فذهب عنه، وأعطي شَعرًا حسنًا، قال: فأيُّ المال أحب إليك؟ قال: البقر، فأعطي بقرةً حاملًا، فقال: بارك الله لك فيها، قال: فأتى الأعمى فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال أن يردَّ الله إليَّ بصري، فأبصر به الناس، قال: فمسحه، فردَّ الله إليه بصره، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغَنم، فأعطيَ شاة والدًا، فأنتج هذان، وولَّد هذا، قال: فكان لهذا وادٍ من الإبل، ولهذا وادٍ من البقر، ولهذا وادٍ من الغَنم، قال: ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين قد انقطعت بي الحبالُ في سفري، فلا بلاغَ لي اليوم إلا بالله، ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللونَ الحسن، والجلد الحسن والمال: بعيرًا أتبلَّغ عليه في سفري، فقال: الحقوق كثيرة، فقال له: كأني أعرفك، ألم تكن أبرصَ يقذَرك الناس، فقيرًا فأعطاك الله، فقال: إنما ورِثتُ هذا المال كابرًا عن كابر، فقال: إن كنتَ كاذبًا فصيرَّك الله إلى ما كنتَ، قال: وأتى الأقرعَ في صورته، فقال له مثل ما قال لهذا، وردَّ عليه مثل ما رد على هذا، فقال: إن كنت كاذبًا فصيَّرك الله إلى ما كنت، قال: وأتى الأعمى في صورتِه وهيئته، فقال: رجلٌ مسكين، وابن سبيل، انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله، ثم بك، أسألك بالذي رد عليك بصرك: شاةً أتبلغ بها في سفري، فقال: قد كنتُ أعمى، فردَّ الله إليَّ بصري؛ فخُذْ ما شئت، ودَعْ ما شئت؛ فوالله لا أجهَدُك اليوم شيئًا أخذتَه لله، فقال: أمسِكْ مالك؛ فإنما ابتُليتم؛ فقد رُضِيَ عنك، وسُخِط على صاحبيك).

 

[4] أخرجه ابن خزيمة في "التوحيد"؛ السلسلة الصحيحة للألباني 591.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات